العيد يأتي في إسلامنا العظيم عقب عبادات كبرى ، والإنجاز الذي تحقق عقب هذه العبادة ، هو مضمون فرح العيد ، هذا لا يمنع أن ألتقي بأصدقائي ، وإخواني ، وأقربائي ، جيراني ، وأحبابي ، وأن ألبس الجديد وأن آكل ، أنا أعبر عن فرحي بهذا الإنجاز بهذه المظاهر التي تدخل الفرحة إلى قلوب من حولي .
قل لي ما يفرحك أقل لك من أنت :
إذاً : العيد فرح ، والكلمة الدقيقة : قل لي ما يفرحك أقل لك من أنت ، هناك إنسان يفرح بخدمة الخلق ، هناك إنسان يعيش للناس ، هناك إنسان إذا رسم بسمة على وجه طفل صغير يفرح أشد الفرح ، إذا وفق بين زوجين يفرح أشد الفرح ، إذا زوج شاباً طهراً نقياً بشابة طاهرة نقية ، يفرح أشد الفرح .
حينما أخرج من ذاتي ، وأحقق وجودي لخدمة الخلق ، أنا عندئذٍ أشعر أنني وجدت نفسي ، ذلك لأن فطرة الإنسان متوافقة توافقاً مذهلاً مع منهج الله عز وجل ، فكل شيء أمرك الله به ينعكس عندك راحة نفسية ، والدليل :
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
( سورة الحجرات الآية : 7 )
الإنسان الشارد التائه الضال يمتع حواسه بمتع حسية زائلة , لكن تعقبها كآبة لا يحملها ، يكاد يكون المرض الأول في العالم الكآبة ، النفس تعاقب نفسها ، هي عقاب ذاتي الجلب الذاتي ، الشعور بالنقص ، تأنيب الذات ، الشعور بالصغار .
أستاذ علاء ، تقدير الذات أحد أسباب السعادة ، أنت حينما تكون صادقاً ، ومستقيماً وذا خير عميم ، وكل من حولك يحبك ، ويثني عليك ، أنت حينما تشعر أنك مصدر سعادة للناس ، مصدر إيناس ، مصدر أمن لهم .
أنا أذكر أن المؤمن حينما يموت يستريح من عناء الدنيا ، ولكن الطغاة حينما يموتون تستريح منهم البلاد والعباد والشجر والدواب ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ :
(( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ ؟ قَالَ : الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ))
[ متفق عليه ]
الأستاذ علاء :
من هنا يأتي قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ ، وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ... ))
[ أخرجه أحمد عن أبي أمامة ]
الدكتور راتب :
الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به :
ما من شيء أمر الله به ونفذته إلا وتشعر براحة ما بعدها راحة ، أريد أن أعقب على هذه الملاحظة بمثل :
عندنا قاعدة في علم الأصول : " الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به " ، كيف ؟ إنسان جاهل لا يقرأ ولا يكتب ، عنده مكيف ، فتح المكيف فجاءه هواء بارد ، فاستمتع به ، يأتي إنسان يحمل دكتوراه في التكييف ، ضغط الزر فجاءه هواء بارد ، فالأول لا يفقه شيئا من آلية التكييف أبداً .
فعظمة هذا الدين أنك إذا طبقت أحكامه تقطف ثمارها ، سواء أعرفتَ حكمتها أم لم تعرفها .
الشيء الدقيق في الدين يفهمه كبار العلماء ، وكبار المفكرين والعباقرة ، وإذا طبقه إنسان بسيط جداً يقطف كل ثماره ، فإذا كان صادقاً يحبه الناس ، وإذا كان نظيفاً يألفه الناس ، وإذا كان رحيماً تكون محبته في قلوب الناس .
إذاً : نحن في العبد نفرح أننا عرفنا الله عز وجل ، وحققنا إنجازين كبيرين ، ونعقد علاقات طيبة مع من معنا ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( إياكم وفساد ذات البين ، إنها الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ، ولكن أقول حالقة الدين ))
[ الترمذي ]
ودائماً وأبداً للإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، فالعقل محل القناعة والإدراك ، والقلب محل الحب ، والجسم محل الطعام والشراب ، يأكل ليتحرك ، فما لم تلبَّ هذه الحاجات الثلاثة معاً فلن تكون السعادة .
حينما يأتي العيد ، دعك من خبراتك ، من اختصاصك ، من شهاداتك ، من قناعاتك ، من تحليلاتك الدقيقة ، أنت في العيد إنسان حولك زوجة وأولاد ، وأقارب فالابتسامة ، والكلمة الطيبة صدقة ، والزيارة جبر لكسر هؤلاء الأقارب الضعاف الفقراء أحياناً ، فالعيد أعمال صالحة .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي