من أمثال القرآن (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ)
قال تعالى
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)
[الفرقان: 44]
قال ابن القيم رحمه الله: فشبه أكثر الناس بالأنعام والجامع بين النوعين التساوي في عدم قبول الهدى والانقياد له وجعل الأكثرين أضل سبيلا من الأنعام لأن البهيمة يهديها سائقها فتهتدي وتتبع الطريق فلا تحيد عنها يمينا ولا شمالا والأكثرون يدعوهم الرسل ويهدونهم السبيل فلا يستجيبون ولا يهتدون ولا يفرقون بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم والأنعام تفرق بين ما يضرها من النبات والطريق فتتجنبه وما ينفعها فتؤثره والله تعالى لم يخلق للأنعام قلوبا تعقل بها ولا ألسنة تنطق بها وأعطى ذلك لهؤلاء ثم لم ينتفعوا بما جعل لهم من العقول والقلوب والألسنة والأسماع والأبصار فهم أضل من البهائم فإن من لا يهتدي إلى الرشد وإلى الطريق مع الدليل إليه أضل وأسوأ حالا ممن لا يهتدي حيث لا دليل معه[1].
وقال أيضا الحواس الخمس لها أشباح وأرواح وأرواحها حظ القلب ونصيبه منها.
ومن الناس: من ليس لقلبه منها نصيب, إلا كنصيب الحيوانات البهيمية منها, فهو بمنزلتها وبينه وبينها أول درجة الإنسانية, ولهذا شبه الله سبحانه أولئك بالأنعام, بل جعلهم أضل قال تعالى
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)
[الفرقان: 44]
ولهذا نفى الله عن الكفار السمع, والبصر, والعقول؛ إما لعدم انتفاعهم بها, فنزلت منزلة المعدوم, وإما لأن النفي توجه إلى أسماع قلوبهم, وأبصارها, وإدراكها, ولهذا يظهر لهم ذلك عند انكشاف حقائق الأمور, كقول أصحاب السعير
(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
[الملك: 10]
ومنه في أحد التأويلين لقوله تعالى
(وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)
[الأعراف: 198]
فإنهم كانوا ينظرون إلى صورة النبي بالحواس الظاهرة, ولا يبصرون صورة نبوته, ومعناها بالحاسة الباطنة, التي هي بصر القلب. والقول الثاني: أن الضمير عائد على الأصنام. ثم فيه قولان أحدهما: أنه على التشبيه أي كأنهم ينظرون إليك ولا أبصار لهم يرونك بها.
والثاني: المراد به المقابلة تقول العرب: داري تنظر دارك, أي تقابلها, وكذلك السمع ثابت لهم, وبه قامت الحجة عليهم, ومنتف عنهم, وهو سمع القلب فإنهم كانوا يسمعون القرآن من حيث السمع الحسي المشترك, كالغنم التي لا تسمع إلا نعيق الراعي بها دعاء, ونداء, ولم يسمعوه, بالروح الحقيقي, الذي هو روح حاسة السمع, التي هي حظ القلب فلو سمعوه من هذه الجهة: لحصلت لهم الحياة الطيبة التي منشؤها من السماع المتصل أثره بالقلب ولزال عنهم الصمم والبكم ولأنقذوا نفوسهم من السعير بمفارقة من عدم السمع والعقل.[2]
وقال أيضا: لم يقتصر سبحانه على تشبيه الجهال بالإنعام , حتى جعلهم اضل سبيلا منهم, وقال
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)
[الأنفال: 22]
أخبر أن الجهال شر الدواب عنده على اختلاف اصنافها من الحمير والسباع والكلاب والحشرات وسائر الدواب فالجهال شر منهم وليس علي دين الرسل اضر من الجهال بل اعداؤهم على الحقيقة.[3]
________________________________
[1] إعلام الموقعين (1/195)
[2] مدارج السالكين (2/410) دار الكتاب العربي بيروت.
[3] مفتاح دار السعادة (1/75)
المصدر / موقع العقيدة والحياة