قُم بوضع موصل كهربائي في الأرض وأطلق العنان للتيار الكهربائي ليمر فيه وستأتي من كل مكان، إنها خلايا حيّة تتغذي على الكهرباء!
اكتشف العلماء في جامعة جنوب كاليفورنيا بكتيريا لا تتغذى على شئ سوء الكهرباء، دون الاعتماد على طعام. هذه البكتيريا تتغذى على الكترونات نقية، وتقوم بإخراج الكترونات نقية أيضًا. ساهمت هذه البكتيريا في إثبات ترابط الحياة المدهش، كما يمكن أن تكون تلك البكتيريا مفيدة في تصنيع أجهزة ذاتية التشغيل بحجم النانو للتخلص من التلوث البيئي. تتميز بعض الأفراد من تلك البكتيريا بقدرتهم على تكوين أسلاك بيولوجية “biocables” وتلك أسلاك ميكروبية سمكها لا يتعدى بضع نانومترات ويصل طولها لعدة سنتيمترات وتقوم بتوصيل الكهرباء مثل أسلاك النحاس. تلك الأسلاك يُمكن أن تُستخدم في يومٍ ما لبناء شبكات طويلة ذاتية التجميع لمصلحة البشر.
تكسر هذه البكتيريا القاعدة التي يتم تدريسها في كل مدارس البيولوجيا والتي تنص على أن كل الكائنات الحية تستهلك السكر للنجاة. حيث أن كل شئ تقوم أنت بأكله يتم هضمه أو تحويله إلى جزيئات أحادية من الجلوكوز. بدون التعمق في تعقيدات مواضيع التنفس، الهضم، وأدينوسن ثلاثي الفوسفات (ATP)، يمكننا القول باختصار أن تلك السكريات تحتوي على العديد من الالكترونات، وأن الأكسجين الذي تتنفسه أنت في الواقع يدخل جسدك لمجرد الحصول على تلك الالكترونات، وأنه بمجرد حصوله على تلك الالكترونات من السكريات يتحول إلى ماء H2O
ويتم طرده مجددا من جسدك. عن طريق نقل الالكترونات من السكر للأكسجين يتم صنع تيار من الالكترونات (تيار من الطاقة)، ويتم استخدام تيار الالكترونات ذلك في القيام بعدة وظايف حيوية في الجسد كله (مثل الطاقة اللازمة لنبض القلب). هذه البكتيريا المميزة لا تحتاج سكريات من ذلك النوع، بل هي بكتيريا مباشرة ولا تسلك طُرقًا فرعية، تلك البكتيريا تتغذى على الكرتونات نقية مباشرةً.
لكي يتم اكتشاف تلك البكتيريا وزراعتها في المعامل كل مافعله الباحثون هو الحصول على عينة من المحيط، أخذ العينة للمعمل، ثم غرزوا أقطاب كهربائية بها، وقاموا بتشغيل التيار! حين يتم توصيل كهرباء بفولت عالي إلى الماء تقوم تلك البكتيريا بأكل الالكترونات الصادرة من الأقطاب الكهربائية. وحين يتم توصيل كهرباء بفولت منخفض إلى الماء، تقوم البكتيريا بزفير إلكترونات إلى الأقطاب الكهربائية، مما يقوم بتوليد تيار كهربائي (وهذا هو الأساس العلمي للأجهزة الكهربائية التي يأمل العلماء أن يقوموا بتصنيعها من تلك البكتيريا).
تم إجراء تلك التجربة أثناء تحكم دقيق بمصادر الغذاء الأخرى لضمان عدم وصولها للبكتيريا، وبذلك تم استنتاج أنها حقًا لا تتغذى سوى على الالكترونات. حتى الآن، يمتلك الباحثون حول العالم حوالي 10 أنواع مختلفة من البكتيريا التي تتغذى على الالكترونات، ومن المثير للاهتمام أنهم كلهم مختلفون (لا يأتون من نفس العائلة)، ولا يشابه أحد منهم الشيوانيلا Shewanella أو الجيوباكتير Geobacter، ألا وهما نوعان معروفان من البكتيريا يمتلكون خصائص كهربية مميزة.
إذا دلت تلك الاكتشافات على شئ، فهي تدل على وجود جزء مهول من العالم البكتيري الذي لا يعلم عنه أحد شيئًا. أحد أهم المجالات التي يمكن استخدام تلك البكتيريا فيه هو مجالات الموتورات الجزيئية وأجهزة النانو. هذه البكتيريا ببساطة تتغذى على الكهرباء فقط، لذا ببعض الهندسة الجينية الجيدة، ربما يمكن استخدامهم للقيام بمهام لا يمكن تأديتها اليوم سوى بآلات مكلفة وتحتاج للتشغيل اليدوي (البشري) الدائم لها، كما تحتاج للعناية بها كالنظافة وما إلى ذلك. يمكن باستخدام تلك البكتيريا تحديد القدر المعين من الطاقة الذي تحتاجه الخلية للنجاة: ضعهم في محلول اختبار وقم تدريجيًا بخفض التيار حتى يموتوا، ثم عين التيار الذي انتهت حياة البكتيريا عنده، وستعرف ذلك القدر. حقًا إنها تجربة قاسية، ولكنها ستوفر لنا بعض المعلومات المهمة.
في دراسة منفصلة منذ بضع سنين في الدنمارك، وجد بعض الباحثون بعض البكتيريا الكهربائية التي تستطيع تكوين أسلاك ميكروبية سمكها بضع نانومترات وطولها العديد من السنتيمترات. أسلاك النانو تلك تقوم بتوصيل المواد الغذائية للبكتيريا التي توجد بأسفل السلسلة والتي قد تعلق أسفل بعض الطين أو ما شابه ذلك. المثير للاهتمام، أن أسلاك النانو تلك لها نفس خاصية توصيل الكهرباء التي تتحلى بها أسلاك النحاس المعيارية، مما يدفعنا للتساؤل: هل سنستبدل أسلاك الكهرباء بأسلاك النانو لبناء الشبكات الكهربائية يومًا ما؟
بعض الباحثين توصل مؤخراً إلى 8 أنواع إضافية من هذه البكتيريا مختلفة تماماً عن بعضها البعض ما يؤكد وجود عالم كامل من هذا النوع لا نعرف عنه شيئاً بعد، تهتم وكالة ناسا أيضاً بهذا الاكتشاف من أجل دراسة قدرات هذه الكائنات على البقاء (خاصة أنها تعيش في أعمق بقاع الكرة الأرضية) وأسلوب معيشتها وهو ما قد يُساهم في رحلتها للبحث عن كائنات حيّة في الفضاء.
تطبيقات أخرى يمكن استغلال هذه البكتيريا فيها مثل تنظيف المجاري أو المياه الجوفية الملوثة يطمح العلماء أيضاً في استخدامها لإيجاد إجابات لأسئلة متعلقة بالحياة مثل ما هو الحد الأدنى من الطاقة الذي يحتاجه الجسم ليبقى على قيد الحياة؟.
يعتقد العلماء أيضاً أنهم في حال استخدام موصلين كهربائيين بدلاً من واحد ووضع البكتيريا التي تتغذى على الإلكترونات على أحدها والأخرى التي تتنفس (تفرز) إلكترونات على الآخر فستستمر على قيد الحياة إلى فترة لا يمكن التنبؤ بها ما لم يقتلها أحد لأنها سُتصبح عملية لا نهائية!
يمكن لهذه البكتيريا أن تكون سلاسل بكتيرية تقوم بتوصيل التيار الكهربائي بطول عدة سنتيميترات بالرغم من أن طولها لا يتعدى 3 مايكرومتر، الهدف من تكوين تلك السلاسل هو إيصال الأكسجين من السطح إلى البكتريا الموجودة في القاع وهو أمر بجانب ما سبق يفتح آفاقاً جديدة لما يمكن أن تستخدم فيه هذه البكتيريا ويُنبأ بظهور جيل جديد من مصادر الطاقة الحيوية التي ستعتمد على هذه البكتيريا.