5. هذا، علاوةً على تواجُد مَن لا يميِّز بين اللّسانيات التطبيقيّة وتعليميّة اللّغات، لكن هذا ليس من باب الخلط العشوائي بقدر ما هو اختيار مذهبيّ، هذا ما يصرِّح به هذا المقتبس:
« لِماذا لا نتحدّث نحن أيضًا عن تَعليميّة اللُّغات (Didactique des langues) بَدلاً مِن اللِّسانيّات التّطبيقيّة (Linguistique appliquée) فهذا العملُ سيُزيلُ كثيرًا مِن الغُموض واللّبس ويُعطي لِتعليميّة اللُّغات المَكانةَ الّتي تَستحِقُّها » .
3.2.2 تطبيقات اللّسانيات التعليمية:
تتحدّ اللّسانياتُ التعليمية بالنظر أيضًا إلى ميدان تطبيقاتها وعملياتها واحترافها، وباعتبارها أوّلاً وقبل كلِّ شيء لسانيات لكن لم تُكمِل مشوارَها ـ حسب شقٍّ مِن تحديد ج. إ. لوبري لثنائيّة (النّظريّ والتطبيقي) ـ وهو ميدانٌ يوفّر لها مناخًا من تبادل التأثير والتأثّر بينها وبين غيرها من الفروع المعرفيّة، ويجعل في طريقها هامشًا للتجريب؛ تترامى أطرافُ ذلك الميدان ليشمل ثلاث مجموعات تُصنَّف حسب المعطيات التي تقتبسها منها اللّسانيات التعليميّة:
1.3.2.2 المجموعة الأولى:
يمتدّ حيّزُ هذه المجموعة ليغطّي علوم اللّغة ـ بكلّ ما تفيده صيغة الجمع والإضافة (المركَّب الإضافي) من الشمولية والدقّة المخصِّصة في آن واحِد ـ، واللّسانيات النفسيّة واللّسانيات الاجتماعيّة، وعلم النفس التربويّ، وإن ابتعد أكثر فبما يتماشى وبُعد هذه الأخيرة المعاصر، أي بتقدير تواجدها وتعاصرها وتوافقها في نسَق معرفيّ يولي اهتمامًا معتبَرًا لكونها من العلوم الإنسانيّة في المقام الأوّل لكنّها تستنجد في أبحاثها النظريّة والميدانيّة معًا بالتجريب والمقاييس العلميّة التي لا يمنع اقتراضها من الرياضيات والإحصائيات وعلم الأحياء وعلم وظائف الأعضاء، وهي التي تعدّ من جنس العلوم الدّقيقة والعلوم الطبيعيّة .
1. بالنّسبة لما يصدُر عن المعارِف اللّسانيّة المحضة يمكن أن يُنزَل منزلة:
إمّا المفاهيم ذات الطّابع العام، أي كلّ ما يتّصل بنظريات اللّسان واللّغات، وكلّ ما له صلة بمناهج الوصف اللّساني، وجميع النظريات والتقنيات التي تحدِّد المدوّنات اللّغويّة والتي تقترحها بياناتٌ منجزة عن كيفيّة عمل اللّغات واشتغالها. بهذا وحده يتسنّى معه وضع نماذج وأنماط جديدة من اللّغة وإتاحة أنواعٍ مختلفة من الأنحاء ومتون اللّغة، مع العلم أنّ هذه الأخيرة قد تُسخَّر ـ بل وفي الغالِب ـ في سبيل التعليم المغرِض.
أو مفاهيم ذات طابع خاصّ، مثل مشكلات الازدواج اللّغويّ، ودراسة الاختلافات القائمة بين لغة الأمّ واللّغة الثانية، والتقابلات والتداخلات اللّسانية المبنية على مقارنات تُجرى على اللّغات.
أو مفاهيم مستمدّة من الأعمال التأصيليّة الرامية إلى إحياء التراث من كتب القدماء ورسائلهم، وإعادة النّظر فيه، كما عهدناه عند بعض الدارسين سواء عند الغربيّين أم لدى الباحثين العرب ، إذ يُشيدون بفضل النحو مثلاً وكذا فقه اللّغة وعلم متن اللّغة والبلاغة ..الخ، ويحثّون البحث اللّسانيّ إلى أن يذكر أصله وألاّ ينكر فَصلَه، وألاّ يتنكّر لمكتسبات هذه الأخيرة، ومن المفترَض أن يُشرِف على مثل هذه الأبحاث علماء راسِخون في علمهم بإمكانهم اختبار حلقات البحث المتواصلة في اللّغة. فتعليميّة اللّغات تجد في هذا النوع من الدراسات تأمّلات في اللّغة هي لخير تعليمها.
الإحياء هنا يخصّ ما لفتنا الانتباه إليه، أمّا إعادة النّظر فقد ارتكزت على دعوات تيسير النحو وتسجيل مآخذ منسوبة إلى الكتابة العربيّة (الرسم بالحرف) وصراع الفصحى والعاميات العربيّة ، « ويمكن أن نُجمِل هذه الاتّجاهات [ الإحيائيّة والنقديّة عند العرب ] في تياراتٍ ثلاثة واضحة صاحبت تقديم النظريّة الحديثة وهي:
الوصفيّة ونقد التراث اللّغويّ العربيّ.
التحليل البنيويّ للّغة.
تطبيق النظريّة اللّغويّة الحديثة على اللّغة العربيّة » .
2. بالنسبة لما يرجع إلى معطياتٍ نفسيّة وما هو مِن جنس اللّسانيات الاجتماعية ومِن صميم علم النفس التربويّ، فيتعلّق الأمرُ بما توصّلت إليه الدراساتُ النظريّة ممّا يمسّ تعلّم / تعليم اللّغات الثانية، إمّا في سبيل تشخيص معالمه وتعريفه مقارنةً بواقع تعلّم / تعليم لغة الأمّ وبالتركيز على المشابهات أو بالعكس من ذلك لتمييزه عنه؛ إضافةً إلى الآليات المشغَّلة في عمليات الإكساب والتعليم، وكذلك مختلف التحفيزات والإغراءات وعوامل المذاكرة والاستظهار والخلوص إلى إبداعيّة لغويّة نشِطة.
تجمع هذه الخانة كلّ ما يتعلّق بالمقاربات التربويّة الخاصّة بالفعل التربويّ. يحسُن ههنا تمييز العناصر المنهجيّة بكلّ صراحة ودقّة، وهي التي يرجع إليها فضلُ السيادة في تحضير الوسائل التعليميّة، وتقنيات تسخير هذه الأخيرة مِن قِبل المعلّمين، وضبط أوجه تنفيذ الفعل التربويّ.
إنّ ما يتقدّم على كلِّ فعلٍ تربويٍّ هو وضع مبادئ منهجيّة يقوم عليها تصوّر الوسائل التعليميّة واختيارها. بتعبير آخر تُحدَّد الوسائل بتعريف الأهداف التربويّة: يتوقّف الأمرُ بصورة عامّة بتعيين النمط اللّغويّ الذي يُراد تعليمه.
2.3.2.2 المجموعة الثانية:
تُلحَق بهذه المجموعة الجوانبُ التي تتقدّم بها كلُّ الاختصاصات اللّسانية الفرعيّة التي كمُلت نظراتُها واستُحكِمت منازلها، والتي سيكتشفُ المتأمِّل فيها أنّها قريبةٌ جدّا من ميدان تعليميّة اللّغات بحكم انشغالاتها التي تُباشِر الكلامَ ومظاهِرَ اتّساقه وانسجامه والتي تتناول تأثيراتِه المتنوِّعةَ أبعادُه، مِن:
• الأسلوبيّة التي تُزيح السّتارَ عن مظاهِر الأسلوب الخفيّة وتمظهراته، وتبيح أقوالاً مثل الإقرار بجرأة أنّ ” الشعر اختراقٌ لنمطيّة اللّغة “،
• وتحليل الخطاب الذي يشمل الخطابَ التربويّ ويضع الإصبعَ على تجلّيات السياقات والمقامات اللّغويّة،
• واللّسانيات النّصيّة التي تمارس نظرة خاصّة على أحوال الإحالات،
• إلى الشعريّة التي يهمّها أمرُ اللّغة قبل الشّاعر؛
• ولا يُستبعَد من مجال هذه المجموعة ما ينكبّ عليه المعجميّون والمتخصِّصون في علم مَتن اللّغة من تجميع معلومات تتعلّق بالمدخلات المحتجَزة في المعاجم، فيُطلِعون العاملين في تعليميّة اللّغات على تقنياتٍ عمليّة غاية في الأهميّة، كطرق الشرح الأساسيّة، بالتعريف وصعوباته، وتحديد المكوِّنات الدلاليّة، بذكر سياقات الكلمة، بذكر المرادف أو المضاد؛ وطرق الشرح المساعدة، كاستخدام الأمثلة التوضيحيّة، والتعريف الاشتماليّ، والتعريف الظاهريّ، والصور والرسوم، وبيان النطق والهجاء، والتأصيل الاشتقاقيّ، والمعلومات الصرفيّة والنحويّة، ومعلومات الاستعمال، والمعلومات الموسوعيّة .
• هذا كلُّه، وقد تمتدّ معالمُ التّطبيق إلى ما يتّصل بقضايا المنهج، وهذا على غرار علم متن اللّغة الذي أخذت دائرةُ اختصاصه تتوسّع كلّما روعي المحيطُ الّذي تتجلّى فيه تلك الشّواهد وذلك من غير أن تتأثّر مادّتُه بتلك الاختصاصات المعنية بمستوى من مستويات ذلك المحيط .
وهذا إذا اكتفينا بذكر ما أنتجتها اللّسانيات في مزاوجتها مع الأبحاث التطبيقيّة، لا سيّما تلك التي تنشُد التنوّع في اعتماد المدوّنات: كالأمثال الشعبيّة، ودراسة قصيدة أسلوبيًّا، تحليل خطاب رئيس جمهوريّة، النظر في نصِّ أغنية من المنظور التداولي ..الخ. وللعامِلين في ميدان تعليميّة اللّغات حريّةُ التعامُل معها تعامُلاً صميميًّا أم جانبيًّا، المهمّ ألاّ تتردّد في القيام بعملٍ استكشافيٍّ يتنزّه عن التماس متفرِّقات يؤتى بها من هنا وهناك.
وقد مهّدت لمثل هذا النوع من الدراسات مؤلّفاتٌ كانت تبدو في أوائل عهدها طفرة أو حلقة ضعف في سلسلة أمّهات الكتب التي سبقتها وألّفها روّادٌ ـ أخذت المدارِس اللّسانية التي ظهرت لاحِقًا تنسَب إليهم ـ في ميدان اللّسانيات العامّة في بداياتها مثل: محاضرات.. (دي سوسير)، اللّغة (بلوفيلد)، اللّغة (سابير) ..الخ، وهي التي أعقبت هذه الأخيرة على استحياء وجاءت على منوال سوابقها هي الأخرى، مثل: قضايا اللّسانيات العامّة (بنفنيست) الذي « اهتمّ بالمفاهيم الّتي جاء بها دي سوسير حيث تعرّض إلى أغلبها في كتابه مفسِّرا وناقدا، ومن القضايا الّتي استقطبت اهتمامه العلامة ومفهومها كما يتصوّره دي سوسير » . ومقالات في اللّسانيات العامّة (ياكوسون) .
3.2 اللّسانيات التعليميّة واللّسانيات النفسيّة:
مِن نافلة القول إنّ بين اللّسانيات التّعليميّة وعلم النفس علاقة وطيدة، لكن بالأحرى أن نتحدّث عن اللّسانيات النفسيّة نظرًا لمقامها الواضح ودنوّها من اللّسانيات التّعليميّة، ثمّ إذا أردنا التّدقيقَ أكثر فعلم النفس المعني هنا هو (علم النفس التربويّ) الذي « يطبِّق مبادئ علم النفس وقوانينه على ميدان التربية والتعليم لحلّ ما يقوم في هذا الميدان من مشكلاتٍ وصعوباتٍ كضعف التلاميذ في تعلّم اللّغات، أو في تدريس القراءة لمبتدئين بالطريقة الكليّة أو الجمع بين الجنسين في مرحلة الدراسة الثانوية أو تدريس العلوم على صورة علوم عامّة. كما يطبِّق مبادئ عمليّة التعلّم وقوانينها على تدريس المواد المختلِفة كالحساب والرسم والقراءة واللّغة .. وعلم النفس التربويّ بمفهومه الحديث لا يقتصِر على أن يستعير من علم النفس النظريّ ما يصل إليه من نتائج ومبادئ تُفيده في حلّ مشكلات التربية والتعليم، بل يصوغ بنفسه ولنفسه مبادئ سيكولوجية يحتاج إليها في هذه المشكِلات » . كما يعتني هذا الفرع بتزويد المعلِّم بما يحتاج إليه من المبادئ والأسس والنظريات لتفسير عملية التعلم والتحكم فيها .
وإذا أردنا الاقتراب أكثر من علم النفس على ضوء علاقته باللّسانيات التعليميّة فيجب علينا ذكرُ فرعٍ آخر من فروعه ألا وهو علم نفس الطّفل والمراهِق الذي « تساعد نظرياتُه المعلِّمين على التعرّف على الشروط والعوامل الأساسيّة لحدوث عمليّة اكتساب اللّغة وامتلاك أسسها ومبادئها؛ والتي يُمكِن استغلالُها في تحسين الفعل التربويّ النشِط وتطويره في كلِّ اتّجاهاته » .
ويتّجِه الباحِثون اليومَ في دِراسةِ الطفولة اتّجاهاتٍ متعدِّدة تبعًا للإطار المرجعيّ، ويمكِن القولُ عن تلك الدّراسات إنّها ذات جانبيْن: أوّلهما نفسيّ يتعلّق بالأطفالِ أنفسهم، والثّاني يتعلّق بالمجتمع ومنظوماته ومنظّماته، ومؤسّساته المتنوِّعة: كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والثّقافة، لذا فإنّ تلك الدراساتِ تحاوِل التعرّف على أسس نموّ الأطفال وأساليب المجتمع في إنمائهم والطرق التي يتبعها في تثقيفهم، ومضامين التقيف وأنماط العلم الاجتماعيّ الأخرى مع الأطفال .
أما الاختصاص (اللّسانيات النفسيّة) فيتطرَّق إلى مَباحِث شتّى قد لا تدخل مُباشرةً في تحديد ماهيّة اللّغة ووصفها، بل ما يدعو إلى الاهتمام بها ـ لكن في المقام الثّاني ـ هو ذلك النّصيب المشترك بين تلك المباحث وبين هذه الأخيرة، وبالتّطرُّق إلى شيءٍ من خصائصها كالعوامل النفسيّة التي تتدخّل في تشخيص الأخطاء وتحليلها مثلاً، وكذلك العوامل النفسيّة التي لها دخلٌ في أمراض الكلام وكيفيّة علاجها كالحبسة وأنواعها، ومراعاة المعلِّم لحاجات تلاميذه في تسطيره لأهداف درسه، وقضايا تخصّ شخصيّة المتعلِّم لّغة وخصائصها، وما يتدخّل في تلك العملية كالذكاء والذاكرة والإدراك والترسيخ والنسيان والتوازن النفسيّ ..الخ، لهذا قيل إنّه دراسة اللُّغة من أجل معرفة العثرات التي تحول دون تقدّم مسيرة التعلّم وفي سبيل تحسين الأداء التعليمي وتوفير أجواء التحصيل العلميّ والإنذار بأيّ خلل مهدِّد لمسيرة تعليم اللّغة.
والمنهاج هو أحد الوسائل التربويّة التي تعين على نموّ التلاميذ نموًّا يؤهِّلهم للأعباء التي تتطلّبها الحياةُ والتفاعل معها، وكيفما كانت الأهدافُ وكيفما كان المحتوى والطريقة، فإنّ هذا لا يؤدّي إلى شيءٍ ما لم يعتمد على فهم حقيقيّ لخصائص التلميذ وحاجاته وميوله ومشكلاته وكيفيّة تعلّمه، فتقديم أيّ قدرٍ من الخبرات التعليميّة للتلميذ دون دراية بخصائصهوحاجاته إنّما يؤدّي بصورة أو بأخرى إلى الفشل في بلوغ الأهداف التي يسعى إليها المنهاج، ومِن ثمّ فإنّ دراسة طبيعة التلميذ تعدّ أساسًا هامًّا وضروريًّا يفيد متناوِل المنهاج على المستوى التخطيطيّ أو التنفيذيّ .
فاللّسانيات النفسيّة مجال من المجالات التي أثبتت ارتباطها الوثيق بتعليم وتعلّم اللغات، فقد ظهرت نظريات كثيرة ربطت بين العناصر النفسية لمتعلم اللغة من دافعية وميولٍ وخوف وحياء وقلق وفرح ورغبة وبين تحصيل هذا الدارس من اللغة.
« كلّ ذلك وغيره من المشكلات اللّغويّة والنّفسيّة أدّت إلى حتميّة اللّقاء بين علماء اللّغة وعلم النّفس لحلّ تلك المشكلات، وترى جودث جرين Judith Green أنّ علماء النّفس الّذين درسوا اللّغة قد تأثّروا بمؤثّريْن هما: نظريّة المعلومات Information theory ونظريّة التّعلّم Learn theory. أمّا نظريّة المعلومات فهي تبحث في عمليّة الاتّصال عامّة والاتّصال اللّغويّ بخاصّة، وهي تنطلق من حقيقة أنّ اللّغة تتطلّب من مستخدميها دراية وخبرة تمكّنهم من تتبّع أيّ جانب من جوانب الرّسالة الكلاميّة، أي معرفة الاحتمالات المتتابعة لجميع مستويات اللّغة. ويتطلّب إنتاج الرّسالة الكلاميّة استخدام نظام رمزيّ Code أو شفريّ يقوم أساسا على انتقال من المرسِل Sender إلى المستقبِل Receiver حيث يتوقّف إدراك الرّسالة على مدى معرفة المستقبِل لهذا النّظام الرّمزيّ الّذي يستخدمه المرسِل، ويهتمّ عالِم اللّغة بهذا النّظام عن طريق دراسة طبيعة الوحدات المكوِّنة له وتحديدها.
أمّا عالِم النّفس فيهتمّ بالعمليّات الّتي تحدث لدى المستقبِل حين يستقبل الرّسالة أي بعمليّات النّظام الرّمزيّ وإدراك الرّسالة » .
إنّ علاقة علم النفس العام ـ وكذا فروعه التي أشرنا إليها لحدّ الآن ـ باللّسانيات التعليميّة ذات أبعاد جمّة؛ وإذا أَنْعمنا النظرَ في الخيوط التي تَنسُج هذه العلاقةَ، فمهما كانت طفيفة ودقيقة نلمسها أيضًا فيما يسلكه بعضُ الباحثين عندما يجدون أنفسهم مضطرِّين إلى تجديد رؤاهم الملقاة على الدّرس اللّغويّ، أو على نقطة من نقطه. هذا ما يسود الدراسات التي تقوِّض الحدودَ التي أقيمت بين النحو والبلاغة على سبيل المثال، فيلجأ أصحابُ هذه الدراسات المرتكِزة على نقل الاستعارة والتشبيه من الافتراضات الجماليّة إلى اعتبارهما ” عمليّة معرفيّة “ تقوم بدور الوسيط بين الذهن والثقافة؛ وذلك بالتأليف بين المجالين وغيرهما من الفروع اللّسانيّة التي ينصبّ جزءٌ من اهتمامها على تلكم الظواهر المرتبطة بقطبيْ الرّحى (الذهن والثقافة) اللّذيْن لا تنغلق دونهما أبواب اللّسانيات التعليمية؛ ولا ينجح أولئك الدارسون في عمليّتهم التركيبيّة تلك إلاّ إذا أجروا أبحاثَهم على ضوء نظريّة تابعة لفرعٍ من فروع علم النفس؛ مثل العلم المعرفيّ أو علم النفس المعرفيّ (Cognitive psychologie)، الذي تجدر الإشارة إلى أنّه « علمٌ معاصِرٌ يبحث في إشكالاتٍ قديمة بتصوّراتٍ ووسائل حديثة. إنّه علمٌ يبحث في كيفيّة امتِلاك الذهن البشري للمعرفة، وكيفيّة تطويرها، ويبحث في علاقة المحيط بالاكتساب، وفي كيفيّة احتفاظ الذاكِرة بالمعلومة واستعمالها عندَ الحاجة، إلى غير ذلك من المباحِث الذهنيّة. إلاّ أنّ العلم المعرفيّ شاسِعٌ وكثير المنافذ والمجالات » .
وأحيانًا يتّخِذ علم النفس مواقِفَ وقائيّة وتقوم الجهاتُ الرسميّة بوضع برامج تربويّة ومناهج تعليميّة تراعي فيها التوجيهات التي يوصي بها علم النفس بالتنسيق مع تعليميّة اللّغات، وتتصدّى اللّسانيات النفسيّة في رحاب هذا التوجّه لأساسيات اللّغة وأهميّة تعليمها، كما تتعرّض لمكانة اللّسان كظاهرة طبيعيّة بالنسبة للمَعوقين ذهنيًّا، وتُسهِم في تخفيض نسب المصابين بالعاهات العقليّة كالتخلّف الذهني وتشريح دورها في إزالة العقبات التي تحول دون النموّ الذهنيّ ؛ فالاكتشافات التي تيسِّرها هذه الزاوية الوقائيّة ” العلاجيّة “ خليقة بأن تُفيد العاملين في تعليم اللّغات ومراعاة تواجد تلك الشّريحة الاجتماعيّة ضمن النسيج الاجتماعي لدفع خطر تهميشها. ونظرًا لجسامة هذه المهمّة بات من الضّرورة بمكان أن يحدث تكاتف الجهود التي يُتوقَّع أن تُبذَل على أصعِدة مختلِفة بما فيها اللّسانيات التعليميّة.
لكن مهما جسّمنا تلك العلاقة الكائنة بين علم النفس واللّسانيات سيّما في بؤرة اللّسانيات التعليميّة فتجدر الإشارة إلى أنّه غالبا ما تمّت في علم النّفس دراسة اللّسان من غير استدعاء أحداث اللّغة الملموسة، وأكثر من ذلك يُلفى الأمرُ يقع أيضا دون أن يسمح تكوينٌ لسانيٌّ باستدعاء مصطلحيّة لسانيّة. في الحين قد تذوب اللّسانيات النفسية في تخمينات في حال إذا ما غُيّبَت تلك الأحداث اللّغويّة الملموسة ورُفضت يدُ المساعدة الّتي تقدّمها. كما يحتمل الأمرُ إيعاز اللّسان إلى الفكر وليس إلاّ، ممّا يؤدّي إلى عدم التّمييز بين الأقسام اللّغويّة والأقسام المفهوميّة، الخ.
وشهدت ساحة اللّسانيات النفسية أيضا وعموما إلى غاية حوالي الخمسينيّات اكتساحا من قبل منهج التّحليل التّخمينيّ الانطباعيّ، الّذي يدنو إلى فلسفة اللّغة أكثر ممّا هو بحث تجريبيّ ودقيق في أحداث اللّغة الملموسة. هذا ما شكّل واحدا من مصادر المقاومة ـ بما أنّها مبرَّرة شيئا ما ـ وهي الّتي اعتدّ بها اللّسانيّون في وجه نفوذ النّفسانيّة (المعتبرة تدخّل الاطباعيّين غير المُباح) إلى اللّسانيّات.
فكما رأينا في آخر ما وصل إليه العنصر السابق (3.2)، قد تواجد، من جهة أخرى، لسانيّون سواء من جانب اللّسانيّات التّقليديّة أم من جانب اللّسانيّات البنويّة مَن أوصى بضرورة النّظر إلى اللّغة ـ ودراستها ـ بوصفها ظاهرة مجرّدة، واقعة خارج العوارض الفرديّة أو الاجتماعيّة (هذا التّبيّن صحيح كذلك في الأحوال الّتي سطِّر فيها بشكل صريح تحت ضرورة إرجاع الظّاهرة اللّسانيّة إلى السّياق الاجتماعيّ، التّاريخيّ، الخ.). عادة ما فُضّل ـ ولا يزال الأمر قائما ـ تحليل اللّغة في هيئتها المبلوَرة عبر أشكالها المكتوبة، إذ تتأسّس المعاجم مثلا وبصورة شبه دائمة على الجذاذات المستخلَصة من النّصوص المكتوبة، سنجد لهذا الأمر صدًى في تعليم الإملاء، الشيء الذي أسفر عن طريقة في تعليم اللّغة الثانية (اللّغة الأجنبيّة) صعُب توظيفها في تعليم اللّغة الأولى (لغة الأمّ) . وأصبح العمل بناء على ” المقتطفات “ من التّقليد السّاري المفعول: تُحلِّل الصّوتيّات التّجربيّة التّقليديّة الأصوات المعزولة، ويتمّ إجراء النّحاة في الغالب على مستوى المركَّبات أو الجمل (وكذلك الأمر بالنّسبة ” اللّسانيّات النّصيّة “ الّتي تستعين ” بالنّصوص “) الكلّ منفصل عن السّياق، الخ .
ومن جهة أخرى لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أنّ نظرة علم النفس إلى اللّغة قد تكون مغايرة تمامًا عن معالجة اللّسانيات لهذه الأخيرة، فعلم النفس يكاد يتشرّد في بحثه ليثبت أنّ اللّغة تحرّر الطّفلّ مثلاً، وهو لا يتوانى في تزويد الفرد بوصفات طبيّة (عيادية) تُدخله عبر اللّغة في صلاتٍ اجتماعيّة وفي فسحة آمالٍ علاجيّة؛ لا ننسى أيضًا أنّ علم النفس يحرص على سبل تعزيز التّواصل بين أفراد المجتمع ويرى في اللّغة الحلّ الأمكن إن لم تقل الأنجع، فالمهمّ أن نعرف المزيد عن هذه اللّغة في ظلّ علم النفس. لهذا كلّه لا بدّ أن تتميّز اللّسانيات التعليميّة وألاّ تتسرّع إلى اقتباس النظريات من علم النفس لغرض ملء الفراغ فحسب، كما يبدو أنّ البعضَ يلجأ إليه ولا يلقي بالاً لما يشوب مادّته العلميّة التي يطرقها في رحاب اللّسانيات التعليميّة من شوائب لا تمتّ إليها ولو بصلة واحدة.
4.2 اللّسانيات التعليميّة واللّسانيات الاجتماعيّة:
تتربّع اللّسانيات الاجتماعيّة في ميدانٍ تقتسمه مع اللّسانيات الإثنية وعلم الاجتماع والجغرافيا وعلم اللّهجات واللّسانيات، فهي قسيم هذه الأخيرة؛ تنهض اللّسانيات الاجتماعيّة بمهمّة تجلية التنوّعات التي تكتنف الواقعة اللّغويّة إثر اختلاطها بعوامل اجتماعيّة، وتلتمس بإلحاحٍ العلاقات الكائنة بين هذه الأخيرة وبين تلك الواقعة اللّغويّة المتنوِّعة مظاهرُها .
تولي اللّسانياتُ الاجتماعية اعتبارًا للمعطيات الاجتماعيّة التي تلتصق بالمتكلِّمين (الأصل الإثني، المهنة، مستوى المعيشة، السنّ، الجنس ..الخ) وتتبيّن من خلال هذه المعطيات نوع الأداء اللّغويّ الذي ينزع إليه ذلك المرسِل أو يُجبَر آخرٌ على توظيفه. كما نجده يولي اهتمامًا كبيرًا وخاصًا لاكتساب الملكة اللغوية الاجتماعية (Compétence sociolinguistique) وكيفيات نقلها جيلاً بعد جيل باعتبارها تؤدّي دورَ الاحتفاظ على التجلّيات الاجتماعيّة للّغة.
نسجِّل من جهة أخرى اهتمامَ اللّسانيات الاجتماعيّة بالأحكام التقييميّة التي يتبادلها الناس حول السلوكات القوليّة التي تصدر عن هذا أو ذاك. ومثل أحكامٍ تمسّ مستوى أو قيمة كلام تفوّه به فلان لجديرة بأن تشكِّل موضوع دراسة. وكذلك الشأن بالنسبة للمواقف التي يتخذها المتحدِّث حتّى من أحاديثه الفرديّة التي عهدنا اللسانيات العامّة (الوصفيّة) تصفها ملتزمةً حدودها ولا تتجاوزها إلى أكثر من البنى فما بالك بمثل تلك المواقف الشخصيّة التي أخذت اللّسانيات الاجتماعية تنصرف إليها مباشرةً بعدما وضعت لبناتها وهي تأبى المحايثة، لأنّ اللّسانيّات قد قامت، على الخصوص، بتطوير مظهر معيّن في فكرة اللّغة ” السوسيرية “، هو مظهر " نظام القيّم " الأمر الذي أدّى إلى ضرورة تحليل المؤسّسة اللّسانيّة تحليلاً محايثًا .
إذا ما أخذنا بهذا التعريف فنجد اللّسانيات الاجتماعية تنطلق دائمًا من مدوّنة موجودة وملموسة؛ لكي تتعقّب تلك التنوّعات فلا بدّ أن تكون تلك المدوّنة حيّةً تعكس جميع أشكال التحوّل الذي قد يمسّ نظامَ اللّغة. يمكن للظروف السياسيّة والاقتصاديّة، بمختلَف نتائجها، أن تؤثِّر نسبيًّا في تلك التحوّلات .
لكن هذا التوجّه لم يفت اللّسانيين منذ أن أخذ علمهم يتأسّس؛ كلّ ما في الأمر هو أنّهم توزّعوا إلى فريقين رئيسيّين: فريقٌ أخذ بمبدأ التنوّع وراعاه مسلِّطًا عليه أضواء علم النفس أو علم الإناسة أو الإثنوغرافيا أو علم الاجتماع أو كلّها في آن واحد ..الخ متّخذين على عواتقهم مسؤوليّة ضياع علمهم في علوم أخرى قد يكونون مختصّين فيها ووفدوا منها إلى عالَم اللّسانيات، فإدوارد سابير (1884 ـ 1939) Edward Sapir تحدّث عن تلك التنوّعات بإسهاب في لسانياته المعنية بلغات الشعوب المختلفة ومستنِدًا إلى توجّهه الإثني ـ لسانيّ ؛ وفريقٌ آخر فضّل رسمَ حدودٍ لعلمهم (اللّسانيات) مكتفين بتحديد اللّغة كموضوعٍ لها وذلك لأسبابٍ منهجيّة احتجّوا بها وإدراكًا منهم بخطورة تجاوز تلك الحدود وفسّروا توجّههم ذاك، كأن يقولوا: ما هو كائنٌ وممكنٌ رحبٌ جدًّا أكثر بكثير من أن يحيط به علمٌ كاللّسانيات التي كانت تفتقر ـ إلى ذلك الحين ـ إلى منهج ونظريات: هذا ما هو معروفٌ عن فردينان دي سوسير الذي كان يرى أنّه ينبغي على اللسانيات الاكتفاء بدراسة اللّغة في ذاتها ولذاتها، على اعتبار أنها نظامٌ من العلامات والقواعد، وهي كنز جماعي موجود في الدماغ كما أنه مجموعة من الاصطلاحات الخاصة بمتكلمي اللغة نفسها ومدونة وحيدة متجانسة تتيح للمتكلمين إمكانية التواصل.
إنّ المحرم أو المستبعد يعني كافّة مكوّنات التواصل الأخرى التي لا تدخلُ في إطار هذه المدوّنة نفسها. هذا ما حمل البعض إلى اعتبار لسانيات دي سوسير ضيقة جداً، واختزالية، ويحتجّون ضدّها ـ رغم كلّ الاحتفاء الذي حظيت به ـ باعتبار أنّ أيّ استخدام لتلك المدوّنة على أنه سلسلة من العمليات التي توشِك أن تطال ذلك النظام بإمكانه أن يُتاح للّسانيات فتتناوله بالدراسة.
فهكذا إذا كان اللّسانيّون، انطلاقًا من دي سوسير إلى تشومسكي، قد اهتمّوا ـ كلٌّ لاعتبارات نظريّته اللّغويّة الخاصّة وطبيعة تبعيّته إلى هذه المدرسة أو تلك ـ بإقصاء من مجال الدّراسة كلَّ ما يشير إلى العوامل المحصورة كالعمر والجنس والمهنة والانتماء الجغرافيّ، واتّفقوا على إبعاد التّنوّعات اللّغويّة قصدًا من حيّز الوصف اللّسانيّ، فذلك يرجع عمومًا إلى ما بدا لهم من ضرورة تحقيق نسبة ما من التّجريد للمعطيات المحصّل عليها ـ ولمقتضياتٍ علميّة ومنهجيّة كما رأينا ـ وإضفاء عليها درجة معيّنة من المثاليّة والتّعالي، كما كانوا يرون أنّه من الضروريّ تقدير الخطوات الأوّليّة الّتي كانت عليها النّظريّة اللّغويّة في هدفها البدائيّ وقبل تشعّبها المغالي أحيانًا. بيد أنّ ذلك التشعّب عرف هو الآخر تأصيلاتٍ نهضت بها فروعٌ هي وليدة المزاوجة بين اللّسانيات وغيرها من المجالات التي يمتدّ إليها طيفُها، واللّسانيات الاجتماعية، كما يُفهم من نقط الارتكاز على طول هذا السياق، واحدة من تلك الفروع.
لكن علينا أن نعرف المخاطر التي قد يتعرّض لها الفريق الأوّل إذا استمرّ في ابتعاده عن موضوع اللّغة أو ما شابه تلك الحركة التي حدثت تاريخيًّا بالفعل وباسم التحليل التكويني أو المدلولي الذي ولد من ملاحظة الانثروبولوجيين الأمريكيين حول عدم كفاية المفاهيم التي تكونت في الحضارات الهندو ـ أوربية وبهدف وصف الثقافات الأمريكية ـ الهندية مما أدّى إلى تكوين طرائق تهتم بالمجال الفكري أكثر من اهتمامها بالمجال اللّغوي .
فكان الحلّ الأجدر بوضعه ـ كما سبقت الإشارة ـ هو تصدّي اختصاص ما لتلك المسائل التي يبدو أنّها تستعصي على اللّسانيات العامة، فاندرجت تلك القضايا قسطٌ منها في لسانياتٍ أصبحت تُدعى لسانيات اجتماعيّة، « ومن نتائج هذا الاندراج الاجتماعيّ أنّ اللّسانيّ يتوخّى منهجًا مزدوجًا في تناوله مادّة علمه، فهو يدرس البنية اللّغويّة في جوانبها الصّوتيّة والصّرفيّة والتّركيبيّة والدّلاليّة، ثمّ يعمل على كشف ارتباط هذه البنية بوظيفتها الاجتماعيّة من خلال تأثير الجوانب الاقتصاديّة والسّياسيّة والثّقافيّة والدّينيّة في الكيان اللّغويّ » .
وإذا ما رجعنا إلى اللّسانيات التعليميّة التي تُعنى بالمتعلِّم أولاً وقبل كلّ شيء ـ كما رأينا في المثلَّث التعليميّ ـ فمن المنتظَر أن تحثّ خطاها نحو اللّسانيات الاجتماعيّة المعتبِرة لتلك الحيثيات والظّروف الاجتماعية، ومواقف الأفراد من الملفوظات المتبادلة، وتفطّنهم لظاهرة تناقلها عبر التّداخُلات اللّغويّة؛ ففكرة التعليم الاختلافيّ الذي تُراعى فيه الفروق الاجتماعيّة ليست من اختراع اللّسانيات المجرّدة لكنّها ناجمة عن تلاقي الميدانين (اللّسانيات الاجتماعية واللّسانيات التعليميّة) بل وحتّى المنهج التقابليّ (La méthode contrastive) الذي طالما علّق الآمالَ عليها معلّمو اللّغات الحيّة لا سيّما اللّغة الفرنسيّة كلغة أجنبيّة، وذلك منذ الخمسينيات وفي ظلّ الازدواج والتعدّد اللّغويّيْن. فاللّسانيات التعليميّة لا تملك إلاّ أن تلتفت إلى قرينتها لتميِّز من ثمارها ما تحسبه مناسبًا لهداية عملية تعليم اللّغات؛ وثمّة لسانيات اجتماعيّة تطبيقيّة تلك التي تستوعب قضايا التخطيط اللّغويّ وسيّاسات التعليم المختلفة التي تتبناها الحكومات، فتلك اللّسانيات تقف لها بالمرصاد لترشدها. هذا ما تنظر فيه اللّسانيات التعليميّة من جانبها أو تنظر إلى وجهٍ آخر من نفس القضيّة كمستوى تعليم اللّغات الذي يتمتّع به المتعلِّمون بينما يخضعون لبرامج تعليمية وتحلّل هذه الأخيرة وتدلي برأيها حول عواقب الاستمرار في تطبيقه وتفكِّر في البدائل إذا اقتضى الأمرُ ذلك كما أشرنا إليه سابقًا (2.1).
ونظرًا لارتباط اللّسانيات التعليميّة هذا الارتباط الوثيق باللّسانيات الاجتماعيّة فهي لم تقوَ على أن تبقى في منأى عن القضايا اللّغويّة الحسّاسة والمسائل القطريّة المميِّزة للوطن ولشعبه، ولم تفِر في وجه الاختيارات السياسيّة التي يُثار حولَها الجدالُ من حينٍ لآخر، ومنذ أن تسلّمت مهام النظر في البرامج التعليميّة مثلاً كانت تستبق كلّ حوارٍ مع الهيآت المعنية بتنفيذ تلك البرامج، وما توانت عن طرحِ تساؤلاتها اللّسانيّة المرتبِطة بتاريخ الأمة وبالصراعات المتعاقبة حول التعريب والفرنسة في الجزائر مثلاً؛ نعرف أنّ وجهًا آخر من هذه التساؤلات سبق وأن طُرِحت على اللّسانيات الاجتماعيّة بمصراعها المهتمّ بعلاقات اللّغة وعلمها (اللّسانيات) بالتحوّلات التي تُمنى بها إثرَ تدخُّل الإنسان ويده المؤثِّرة بإرادته التي تظلّ تراوِح مكانها وهي تتحلّى بأزياء مختلفة كالاستعمار مثلاً والاقتصاد والثقافة. فهذا لويس جان كالفيه Louis Jean Calvet استقطب اهتمامَه ما يتجلّى في التسميات التي تتيحها اللّغة من آيات احتقار المعمِّر للأهالي، ومِن أجل تحليلها ودراستها بكلّ عناية تسلَّح بمفاهيم هي من نسج اختصاصٍ هو أقرب الاختصاصات إليه وهو (اللّسانيات الاجتماعيّة).
وفي ظلّ ما تتحسّسه اللّسانياتُ التعليميّة من ضرورة إنجاز دراساتٍ استشرافيّة (Etudes prospectives) تجد نفسَها ـ مثلها في ذلك مثل اللّسانيات الاجتماعيّة ـ وجهًا لوجه أمامَ أسئلةٍ من هذا النوع: ما هي اللّغة التي يتحتّم على المنظومة التربويّة أن تتبنّاها في تعليم المواد العلميّة ؟ بأيّة لغة يستقيم وضع تعليم هذه المادّة أو تلك ؟ بل تتدخّل تحت رحمة اللسانيات الجغرافيّة التي يضمّها غلاف اللّسانيات الاجتماعيّة حسب تقسيم جان ديبواه لمجال هذه الأخيرة . وقريبةٌ من هذا النوع من الدراسات تلك التي تُنجز في إطار ما يدعى (الأمن اللّغويّ والتخطيط اللّساني) وهو قسمٌ بالنظر إلى فصوله التي تتصدّى لها اللّسانيات الاجتماعية لا يختلف كثيرًا عن جدول أعمال اللّسانيات التعليميّة، هذا ما يشهده ما صار مؤخَّرًا كوجهة يقصدها كثيرٌ من الباحثين بترفقٍ أحيانًا إذ يقرّون بحدود معالجاتهم أو بدون ذلك، على غرار ما صنعه الباحِثُ زهير غازي زاهد، لكي نكتفي بإيراد مثالٍ واحد، إذ فسح المجالَ لمباحث تعليميّة بالدرجة الأولى وضمّنها كتابه الذي وَسَمَه العربيّة والأمن اللّغويّ ، وهذا نجده فيما خصّصة للّغة ومناهج الدراسة حيث قارب ـ وإن كان بشكلٍ غاية في التشخيص السطحيّ ـ ظاهرة إيكال مهمّة تدريس العربيّة لمدرّسين غير أكفاء في غالب الأحيان. وسبقه إبراهيم السّمرائيّ إلى ذلك بعنونة أحد محاور كتابه ﺒ اللّغة في برامج التنمية ؛ وكذلك صنع ياسين خليل في مداخلةٍ له ضمن ندوةٍ، ـ ولم يمتنِع عن ذلك معظمُ مَن شارك فيها ـ سمّاها اللّغة العربيّة والوجود القومي . ويقع تحت رحمة هذا التوجّه اللّساني الجغرافي السياسيّ التعليميّ قائمةٌ مِن قضايا اللّغة وعلاقاتها بالمجتمع والجمهور والشّعوب والجغرافيا والاقتصاد والسياسة والتاريخ، ويأتي الصراعُ اللّغويّ على رأس هذه القامة، وأي كتابٍ يتعرّض لها إلاّ وكاد أن يخفق في جمع مُتفرِّقَها ومتباعِدَها، لعلّ ذلك يرجع إلى صعوبة قيد الموضوع كلّما خاض الواحِدُ في هذا المجال؛ بل هذا ما يليق بنا أن نهتمّ به إذ نسلك مَسلك تمييز منه ما يعود إلى نصاب تعليميّة اللّغات فتتولّى اللّسانيات التعليميّة زمامَ أموره.
من واجباتنا الإشارة ـ وبمناسبة ذكرنا لهذا الحقل الدراسي تحت إلحاح علاقاته باللّسانيات التعليميّة ـ إلى إسراف بعض الباحثين إذ يَحشُرون فيه مباحِث متفرِّقة بعدَ ما تشابه عليهم من موضوعاتٍ، المَلمَح الوحيد الذي تشترك فيه تلك المباحث هو تعلّقها بالعربيّة أو بغيرها من اللّغات التي تدخل هذه الأخير إمّا في علاقة حميمة أو، بالعكس، في صراعٍ؛ لكنّها لو أعملنا إرجاع كلّ مبحثٍ إلى علمه لفُرِّغ مجالُ أولئك الباحثين من محتواه ولم يبقَ منه إلاّ اندفاعهم. وهي في غالبها دراساتٌ مقتضبة (Fragmentaire) تدنو الإشكاليات المختلفة دون أن تغوص في أعماق معالجاتها.
أمّا عند الغربيّين فمن بين الأعمال التي تتصدّر قائمة اهتمامات هذا النوع من الدراسات، نجد جميع ما يتمحور حولَ تعقُّب كيفيات تدخّل الإنسان في لغته بفعل إرادته، كحملات التوعية المنصبَّة على مكافحة الأمية، وكتنظيم ألعاب ثقافيّة وتربويّة وتثقيفيّة تأتي فيها أسئلة اختباريه تتصل باللّغة مباشرة وبإملائها، وكذلك نشر القواميس اللّغويّة الساعية إلى تعميم الفائدة؛ كما لا يمكن إقصاء تعليم اللّغة من دائرة هذا الفعل اللّسانيّ الإراديّ (Action linguistique)، فتعليم اللّغة بجميع أشكاله يعدّ فعلاً إراديًا بامتياز ومن أهمّ الأفعال اللّسانية تأثيرًا في اللّغة: فهنا مجال تلاقي هذه الدراسات باللّسانيات التعليميّة .
وفي خاتمة هذا الفصل لا ننسى تنبيه كلّ مهتمّ بقضايا اللّسانيات التعليميّة إلى أنّ مثل هذه الحدّة في التداخليّة يُنتظَر منها أن تعرف مشكلات مصطلحيّة نظرًا لتداخل المفاهيم بشكل متفاقم من شأنه أن يتسبّب في لبس يُعقب لا محالة بدوره نوعًا آخر من الإبهام: وهو تداخل الجهاز المصطلحي بين اللّسانيات التعليميّة وبين غيرها من الفروع العلميّة التي تناولناها أعلاه، فهكذا شأن كلّ المواد العلميّة والاختصاصيّة التي تنشأ في حضن واحدة من هذه الأخيرة، فالدّراسات المتعلّقة مثلاً باكتساب اللّغات الثّانية من قبل كبار السّن كغيرها من كلّ مادّة علميّة جديدة، تطرح مشكلات مصطلحيّة لا بدّ أن يدنو منها الباحث في تلك المادّة ، فهكذا نرى أن المعضلة ليست وقفًا على العربيّة: لهذا ترانا كلّما تسنّت لنا فرصة التعليق على أيّ مصطلح إلاّ وعمدنا إلى ذلك.
زِدْ إلى ذلك مشكلاً خاصًّا بواقع العربيّة هو مفرط الحدّة من حيث الخطورة تعاني منها الدّراسات اللِّسانيّة العربيّة وهي الّتي تحفَل بالمفاهيم التي تستقطب اهتمام الباحثين في مجالاتها المتنوّعة وعن طريق التّرجمة، وهو كونها كثيرًا ما تقع في تضارُباتٍ، وذلِك بِحُكم العشوائيّة الّتي تقع فيها أثناء اختيار المُصطلحات المُناسِبة لِلتّعبير عن المَفاهيم المَقصودة وكذا التّردُّد بين اعتِماد التُّراث أو تجاوُزه في تناوُلِها: فحدث نوعٌ مِن التوفيق الشّبيه بِالتّلفيق، خاصّة عند الّذين لم يأتوا إليها مِن باب الدِّراسة. كما أسفر ذلك عن ارتباكٍ في سبل الاختيار بين مصطلح وآخر، مع العلم أنّ العلم الذي كان من المفروض أن يتولّى أمر هذه المعضلات المصطلحيّة يعاني هو الآخر من عدم وضوح مقامه .
خاتمة:
في الأخير نمكِّن الطلبة من بعض العناوين الإجماليّة التي نُشرت في ميدان اللّسانيات التطبيقية تلك التي تغنيهم ببعض المفاهيم المتناولة في هذه المحاضرات وتتّصل (بطريقة أو بأخرى) بمجال اللّسانيات التعليميّة، ونشير إلى أنّنا لم نقصِّر في إرفاقها بكامل المعطيات التي تُسهِّل الاهتداء إليها:
المراجع المُعتمَدة في اللّسانيّات التّطبيقيّة واللّسانيات التعليميّة:
بالعربيّة:
1. أبو غزال (معاوية محمود)، التعلم: تعريفه ونظرياته وتطبيقاته التربوية، ضمن علم النفس التربوي: النظرية والتطبيق، تأليف: العتوم (عدنان يوسف) وذياب الجراح (عبد الناصر) وعلاونة (شفيق فلاح) وأبو غزال (معاوية محمود)، دار المسيرة، عمان، الأردن، (ص.99 ـ 129)، 2005.
2. بن عيسى (حنفي)، مُحاضراتٌ في عِلم النّفس اللُّغويّ، ط.2، الشّركة الوطنيّة لِلنّشر والتّوزيع، الجزائر، 1980.
3. بعيطيش (يحي)، الجوانب اللّسانية والتربوية والنفسيّة لتعليميّة اللّغات، المترجِم ع.05، (عدد خاصّ بالملتقى الدولي الثاني حول: إسراتيجيّة الترجمة)، مخبر تعليميّة الترجمة وتعدّد الألسن، جامعة وهران ـ السانية، الجزائر، جويلية ـ سبتمبر 2002.
بودرع (عبد الرحمن)،
4. نَظَرِيَّةُ تَحْليلِ النَّصِّ مِنْ خِلالِ الأُصولِ اللِّسانِيَّةِ، الموقف، ع.05، المغرب، 1988.
5. اللُّغَةُ بَيْنَ الْخِطابِ الْعِلْمِيِّ والْخِطابِ التَّعْليمِيِّ، الموقف، ع.08، المغرب، 1988.
6. إِشْكالُ ظَواهِرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بَيْنَ النَّحْوِ الْعَرَبِيِّ و اللِّسانِيّاتِ، مجلّة كلّيّة الآداب، عدد خاصٌّ بِندوة (مَكانَة الأَنْحاءِ التَّقْليدِيَّةِ في اللِّسانِيّاتِ الْحَديثَةِ)، سلسلة النّدواتِ 10، تطوان، 1997.
7. بيكرتون (دريك) (Derek Bickerton)، اللّغة وسلوك الإنسان، ترجمة محمّد زياد كبة، النّشر العلميّ والمطابع ـ جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربيّة السّعوديّة، 2001.
8. الحاج صالح (عبد الرّحمن) وآخرون، المَعجم المُوحَّد لِمُصطلحات اللِّسانيَّات (إنجليزي ـ فرنسي ـ عربي)، المُنظَّمة العربيَّة لِلتَّربيَّة والثَّقافة والعُلوم، تونس، 1989.
حساني (أحمد)،
9. مباحث في اللّسانيّات، ديوان المَطبوعات الجامعيّة، الجزائر، 1993.
10. دِراساتٌ في اللِّسانيّات التّطبيقيّة: حقل تعليميّة اللُّغات، ديوان المَطبوعات الجامعيّة، الجزائر، 2000.
11. الحمزاويّ (محمّد رشاد)، المصطلحات اللّغويّة الحديثة في اللّغة العربيّة: معجم عربيّ أعجميّ ـ أعجميّ عربيّ، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس، المؤسّسة الوطنيّة للكتاب، الجزائر، ط.2، 1987.
خليل (حلمى)،
12. العربيَّة وعلم اللُّغة البنيويّ، دار المعرفة الجامعيَّة، القاهِرة، 1995.
13. دِراساتٌ في اللِّسانيّات التّطبيقيّة، دار المعرِفة الجامِعيّة، 2000.
14. الدريج (محمّد)، تحليل العمليّة التعليميّة، قصر الكتاب، البليدة، الجزائر، 2000.
15. : روبول (آن) وموشلار (جاك)، التّداوليّة اليوم: علم جديد في التّواصل، ترجمة سيف الدين دغفوس ومحمّد الشيباني، المنظّمة العربيّة للتّرجمة، بيروت، 2003.
• زكريا (ميشال)،
16. الألسنيّة (عِلم اللُّغة الحديث): قِراءات تمهيديّة، ط.2، المُؤسّسة الجامعيّة لِلدّراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت، 1985.
17. الألسنيّة التّوليديّة والتّحويليّة وقواعد اللّغة العربيّة: (الجملة البسيطة)، ط.1، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت، 1983.
18. مباحث في النّظريّة الألسنيّة وتعليم اللّغة، ط.2، المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت، 1985.
19. سامسون (جفري) (Geoffrey Sampson)، مَدارِس اللِّسانيّات: التّسابُق والتّطوُّر، ترجمة محمّد زياد كبة، النّشر العلميّ والمطابع ـ جامِعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربيّة السّعوديّة، 1997.
• السيد (محمود أحمد)،
20. مناهج تعليم القواعد النحويّة وأساليب التعبير في مراحِل التعليم العام في الوطن العربيّ، تونس، 1987.
21. اللّسانيات وتعليم اللّغة، سلسلة الدراسات والبحوث المعمّقة (9)، دار المعارف، سوسة، تونس، 1998.
22. شريط (عبد الله)، نظريّة حول سيّاسة التعليم والتعريب، المؤسّسة الوطنيّة للكتاب، الجزائر، 1984.
23. شوشار (بول)، اللُّغة والفِكر، ترجمة صلاح أبو الوليد، سِلسلة ماذا أعرِف ؟ رقم 12، المَنشورات العربيّة، (د. ب. ن)، (د. ت).
24. عبادة (محمّد إبراهيم)، الجُملة العربيّة: مُكوِّناتها ـ أنواعها ـ تحليلها، ط.02، مكتبة الآداب، القاهِرة، 2002.
25. عبد الرحمن (طالب)، نحو تقويمٍ جديد للكتابة العربيّة، سلسلة كتاب الأمّة (69)، وزارة الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة، الدوحة، قطر، 1999، ص.61 ـ 94.عبد اللَّطيف (محمّد حماسة)، بِناء الجُملة العربيّة، دار غريب، القاهِرة، 2003.
26. عبد المجيد (عبد العزيز)، اللّغة العربيّة: أصولها النفسيّة وطرق تدريسها؛ ناحية التحصيل، ط.3، دار المعارف، القاهرة، 1961.
27. العتوم (عدنان يوسف)، مقدمة إلى علم النفس التربوي، ضمن علم النفس التربوي: النظرية والتطبيق، تأليف: العتوم (عدنان يوسف) وذياب الجراح (عبد الناصر) وعلاونة (شفيق فلاح) وأبو غزال (معاوية محمود)، دار المسيرة، عمان، الأردن، 2005، (ص.13 ـ 46).
28. فلاق عروات (أحمد)، التعليميّة في الدرس النحويّ العربيّ، العربيّة، ع.1 (عدد خاص بالملتقى الوطنيّ حول ” التقويم في العلوم الإنسانيّة يومي 19 ـ 20 فيفري 2003 “)، مخبر علم تعليم العربية، المدرسة العليا للأساتذة في الآداب والعلوم الإنسانيّة، بوزريعة، الجزائر، 2003، (ص.143 ـ 158).
29. ككنبوش (كرستيان)، الذاكِرة واللّغة، ترجمة عبد الرزاق عبيد، سلسلة علم النفس (128)، دار الحكمة، الجزائر، 2002.
30. المسدّي (عبد السّلام)، قاموس اللّسانيّات: عربي ـ فرنسي، فرنسي ـ عربي (مع مقدّمة في علم المصطلح)، الدّار العربيّة للكتاب، تونس، 1984.
31. مصطفى (صلاح عبد الحميد)، المناهج الدراسيّة: عناصِرها وأسُسها وتطبيقاتها، دار المريخ، الرياض، المملكة العربيّة السعوديّة، 2004.
32. مقران (يوسف)، من قضايا الترجمة في العالم العربيّ؛ تطبيق على مدوّنة من الترجمات اللّسانيّة (مبادئ اللّسانات العامّة، تأليف أندري مارتيني، ترجمة أحمد الحمو): نحو تأسيس المصطلحيات، رسالة ماجستير غير منشورة مقدّمة لقسم اللّغة العربيّة وآدابها، جامعة مولود معمري، تيزي ـ وزو، 29. 11. 2003.
الواعر (مازن)،
33. الأمراض اللّغويّة: سبر للتّجربة الأمريكيّة، المعرفة، ع.204، وزارة الثّقافة والإرشاد القوميّ، دمشق، فبراير 1979،
34. حول بعض القضايا الجدليّة لنظريّة القواعد التّوليديّة والتّحويليّة: لقاء مع نوام تشومسكي، اللّسانيّات، ع.06، مَعهد العُلوم اللِّسانِيَّة والصَّوتِيَّة، الجزائر، 1982،
35. النّظريّات النّحويّة والدّلاليّة في اللِّسانيّات التّحويليّة والتّوليديّة: مُحاولة لِسبرِها وتَطبيقها على النّحو العربيّ (1)، اللّسانيّات، ع.06، مَعهد العُلوم اللِّسانِيَّة والصَّوتِيَّة، الجزائر، 1982،
36. على هامش المؤتمر اللّغويّ الخامس للّسانيّات التّطبيقيّة: لقاء مع عالم اللّسان الفرنسيّ (أندريه مارتينيه)، المعرفة، ع.203، وزارة الثّقافة والإرشاد القوميّ، دمشق، 1979.
باللّغات الأجنبيّة:
1. Albert (Jean-Luc) & Py (Bernard), Vers un modèle exolingue de la communication interculturelle : interparole, coopération et conversation, in Etudes de linguistique appliquée, n° 61, Série « Didactique des langues : Quelles interfaces ? », CNRS, Ed. Didier érudition, Paris, Jan.-Mar. 1986, (p.78-90).
2. Arcaini (Enrico), Principes de linguistique appliquée ; Principes pour une linguistique appliquée à l’enseignement scientifique : structure, fonction et transformation, Trad. de l’Italien par Elise & Claude Darmouni, Ed. Payot, Paris, 1972.
3. Baraké (Bassam), Dictionnaire de linguistique : Français-Arabe, Jarrouss press, Tripoli-Liban, 1984.
4. Baylan (Christian), Sociolinguistique: société, langue et discours, Coll. Nathan-Université, 2 e éd. Nathan, Paris, 1996.
5. Berrendonner (Alain), Discours normatif vs Discours didactique, in Etudes de linguistique appliquée, n° 61, Série « Didactique des langues : Quelles interfaces ? », CNRS, Ed. Didier érudition, Paris, Jan.-Mar. 1986, (p.09-17).
6. Besse (Henri), Problème du sens dans l’enseignement d’une langue étrangère, Langue française, n° 08 (Apprentissage du Français langue étrangère: sous la direction d’Emmanuèle Wagner), Ed. Larousse, Paris, Décembre 1970, (p.62-77).
7. Blanchet (Philippe), La linguistique de terrain ; Méthode et théorie : Une approche ethno-sociolinguistique, Coll. Didact Linguistique, Ed. Presses universitaire de Rennes, 2000.
8. Bolton (Sibylle), Evaluation de la compétence communicative en langue étrangère, Trad. de l’Allemand par Yves Bertrand, Coll. Langues et apprentissage des langues, CREDIF, ENS de Saint-Cloud, Ed. Hatier, Paris, Juin 1987.
9. Bouacha (Abdelmadjid Ali), Le discours de la linguistique entre le faire savoir universitaire et le savoir faire pédagogique, in Etudes de linguistique appliquée, n° 61, Série « Didactique des langues : Quelles interfaces ? », CNRS, Ed. Didier érudition, Paris, Jan.-Mar. 1986, (p.18-26).
Boutet (Josiane),
10. Langage et société, Ed Seuil, Paris, 1997.
11. Didactique des langues et relations interdisciplinaires, in Etudes de linguistique appliquée, n° 72, Série « Didactique des langues : Quelles interfaces ? », CNRS, Ed. Didier érudition, Paris, Oct.-Déc. 1988, (p.39-42).
Bouton (Charles),
12. La linguistique appliquée, Coll. Que sais-je ?, 2 éme éd, PUF, Paris, 1984.
13. L’acquisition d’une langue étrangère : Aspects théoriques et pratiques ; Conséquences pédagogiques essentielles, Coll. Initiation à la linguistique, Série B : Problèmes et méthodes, Ed. Klincksieck, Paris, 1974.
14. Cardinet (Jean), Evaluation scolaire et pratique, Coll. Pédagogie en développement, Ed. De Boeck, Bruxelles, 1988.
15. Challe (Odile), Une yse de discours de formateurs en didactique des langues, in Etudes de linguistique appliquée, n° 61, Série « Didactique des langues : Quelles interfaces ? », CNRS, Ed. Didier érudition, Paris, Jan.-Mar. 1986, (p.38-44).
16. Chomsky (Noam), Le langage et la pensée, Ed. Payot, Paris, 1970.
Cicurel (Francine),
17. Le discours en classe de langue : Un discours sur mesure ?, in Etudes de linguistique appliquée, n° 61, Série « Didactique des langues : Quelles interfaces ? », CNRS, Ed. Didier érudition, Paris, Jan.-Mar. 1986, (p.103-113).
18. Didactique des langues et linguistique : Propos sur une circularité, in Etudes de linguistique appliquée, n° 72, Série « Didactique des langues : Quelles interfaces ? », CNRS, Ed. Didier érudition, Paris, Oct.-Déc. 1988, (p.15-23).
19. Combettes (Bernard), linguistique et enseignement du Français langue maternelle : Tendances nouvelles, in Etudes de linguistique appliquée, n° 72, Série « Didactique des langues : Quelles interfaces ? », CNRS, Ed. Didier érudition, Paris, Oct.-Déc. 1988, (p.57-65).
20. Coppel (Anne), La norme, in Manuel de linguistique appliquée, T.4, (La norme linguistique), Coll. Education et pédagogie, Ed. Delagrave, Paris, 1975, (p.15-52).
21. Corder (S. Pit), Introducing applied linguistics, Coll. Language and linguistics, Penguin books, London, 2ed ed, 1993.
22. Corbeil (Jean Claude), L’aménagement linguistique du Québec, Ed. Guérin, Montréal, 1980.
Coste (Daniel),
23. Constitution et évolution des discours de la didactique du Français langue étrangère, in Etudes de linguistique appliquée, n° 61, Série « Didactique des langues : Quelles interfaces ? », CNRS, Ed. Didier érudition, Paris, Jan.-Mar. 1986, (p.52-63).
24. Linguistique e