محاضرات في الادب الشعبي العام لطلبة السنة الثانية 1+2+3
محاضرات في الأدب الشعبي
المدرسة العليا للأساتذة في الآداب
والعلوم الإنسانية – بوزريعة –
قسم اللغة العربية وآدابها
محاضرات في الأدب الشعبي العام
السنة : الثانية
الدكتور : عبد الحميد بوسماحة
المحاضرة رقم 01: الفولكلــــــــــــورمقدمة تاريخية :
- البدايات – المصطلح : يعتبر "وليم جون تومر William Jhon Thoms" أول من صاغ مصطلح "فولكلور" في رسالة بعث بها في مجلة "ذي اثنيون The Athenacum" في سنة 1846. وقد اعترفت جمعية الفولكلور الإنجليزية بهذا المصطلح عند تأسيس سنة 1877.
وقد جاء هذا الإصطلاح ليخلف عبارة "الآثار الشعبية القديمة (الأثريات) التي كانت تستخدم في دراسة المأثورات والعادات والتقاليد.
يتألف اصطلاح فولكلور من مقطعين Folk ويعني الناس وLore ويعني معرفة أو حكمة، وتعني الكلمة بذلك معارف الناس أو حكمة الشعب- وهناك من العلماء من يرى أن المصطلح هو ترجمة للكلمة الألمانية "فولكسكندة VOLKSKUNDE" التي عرفتها الدراسات الألمانية بداية القرن 19 – البدايات- المادة الفولكلورية :
لعل الإهتمام بالمادة الفولكلورية يعود إلى تلك الكتب التي كتبت حول بعض الأجناس البشرية أو الشعوب والأقوام مع نهاية العصور الوسطى مثل كتاب "جرمانيا" GERMANIA لتاسيتوس الذي نشر في القرن الخامس عشر (15) ولقي اهتماما كبيرا من طرف الدارسين الألمان وأعيد طبعه عدة مرات. وحذا الدارسون خذوه فظهرت عدة دراسات ترمي إلى وصف سكان بعض المناطق وتؤرخ لحياتهم مثل كتابات سبستيان فرانك SBASTIAN FRANK الذي توخى فيها، وصف الأحياء والمدن الألمانية في القرن السادس عشر وقد استمر الإهتمام بالمواد الفولكلورية في الفرون التالية. ونضج هذا الإهتمام في ألمانيا على يد الأخوين "ياكوب جريم" و"فلهلم جريم" في منتصف القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، واتسمت معالجاتهم للمادة الفولكلورية بالمنهجية العلمية فجمعها منظما وعملا على تحليلها وتصنيفها وشرحها. لقد يسر الأخوان جريم للناس الإطلاع على المادة الفولكلورية وقاما بتبسيطها لتكون في متناول الجميع ورغم أن علم الفولكلور اليوم لايسمح بإجراء تعديلات وتغييرات مشابهة لتلك التي أجراها الأخوان جريم على المادة الفولكلورية (إعادة الصياغة) فلا شك أن لهما فضل لفت الأنظار إلى أهمية هذه المادة وتقريبها إلى نفوس الناس وتخليدها في منشورات ظلت تلقى اقبالا كبيرا من طرف القراء إلى يومنا هذا. –لم يكتف الأخوان جريم بعملية الجمع والتنظيم والتصنيف بل تجاوزها إلى محاولة التنظير فقالا بانحدار الحكايات الأوروبية من التراث الهندو أوربي وأن الحكايات الموجودة في عصرهم ما هي إلا بقايا أساطير مندثرة وإذا كانت مثل هذه النظريات قد تجوزت الآن ولم تبق مقبولة، فإنه كان لها فضل إثارة نقاشات واسعة لاسيما بعد أن أنارت السبيل أمام الدارسين لإكتشاف نظريات مجدية في تحليل المادة الفولكلورية إلى جانب جهود الأخوين جريم أسهمت المجلات المحلية التي ازداد عددها في القرن التاسع عشر وراحت تتنافس في نشر التراث المحلي لأقاليم ألمانيا وخاصة تلك المأثورات القديمة التي تعود إلى فترات سابقة على العهد المسيحي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تأصلت الإتجاهات العلمية المنهجية في مجال الدراسات الفولكلورية ويلاحظ أن الألمان في هذه الفترة وجهوا عنايتهم للثقافة المادية وما يتعلق بالتقاليد والأعراف وأهملوا إلى حد ما الأدب الشفاهي غير أن هذه الحركة العلمية سرعان ما اتسعت وغطت مختلف المجالات مع بداية القرن العشرين فظهرت دراسات "إريس شميدت Erich Smidt " "وجون ماير John Meir" "وفلهلم بسلر Vilhelm Passler وأدولف شبامر Adolf Spamer الذين تناولوا تاريخ الفولكلور ووصفوا أنواعه ودرسوا المخطوطات القديمة وفسروا كثيرا من النماذج الفولكلورية وقد اهتم الألمان أساسا بوضع الموسوعات الفولكلورية وتجميع الأنماط المتشابهة والتعليق عليها ووضع الحواشي، ونجد "كورت رانكه Kurt Ranke" مؤسس الجمعية الدولية للقصص الشعبي يصدر موسوعة ابتداء من سنة 1950 للحكايات الشعبية وموسوعة ثانية للحكايات الخرافية بهدف تغطية مختلف أقطار العالم، كما يعتبر أرشيف الأغنية الشعبية الألمانية في "فرايبورخ Freiburg" المركز الرئيسي لدراسات الأغنية الشعبية وتتمتع فهرسته بشهرة عالمية كبيرة.
ويعد كتاب "فريدريش زايلر Friedrich Seiler" عن الأمثال الشعبية الألمانية من أفضل الدراسات في هذا المجال.
أما في فينلندا فقد كانت عملية جمع ملحمة الفاليفالا نقطة البداية في الإهتمام الجاد بالمواد الفولكلورية الفنلندية. قام "إلياس لونروث" بجمع مختلف الروايات الشفهية من قصص شعري يتداوله الناس غناء متنقلا من منطقة إلى أخرى رغم قساوة الطبيعة وعدم توفر طرق المواصلات، وقام بتنظيمها ثم نشرها لتصبح الملحمة الوطنية للشعب الفنلندي عملا وطنيا بالدرجة الأولى وقام الدارسون بتنظيم عملية الجمع والفهرسة والنشر، وأسسوا أرشيفا ومعهدا للدراسات الفولكلورية لازال إلى اليوم يعتبر المعاهد العالمية ادمامة، ويجب الا ننسى أن الدارسين الفلنديين هم الذين قدموا لنا "المنهج التاريخي الجغرافي" الذي اشتهر في القرن 19 ولا زالت له قيمة تاريخية حتى اليوم. ولعله من الجدير بالملاحظة أن نسجل بأن إهتمام الدارسين الفنلنديين يالمادة الأدبية الشفهية كان طاغيا.
وبعد مرحلة التركيز على "الكاليفالا" بتأثير العالم "الياس لونروث" إتسع مجال اهتمام الدارسين الفنلدنيين فراحوا يهتمون بمختلف أنواع المأثورات، ومن أبرز هؤلاء الدارسين "كارل كرون" الذي أصدر سنة 1886 الجزء الأول من كتابه "الحكايات الشعبية"فضمنه "حكايات الحيوان" ليلحق به بعد ذلك حكايات الملوك سنة 1893. وقد اكتملت المنهجية العلمية في عملية الجمع والتدوين عند هذا الدارس فوجدناه يعتمد على المادة التي أخذت من الناس مباشرة دون إجراء أي تعديل أو تغيير وقد توجت الأعمال العلمية لكارل كرون بحصوله على أول منصب أكاديمي لتدريس الفولكلور في جامعة هلنسكي سنة 1898. وهو بذلك يعد أول من شغل منصب الأستاذية في هذا العلم في العالم. أكد كارل كرون في مؤلفاته على الطبيعة الفنية للفولكلور كما أكد طبيعته العالمية. واصل الباحث الفنلندي الشهير "أنتي آرن" جهود كارل كرون وأغنى مكتبة التراث الشعبي العالمي بـ "فهرس أنماط الحكايات الشعبية" الذي نشره سنة 1910 وقام بتنقيحه الباحث الإنجليزي "ستيث تومسن" وأعيد نشره بالإنجليزية تحت عنوان Type indexe of folk tales. ويعد هذا الفهرس أساسا لمعظم الدراسات الفولكلورية تحتذيه فهارس الحكايات الشعبية في مختلف أرجاء العالم. وقد ظهرت في فنلندا عدة جمعيات فولكلورية من أهمها جمعية أصدقاء الفولكلور التي تأسست سنة 1907 وأصدرت سلسلة من الدوريات نشرت فيها مواد فولكلورية وأبحاثا وتعليقات حول هذه المادة.
ويحتوي أرشيف الفولكلور الفنلندي على ما يقرب مليونين ونصف مادة فولكلورية مسجلة على بطاقات وأشرطة بالإضافة إلى المخططات التي خلفها رواد الدراسات الشعبية في فنلندا. ويضم الأرشيف مكتبة ضخمة وقاعات للدراسة وقاعات للندوات والتسجيل الصوتي ويحتوي على أكبر قدر من الدراسات العالمية حول الفولكلور بجميع لغات العالم. ويجد فيه الزائر عددا كبيرا من الخبراء والمتخصصين في الفولكلور الذين يتقنون عددا من لغات العالم ويقومون بتسهيل مهمة الباحثين الذين يقصدون الأرشيف وإذا كنا قد أشرنا من قبل إلى الدافع الوطني الذي حذا بالباحثين الفنلنديين إلى جمع ملحمة الكاليفالا تجدر بالإشارة إلى أن هذه الملحمة تعتبر مصدر اللغة الفنلندية الحالية وركيزة الأدب الفنلندي وقد لعبت دورا مهما في توحيد هذه اللغة وهذا الأدب وشدت من تماسك الشعب الفنلندي بحيث أصبحت موجودة في كل بيت فنلندي إذ ينشأ الأطفال على سماعها وقد دخلت أشعارها في البرامج الدراسية في جميع مستويات التعليم وأصبحت دراستها جزءا رئيسيا في دراسة الأدب واللغة الفنلندية.
بدأ الإهتمام بالمادة الفولكلورية في بريطانيا متأخرا ويشير مؤرخي الدراسات في هذه البلد إلى بدايات الإهتمام بالمادة الفولكلورية البريطانية إلى كتاب "وليم كامدن William Kamdem" عن لندن 1605 غير أن الدراسات الفولكلورية البريطانية عرفت دفعا جديدا في منتصف القرن الثامن عشر مع انبعاثات الحركة الرومانسية وكان للألمان تأثير كبير في هذا المجال على الدارسين البريطانيين، وقد عرفت هذه الفترة أعمال الأسقف "توماس بيرسي Thomas Percy" كما قام "السير ولتر سكوت Sir Waltir Scott" بجمع مجموعة كبيرة من الأغاني الشعبية القصصية BALLD والأشعار الشعبية، غير أنه كان كثيرا ما يعدل ويجري بعض التغييرات في الصياغة فقد كان شاعرا يقدم المادة الفولكلورية بأسلوب الشعري ولا يتروع عن إضافة أبيات من عنده. ونهج تلميده "روبرت شامبرز Robbert Chaumbers" نفس النهج فنشر سنة 1825 كتابا عن التقاليد السائدة في "أدنبرة" وكتابا آخر عن الأشعار الغنائية السائدة في اسكتلندا ويلاحظ على هؤلاء الدارسين الذين تشكلت أذواقهم واهتماماتهم في ظل الإتجاه الرومانسي ولعهم بالعناصر الفولكلورية التي تعود إلى عهود غابرة في التاريخ وفترات موغلة في القدم كما شغفوا بالمظاهر الشاذة والأشياء العجيبة والطريفة وخاصة منهم أولئك الدارسون المستكشفون الذين رحلوا إلى المناطق المستعمرة في إفريقيا وآسيا وسجلوا عادات الشعوب المستعمرة وتقاليدها وشيئا من تراثها.
وقد نشطت في هذه الفترة حركة الجمعيات المحلية التي كان يترأسها أفراد من الفئات الأرستقراطية في جمع مواد فولكلورية تتعلق بالأثريات الشعبية والعادات وبعض الصناعات القديمة وتقاليد الإحتفالات والأمثال والألعاب الشعبية واللهجات المحلية. كما أن المجلات والصحف البريطانية أصبحت تخصص صفحات لنشر المواد الفولكلورية، وقد ازدهرت هذه الجهود في منتصف القرن التاسع عشر وحل مصطلح "فولكلور" في بريطانيا كبديل لمصطلح "الأثريات الشعبية" بعد أن استعمله "وليم جون تومز" في مقالاته المنشورة بالمجلات.
وقد توجت هذه الجهود بتأسيس جمعية الفولكلور الإنجليزية سنة 1878 ونلاحظ أن الدارسين البريطانيين في القرن التاسع عشر وبداية هذا القرن جعلوا من العادات والتقاليد المحور الأساسي الذي تقوم عليه الدراسات الفولكلورية، وقد دعا مجموعة من الباحثين وعلى رأسهم "جورج لورانس جوم Sir George L. Gomme" إلى تطوير مظاهر الحياة القديمة لتتأقلم مع ظروف حياة معاصريهم، غير أنهم سرعان ما تخلوا عن هذه الفكرة ليسعوا من أجل بناء حياة ما قبل التاريخ من خلال مخلفات هذه العهود الموغلة في القدم فركزوا اهتمامهم حول تراث البدائيين ومعتقداتهم وأنماط حياتهم وتعد كتابات أدوارد تايلور EDWARD TAYLOR من الأبحاث البارزة في هذا المجال خاصة كتابه "الإنسان البدائي" المنشور سنة 1871. ولا شك أن النصف الثاني من القرن التاسع عشر يعد الفترة الأكثر ازدهارا في تاريخ الدراسات الشعبية البريطانيا إذ ظهرت فيها دراسات مجموعة من الباحثين كان لهم فضل كبير في تطوير الدراسات الفولكلورية ليس فقط على مستوى بريطانيا بل في العالم من أمثال "أدوين سيدن هارتلاند EDWIN SIDNY HARLAND" وأندرو لانج ANDREW LANG وألفريد نت ALFRED NUTT . وكان يمكن أن تؤتي هذه الجهود ثمارها في هذا القرن لو احتضنت الجامعات البريطانية الدراسات الفولكلورية وهو ما لم يحدث وما كان له أترسلبي على هذه الدراسات إذ بدأت تأفل مع أفول نجم الإمبراطورية البريطانية مع بدايات هذا القرن.
وقد عرفت الدول الأوربية الشرقية نفس الإهتمام بالمادة الفولكلورية في القرن التاسع عشر وازداد هذا الإهتمام بعد انتصار الثورات الإشتراكية فيها إذا أصبح لتراث الجماهير والشعب العامل حضوة خاصة واهتماما خاصا من طرف المؤسسات العلمية والجامع
المحاضرة رقم 02: مناهـــــج دراســـــة الفولكلوريتمثل هدف علم الفولكلور في دراسة الجوانب المادية والروحية عند الشعوب، ويعود السبيل إلى ذلك إلى الظروف التاريخية والإجتماعية التي مرّ بها هذا العلم وتنوع موضوعاته والخلفيات الثقافية لرواده. ومن هنا تعددت النظريات واختلفت الإتجاهات والمذاهب ثم تركزت هذه الأبحاث مع مرور الزمن واعتمدت على مناهج واضحة.
ويعتمد علم الفولكلورعلى مجموعة من المناهج الأساسية هي : المنهج التاريخي والجغرافي والإجتماعي والنفسي والوظيفي والبنائي وقد ساعدت كل منها على تفسير العلاقات القائمة بين الشعب والثقافة الشعبية.
1-المنهج التاريخي :
يعتبر المنهج التاريخي أقدم مناهج الفولكلور لأنه ارتبط منذ بدايته بالدراسات الأدبية واللغوية. ويقوم هذا المنهج على الكشف عن أصول النصوص الشعبية وتحديد علاقاتها بالظروف التاريخية التي مرت عليها من خلال تبادل الثقافات المختلفة، ويساعد هذا المنهج على معرفة مظاهر الإتفاق والإختلاف بين النصوص الشعبية في المراحل الزمنية المتعاقبة من أجل الوصول إلى فهم التطور الذي قطعته عناصر الفولكلور، والتعرف على العوامل المحلية والأجنبية التي أدت دورا هاما في تشكيل المادة الشعبية في مرحلة محددة، ومن هنا يفيد هذا المنهج في إجلاء الغموض الذي تتعرض إليه عناصر الفولكلور، ولكن الغلو في استعمال هذا المنهج قد يجر الباحث إلى الخوض في مشكلات فرعية، ولذلك اعتبر علماء الفولكلور الجمع بين النظرة التاريخية والنظرة الجغرافية ضرورة ملحة.
2-المنهج الجغرافي :
تعتبر النظرة الجغرافية قديمة وماثلة في مختلف مراحل تطور العلم واستطاعت اليوم أن تبلغ قدرا وافرا من الدقة. إذا كان المنهج التاريخي يسعى إلى تحديد البعد الزماني للظاهرة الشعبية فإن المنهج الجغرافي يهتم أساسا ببعدها المكاني.
يتوقف تنظيم البيئة على الموقع الجغرافي الذي يثير بدوره عند الجماعة كثيرا من الإحتياجات البشرية ويعمل على اشباعها. وتنحدر أو تتشكل عناصر الفولكلور طبقا لهذه الإحتياجات، ويظهر هذا المنهج الجغرافي إذن في ارتباط عناصر الفولكلور بالظروف الجيولوجية والمناخية والإقتصادية...إلخ وتختلف علاقة عناصر الفولكلور بالبيئة الطبيعية من حيث الضعف والقوة. إن الصلة القائمة بين بعض عناصر التراث الشعبي والظروف الجغرافية محدودة كالأغاني والأمثال والألغاز والحكايات الخرافية والأعمال الدرامية الشعبية، بينما تظهر أهمية المنهج الجغرافي في الجانب المادي من الفولكلور إذ يتعذر دراسة أدوات النشاط الزراعي والحرفي إلا في نطاق البيئة المحلية.
يجب ألا تبالغ في تقرير أثر الموقع الجغرافي على تشكيل عناصر الفولكلور وصياغته لأن أكثر النماذج الشعبية ليست نتاجا طبيعيا وحسب ولكنها وليدة إبداع العقل البشري للإنسان الذي يعيش في المكان.
3-المنهج الإجتماعي :
يسعى المنهج الإجتماعي إلى دراسة ظروف المجتمع وطبيعة العلاقات والنظم الإجتماعية، ويهتم أصحابه بالجماعة التي تحمل الفولكلور باعتباره انعكاسا مباشرا لأساليب حياتها وتفكيرها.
إن تعرض الجماعات الشعبية إلى التفكك وإعادة ترتيبها بعد أن كانت متميزة بالتماسك والعزلة ظاهرة شائعة في المجتمعات النامية، ومن هنا جاء الإهتمام أكثر بالدراسة الإجتماعية للفلكلور.
يحاول المنهج الإجتماعي أن يحدد رصيد الطبقات الإجتماعية من الفولكلور بجميع مياديه : الأدب الشعبي، العادات والتقاليد، المعتقدات، الفنون والمنتجات المادية الشعبية، كما يتناول المنهج الإجتماعي التفاوت القائم بين الجماعات الشعبية في الريف والمدينة من الفولكلور سواء أكان من حيث الكم أم النوع. ولا يتمثل هذا الإختلاف في رصيد الفئات من عناصر التراث الشعبي فقط ولكن في ثراء العناصر الشعبية أو فقرها ودرجة السلوك الشعبي عند هذه الفئات ويبين المنهج الإجتماعي الدور الذي تقوم به هذه الجماعات المتنوعة في حمل هذا التراث الشعبي وتناقله عبر الأجيال والعمل على الإبداع فيه وتعديله بالحذف والإضافة. كما يهتم بإبراز تميز الفئات أو الطوائف بأنواع من عناصر الفولكلور وذلك من حيث العمر والجنس (الذكور أو الإناث) ويركز المنهج الإجتماعي كذلك على دراسة حركة التراث الشعبي داخل البيئة الإجتماعية وتعيين خطوطها العمودية أو الأفقية (من الكبار إلى الأطفال – من أسفل إلى أعلى – من أعلى إلى أسفل ... إلخ) ورصد التغيرات التي تطرأ على المادة الشعبية. ومن هنا يمكن القول أن مركز الفرد في المجتمع وسلوكه فيه يكشفان عن قوانين ومشكلات إجتماعية هامة، كما تساعد عناصر الفولكلور على تصور أبعاده هذه المشكلات الإجتماعية ومدى تأثيرها على السلوك الفردي.
4-المنهج النفسي :ارتبط موضوع الأرض الأم بالدراسات النفسية للشعوب، ويعني الباحثون بذلك تلك الأرض التي نشأ عليها الإنسان البدائي بتصوراته ومعتقداته، وتبحث مدرسة علم النفس التركيبي التي يتزعمها يونغ عن العناصر الشعبية التي تكون اللاشعور الجمعي. وقد أطلق يونغ على هذه الرواسب أو البقايا العقلية البدائية التي تعيش مع الإنسان المتحضر حتى اليوم مصطلح النمط الأصلي، ومن تم تركز المنهج النفسي حول الكشف عن التجارب النفسية ذات الطابع الجماعي ومغزاها وعلاقتها بالأصول الأولى للحضارات.
وينصب الحديث عن المنهج النفسي في تحديد طبيعة مواد التراث الشعبي ودوافع التمسك بها والمستويات المتميزة بها.
1-التحليل السيكولوجي لمواد الفولكلور :إن الشعب هو موضوع الدراسة في علم الفولكلور وذهب بعض الباحثين، منهم (هوفمان كراير) أن الشعب هو أولئك الناس الذين يتميزون بنوع من الفكر البدائي وبأنهم لا يبتكرون الثقافة وإنما يتداولونها نقلا عن الجماعات أكثر تطورا اجتماعيا وفكريا.
جاء مفهوم (ريتشارد فايس) عن الثقافة التقليدية يؤكد أن في داخل كل إنسان يوجد سلوك رسمي وسلوك شعبي ولذلك يصبح كل إنسان في المجتمع موضوعا للدراسة في علم الفولكلور.
يمكن أن تمثل الأبعاد النفسية إسهاما هاما في فهم الإنسان ولكن الإقتصار عليها يمكن أن تهمل الطبيعة الشاملة للإنسان ومقومات تفرده وتميزه.
حاولت المدرسة الفلندية في ميدان القصص الشعبي أن تربط منهجها التاريخي الجغرافي بنظرة سيكولوجية إلى المادة الشعبية. ليست الأساطير في نظر بعض رواد هذه المدرسة مجرد حكايات عن الآلهة وحسب وإنما مستودعات التجربة الإنسانية.
2-المصادر النفسية للفلوكلور :
يرتبط اهتمام الدراسة للتراث الشعبي بالعوامل النفسية التي ساهمت في صياغة عناصره التي مازالت تعيش فيها وتؤثرعلى حياتها واستمرارها. إن الموقف النفسي الذي صدر عنه العنصر الشعبي في يوم من الأيام قد لا يكون واضحا عند الإنسان الشعبي في الحاضر وقد ينكر حامل التراث الشعبي المعاصر ارتباطه به.
حاول (أدولف باخ) أن يفسر العوامل الأساسية في نشأة عناصر الفولكلور كالحاجة إلى التسلية واللعب. إن الحكاية الخرافية في نظره تروى منذ البداية تحت تأثير التسلية. وكان الباحثون القدامى ينظرون إلى أحداثها باعتبارها محاولة لتقليد مختلف الأحداث التي تطرأ على العالم الطبيعي بظواهره المتعددة، وإذا كانت بعض الحكايات الخرافية تتضمن بعض التصورات الدينية القديمة فإنها تحتوي مع ذلك بعض الأفكار ذات طبيعة أخرى، حاول البعض تفسير الألغاز باعتبارها رواسب لإختيارات الحكمة القديمة بينما رأى الباحثون الآخرون أن اللغز نشأ منذ العهد القديم تعبيرا عن رغبة الإنسان في اللهو.
ليست جميع العناصر الشعبية نقلا مباشرا لبعض الأشكال الدينية والسحرية القديمة ولكنها من إبداع الفنان أو الفرد الشعبي العادي. إن المرح وحب الفكاهة والميل إلى اللهو والدعابة من المصادر النفسية لظهور بعض عناصر الفولكلور.
3-المستويات السيكولوجية في الفولكلور :
ينصب الإهتمام هنا على تحديد المستويات السيكولوجية المتنوعة التي يمكن أن تندرج ضمن تراث الشعوب، أو بمعنى آخر تحديد مدى التزام بعض عناصر الفولكلور بأساليب أو خصائص الثقافة الكلاسيكية (التربية والتعليم). وتتناول هذه الدراسة السيكولوجية كذلك السمات البدائية العامة في ثقافة شعب معين، كما تعد العلاقة بين الثقافة والشخصية من ميادين البحث في علم النفس الذي يتناول تأثير الإنسان في الثقافة أو تأثره بها. وما يؤخذ على هذا المنهج النفسي عموما هو مغالاة أصحابه في البحث عن أعماق الإنسان الشعبي فتتحول دراسة الفولكلور إلى سيكولوجية.
المنهج البنائي :تمثل المدرسة البنائية أبرز النظريات في ميدان العلوم الإجتماعية واللغوية وعلم الفولكلور، وقد حاولت هذه المدرسة أن تطور أسلوبا جديدا في تناول التراث الشعبي.
شغلت النظرية البنائية في العصر الحديث كافة فروع المعارف البشرية واعتمدت أساسا على الإحصاء والرسوم البيانية.
ويتعرض هذا المنهج في نظر العلماء "لدراسة الشكل بوصفه كلا بعد تحليله إلى عناصره الصغيرة بهدف وضع هذا الشكل في التصنيف المناسب له وعلاقته بالبيئة الحضارية التي يعيش فيها".
إن الأبحاث التي تناولت الأدب الشعبي من خلال المنهج البنائي متنوعة ويمكن حصر اتجاهاتها في نوعين : اتجاه فلاديمير بروب واتجاه كلود ليفي شتراوس.
1-بروب والتحليل المورفولوجي للحكايات الشعبية :
دخل المنهج البنائي في الدراسات الشعبية على يد فلاديمير بروب في كتابه (مورفولوجية الحكايات الخرافية الروسية) وكان يعني بها تلك الأنماط التي ظهرت في تصنيف (آرن طومسون) من رقم 300 إلى 749، ولما ترجم الكتاب رأى الباحثون أن التحليل المورفولوجي الذي قام به بروب ينطبق على أكبر عدد من القصص الشعبي العالمي.
عرف بروب التحليل المورفولوجي بأنه "وصف للحكايات وفقا لأجزاء محتواها وعلاقة هذه الأجزاء بعضها ببعض ثم علاقتها بالمجموع".
ويهدف اتجاه بروب إلى وصف النظام الشكلي للحكايات الشعبية وفقا للتتابع الزمني للأحداث. ومعنى هذا أن منهج بروب في التحليل يسير في اتجاه أفقي. وقد أطلق على هذا الإتجاه (تحليل البناء التركيبي)
yse structurale Syntagmatique.
درس بروب بناء الحكاية الذي يتكون من مجموعة الأحداث التي تؤدي وظائف مستقلة وينتهي بروب إلى أن بناء الحكاية قائم على وحدات خاصة تتمثل في الأحداث التي تؤلف الثوابت ويمكن التعرف عليها عن طريق الشكل دون المضمون، تتمثل الثوابت عند بروب في الوظائف دون الظروف، ليست الشخصيات وأبعادها وحدات نمطية، إن المهم هو الحدث ووظيفته أما معرفة فاعل الحدث أو وسيلته فإنها لا تدخل في بناء الحكاية.
يبلغ عدد الوحدات الوظيفية (Unités fonctionnelles) التي تسيطر على الحكايات إحدى وثلاثين وإذا كانت هذه الوظائف لا تورد في كل حكاية فإنها لا تخرج عن حدودها.
يورد بروب في مقدمة الحكاية قائمة من الوظائف ويرى بروب أن هذه الوظائف السبع مجرد تمهيد.
1-غياب (تغيب أحد أفراد الأسرة عن البيت).
2-تحريم أو منع (تحذير البطل من فعل شيء محدد).
3-ارتكاب المحظور أو انتهاك التحريم (عدم الإستجابة للتحذير).
4-استدلال (يبذل الشرير محاولة للإستدلال أو الإستطلاع).
5-الحصول على معلومات (يتلقى الشرير معلومات عن ضحيته).
6-خداع (يحاول الشرير خداع ضحيته ليأخذ مكانه أو ممتلكاته).
7-مشاركة لا إرادية في الجريمة (وقوع الضحية في الشرك ومساعدتها الشرير دون قصد) تبدأ الحركة الفعلية في الحكاية من الوظيفة الثامنة التي يعتبرها بروب ذات أهمية خاصة.
8-نذالة (يحدث الشرير الضرر بأحد أفراد الأسرة).
9-استدعاء للعون أو اانجدة (التعرف على الضرر وأمر البطل بإصلاحه).
10-إبطال الفعل (قبول البطل إصلاح الضرر).
11-رحيل (يترك البطل منزله أو يغادر موطنه لأداء المهمة).
وتؤدي الوحدات 8-9-10-11 إلى مرحلة التأزم في الحكاية.
12-اختبار (يخضع البطل لإمتحان من أجل الحصول على أداة سحرية أو مساعدة من الشخصية المانحة).
13-رد فعل البطل (يستجيب البطل للمساعدة التي قدمتها له الشخصية المانة).
14-الأداة السحرية (توضع الأداة السحرية تحت تصرف البطل).
15-انتقال من مكان لآخر أو من مملكة إلى أخرى (ينتقل البطل إلى العالم المجهول حيث تكون حاجته).
16-صراع (المقابلة أو المواجهة بين البطل والشرير في معركة).
17-علامة (يرسم البطل بعلامة أو إمارة أي يصاب البطل بجرح نتيجة هذا الصراع).
18-انتصار (يهزم البطل الشرير فيهرب منه أو يقتل على يده).
19-اصلاح الضرر (زوال خطر الشرير ويحصل البطل على حاجته).
20-عودة (يعود البطل ويتخذ طريقه قافلا إلى بلده أو بيته).
21-مطاردة (يقتفي الشرير أثر البطل).
22-انقاذ (يهرب البطل من المقتفين لأثره).
23-الوصول متخفيا (يصل البطل إلى بيته أو إلى بلد آخر دون أن يتعرف عليه أحد)
24-تزييف (يدعى البطل المزيف القيام بالعمل غير الموجود، وغالبا ما يكون هذا البطل المزيف أخا للبطل الحقيقي).
25-مهمة صعبة (يكلف البطل بعمل صعب الإنجاز أو التحقيق).
26-تنفيذ (ينفذ الابطل ما اقترحه عليه).
27-تعرف (يتم التعرف بالبطل).
28-افتضاح (يكتشف أمر البطل المزيف).
29-تحول في المظهر (يظهر البطل في شكل أو وضع جديد).
30-عقاب (يعاقب البطل المزيف).
31-زواج أو تتويج / زواج وتتويج (يتزوج البطل أو يتزوج ويعتلي العرش معا).
إن دوائر هذه الوظائف متشابهة في الحكايات الشعبية.
2-اتجاه ليفي شتراوس :
ويمثل الإتجاه الثاني في النظرية البنائية العالم الفرنسي كلود ليفي شتراوس ويسمى (تحليل البناء النموذجي) yse structurale paradigmatique
اقتحم ليفي شتراوس ميدان الدراسة البنائية للأدب الشعبي بمقال يحمل عنوان (الدراسة البنائية للأسطورة).
ويقوم منهج ليفي شتراوس على (استخلاص الوحدات المتعارضة من النص بقصد الكشف عن البناء الإجتماعي الذي تعيش الأسطورة في كنفه) وهو يعني مجموعة الألفاظ التي يجمعها اشتقاق واحد كما يعني مجموعة الألفاظ ذاتالطابع المتجانس في المعنى وإن ظهرت متعارضة مثل الحب والكراهية والفرح والحزن والقسوة والشفقة بمعنى مجموعة من التراكيب أو الألفاظ ذات دلالات ذهنية أو نفسية مترابطة كامترادفات مثل الحياة والموت.
نظر كيفي شتراوس إلى النص من الداخل لا من الخارج كما استخدم النظام العمودي في ترتيب عناصره معارضا في ذلك (بروب).
ويمكننا هذا التحليل من الربط الوثيق بين الوحدات الأساسية للحكاية والنظام الإجتماعي الذي تعيش الحكاية في نطاقه إن خروج البطل إلى المغامرة ثم عودته إلى عائلته بعد أداء مهمته والتحريم الذي يرفض عليه والضرر الذي يعود عليه بسبب ارتكاب المحظور عوامل تكشف نظاما اجتماعيا محددا.
يعتبر منهج بروب تجريبيا قابلا للتطبيق على الأنواع الأدبية الشعبية الأخرى. بينما يعد منهج كلود ليفي شتراوس تأمليا ولكنه من الصعب تطبيقه على الأشكال الشعبية الأخرى منها الأسطورة، وهو السبب الذي يفسر النتائج التي حققها أنصار منهج بروب وعلى رأسهم (ألان دندس) و (ميهاي بوب). بينما تميزت أعمال أنصار منهج ليفي شتراوس بالتعقيد والنتيجة المحدودة.
المنهج الوظيفي :
لم تكتسب كلمة (الوظيفية) دلالتها ذات الطابع التخصصي إلا في القرن 19 في الرياضيات أولا ثم في البيولوجيا وبعد ذلك في العلوم الإجتماعية.
تطورت الوظيفة انطلاقا من فكرة أن المجتمع كلّ ومتصور في شكل مؤسسة، والدور الذي تؤديه أجزاؤه إحداها مقابل الأخرى أو تجاه الكل.
ارتبطت الوظيفة بمجموعة من المفاهيم الأساسية التي استعملتها من سبنسر Spenser إلى دور كايم.
إن المدرسة الوظيفية بأتم معنى الكلمة (ظهور الأنتروبولوجية الإجتماعية الأنجلوسكسونية التي يمثلها كل من مالينفسكي malinowski وبراون Brown) جديرة باهتمام خاص دونما أن ننسى أن علم الإجتماع والأنتروبولوجية الإجتماعية حاولا باستمرار (ولا سيما البلدان الأنجلوسكسونية) أن يصححا الضعف الذي تميز به المنهج الوظيفي، وبعبارة أخرى أن كل من مالينفسكي وراد كليف براون شارك في تدعيم النظرية الوظيفية في ميدان الأنتروبولوجية وعلم الإجتماع.
من الضروري أن نميز في البداية بين الوظيفية العلمية في ميدان علم الإجتماع والأنتروبولوجية التي تدعو إلى دراسة الظواهر الثقافية والإجتماعية، والوظيفية في ميدان الفولكلور التي تتمثل في دراسة عناصر المادة الشعبية.
تميزت الوظيفية في ميدان الفولكلور بمجموعة من الباحثين منهم فرانز بواس وفان جنب Van Gennep ووليام باسكوم W. Bascom.
ويعتبر فرانس بواس أحد الرواد الأوائل للنزعة الوظيفية الذين ساهموا في دراسة الفولكلور والثقافة وإقامة العلاقة بين الأدب الشعبي والأسطورة والفلسفة والدين من جهة والحياة اليومية للشعوب باعتبار أن هذه العلوم الإنسانية تعبير منظم عن الأفكار والموفق والقيم الشعبية.
ويحدد وليام باسكوم أركان الدراسة الوظيفية للفولكلور بثلاثة عناصر أساسية هي :
1-السياق الإجتماعي للفولكلور :
وينصب على دراسة موقع العناصر الشعبية في الحياة اليومية كما يهتم بزمان رواية مختلف أشكال الفولكلور ومكانها وطبيعة الرواة وجمهورهم والأساليب والوسائل التي تستعمل في هذا الشأن.
2-السياق الثقافي للفولكلور :
ويقصد به العلاقة القائمة بين عناصر الفولكلور وبقية جوانب الثقافة وكذلك مدى انعكاس عناصر الفولكلور ثقافة الجماعة كاللغة والشعائر الدينية والنظم والأساليب التقنية والمعتقدات والإتجاهات السائدة والعادات.
3-وظائف الفولكلور :
ويبين هذا الركن أداء مختلف العناصر الشعبية لوظائفها في الثقافة. فالأساطير على سبيل المثال تضفى الشرعية على الممارسات السلوكية.
يعتبر (مالينوفسكي) و (جيمس فريزر) و (راد كليف براون) من رواد الدراسة الوظيفية، ويمكن أن نبرز جوانب هامة من هذا المنهج من خلال عقد مقارنة موجزة بين الباحثين الثلاثة.
يتفق مالينوفسكي مع فريزر في وعيهما بالطبيعة الإنسانية المعقدة، ويتميز مالينوفسكي بالحرص الشديد على المنهج الوظيفي وتوضيح الأسس التي تقوم عليها.
ويتفق مالينوفسكي مع براون في معارضتها للمنهج التاريخي وفي أن كلا منهما طور المنهج الوظيفي، ولكن الباحثين يختلفان في مدى الإهتمام بالعمل الميداني. إذ اعتمد مالينوفسكي على النشاط الميداني وقدم من خلال الإتصال المباشر بالجماعات الشعبية والمعايشة الفعلية لها، صورة واضحة عن مظاهر حياتها الإجتماعية والسيكولوجية والفنية، بينما كان الحس الشعبي غائبا عند براون.
ارتبط – عند مالينوفسكي – النجاح في العمل الميداني بالجانب النظري، وتعتبر هذه الدراسة النظرية أن سلوك الإنسان البدائي مزيج من العقلانية والخرافة. إذ يكتسب الإنسان الشعبي نوعا من المعرفة العملية ويستخدمها بطريقة عقلانية لمواجهة احتياجات حياته. ولا يمكن أن يتحقق هذا الهدف إلا عن طريق المنهج الوظيفي.
وتتضمن الوظيفة في نظره على معان مختلفة تبعا لإختلاف مسنويات البناء الإجتماعي.
يختلف مالينوفسكي مع فريزر في مفهوم السحر والدين والعلم، وفي وظيفة كل منها في البيئة البدائية والحضارية، فقد نظر فريرز إلى هذه الجوانب الثلاثة باعتبارها نشاطات مستقلة يؤدي كل منها دورا في مرحلة حضارية مختلفة بينما نظر مالينوفسكي إلى السحر والدين والعلم على أنها نشاطات متداخلة في حياة الشعوب..
المحاضرة رقم 03: الأدب الشعبي تحديد مفهومه وخصائصه عند الباحثين العربلاشك أن إسم (الأدب الشعبي) مصطلح عربي أي مؤلف من ألفاظ عربية خالصة في العصر الحديث، وإذا إبتكر العرب هذه الصيغة فقد استعار الباحثون العرب المفهوم من الكلمة الغربية (فولكلور Folklore) في فترة الخمسينيات منهم أحمد رشدي صالح وفاروق خورشيد وفوزي العنتيل ونبيلة إبراهيم وحسين النصار ، ويواجه الباحثون العرب في تحديد مفهوم الأدب الشعبي مشكلة وضع مقايس معينة .ويرتبط الأدب الشعبي في الأبحاث العربية بتعريفات محددة ستكون محاورها الأساسية نقطة إنطلاقنا لمحاولة التوصل إلى تحديد مفهوم الأدب الشعبي.
"إن الأدب الشعبي لأية أمة هو أدب عاميتها التقليدي الشفاهي ،مجهول المؤلف ،المتوارث جيلا بعد جيل".
التقليد : إن مايمثل الأصل في تسمية (أدب العامة التقليدي) متضمن في مفهوم الأدب الشعبي بشكل ملخص إذ نتبنى تعبير الأدب الشعبي للدلالة على مجموعة من الأشكال التقليدية (الأساطير – الحكايات الخرافية – القصص – الأمثال – الأغاني – السير...) وسواء أكانت هذه الأنواع التقليدية شفوية أم أعيدت كتابتها وانتقلت فيما بعد من جيل إلى جيل. غير أن حصر الأدب الشعبي في العراقة يعني بالضرورة اعادة إنتاج إبداعات الأدباء السابقين. إن التقليد مناقض للتطور. والأدب الشعبي ظاهرة اجتماعية تعبر باستمرار عن حاجات جديدة.
تؤدي عراقة الأدب الشعبي دورا هاما في دراسة الحياة الذهنية والروحية لأسلافنا الأقدمين وضبط التاريخ الإجتماعي لهذه المراحل الأولى من المجتمع البشري ، وقد ترتب على عراقة الأدب الشعبي قيام ظاهرة خاصة به ثار حولها جدل وهي اهتمامه بالأسطورة والخرافة والخارقة، فيوصف بذلك بأنه أدب محافظ من حيث الشكل والمحتوى، غير أن هذا الرأي خاطئ إذ يسقط أهم صفات الأدب الشعبي وهي واقعيته. إن الوهم والخرافة والغيب حقائق واقعية عند مؤسس ذلك الأدب وجمهوره.
هناك تداخل بين الأدب الشعبي والمعتقدات الدينية القديمة، فالعمل الأدبي الشعبي لا يتم إلا بالغناء والرقص والتمثيل، فالشعر والأغاني هي من الفنون التي تطورت مع الرقص والموسيقى وارتبطت بالعقائد والطقوس والسحر. وقد ارتبط في اللغة العربية قول الشعر بالإلهام والشيطان، حيث قيل لكل شاعر شيطانه، وتظهر وظيفة الشعر المقفى أو المعنى في تأثيره السحري أكثر من تأثيره الجمالي.
ومن الصعب ربط ظهور الأدب الشعبي بتاريخ معين، وقد ظل الأدب الشعبي مقرونا بالإنسان الأول الذي برز فوق سطح الأرض وهو الذي أطلق عليه علماء الأنتروبولوجيا والأنثولوجيا إسم الإنسان البدائي صاحب المستوى الحضاري البسيط، وقد مارس الإنسان البدائي صراعا مع الطبيعة وقواها فشكلت هذه الممارسات رصيده الثقافي والأدبي فتوارثها أبناؤه عبر العصور، ويتمثل هذا الأدب البدائي في الملاحم والأساطير والحكايات الخرافية وحكايات الحيوانات، وقد احتوت هذه الأنواع العناصر السحرية والدينية كالصراع مع الآلهة وتضمنت التاريخ الإجتماعي، إن غياب الكتابة وانعدام التدوين قد أضاع جزءا كبيرا من هذا الأدب، يرى أحمد رشدي صالح أن أدب الملاحم الشعبية سابق على الدين. وأن قصص الجان القصيرة أو القصص الإخبارية وأغاني العمل قد سبقت الملاحم بدورها بفترة طويلة.
وينبغي أن نميز بين الواقعية في الأدب المدرسي والواقعية في الأدب الشعبي، في الأدب الأول فإن الواقعية تعبير عن المذهب الفني يوظفه الأدباء من أجل التقرب إلى الشعب، ومن عناصر المذهب الواقعي في الأدب المدرسي اللغة العامية، الأمثال، شخصيات مستعارة من التاريخ، إلخ.....
غير أن هذه النزعة اصطناعية بخلاف الأدب الشعبي فإن واقعيته طبيعية عفوية، تدل على فطرة الشعب كيف يكون الأدب الشعبي واقعيا وهو يزخر بالرموز الخيالية والغريبة والعجيبة كالطقوس والقوى الغيبية والسحرية والخروج عن المكان والزمان فأين تتمثل واقعيته ؟
إن الأدب الشعبي مرتبط شكلا ومضمونا بقضايا الشعب إن الخروج عن المألوف ما هو إلا قراءة بطريقة خاصة للواقع. إن العجز عن تحقيق الرغبات والإنشغالات يؤدي بالمبدع إلى اللجوء إلى الخيال، إن الرموز والسحر والخيال والغرابة تعبير عن حرمان اجتماعي يهدف إلى إعادة النظام إلى أصله والتوازن في الإنسان.
جهل المؤلف : إن شرط جهل المؤلف غير وارد في تعريف الأدب الشعبي ذلك أن عددا كبيرا من المؤلفين يذكرون اسماءهم في آخر القصيدة وتاريخ نظمها أحيانا.
وقد دلت الأبحاث منذ نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 عن خطأ افتراض مؤلفات انتجها الإبداع الشعبي اللاشخصي وكشفت الأبحاث المنظمة عن حياة الرواة وأعمالهم ممن يسمون "حملة التراث الشعبي" عن الدور الهام الذي تؤديه كل جوانب النشاط الفردي المختلفة كالمهارة والتدريب والموهبة والذاكرة والخيال، إن كل مؤد للأعمال الشفاهية إنما هو مبدعها في آن واحد، إن مجهولية العمل الأدبي وعدم انتسابه إلى مؤلف يرجع إلى أن أسماء المؤلفين لم يكشف عنها في أغلب الأحيان لأنها لم تدون وصارت وسيلة حفظها ذاكرة الشعب فقط. غير أن الحال لم يكن كذلك في كل مكان دائما، إذ أن عددا من الأغاني المؤلفة قديما والحديثة نسبيا تحتفظ بأسماء مؤلفيها وترد هذه الأسماء عادة في آخر الأغنية داخل صياغات صوتية (الوزن، القافية، التجانس). وقد أصبحت هذه الحيلة التي لجأ إليها الشعراء للإحتفاظ بأسمائهم في النصوص معروفة الآن على نطاق واسع، إن أسماء كثير من مؤلفي الأغاني ستظل مجهولة لأنهم لم يسجلوا أسماءهم حين ألقوا هذه الأغاني وإنما نشروها عن طريق الرواية، ومع ذلك نؤكد أن المجهولية لا تعني أن النتاج الشفوي غير شخصي أو ينقصه المؤلف، إن المجهولية ليست سمة خاصة بالأدب الشعبي عند مقارنته بالأدب المدون، لقد أصبح الإبداع الشخصي مع بداية العصر الرأسمالي ينسب إلى مجموع الشعب ضمانا لحياة مؤلفيه وحماية أسمائهم، وفي العصر الإقطاعي كان مؤلفو الآداب المدونة وأصحاب الأعمال الفنية في ميدان فنون الحفر arts graphiques (العمارة، النحت، التصوير) لا يميلون في الغالب إلى نسبة أعمالهم إلى شخوصهم.
إن مفهوم (المؤلف الجماعي) موجود في الفكر الحديث عند مفكرين مختلفين تماما هما : لوسيان غولدمان وميشيل فوكو. فالأول حاول بلورة المفهوم من خلال منظور ماركسي قائلا بأن الكاتب أو الأديب لا يعبر عن ذاته بقدر ما يعبر عن الوعي الجماعي أو قل أنه فيما يعبر عن ذاته ينضج بوعي جماعة ما أو طبقة ما أو فئة ما.
أما ميشيل فوكو فقد طرح فكرة (موت) المؤلف أو إمحاء المؤلف، فالمؤلف ليس فردا ولا صوتا واحدا وإنما حصيلة مجموعة الأصوات والأفكار التي يتلقاها من المحيط وتخترقه فيسجلها على الورق، بمعنى آخر فإنها له وليست له.
وقد يكون معرفة الشاعر سببا في انتشاره بين العامة ولا سيما إذا كان مبدعا بارعا، ولا تخلو مجالس العامة من المقارنة بين الشعراء والمفاضلة بينهم، وقد يحملون الشعراء على التباري في قرض الشعر ويحكمون في النهاية على الشعر الضعيف.
وترجع فكرة حصر الأدب الشعبي في الأثر المجهول المؤلف إلى الإعتقاد بأن هذا النوع يحظى باهتمام الجماعة الشعبية غير أن ممارسة الجماعة للنص الأدبي أمر مشترك بين المؤلف المجهول والمؤلف المعروف، إن ممارسةالجماعة للنص الأدبي معناه أن تجد فيه ما يعبر عن وجدانها بالطريقة التي تفهمها، إن الأثر المعروف المؤلف ليس عاجزا دائما عن تحقيق هذه الوظيفة، كما أن اشتراط (التجهيل) يؤدي إلى إلغاء الأدب الشعبي الحديث، ويبدو الرأي القائل بأن اطلاق الأدب الشعبي على الأثر المجهول المؤلف والأثر المعروف المؤلف سيؤدي إلى تحديد الموضوع مبالغا إذ أن اطلاق الأدب الشعبي على الأثرين يؤدي بالعكس إلى توسيع الإطلاق من جهة وتوحيده من جهة ثانية وحتى لا يصبح الأدب الشعبي الحديث والأدب المعروف المؤلف أنماطا خارجة عن الأدب الشعبي والأدب الرسمي معا.
حيث يكون صاحب النص مجهولا (الحكايات – الأمثال – الألغاز) وقائل النص معروفا (نصوص الشعر).
"الأدب الشعبي هو أدب العامية سواء أكان مطبوعا أم مكتوبا، مجهول المؤلف أو معروفا متوارثا أم أنشأه معاصرون، معلمون"
أدب العامية : يذهب هذا التعريف إلى أن العامية شرط جوهري في تحديد مفهوم الأدب الشعبي ، وبقدر ما تشكل اللغة جزءا هاما من العمل الأدبي فإن المحتوى لا يقل عنها أهمية وهما عنصران متداخلان من الصعب الفصل بينهما.
ويمكن أن نوجز تقديم هذه الإشكالية في النقاط التالية :
أ/- ليس كل ما يكتب بالفصحى يكون بالضرورة أدبا رسميا فقد لاحظنا مثلا أن كثيرا من الآثار الأدبية الخالدة كتبت أو رويت بالفصحى البسيطة وهي مع ذلك تصنف في الآداب الشفوية أو الشعبية ومنها ألف ليلة وليلة والسير العربية، فالفصحى إذن ليست شفيعا لهذا الأدب من أن يكون شعبيا. فشعبيته لا تكمن في عامية لغته على الرغم من أن بعض هذه الآثار السردية تلتجئ في بعض الأطوار إلى الإعتراف من العامية لغايات فنية طورا ولعجز الرواة والساردين، فيما يبدو عن العثور على ألفاظ فصيحة طورا آخر.
ب/- فما كل ما يكتب بالعامية كذلك يعد بالضرورة أدبا شعبيا، وتجري هذه السيرة على ما يكتبه المثقفون من مسرحيات وروايات وكلمات أغان بالعامية التي لا ينبغي أن ترقى إلى درجة الأدب الشعبي.
جـ/- إن صفة الشعبية التي تلازم أجناسا من الأدب وضروب من القول لا تكمن إذن في العامية ولا في الفصحى، وإذا كانت العامية أداة الأدب الشعبي بوصفها من مقوماته وأنها عامل مشترك بين الأثر المجهول المؤلف والمعروف فإنه لا ينبغي الخيار في استخدام اللغة التي يريدها المبدع الشعبي عامية أو فصحى فمن الخطأ أن نطلب من المبدع الشعبي الذي ينتمي إلى الطبقة الدنيا التعبير بالفصحى والعامة الذين يخاطبهم عاجزون عن فهمها.
3- "الأدب الشعبي هو المعبر عن ذاتية الشعب المستهدف تقدمه الحضاري ، الراسم لمصالحه، يستوي فيه أدب الفصحى وأدب العامية، وأدب الرواية الشفاهية وأدب المطبعة".
ذاتية الشعب : لا يقدم هذا التعريف تحديدا واضحا للأدب الشعبي بقدر ما يميل إلى التعميم، من الصعب الإهتداء إلى تحديد المقصود من ذاتية الشعب، إن كلمة الذاتية يمكن أن نفهم منها دلالات مختلفة ولكنها لا تحدد مفهوما خاصا بالأدب الشعبي.
التقدم الحضاري : هو قول عام ذلك أن المطلوب من المبدع – شعبيا أو رسميا – أن يهدف إلى تحقيق هذه الوظيفة الحضارية، إن هذه الخاصية متوفرة في الأدب الشعبي ولكنها أوضح في الأدب الرسمي ثم إن التصور الذي يملكه الأدب الشعبي في مجال الحضارة محدود ويختلف حتما عن الرؤية التي يتضمنها الأدب الرسمي، يعبر المبدع الشعبي عن حياة اجتماعية بسيطة ومحلية.
4- "الأدب الشعبي هو القول التلقائي العريق المتداول بالفعل، المتوارث، جيلا بعد جيل المرتبط بالعادات والتقاليد".
القول التلقائي : يحدد معجم العلوم الإجتماعية التلقائية على أنها "القدرة على الإستجابة بأسلوب مباشر والتكيف مع وضعية معينة" إن الفعل التلقائي هو الذي يحدث بنفسه بدون تفكير سابق ودون إثارة، وهو التعبير في الحال عما نشعر به وكما نشعر به، قول يصدر تحت تأثير العواطف واندفاعها دون الإستناد إلى تحليل أو حساب، ولقد استخدم الباحثون العرب جميع هذه الأوصاف لتحديد معنى هذا المحور، غير أن المصطلحين التلقائية – القول – يعودان إلى دلالة واحدة ضمن هذا السياق المحدد بوصفهما يرتكزان على اقتران كلمتين مترافدتين، وتتمثل الكلمة الأولى في التلقائية التي تدل على مجموعة من الأفعال التي تتوقف على اندفاع السلوك الطبيعي القائم على الوضوح والحرية (تحرر الفاعل من كل عقدة أو نوع من التقويم أو التهذيب أو التكيف) وتتمثل الكلمة الثانية في القول وتدل على استعمال كل واحد منا للقول في نطاق حر من أجل التعبير (تبليغ الأفكار أو الآراء من خلال نظام الأصوات المنطوقة) وبذلك يكون القول عندما نخاطب به الغير انتاجا تلقائيا نخلص في أغلب الأحيان من قواعد لغة النخبة ومن ثم يمكن القول أن تسمية (تلقائي القول) لا تدل على مفهوم بقدر ما تصبح كلمة زائدة لأن الإشكالية الحقيقية لا تتمثل في التلقائية من جهة والقول من جهة ثانية، ولكن تكمن فيما بين الشفوي والمكتوب (وسائل انتقال الأدب الشعبي) ، ويعتبر الأدب الشعبي مخزون المعرفة البسيطة ويقوم هذا المخزون أساسا على ذاكرة متكونة من الملاحظات والأحكام والنصائح الناتجة عن تجربة بشرية طويلة ولذلك يبدو لنا أن مصطلح تلقائية القول الذي اعتبره بعض الباحثين العرب محورا ما هو في الحقيقة إلا تسمية مرادفة للقول المرتبط باللهجة.
التداول والتوارث أو التناقل الجماعي : أسهمت الرواية في نقل التراث العربي الرسمي، كان القرآن الكريم والحديث الشريف يرويان شفاهيا، ويعتبر الفقهاء التواتر من المصادر الهامة، وتظل الرواية أداة هامة في نقل الأدب الشعبي الموزع بين المقلدين والمبدعين من الرواة ولكن لا يمكن أن تكون الرواية مع ذلك شرطا أساسيا، إن اشتراط الرواية يتضمن عدم الإعتراف بالأدب الشعبي المطبوع مثل ألف ليلة وليلة والسير الشعبية، وقد زادت الطباعة هذا الأدب المكتوب انتشارا بين الناس.
إن الرواية أعم من موضوع الأدب الشعبي، إن التراث العربي وصلنا عن طريق الرواية قبل أن توجد وسائل الطباعة والنشر، وقد اتخذ الجاهليون الرواية وسيلة لحفظ أشعارهم.
إن التواتر عند الفقهاء
المصدر : منتديات المدرسة العليا للأساتذة بوزريعة