عن ابي هريرة رضي الله عنه قال :
(ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء الى النبي (ص) وعنده نسوة قد رفعن اصواتهن على النبي (ص) فلما استأذن عمر ابتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم _يعني فدخل_ ورسول الله (ص) يضحك.
فقال عمر :_ أضحك الله سنك يا رسول الله.
فقال رسول الله (ص): عجبت من هؤلاء اللاتي كنّ عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب.
فقال عمر فأنت يا رسول الله أحق ان يهبن ، ثم قال عمر : اي عدوّات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن الرسول (ص ) ؟.
قلن :_ نعم أنت أغلظ وافظّ من رسول الله (ص)
قال رسول الله (ص) :_ (( والذي نفسي بيده ما لقيت الشيطان قطّ سالكا فجّا الا سلك فجّا غير فجّك))
صحابي اضحك النبي كثيرا
الصحابي النعيمان بن عمرو الأنصارى
هو النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن النجارالأنصاري، وقد تمتع النعيمان بن عمرو بكثير من الصفات العذبة والشمائل الكريمةمنها: الشجاعة والإقدام على مواطن الجهاد قال ابن سعد شهد بدرا وأحد والخندق والمشاهد كلها.
وكان من صفاته كذلك حب الفكاهة والطرفة وخاصة مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت أم سلمة رضي الله عنها: (كان الضحاك مضحاكا مزاحا ).
بعض مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم:
كان لا يدخل المدينة إلا اشترى منها ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول هذا أهديته لك فإذا جاء صاحبها يطلب نعيمان بثمنها أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أعط هذا ثمن متاعه فيقول أوَ لم تهده لي فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه، ولقدأحببت أن تأكله، فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه.
ودخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وأناخ ناقته بفنائه فقال بعض الصحابة للنعيمان الأنصاري لو عقرتها فأكلناها فإنا قد قرمنااللحم ففعل فخرج وصاح وعقره يا محمد فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال من فعل هذافقالوا هو النعيمان فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب واستخفي تحت سرب لها فوقه جريد فأشار إلى النبي حيث هو فأخرجه فقال ما حملك على ما صنعت قال الذين دلوك على يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك قال فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك ثم غرمها للأعرابي.وهنا تتجلي عظمة النبي صلي الله عليه وسلم فلم ينكر علي هذا الصحابي الذي عقر الناقة ما فعله لأنه يحب المزاح، فالرسول يعلم أن النفس البشرية تتفاوت من إنسان إلي آخر فهناك من هو جاد في كل شيء وهناك من يحب المزاح ؛ ولكنه صلي الله عليه وسلم قد حكم للأعرابي بثمن الناقة
بعض مواقفه مع الصحابة:
كان من السمات المميزة لهذا الصحابي الجليل، كثرة المزاح، وحب الضحك حتى قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام يدخل الجنة وهو يضحك وكثيرة هي المواقف الضاحكة من نعيمان، فعن أم سلمة رضي الله عنها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خرج في تجارة له إلى بُصري (بلدة من بلاد الشام) ومعه نعيمان الأنصاري، وسليط بن حرملة - وكلاهما ممن شهد بدراً - وكان سليط هو المسئول عن الزاد وتدبيره في الرحلة، فبينما هم في استراحة من الاستراحات أثناء الطريق، إذا بنعيمان جاع جوعاشديدا، فطلب من سليط أن يطعمه فأبى عليه ذلك إلا في حضرة أبي بكر من الخارج - الذي يبدو أنه خرج لبعض شأنه - فاغتاظ منه نعيمان وقال له لأغيظنك.وفي سفرهم ذاك مروا بقوم من العرب فاختلى بهم نعيمان وقال لهم: أتشترون مني عبد، قالو:نعم وفرحوا كثيراً بذلك، لأنه على ما يبدومن النادر أن يجدوا عرضاً كهذا والعرب، كانوا يحتاجون لمن يسترقونهم لخدمتهم، فأشار نعيمان للقوم على صاحبه سليط وقال لهم: إن هذا عبدي وله كلام فسوف يقول لكم لست عبداً وأنني ابن عمه، فإذا كنتم ستصدقونه فلا داعي لهذه الصفقة ولاتفسدوا على عبدي، قالوا: لا... بل نشتريه ولا نكترث لقوله، فدفعوا إليه عشرة من الإبل لحرصهم على شراء العبد المزعوم ثم جاءوا معه ليستلموا الصفقة فامتنع سليط منهم وقال للقوم إنه يستهزئ بي فلم يصدقوه وقالوا له: لقد أخبرنا خبرك وأخذوه بالقوة ووضعوا فوق عنقه عمامة كعادة زي العبيد.
ولما حضر أبو بكر رضي الله عنه وأخبروه بالخبرلحق بالقوم وأكد لهم أن صاحبه يمزح ورد عليهم إبلهم قال ابن عبد البر: فلما قدمواعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصوا عليه قصة نعيمان وبيعه لسليط ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه حولا كاملا، أي أنهم كان يتملكهم الضحك كلما تذكروا القصة لحول بأكمله ،تقول بعض الروايات أن اسم ذلك الصحابي الذي باعه نعيمان - مزاحا - هو سويبط وليس سليطا.
ولقي نعيمان أبا سفيان بن الحارث فقال يا عدو الله أنت الذي تهجو سيد الأنصار نعيمان بنعمرو؟ فاعتذر له فلما ولى قيل لأبى سفيان إن نعيمان هو الذي قال لك ذلك فعجب منه .
الوفــاة:
وقد بقى النعيمان حتى توفي في خلافة معاوية رضي الله عنهم جميعا.
و هنا بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( مواقف بكى فيها النبي ) !!
البكاء نعمة عظيمة امتنّ الله بها على عباده ،
قال تعالى :
{ وأنه هو أضحك وأبكى } ( النجم : 43 ) ،
فبه تحصل المواساة للمحزون ، والتسلية للمصاب ، والمتنفّس
من هموم الحياة ومتاعبها .
ويمثّل البكاء مشهداً من مشاهد الإنسانية عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،
حين كانت تمرّ به المواقف المختلفة، فتهتزّ لأجلها مشاعره ، وتفيض منها عيناه ، ويخفق معها فؤاده الطاهر .
ودموع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن سببها الحزن
والألم فحسب ،
ولكن لها دوافع أخرى كالرحمة والشفقة على الآخرين ، والشوق والمحبّة ، وفوق ذلك كلّه : الخوف والخشية
من الله سبحانه وتعالى .
فها هي العبرات قد سالت على خدّ النبي صلى الله عليه وسلم
شاهدةً بتعظيمة ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، عندما
كان يقف بين يديه يناجيه ويبكي ، ويصف أحد الصحابة ذلك المشهد فيقول
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ وفي صدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء }
رواه النسائي .
وهو الصوت الذي يصدره الوعاء عند غليانه
وتروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها موقفاً آخر فتقول
قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
ليلةً من الليالي
فقال
( يا عائشة ذريني أتعبد لربي ) ،
فتطهّر ثم قام يصلي ،
فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجره ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ،
وجاء بلال رضي الله عنه يؤذنه بالصلاة،
فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم منذنبك وما تأخر ؟ فقال له :
( أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ )
رواه ابن حبّان .
وسرعان ما كانت الدموع تتقاطر من عينيه إذا سمع القرآن :
روى لنا ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال :
" قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اقرأ عليّ ) ، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ ، فقال : ( نعم ) ،
فقرأت سورة النساء
حتى أتيت إلى هذه الآية : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }
( النساء : 41 )
فقال : ( حسبك الآن )
فالتفتّ إليه ، فإذا عيناه تذرفان " ،
رواه البخاري .
كما بكى النبي – صلى الله عليه وسلم –
اعتباراً بمصير الإنسان بعد موته ، فعن البراء بن عازب ضي الله عنه قال : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ، فجلس على شفير القبر أي طرفه، فبكى حتى بلّ الثرى ،
ثم قال : ( يا إخواني لمثل هذا فأعدّوا )
رواه ابن ماجة ،
وإنما كان بكاؤه عليه الصلاة والسلام بمثل هذه الشدّة لوقوفه
على أهوال القبور وشدّتها ،
ولذلك قال في موضعٍ آخر :
( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ) متفق عليه.
وبكى النبي – صلى الله عليه وسلم – رحمةً بأمّته وخوفاً عليها من عذاب الله ، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ،
يوم قرأ قول الله عز وجل : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }
( المائدة : 118 ) ،
ثم رفع يديه وقال : ( اللهم أمتي أمتي ) وبكى .
وفي غزوة بدر دمعت عينه - صلى الله عليه وسلم – خوفاً من أن يكون ذلك اللقاء مؤذناً بنهاية المؤمنين وهزيمتهم على يد أعدائهم ،
كما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله :
" ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح ) رواه أحمد .
وفي ذات المعركة بكى النبي – صلى الله عليه وسلم -
يوم جاءه العتاب الإلهي بسبب قبوله الفداء من الأسرى
قال تعالى :
{ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض }
( الأنفال : 67 )
حتى أشفق عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كثرة بكائه.
ولم تخلُ حياته – صلى الله عليه وسلم – من فراق قريبٍ أو حبيب ، كمثل أمه آمنة بنت وهب ، وزوجته خديجة رضي الله عنها ، وعمّه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وولده إبراهيم ، أوفراق غيرهم من أصحابه ، فكانت عبراته شاهدة على مدى حزنه ولوعة قلبه .
فعندما قُبض إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم –
بكى وقال :
( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) متفق عليه.
أحلى حياة في طاعة الله
ولما أراد النبي – صلى الله عليه وسلم -
زيارة قبر أمه بكى بكاءً شديداً حتى أبكى من حوله ثم قال :
( زوروا القبور فإنها تذكر الموت)
رواه مسلم .
ويوم أرسلت إليه إحدى بناته تخبره أن صبياً لها يوشك أن يموت ، لم يكن موقفه مجرد كلمات توصي بالصبر أو تقدّم العزاء ، ولكنها مشاعر إنسانية حرّكت القلوب وأثارت التساؤل ، خصوصاً في اللحظات التي رأى فيها النبي – صلى الله عليه وسلم - الصبي يلفظ أنفاسه الأخيرة ،
وكان جوابه عن سرّ بكائه
( هذه رحمة جعلها الله ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )
رواه مسلم .
ويذكر أنس رضي الله عنه نعي النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوم مؤتة ،
حيث قال عليه الصلاة والسلام :
( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله )
رواه البخاري .
ومن تلك المواقف النبوية نفهم أن البكاء ليس بالضرورة أن يكون مظهراً من مظاهر النقص ، ولا دليلاً على الضعف ، بل قد يكون علامةً على صدق الإحساس ويقظة القلب وقوّة العاطفة ، بشرط أن يكون هذا البكاء منضبطاً بالصبر ، وغير مصحوبٍ بالنياحة ، أو قول ما لا يرضاه الله تعالى .