المحاضرة الرابعة في البلاغة (السنة الثانية)
علم المعاني
تعريف علم المعاني عند الخطيب:
قدم المعاني على البيان لكونه منه بمنزلة المفرد من المركب، فإتصال المعاني بالبيان كإتصال المفرد بالمركب، ونسبته إليه من جهة التوقف، وإن كان توقف المركب على المفرد من جهة كونه جزءًا له، بخلاف توقف البيان على المعاني فعلم المعاني كالمفرد والبيان بمنزلة المركب، وذلك لأن رعاية المطابقة لمقتضى الحال التي هي ثمرة علم المعاني معتبرة في علم البيان "من حيث أنها شرط في الإعتداد بمثمرته التي هي الإيراد، فليس المراد اعتبارها في البيان على سبيل الجزئية له؛ لأنه ليس مركبًا من اعتبار المطابقة وإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة، فإن الرعاية أمر خارج عن البيان ليست جزءًا منه ولا فائدة له، وإنما هي شرط للإعتداد بفائدته، فاعتبرت فيه من تلك الحيثية، وأما الإيراد فهو فائدة علم البيان ومقصود منه، فاعتبر فيه من تلك الحيثية، مع زيادة شيء آخر هو إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة.. فثمرة علم المعاني تشبه الجزء من علم البيان لتوقفه عليها من حيث اعتبار ثمرته، فالرعاية والإيراد يشبهان أجزاء علم البيان لتوقفه عليهما، فكان علم المعاني بمنزلة الجزء، لكونه ثمرته المقصودة منه كالجزء. وإنما قلنا من حيث اعتبار ثمرته؛ لأن تحققه لا يتوقف على رعاية المطابقة، ومنه يمكن تحقق ملكة يقتدر بها على إيراد المعنى بطرق مختلفة وضوحًا وخفاء من غير رعاية للمطابقة، ولا شك أن هذه الملكة تسمى علم البيان.
و قد اعتبره بعض الفضلاء من تخصيص العلم بالكليات والمعرفة بالجزئيات، كما قال صاحب "القانون"(ابن سينا) في تعريف الطب: الطب علم يعرف به أحوال بدن الإنسان، وكما قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: التصريف علم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلم.و قال السكاكي:علم المعاني هو تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الإستحسان وغيره، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما تقتضي الحال ذكره.
ثم المقصود من علم المعاني منحصر في ثمانية أبواب:
أولها: أحوال الإسناد الخبري.
وثانيها: أحوال المسند إليه.
وثالثها: أحوال المسند.
ورابعها: أحوال متعلقات الفعل.
وخامسها: القصر.
وسادسها: الإنشاء.
وسابعها: الفصل والوصل.
وثامنها: الإيجاز والإطناب والمساواة.
ووجه الحصر أن الكلام إما خبر أو إنشاء؛ لأنه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه، أو لا تطابقه. أو لا يكون لها خارج ،الأول الخبر، والثاني الإنشاء. ثم الخبر لا بد له من إسناد ومسند إليه ومسند. وأحوال هذه الثلاثة هي الأبواب الثلاثة الأولى. ثم المسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلًا أو متصلًا به أو في معناه كإسم الفاعل ونحوه ، وهذا هو الباب الرابع. ثم الإسناد والتعلق كل واحد منهما يكون إما بقصر أو بغير قصر، وهذا هو الباب الخامس، والإنشاء هو الباب السادس. ثم الجملة إذا قرنت بأخرى فتكون الثانية إما معطوفة على الأولى أو غير معطوفة، وهذا هو الباب السابع. ولفظ الكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد عليه، وهذا هو الباب الثامن.