أما المستأمنون فهم الذين يدخلون البلاد الإسلامية طلبا للأمان دون نيّة الإقامة فيها باستمرار، لهم جملة من الحقوق تقارب حقوق الذميّين.
ب ـ دار الحرب: وهي تلك البلاد التي ليس للمسلمين عليها حكم أو سلطان، وليس بينها وبين المسلمين أي عهد.
ج ـ دار العهد: تقع وسطا بين دار الإسلام ودار الحرب، وهي حقيقة اقتضاها الواقع، فهناك بلاد لا تخضع لحكم المسلمين، ولكنها تقيم عهدا مع المسلمين، ونحن نعلم تأكيد الإسلام على احترام الصلح والمعاهدات، وهنا من واجب دار الإسلام الدفاع عن دار العهد ضد أيّ عدوان.
لقد اختلف الفقهاء المسلمون في تكيف العلاقة بين دار الإسلام ودار الحرب، فهناك فريق ذهب إلى القول بأن الحروب هي أساس العلاقة بين الدارين، إلا أنّ الرأي الراجح يذهب إلى أنّ السلم هو أساس العلاقات بين الدارين استنادا إلى ما سبق ذكره من خصائص الشريعة الإسلامية خاصة النصوص القرآنية التي لا تبيح للمسلمين القتال إلا للدفاع عن أنفسهم.
وعلى العموم فإنّ الدولة الإسلامية في تلك الفترة شكّلت طرفا أساسيا فاعلا في العلاقات الدولية من خلال دخولها في علاقات (حربية أو سلمية) خاصة مع أوربا المسيحية.
المبحث الثالث: المجتمع الدولي في العصر الحديث.
يجمع المؤرخون على أنّ العصر الحديث يبدأ بسقوط القسطنطينية على يد العثمانيين سنة 1453م إلى غاية وقتنا الحاضر، لذلك ونظرا لطول هذه الحقبة وتعدد التطورات الحاصلة خلالها سنقسمها إلى ثلاث مراحل هي:
ـ المرحلة الأولى (1453م-1815م): وتميّزت بنشوء ما يعرف بالقانون الدولي التقليدي (أو القانون الدولي الأوربي)، وظهور الدولة الحديثة وسياسة التوازن الدولي.
ـ المرحلة الثانية (1815م-1914م): تميّزت بعقد المؤتمرات الدولية كوسيلة جديدة في العلاقات الدولية، إضافة إلى إبرام عدد كبير من المعاهدات الدولية.
ـ المرحلة الثالثة (منذ 1914) أو المجتمع الدولي المعاصر: عرفت ظهور المنظمات الدولية كأشخاص جديدة في المجتمع الدولي، وتطور بموجبها تنظيم المجتمع الدولي.
أولا ـ المرحلة الأولى (1453-1815).
عرفت هذه المرحلة ميلاد تنظيم دولي حقيقي في أوربا فقط، من طرف الدول الأوربية الكبرى آنذاك يسمى بالقانون الدولي التقليدي أو القانون العام الأوربي، جاء في البداية ليحكم العلاقات بين الدول الأوربية المسيحية دون غيرها في إطار ما يسمى بالنادي الأوربي، الذي كان ينطلق من فكرة أنّ باقي العالم ما هو إلا وسيلة للحفاظ أو لتعزيز محتمل لنوعية حياة الطبقات الحاكمة وشعوب أوربا، وهذا ما يفسر لنا الظاهرة الاستعمارية فيها.
بعد ذلك اتّسع نطاق الأسرة الدولية ليشمل إلى جانب أوربا المسيحية بعض الدول المسيحية غير الأوربية وهي الدول الأمريكية التي حصلت على استقلالها من إسبانيا والبرتغال. ولم يتحرر القانون الدولي العام من الطابع المسيحي نهائيا بعد معاهدة السلام بباريس سنة 1856 سُمح لتركيا أن تنظم إلى المجتمع الدولي. أما بقية العالم فقد كانت تعيش إما حياتها الخاصة بعيدة عن مجرى العلاقات الدولية، أو كانت خاضعة للدول الغربية.
لقد تميّزت هذه المرحلة بعدّة عوامل ساهمت بشكل أو بآخر في نمو وتطور التنظيم الدولي الحديث نذكر أهمها: ظهور الدول الحديثة، النهضة الفكرية، الاكتشافات الجغرافية، حركة الإصلاح الديني ومعاهدتي وستفاليا، وأخيرا تأثير الثورتين الأمريكية والفرنسية.
1 ـ ظهور الدولة الحديثة: شهدت نهاية الحرب العصر الوسيط صراعا حادا بين الممالك الأوربية من جهة وكل من أمراء الإقطاع والكنيسة والإمبراطور من جهة أخرى، فقد كانت الممالك من خلال صراعها مع الكنيسة والإمبراطور تهدف إلى التحرر من الوصايا والسيطرة اللتان كانتا يباشرانها على الممالك، وبالتالي تحقيق سيادتها الخارجية.
الشيء الملاحظ هنا أن العامل الوطني أو القومية كان لها دورا كبيرا في تفعيل هذا الصراع، والسعي نحو تشكيل دولة قومية مستقلة، وذلك ما تمّ فعلا حيث ظهرت عدة دول مستقلة (بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، سويسرا، السويد، هولندا، روسيا، البرتغال...) تقوم العلاقات بينها على أساس المساواة، وعدم الخضوع لأي سلطة عليا. وكانت هذه الدول الناشئة تتمسك بالسيادة المطلقة كمحاولة منها لتأكيد وتدعيم استقلالها، وبذلك ومنذ ذلك الوقت أصبحت الدولة الشخص الأساسي في القانون الدولي، وهو ما مهد السبيل لنشوء نظام قانوني دولي يحكم العلاقات بينها.
2 ـ النهضة الفكرية: ساعد إنشاء الجامعات في أوربا خلال القرنين 13 و14 على تطوير العلوم والمعارف، وبالتالي بروز نهضة فكرية ساهمت في إحداث وإثراء عدد من مبادئ وأحكام القانون الدولي، وتطوير الجماعة الدولية وذلك من خلال أفكار ومؤلفات خاصة الفقهاء الأوربيين.
لقد جرى الفقه الغالب على القول بمرور القانون الدولي باتجاهين أساسيين هما: مدرسة القانون الطبيعي والمدرسة الوضعية الإدارية.
أ ـ مدرسة القانون الطبيعي: تقوم فلسفة هذا الاتجاه (الذي ترجع جذوره إلى أرسطو) على أساس أن هناك قانون طبيعي يسبق القانون الوضعي ويعلوه أيضا، ويلائم كون الإنسان كائن اجتماعي, هذا القانون الطبيعي هو قانون ثابت وأبدي لا يتغير بتغير الزمان والمكان، وبالتالي قابل للتطبيق على المجتمع الداخلي (الدولة) وكذلك المجتمع الدولي... ومن أهم رواد هذا الاتجاه الفكري نجد:
ـ فرنسيسكودي فيتوريا (Francisco De Vitoria)(1480-1546) وهو راهب إسباني، كان يدرس القانون بجامعة Salamanque. ظهرت أفكاره من خلال كتابه الذي ظهر بعد وفاته باسم Relectiones theological، حيث اعترف بسيادة الدولة وحريتها، لكن تبقى خاضعة للقانون الطبيعي الذي يعلوها ويحد من إرادتها لأن هذا القانون مستمد من الإرادة الإلهية, وانطلاقا من ذلك فإن الدول شأنها شان الأفراد بحاجة ماسة إلى العيش في مجتمع منظم، وهذا التنظيم لا يتحقق إلا بواسطة قواعد قانونية ذات طابع دولي، ومن ثمّة فإن وجود القانون الدولي الذي ينظم علاقات الدول ضرورة من ضرورات المجتمع.
ـ فرنسيسكو سواريز (Francisco Suarez)(1548-1617): فقيه إسباني، كان أستاذ القانون بجامعة "كَوَمْبَرْ" Coimbre. أصدر سنة 1612 كتابا فرق فيه بين القانون الدولي (قانون الشعوب) والقانون الطبيعي، حيث قرّر أنّ القانون الطبيعي قانون ضروري وغير قابل للتغيير، في حين القانون الدولي متطور ومحدود وهو قانون وضعي، والعلاقة بين هذين القانونين يتمثل في ضرورة مواكبة القانون الوضعي للقانون الطبيعي، وهذا ما يعني خضوع الدولة للقانون الطبيعي.
ـ جروسيوس (Grotius)(1583-1645)، فقيه هولندي، ويعتبر المؤسس الأول للقانون الدولي الحديث خاصة من خلال مؤلفه "قانون الحرب والسلام" الذي نشره سنة 1625، وأصبح يدرس في الجامعات الأوربية الكبرى. يقوم فكره على الاعتراف بسيادة الدول وعدم خضوعها لسلطة أعلى، ومع ذلك فإنّ هذه السيادة مفيدة بشيء ولحد هو القانون الطبيعي، هذا الأخير يستمد من العقل، وهو بذلك يقرر المبادئ في حين قواعد تطبيق هذه المبادئ يتضمنها ما يعرف بالقانون الإرادي (Droit volontaire) الذي يجد مصدره من خلال إرادة الدول المعبر عنها بواسطة المعاهدات، وبالتالي فإنّ القانون الإرادي يجب ألا يتعارض مع القانون الطبيعي.
ولهذا نجد "جروسيوس" يعرف القانون الدولي بأنه ذلك القانون الذي ينظم العلاقات بين الدول على أساس أنها تتمتع بالسيادة المعترف بها في إطار متبادل، وهكذا تتعايش الدول في نطاق المجتمع الدولي الذي يخضع للقانون الطبيعي، هذا القانون الذي يجد مصدره في الطبيعة العقلانية والرشيدة للإنسان مما يجعله يتمتع بالأخلاق (La morale).
كما فرّق "جروسيوس" بين الحرب الشرعية والحرب غير الشرعية، فالحرب الشرعية هي التي تشن لدفع الظلم وأن القانون الطبيعي هو الذي يتولى تحديد حالات وقوع الظلم وذلك عندما تمس الحقوق الأساسية التي يعترف بها هذا القانون (الطبيعي) لصالح الدول وهي الحق والمساواة والاستقلال، والحق في الاحترام، الحق في التجارة الدولية، والحق في البقاء... وهكذا فإنّ أي انتهاك لهذه الحقوق يستدعي من الدولة التي وقع عليها الاعتداء أن تعلن حالة الدفاع الشرعي.
ب ـ المدرسة الوضعية الإرادية: ابتداء من القرن 17 برز الكثير من المفكرين الذين أكّدوا ضرورة الاعتداد بالقانون الدولي الوضعي، أي الذي يستمد قوته منت الإلزامية من إرادة الدول. من بين هؤلاء نذكر الإنجليزي "سلدن" Selden"(1548-1654)، والهولندي "بنكرشوك" Bynkerskock(1673-1743) "موزر" Moser(1701-1785).
لكن يأتي على رأس هؤلاء الفقيه السويسري "فاتيل" Vattel(1714-1768) من خلال مؤلفه "قانون الدول أو مبادئ القانون الطبيعي المطبقة على سلوك ومعاملات الأمم والحكام". فهو يختلف عن سابقيه في أنه يرى أن القانون الإرادي هو الذي يقوم بتفسير وترجمة القانون الطبيعي وحتى اللجوء إلى تعديله إذا استدعت مصلحة الدول ذلك حتى يسود التفاهم بينها. وهذا يعني أن القانون الإرادي لا يخضع للقانون الطبيعي وإنما يتوقف على تنفيذ مبادئ هذا القانون الأخير على رغبة وإرادة الدول.
ويمكن حصر أهم المبادئ الأساسية التي جاءت بها المدرسة الوضعية في مجال التنظيم الدولي فيما يلي:
• الدول تتمتع بالسيادة والمساواة فيما بينها.
• المجتمع الدولي هو مجتمع ذات السيادة، ولا توجد فيه سلطة تعلو هذه الدول.
• القانون الدولي هو قانون الدول ولا يطبق على الأفراد.
• مصادر القانون الدولي تستمد من إرادة دول ورضاهم المعبر عنها عن طريق المعاهدات (القبول الصريح) وعن طريق العرف الدولي (القبول الضمن).
• الدول وحدها هي التي تقرر ما يجب أو ما لا يجب عليها في العلاقات الدولية.
• الحرب مشروعة بين الدول.
3 ـ الاكتشافات الجغرافية: لقد كان اكتشاف الطريق البحري حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا سنة 1487، واكتشاف القارة الأمريكية سنة 1492 أثرا كبيرا في تطور التنظيم الدولي وفتح مجال جديد في القانون الدولي التقليدي، من خلال اشتداد التنافس بين الدول الأوربية خاصة إسبانيا والبرتغال للحصول على المستعمرات، الأمر الذي استدعى تدخل البابا لإصدار المراسيم البابوية Derets pontificaux لتقسيم المناطق المكتشفة بين هاتين الدولتين.
إنّ تأثير هذه الاكتشافات على تطور التنظيم الدولي يبرز خاصة في مجال:
أ ـ نظرية اكتساب السيادة الإقليمية عن طريق ما أثارته من مسائل حول مدى كفاية أو عدم كفاية المراسيم البابوية والاكتشافات الجغرافية كأساس لاكتساب السيادة الإقليمية.
ب ـ طرح فكرة أعالي البحار أو البحر العام La haute mer، وبالتالي تطور قانون البحار نتيجة المنافسة الكبيرة بين القوى البحرية العظمى آنذاك والتي دفعت إلى إدعاء السيادة على البحار.
ج ـ بروز ظاهرة الاستعمار كنظام من أنظمة القانون الدولي التقليدي.
4 ـ حركة الإصلاح الديني ومعاهدة وستفاليا: إن الأخطاء والمظالم التي ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكية، إضافة إلى تعسفها في استخدام سلطتها الدينية، قد أدت إلى ظهر حركة تدعو إلى الإصلاح الديني والتحرر من سيطرة هذه الكنيسة. تزعم هذه الحركة كل من الألماني "مارتن لوثر" (1483-1546)، والسويسري "جانكافان"(1509-1564) زعيمي المذهب البروتستنتي.
لقد كان ظهور البروتستنتية سببا هاما في ظهور فترة الصراع الديني بين الدول المسيحية منذ 1517، وكان أخطرها حرب الثلاثين سنة (1618-1648)، وقد انتهت تلك الحروب بإبرام معاهدتي وستفانيا (Westphalie)، الأولى بمدينة "أوسنابروك" Osnabruk في 14/10/1648، والثانية بمدينة "مونسقر" Munster في 24/10/1648.
لقد شكلت معاهدتي وستفاليا أهمية خاصة في نظر الكثير من فقهاء القانون الدولي، حيث يعتبرونها بمثابة شهادة ميلاد للقانون الدولي المعاصر، كما أرست المبادئ الأساسية للقانون العام الأوربي والمتمثلة في:
أ ـ الاعتراف بانحلال الإمبراطوري الرومانية المقدسة وتقسيمها إلى دويلات قومية، وبالتالي ظهور فكرة الدولة الحديثة صاحبة السيادة، أي التي تخضع لسلطة عليا تأتي من الخارج، ومن ثمّة انتهت سلطة البابا والإمبراطور على الدول الأوربية، وأصبحت العلاقات بينها تستند إلى فكرة السيادة بدلا عن استنادها إلى رابطة الوحدة الدينية.
ب ـ إقرار التعايش بين الدول الأوربية الكاثوليكية والبروتستنتية على السواء، ومن ثمّة ظهر القانون الدولي في تلك الفترة باعتباره القانون العام الأوربي والخاص بالجماعة المسيحية بأسرها.
ج ـ إنهاء سيطرة الكنيسة وبالتالي زوال السلطة البابوية من الناحية الزمنية (المجال السياسي) وبقاؤها محصورة في النطاق الديني.
د ـ إقرار مبدأ التوازن الدولي، ويقصد به أنه إذا حاولت إحدى الدول الأوربية التوسع على حساب دول أخرى يكون من حق هذه الدول التكتل لمنع هذه الدولة من التوسع والوصول إلى درجة من القوة بحيث تشكل خطرا على الدول الأخرى، وذلك بهدف الحفاظ على السلم في أوربا. وذلك ما تمّ فعلا عندما تكتلت الدول الأوربية ضد "لويس14" ملك فرنسا عندما حاول التوسع على حساب الدول المجاورة، وانتهى الأمر بإبرام معاهدة "أوترخت" Otrecht سنة 1713، حيث أعيد من خلالها تنظيم أوربا على أساس فكرة التوازن الدولي. وقد استمرت هذه الفكرة السياسة قائمة في أوربا مدة قرن من الزمن ممّا جعل الدول خاصة الصغيرة منها تطمئن على استقلالها.
ه ـ إبراز أهمية المؤتمر الأوربي، أي اجتماع الدول الأوربية في شكل مؤتمر التشاور حول شؤونها وحل مشاكلها في ضوء مصالحها المشتركة.
و ـ ظهور مبدأ السفارات الدائمة بدلا من البعثات المؤقتة، وفي تلك الفترة التزمت الدول المعنية بقواعد القانون الدولي العرفية بالنسبة للحماية المقررة لأعضاء البعثات الديبلوماسية وما يتمتعون به من حصانات وامتيازات.
ز ـ أصبحت المعاهدات الدولية وسيلة أساسية لحل المشاكل الدولية، وبالتالي المحافظة على النظام الأوربي الجديد.
ح ـ أصبحت الحرب حقا من حقوق السيادة تمارسه الدولة متى شاءت وأين شاءت، وذلك انطلاقا من فكرة السيادة ومبدأ تساوي الدول في هذه السيادة، وبالتالي زالت فكرة تقسيم الحروب إلى عادلة وغير عادلة.
لكن عمليا ظلت الحرب الوسيلة الأساسية المشروعة لحماية المصالح وتحقيق الأطماع. وكانت العلاقات الدولية محدودة من حيث موضوعها ومؤقتة من حيث زمانها. فهي لم تكن تشمل سوى بعض المسائل السياسية مثل التحالف والمساعدة في حالة حدوث اعتداء، كما أنها كانت ترتبط بطبيعة العلاقات الخاصة بين الملوك والحكام أكثر من ارتباطها بمقتضيات التعايش الأوربي.
5ـ الثورة الأمريكية: كانت المستعمرات الثلاثة عشرة الواقعة بين كندا والمكسيك (والتي أصبحت فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية) خاضعة للتاج البريطاني، ورغم أنها كانت تدفع الضرائب إلا أنه لم لديها ممثلين في البرلمان البريطاني.
ومع تطور المستعمرات في أواخر القرن 18 وظهور بعض الصناعات الأولية، أدى ذلك إلى بروز نوع من البرجوازية الوطنية ذات النزعة الاستقلالية، قادت الثورة في البداية تحت شعار لا تمثيل لا ضرائب. وتطورت هذه الحركة لتأخذ شكل حرب الاستقلال عن بريطانيا، انتهت بإعلان الاستقلال الصادر في 04/07/1776، وبعده سنة 1787 اجتمعت ثلاث عشرة ولاية أمريكية في مؤتمر بمدينة فيلادلفيا لوضع دستور الدولة الفيدرالية (الاتحادية) الأمريكية.
وتظهر أهمية الثورة الأمريكية في أنها أسفرت عن ميلاد دولة مسيحية مستقلة غير أوربية انضمت إلى ميدان العلاقات الدولية، ولعبت دورا كبيرا بعد ذلك في تثبيت العديد من قواعد القانون الدولي العام، ومن جهة أخرى حركت هذه الثورة شعوب المستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية باعتبارها كانت تمثل نموذجا للإصلاح، وتشجيعا للأماني الوطنية، وترتب على الاستقلال مبدأ ضرورة رضا الشعوب عن حكامها، والذي تضمنه فيما بعد الدستور الأمريكي.
6 ـ الثورة الفرنسية: لقد قامت الثورة الفرنسية سنة 1789 كرد فعل عنيف على الاستبداد السياسي والطغيان لملوك في أوربا، وأعلنت عن تقديم العون للشعوب التي ترغب في استعادة حريتها، وبذلك أحدثت صدى عميقا في نفوس الشعوب الأوربية التي كانت تعاني من القهر والاستبداد السياسي، وانتشرت الحروب التحريرية في أوربا في ذلك الوقت.
لقد سعت الثورة الفرنسية إلى إقرار عدد من المبادئ الأساسية أهمها:
أ ـ الاعتراف بالحقوق السياسية والحريات العامة التي يتمتع بها الإنسان في إطار الحرية والمساواة والأخوة، وذلك من خلال المناداة بحقوق الإنسان من خلال بيان حقوق الإنسان والمواطن الذي يعتبر مقدمة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.
ب ـ التأكيد على أن السيادة ملك للشعب أو الأمة، ويمارسها عن طريق النواب الذين يختارهم الشعب بكل حرية، وهنا فقد ساهمت مؤلفات العديد من المفكرين في إبراز هذه المبادئ، ومن أهمهم نجد:
"مونتيسكيو" من خلال كتابه روح القوانين سنة 1748، "جون جاك روسو" في كتابه العقد الاجتماعي سنة 1763.
ج ـ الإقرار بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها حتى تتمكن من تكوين دولة على هذا الأساس، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور مبدأ القوميات بعد ذلك، وكذلك مبدأ حق الشعوب في اختيار حكومتها.
لكن المبادئ السالفة الذكر بقيت شعارات نظرا لأن حتى فرنسا لم تحترمها ولم تلتزم بها، وهذا ما اتخذه نابليون بونابرت فيما بعد من خلال نواياه وأطماعه التوسعية تحت غطاء نشر مبادئ الثورة الفرنسية.
إلى أن تمكن تحالف الدول الأوربية الكبرى (روسيا، بروسيا، النمسا، إنجلترا) من القضاء عليه في معركة "واترلو" في 18/06/1815. والواقع أنّ هزيمة نابليون أتاحت الفرصة لإجماع الدول الأوربية للنظر في المسائل المترتبة على ذلك وبالذات لإعادة تقسيم خريطة أوربا بما يحقق التوازن الذي اختلّ بسبب الثورة الفرنسية وحروب نابليون.
ثانيا: المرحلة الثانية (1815-1914):
أهم ما يميز هذه المرحلة هو تحرر القانون الدولي من الطابع الأوربي مع مطلع القرن 19، حيث اتّسع نطاق المجموعة الدولية ليشمل إلى جانب الدول الأوربية بعض الدول الأمريكية التي حصلت على استقلالها وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية. كما تخلّص القانون الدولي من الصيغة المسيحية ابتداء من منتصف القرن 19 عندما انضمّ غلى ميدان العلاقات الدولية لأول مرة دول غير مسيحية مثل الدولة العثمانية والصين واليابان. إضافة إلى ذلك برزت ظاهرة عقد المؤتمرات الدولية في أوربا، وكثرة استعمال المعاهدات كوسيلة لتسوية القضايا الدولية.
1 ـ ظاهرة عقد المؤتمرات: عرفت هذه المرحلة ظاهرة عقد المؤتمرات كوسيلة جديدة للنظر في الأمور الدولية. من أهم هذه المؤتمرات نجد مؤتمري فينا وبرلين.
فمؤتمر فينا انعقد منذ جوان 1814 واستمر إلى جوان 1815، وقد جاء لإعادة النظر في التوازن بقارة أوربا الذي انهار بسبب الحروب نابليون وأطماعه التوسعية، وبالتالي لضمان الاستقرار السياسي، وقد كان الجهاز المكلف بضمان تنفيذ مقررات هذا المؤتمر يعرف باسم Directoire Européen، مكونا من الدول الأربع المنتصرة وهي: روسيا، بروسيا النمسا وإنجلترا.
تضمنت معاهدة فينا الصادرة عن المؤتمر في 09 جوان 1815 عدة مسائل أهمها:
أ ـ إعادة تنظيم التوازن الأوربي: وهنا اختلفت آراء الدول المشاركة (بريطانيا، بروسيا، النمسا، روسيا، إسبانيا، البرتغال، السويد وفرنسا) حول التوازن.
وجهة النظر الأولى تقودها فرنسا، ترى ضرورة أن يأخذ المؤتمر بعين الاعتبار إلى جانب هذا التوازن السياسي مبدأ المشروعية Principe de la légitimité، وهذا الأخير يعني احترام الحق الشرعي للملك على إقليمه ورعاياه نظرا لوجود رابطة مقدسة أبدية تربط بين الملك والإقليم الذي يحكمه.
أما وجهة النظر الثانية فتزعمتها بروسيا، وكانت تعارض مبدأ المشروعية، على أساس أن عمل المؤتمر هو ذو طبيعة سياسية فقط، وبالتالي لا بد من التركيز على معالجة مبدأ التوازن السياسي ورغبات الدول المشاركة.
لكن الاتجاه العام للمؤتمر سار مع وجهة النظر الفرنسية، حيث تقرر عدم الاعتراف بغير الملكيات الشرعية التي قضى عليها نابليون، حيث عادت عروش ملوك النمسا، إسبانيا، بروسيا ونابولي. ومن جهة أخرى تمّ اللجوء إلى بعض التسويات دون رغبات الشعوب كما حصل في تقسيم بولونيا بين كل من روسيا وبروسيا والنمسا، وضم بلجيكا إلى هولندا، وإنشاء حكم ملكي بين السويد والنرويج، كل ذلك أدى إلى تسمية سياسة هذا المؤتمر بأنها رجعية.
كما حصل الاتفاق على التدخل للمحافظة على الأوضاع السائدة بالقضاء على الحركات الثورية التي قد تحدث بإحدى الدول الأوربية. ووضع هذا الاتفاق موضع التطبيق عندما صدرت المعاهدة المعروفة بالحلف المقدس La sainte alliance في 26/09/1815، وهو اتفاق بين روسيا والنمسا وبروسيا ثم انضمّت إليهم إنجلترا، فرنسا، السويد، إسبانيا والبرتغال. يقوم نظريا على أساس تعهد هذه الدول بانتهاج سياسة تستند إلى مبادئ الأخلاق المسيحية المستمدة من الكتب المقدّسة.
لكن في الواقع لم يكن هذا التحالف سوى اتحاد شخصي بين ملوك تلك الدول، هدفه قمع الثورات الداخلية والحفاظ على العروش، وبالتالي المحافظة على الأوضاع الإقليمية في القارة، ذلك لا يتأتّى إلا بمواجهة مبادئ الثورة الفرنسية خاصة مبدأ حق تقرير المصير وتساوي الدول، وذلك ما تمّ مثلا في إسبانيا (1820) وإيطاليا (صقلية في 1821).
الشيء الملاحظ أنّ كل دول الحلف المقدّس عندما حاولت التدخل للقضاء على الحركات الثورية التي اندلعت في بعض المستعمرات الإسبانية والبرتغالية في القارة الأمريكية، وجدت معارضة شديدة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، حتى خلال التصريح الشهير لـ "جيمس مونرو" في 02/12/1823، حيث اعتبر أن بلاده سوف تعتبر أي تدخل من جانب دول الحلف المقدّس خاصة في شؤون الدول الأمريكية الجنوبية حديثة الاستقلال بمثابة خطر يهدد سلامتها، وهو ما كان له اثر في تحديد العلاقات بين الدول الأوربية والدول الأمريكية.
إنّ الحلف المقدّس لم يدم أكثر من عشر سنوات لينهار بعد ذلك من جرّاء انتشار الأفكار والحركات التحررية وظهور مبدأ القوميات.
ب ـ إقرار التنظيمات القانونية الدولية تمثلت فيمايلي:
• تنظيم البعثات الديبلوماسية من خلال سن قوانين خاصة بالوضعية الخاصة للمبعوثين الديبلوماسيين.
• تنظيم الملاحة بالأنهار الدولية مثل نهر الراين والدانوب.
• وضع سويسرا في حالة حياد دائم Neutralité permanente.
• منع تجارة الرقيق.
أما بالنسبة لمؤتمر برلين لسنة 1885، فقد تمّ في إطار تقسيم مناطق النفوذ خاصة بقارة إفريقيا بين الدول الأوربية الكبرى، وكان ذلك بمثابة التكريس القانوني لنظام الاستعمار.
وهكذا بالتدريج أصبحت المؤتمرات الدولية وسيلة ضرورية للنظر في القضايا الدولية المستجدة وتطلبت حلولا جماعية، فكانت تنعقد كلما استدعى الموقف ذلك، غير أنّ تعدد المؤتمرات التي كان يغلب عليها الطابع السياسي تطلب عقد مؤتمرات فنية (أي متخصصة في جوانب إجرائية أو مهنية) للموضوعات المشتركة بين الدول ذات العلاقة.
2 ـ تقارب الدول الأمريكية: أخذت المستعمرات الإسبانية والبرتغالية تثور وتستقل، وهناك عوامل كثيرة ساعدت على تحقيق التقارب بين شعوب الأقاليم الأمريكية منها:
أ) التجاور الجغرافي، ب) التاريخ المتشابه، ج) النضال ضد عدو واحد متمثل في المستعمرين الأوربيين، د) الخوف من مساعدة دول المؤتمر الأوربي لإسبانيا والبرتغال على استرجاع مستعمراتهما.
وانطلاقا من هذا الواقع تقمصت الولايات الأمريكية دور الحامي لاستقلال الدول الأمريكية، فأصدر رئيسها "جيمس مونرو" تصريحه المشهور سنة 1823 الذي كان لها تأثير على السياسة الدولية، وخاصة على تطور العلاقات بين أوربا وأمريكا حيث جاء فيه:
أ) حق الدول الأمريكية في الاستقلال، ب) عدم جواز استعمار أي إقليم من البلاد الأمريكية، ج)عدم جواز تدخل الدول الأوربية في شؤون دول العالم الجديد.
وكما كانت دول المؤتمر الأوربي تتجمع وتتشاور، مشتركة في معالجة الشؤون الدولية، فإنّ الدول الأمريكية هي الأخرى تعقد المؤتمرات الدورية محاولة تنسيق العلاقات المتبادلة بينها فابتدأت أول الأمر بإنشاء مكتب تجاري للجمهوريات الأمريكية عام 1889 تحول فيما بعد إلى اتحاد الدول الأمريكية.
3 ـ مبدأ القوميات Principe des nationalités : لقد لعبت القومية دورا هاما في العلاقات بين الدول خاصة في القرن 19 ومطلع القرن 20.
إنّ الحديث عن مبدأ القوميات يرتبط قبل كل شيء بتحديد معيار القومية أو الأمة، فالقومية أو الأمة تعرف حسب الفقهاء على أنها رباط روحي يوجد بين مجموعة من الأفراد تجمعهم صلات روابط مشتركة كالعرق، الدين، اللغة، التاريخ، المصير المشترك، التقاليد والعادات... إلا أنّ الخلاف تمحور حول المقوم الأساسي في تشكيل الأمة. لذلك نجد أنه في تلك الفترة وعلى المستوى الفكري النظري برزت نظريتان أساسيتان في الفقه الغربي، طرحتا بمناسبة النزاع بين ألمانيا وفرنسا حول السيادة على مقاطعتي الألزاس واللورين، النظرية الموضوعية وتمثلها المدرسة الألمانية، والنظرية الشخصية أو الإرادية وتمثلها المدرسة الفرنسية.
أ ـ المدرسة الألمانية: تنطلق من اعتبارات موضوعية في تحديد مفهوم الأمة. فهناك اتجاه يرى أنّ اللغة هي المعيار الأساسي الوحيد للأمة، ودافع عن هذه الفكرة الفقيه الألماني "مومسن" Mommsen حيث يقول: "إذا كان الألزاسيون قد فقدوا وعيهم القومي بسبب الاحتلال الفرنسي فإنهم لا يزالون ألمانا باللغة...".
وهناك اتجاه يرى أن العرق هو المعيار الأساسي للأمة، أما اللغة فهي مجرد معيار تابع وكاشف عن العرق. ومن بين هؤلاء فيما بعد نجد مثلا "هتلر" Hitler من خلال كتابه "كفاحي" Mankeifسنة 1933.
ب ـ المدرسة الفرنسية: تنظر إلى الأمة انطلاقا من اعتبارات نفسية ـ إرادية Psycho- volontariste، وبالتالي هي مجموعة من الأفراد اتفقت مشيئتهم (إرادتهم) على أن يعيشوا سويا مع بعضهم البعض... ومن بين المدافعين عن هذه النظرية نذكر الفرنسيان "آرنست رينان" Ernest Renan و"فوستيل دي كولانج" Fustel De Coulanges.
لكن يعاب على هذه النظرية أنّ الإرادة لا تصلح لوحدها في تفسير ظاهرة الأمة على أساس أنّ الإرادة لا تقوم على فراغ وإنما لا بد من وجود دوافع وأسباب تجعل الأفراد يلتفون حولها.
هكذا فإنّ مبدأ القومية يعني أنّ لكل دولة (أو كل شعب) الحق في تقرير مصيرها، وبالتالي تشكل دولة وطنية مستقلة خاصة بها. ولذلك ارتباط مبدأ تقرير المصير في هذه الفترة بمبدأ القوميات هو الذي دفع إلى تسميته بمبدأ تقرير المصير القومي.
من الناحية الواقعية، نجد أن هذا المبدأ قد نجح في كثير من الحالات مثل انفصال اليونان عن الدولة العثمانية سنة 1830، وانفصال بلجيكا عن هولندا سنة 1831، والوحدة الإيطالية سنة 1871، والوحدة الألمانية سنة 1871...
وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ ظهور مبدأ القوميات قد لعب دورا أساسيا في القضاء على سياسة الحلف المقدّس، وتمهيد الطريق نحو اتباع سياسة أوربية جديدة عرفت بسياسة الوفاق الأوربي Concert européen، كانت تهدف هذه السياسة إلى تحقيق الأمن على مستوى القارة وإيجاد التسويات للمنازعات التي قد تنشأ بين الدول الأوربية. وكان تنفيذ هذه السياسة يتم عن طريق عقد مؤتمرات ترجي بصفة شبه دورية بناء على طلب إحدى الدول الكبرى، وذلك ما ساهم في إرشاد كثير من قواعد القانون الدولي العام من خلال الاتفاقيات التي كانت تبرم في ظل هذه المؤتمرات.
4 ـ انتشار استعمال المعاهدات: برز بشكل واضح خلال هذه الفترة اللجوء المكثف لإبرام المعاهدات، التي أصبحت أسلوبا قانونيا تلجأ إليه معظم الدول في تعاملاتها المتبادلة لمعالجة قضايا عديدة أساسها ضمان التوازن على الصعيد الأوربي أو تجنب الحروب وحل المشاكل المتعلقة بمناطق النفوذ، وذلك ما ساعد على تطور التنظيم الدولي. ومن أهم هذه المعاهدات نذكر على سبيل المثال معاهدة باريس سنة 1856 خاصة بقانون البحار، المعاهدات المنظمة لوضع المضايق التركية والبحر الأسود (1841، 1856، 1871، 1878)، اتفاقية جنيف بشأن وضع أسرى الحرب سنة 1864، اتفاقية بروكسل بشأن حظر تجارة الرقيق سنة 1890...
وتبقى المعاهدات التي كان لها تأثير كبير على تطور قواعد التنظيم الدولي هي دون سك معاهدتي "لاهاي" لسنتي 1899 و1907 اللتان تضمنتا معالجة مسألة السلم في العالم عن طريق صياغة قواعد خاصة لحل النزاعات الدولية سلميا، وسن قواعد قانونية لتنظيم حالة الحرب وحالة الحياد. كما اقترحت إنشاء محكمة تحكيم دولية دائمة يكون مقرها بمدينة "لاهاي" للنظر في النزاعات الدولية.
كما تبرز أهمية هاتين المعاهدتين من حيث أنهما جاءا يف وقت السلم، وهو ما يعني ظهور نوع من الديبلوماسية الجماعية في وقت السلم، وعدم قصرها على الدول الأوربية بل ساهمت فيها أيضا دول غير أوربية.
5 ـ اتّساع العلاقات الدولية: لقد ساعد انتهاج سياسة الوفاق الأوربي (التي طبعتها الدول الأوربية) على تهيئة المحيط العام ليصبح أكثر ملاءمة لقبول فكرة المساواة القانونية بين الدول. هذه المساواة برزت من خلال إقرار سياسة الباب المفتوح في ميدان العلاقات الدولية، مما سمح بدخول دول جديدة إلى المجموعة الدولية آنذاك مثل الدولة العثمانية (ولو بنية تقييدها بجملة من الالتزامات الدولية للتمكن من التصرف في البلاد التي تقع تحت حكمها) خلال مؤتمر باريس سنة 1856، وكذا الصين واليابان...، وبالتدريج ارتفع عدد أعضاء الجماعة الدولية بمناسبة انعقاد مؤتمر لاهاي الثاني سنة 1907، حيث بلغ عدد الدول المشاركة 44 دولة من بينها 19 دولة أمريكية ودولتين من إفريقيا.
ثالثا ـ المرحلة الثالثة (منذ 1914) أو المجتمع الدولي المعاصر:
لقد شهدت الفترة الممتدة من 1914 إلى سنوات التسعينات الحالية حدوث تغيرات هامة على الساحة الدولية، وظهور عوامل أساسية جديدة أثرت بشكل أساسي على تطور المجتمع الدولي، وبالتالي تطور قواعد القانون الدولي، ويمكن إجمال تلك العوامل الأساسية في العناصر التالية:
1 ـ تبلور التنظيم الدولي: إنّ المجتمع الدولي المعاصر هو مجتمع منظم لأنه يخضع لجملة من القواعد تنظم العلاقات داخله (بين أعضائه). ورغم الحروب والمآسي التي عرفتها هذه المرحلة، إلا أنها بالمقابل سجّلت العديد من المؤتمرات والاتفاقيات والمعاهدات التي تهدف إلى إرساء وتطوير التعاون بين الدول، إضافة إلى ذلك بروز ظاهرة التنظيم الدولي من خلال إنشاء المنظمات الدولية لنفس الغرض، وظهور الشركات المتعددة الجنسيات.
إنّ فكرة التنظيم الدولي هي فكرة قديمة، طرحها العديد من المفكرين لكن لم تتجسّد ميدانيا إلا بعد الحرب العالمية الأولى (ح.ع.1) عندما أنشئت أول منظمة عالمية ذات طبيعة سياسية ـ قانونية هي عصبة الأمم بمقتضى معاهدة فرنسا في 28/04/1919 من أجل حفظ السلم في العام وتنظيم العلاقات الدولية، وفتحت بذلك عهدا جديدا في العلاقات الدولية.
ولكن لما انهارت العصبة سنة 1939 عندما عجزت عن حل الكثير من النزاعات الدولية والتي من أهمها قيام الحرب العالمية الثانية (ح.ع.2) وما أفرزته من دمار وخراب، جاءت منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 وأكثر من ذلك فإن اعتبارات التضامن بين الدول خاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، دفع ذلك المجموعة الدولية إلى تأسيس منظمات دولية متخصصة يف عدة مجالات تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة.
وهكذا فإنّ المجتمع الدولي المعاصر يشهد تزايدا ملحوظا في عدد المنظمات الدولية، وبالتالي كان لهذه الظاهرة (التنظيم الدولي) انعكاسات عميقة على تطور المجتمع الدولي وتطور قواعد القانون الدولي، بدليل الاعتراف القانوني بأنّ المنظمة الدولية هي شخص من أشخاص القانون الدولي؛ أي أنها مخاطبة بأحكام هذا القانون، وبالتالي تتمتع بالشخصية القانونية الدولية. وقد تأكّد ذلك بوضوح في الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 11/04/1949 في قضية تعويض الأمم المتحدة عن الأضرار التي تلحق بموظفيها أثناء تأدية مهامهم، وهي القضية التي أثيرت بعد مصرع وسيط الأمم المتحدة في فلسطين "الكونت برنادوت" على يد العصابات الصهيونية في سبتمبر 1948، وال>ي قد قدم إلى فلسطين لتقصي الحقائق حول الوضع العام إثر وقوع أول حرب عربية إسرائيلية في 1948.
2 ـ عالمية المجتمع الدولي: بعد أن زال الطابع الأوربي المسيحي عن المجتمع الدولي مثلما كان الحال في القانون الدولي التقليدي (القانون العام الأوربي) من خلال بروز دول غير أوربية على الساحة الدولية (مثل الولايات المتحدة الأمريكية) ودول غير مسيحية (تركيا، اليابان)، تطور الأمر إلى ارتفاع عدد أعضاء هذا المجتمع الذين ينتمون إلى ثقافات وحضارات مختلفة، خاصة بعد انهيار النظام الاستعماري بفعل الحركات التحررية في قارتي آسيا وإفريقيا، واستقلال العديد من الدول منذ الستينات.
إنّ ظهور هذا الكم من الدول الحديثة الاستقلال جاء بآثار جديدة مست العلاقات الدولية من خلال سعيها إلى توحيد جهودها والتكتل للدفاع عن مصالحها في مواجهة الدول الكبرى المتقدمة (التي وضعت قواعد القانون الدولي) ليس على الصعيد السياسي الدولي، بل أيضا في مجال القانون الدولي الذي يحكم المجتمع الدولي وينظم العلاقات داخله، حيث حرصت هذه الدول على السعي لتقرير المزيد من الحقوق لها تمكنها من تجاوز مختلف الصعوبات التي تعاني منها بحكم معاناتها خاصة من مخلفات الاستعمار.
إضافة إلى ذلك عرفت نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من هذا القرن بروز ظاهرة الوعي القومي في أوربا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سابقا وتفككه، وتراجع النظام الشيوعي، مما أدى إلى تفكك عدة دول مثل يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، واتحاد دول أخرى كالألمانيتين الشرقية والغربية. وحاليا فإنّ عدد الدول الأعضاء يف منظمة الأمم المتحدة وصل إلى 185 دولة (آخرها دولة "بيلاو" الواقعة في المحيط الهادي التي انضمت في سبتمبر 1974) بعد أن كان عدد الدول التي وقعت سنة 1945 على ميثاق سان فرانسيسكو 51 دولة فقط.
3 ـ تقسيم العالم: بعد انتهاء ح.ع.2 بدأت المصالح تغلب على الهداف المشتركة كما بدأت الأطماع تحتل المكانة الأولى في سياسة الدول، الأمر الذي ترتب عليه أن حلفاء الأمس أصبحوا أعداء اليوم.
زاد من شدة هذا الاختلاف وجود اختلاف آخر بين السياسة المطبقة في الدول المختلفة فقد ظهر الاتحاد السوفياتي كأحد القوى القطبية في العالم، وكذلك باعتباره الدولة الاشتراكية الكبرى التي تحاول أن تحمي نظامها وتعمل على توسيع تطبيقه في البلاد المختلفة، ويف نفس الوقت خرجي الولايات المتحدة الأمريكية من الرحب أيضا كقوة قطبية أساسية في العالم الغربي التي تطبق المذهب الفردي والنظام الرأسمالي، ومن ثمّة تسعى غلى حماية هذا النظام وتوسيع دائرة تطبيقه.
وقد استدعى هذا الوضع أن تقوم كل قوة بتكوين تجمع دولي حولها يتحقق فيه قدر معين من الانسجام والتنسيق. وهكذا كان الاختلاف المذهبي عاملا أساسيا في ظهور الكتل الدولية (الكتلة الشرقية والكتلة الغربية أو الدول الاشتراكية والدول الرأسمالية). هذه الكتل الدولية قامت من اجل تحقيق ما كانت تهدف إليه الأحلاف يف الماضي لكن تتميز بقيامها على استراتيجية أكثر ثباتا ورسوخا من الحلاف القديمة.
ومع ظهور هذا التنازع الواضح بين هاتين الكتلتين، وسعيا وراء تأكيد استقلال الشعوب المستعمرة، ورغبة في إحلال الأمن والسلام في العالم على أسس من العدل والتعاون المشترك، ظهرت مجموعة دولية أكثر مرونة في تشكيلها ومذهبها من المجموعتين السابقتين، كما أنها أكثر بعدا عن الاهتمام بمسائل التنظيم العسكري. هذه الفئة الجديدة تشمل ما يعرف باسم مجموعة دول عدم الانحياز.
أ ـ دور الكتلة الغربية: أو الدول الرأسمالية، فمنذ ح.ع.2 كانت الدول الغربية وعلى رأسها (و.م.أ) تدرك مدى عدم التوافق بعد الحرب مع الاتحاد السوفياتي، وكمحاولة لحماية أوربا الغربية من السيطرة الروسية (خاصة بعدما حدث في بولندا سنة 1945 وتشيكوسلوفاكيا سنة 1948) بدأت (و.م.أ) في تزعم قيادة الدول الغربية في مواجهة المد السوفياتي، وقد اقتضى ذلك ضرورة قيامها بأمرين أساسيين هما: الأول: مساعدة أوربا الغربية للخروج مما ترتب على الحرب من دمار، ولذلك جاءت خطة الجنرال "مارشال" التي أعلن عنها في "هارفرد" في 05/07/1947. والثاني: تقرير نظام دفاع مشترك يكفل الدفاع عما يسمى بالعالم الغربي، تحقق من خلال حلف شمال الأطلسي، وبررت ذلك على أنه اتفاق للدفاع الشرعي الجماعي.
ب ـ دول الكتلة الشرقية: كان للقوات الروسية دور كبير في تحرير كثير من الدول الأوربية الواقعة في شرق ووسط القارة الأوربية من القوات الألمانية. وبمجرد انتهاء الحرب حاول الاتحاد السوفياتي فرض سيطرته على هذه الدول، حيث ساعد على إقامة نظم اشتراكية فيها. وكمحاولة لحماية هذه الدول من تأثير الدول الغربية، عمد الاتحاد السوفياتي إلى إقامة نوع من التحالف الجماعي بين هذه الدول المختلفة. هذا التحالف يقوم على أساس منظمتين هما حلف وارسو (يختص بالمسائل العسكرية) ومنظمة الكوميكون (تختص بالأمور الاقتصادية).
لقد عرفت دول المجموعة الشرقية مبدأين أساسيين هما: مبدأ البروليتارية الدولية، مبدأ التعايش السلمي، ولكل منها مجال للتطبيق. فالأول: مخصص فقط للدول الاشتراكية، أما الثاني: فيدخل في إطار العلاقات بين الدول الاشتراكية وغيرها من الدول الأخرى خاصة الغربية منها.
فمبدأ البروليتارية الدولية: يشكل أساس أشكال التعاون المختلفة بين الدول الاشتراكية وبالتالي أساس العلاقات بينها، وهو يعلو على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وذلك في حالة ما إذا كانت الاشتراكية في خطر. وهذا ما طبق في المجر عام 1956، وتشيكوسلوفاكيا عام 196، لأنه في الواقع الاعتبارات السياسية هي التي تحكم العلاقات الروسية مع دول الحلف (وارسو) وليست المقتضيات القانونية. هذه الاعتبارات السياسية تخضع لتقدير السلطة الروسية وحدها. ولعلّ احسن دليل على ذلك ما يعرف بمبدأ "برجتيف" عن السيادة المحدودة للدول الأوربية المتخالفة مع الاتحاد السوفياتي، بل أن هذا التحديد يخضع للتقدير المطلق للسلطة الروسية. وهكذا لم يكن ليستمر هذا المبدأ خاصة بعدما اتضحت أوجه التفاوت بين الشعوب والحكام في هذه الدول. كما أنّ المصالح الاستراتيجية تتحكم في العلاقات بينها.
السيادة:
1ـ ظهور فكرة السيادة: السيادة تجد مصدرها الأول بالمفهوم الغربي في الصراع بين الملوك وأمراء الإقطاع من جانب وفي النزاع بين السلطتين الدينية والزمنية من جانب آخر.
ـ والسيادة مفهوم حديث ذو اصل فرنسي ارتبط بظروف الصراع بين أمراء الإقطاع وملوك فرنسا خلال العصور الوسطى.
ـ وتعود مبادرة صياغة وبلورة هذا المدلول للسيادة إلى الفقيه الفرنسي (جون بودان) الذي عرض في مؤلف نشر عام 1576 تحت عنوان الكتب الست للجمهورية (حيث يرى أن السيادة غبر قابلة للتجزئة).
2 ـ تعريف السيادة: تعددت تعاريف السيادة
أ ت السيادة هي السلطة العليا.
ب ـ السيادة وصف للسلطة وخاصة من خصائصها الأساسية.
ـ معنى السيادة في الأصل الأول الغربي يقيد السلطة العليا الآمرة في الدولة، لكن مادامت الدولة شخص معنوي فمن صاحب السيادة إذا؟
ـ في الجواب على هذا السؤال تعددت الآراء.
ـ فقال كل من بودان وهوبز أن السيادة ملك الملك، وقال وجون جاك روسو أن السيادة ملك الإدارة العامة (الأمة) وجعلت الثورة الفرنسية السيادة للأمة أيضا. ثم تطورت الأوضاع في العصر الحديث، وأجمعت أغلب دساتير الدول الحديثة على أن السيادة ملك للشعب.
3 ـ أساس السيادة:
المشكلة الأساسية في موضوع السيادة هي: كيف تسمو إرادة إنسانية على إرادة إنسانية أخرى وأجابت عن هذا السؤال عدة نظريات هي:
1. نظريات دينية (تيوقراطية): ومنها نظرية الحق الإلهي المباشر ونظرية الحق الإلهي غير المباشر.
2. نظريات ديمقراطية: ومنها نظرية العقد الاجتماعي.
كما قامت مدارس مختلفة في دراسة موضوع السيادة والبحث في أساسها وجوهرها وممارستها ومنها.
1 ـ المدرسة التاريخية: أسسها سافيتي الذي يعتقد أنا مصادر القانون هي عادات وأعراف الأمم ومن ثمّة فالسيادة للأمة.
2 ـ المدرسة الوضعية: أسسها دي مارتز القائل أنه مادام القانون هو نتاج سيادة الدولة وهذا القانون نفسه هو الذي يقيد ويحكم الدولة لكنه يجب أن يصدر عن إرادتها (المتمثلة في المعاهدات والعرف).
3 ـ مدرسة السيادة المطلقة: وهي مدرسة ألمانية وأسسها جورج جيلينيك وترى أن سيادة الدولة مطلقة دون قيد أو أي حد وقد قال هيقل بهذا النظرية أيضا.
4 ـ مدرسة حقوق الدول: وهي مدرسة فرنسية وأسسها بيليه الذي يعتقد أن أساس القانون الدولي يكمن في الحقوق التي تتمتع بها كل دولة في نطاق علاقات التعايش بين أعضاء الأسرة الدولية التي يجب أن يتم الاعتراف بها وأهم هذه الحقوق هي: حق البقاء، والاستقلال والاحترام، والتعامل مع الغير.
مظاهر السيادة: لسيادة الدولة مظهران، داخلي وخارجي.
الداخلي: وهي مباشرة الدولة بكل استقلالية اختصاصاتها وسلطتها على شعبها وإقليمها ومرافقه العامة وتختار النظام السياسي الذي يلائمها.
الخارجي: قيام العلاقات بين الدولة والدول الأجنبية على أساس المساواة في السيادة وعدم التدخل، وحق الدول في استقلالها ثرواتها.
ومن صفات هذه السيادة أيضا:
1. غير قابلة للتجزئة أو التقسيم في الدولة الواحدة.
2. غير قابلة للتصرف (لا بيع ولا تنازل، ولا تملّك...).
3. لا سيادة إلا سيادات الدول.
5 ـ تطور مفهوم السيادة: تطور مفهوم السيادة عبر المراحل التاريخية المختلفة لتطور المجتمع الدولي:
1ـ في العصور القديمة: كان الحاكم يعتبر سيدا على المواطنين جميعا يمارس سلطانه دون حدود أو ضوابط، ومع ذلك ظهر فكرا ينادي بمعرضة ذلك. فظهر كونفوشيويس في الصين القديمة نادى بإقامة جمهورية عالمية تستند إلى رضا الشعب الذي يملك السيادة.
ـ أما اليونانيون فقد كرّسوا مبدأ استقلالية الدول المختلفة وتمتعها بالسيادة داخليا وخارجيا حتى داخل اليونان الكبرى.
ـ وعند الرومان نجد السيادة أصلها الأول في تنظيم العائلة الرومانية التي يقف على رأسها سيدها وذلك استنادا إلى النظام القبلي كما هو الحال في المجتمع العربي قبل الإسلام (العهد الجاهلي).
2 ـ في القرون الوسطى: تميّز عهد سيطرة الإقطاع في أوبا بتعدد أصحاب السيادة يف الدولة الواحدة (المجتمع الواحد) لأن الإقطاعيين من الملاك الكبار كانوا يشاركون الملوك في السلطة.
كما عرف هذا العصر صراع بين السلطة الزمنية والدينية، وانتهى باعتماد العلمانية في الدول الأوربية التي قضت بفضل الدين عن الدولة.
3 ـ العصر الحديث: ارتبط اسم نظرية السيادة باسم (جودان بودان)(1530-1596) حيث عرف السيادة: "السلطة العليا على المواطنين والرعايا والتي لا تخضع إلا للقانون"
ـ لكن ابن خلدون (1332- 1406) كان أول من وضع نظرية في سيادة الدولة.
6 ـ انتهاك السيادة: إذا كان المبدأ العام الدولي المعاصر يقضي احترام سيادة الدول فالواقع الدولي قد عرف صورا كثيرة لانتهاك السيادة منها:
ـ الاستعمار، الانتداب، التدخل، الحماية والوصاية.
تعريف الاعتراف: يعني الاعتراف بأمرها وهو ما يتعلق مع قوله تعالى: "فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير"[الملك، الآية ].
أما في القانون الدولي فالاعتراف هو: "ينصرف الاعتراف إلى كل ما يصدر عن الإرادة المنفردة لأي من أشخاص القانون الدولي العام من تصرفات قانونية من جانب واحد تستهدف الإقرار بقيام وضع دولي معين والسلم بمشروعيته".
ملاحظة: هذا التعريف يشترط المشروعية في موضوع الاعتراف ليكون صحيحا أما إذا تعارض مع قاعدة دولية آمرة فيعد غير مشروع وباطل.
ـ تنوع مواضيع الاعتراف حسب الأوضاع المعترف بها إذ هناك الاعتراف باكتساب إقليم أو فقدانه، وإقامة نظام حياد دائم، رسم الحدود، تغير حكومات، حركات تحرير، حالات حرب.
ـ ويكفي في الاعتراف الإرادة المنفردة أو بالامتناع أو التقبل الناتج عن السكوت بشأن وضعية ما كان من المفروض اتخاذ موقف بشأنها.
ـ وأهم نقطة يثيرها هو عندما تتعلق المسألة بوجود دول أو حكومات بين النظرية المنشئة والنظرية المقرّرة.
أهمية الاعتراف:
1. هدفه تيسير اتصال الحكومة الجديدة بحكومات دول أخرى.
2. يسهل إقامة العلاقات بين البلدان، فالدول الجديدة لا تدخل في علاقات قانونية إلا مع الدول المعترف بها، والانضمام للهيئات يكون بعد الاعتراف.