المرأة العجوز تجهز الشاي وتحمله بيدها اليمنى وتمضي إلى غرف أبنائها، تتجاوز الممر وتكاد أن تتعثر فتتكئ بيدها الأخرى على الحائط وتأخذ نفسا عميقا وتتابع طريقها..
تقرع باب ابنها الثلاثيني فلا يجيبها ..
تقف قليلا على باب غرفته ثم تمضي إلى غرفة أخيه الصغير وتقرع الباب مرتين ولا يجيبها أيضا.. فتمسك مقبض الباب فينفتح، تنير ضوء غرفته فلا تجده في سريره، تضع إبريق الشاي على طاولته وتفتح نافذته وتتمعن النظر من خلالها إلى الطريق.. لعله قادم .. لعله قريب.. ولا ترى شيئا.. فتأخذ كرسي خشبي وتجلس قرب النافذة تراقب الطريق.
مرّت ساعتين والمرأة العجوز تنتظر، وكان قلبها يتقطع في كل لحظة تمر ولم يأتي ابنها فيها.. فهو لم يتعود التأخر إلى هذا الوقت..
تخيّلت كل شيء ووضعت كل الاحتمالات وكان أسوأها أن يكون قد أصابه مكروه!! وكلما فكرت بهذا الاحتمال تضع رأسها بين كفيها وتبكي!!
المرأة العجوز تخرج من غرفة ابنها الصغير وتذهب إلى غرفة أخيه فتقرع الباب بقوة : ” استيقظ.. أخوك للآن لم يعد.. استيقظ يا بني أرجوك!! ” فلم يجبها.. وبكت بمرارة وحزن وعادت إلى مقعدها وفي كل مرة تنوح بجنون أكثر.. ” أين أنت؟ عد يا بني .. ما الذي أخرك.. هل أنت بخير!! “
المرأة العجوز يطول انتظارها، وبدأ الشك يصبح يقينا أن هناك مكروه أصاب ابنها الصغير حينما أشرقت الشمس ولم يعد ، فأنهكها الخوف والإرهاق والحزن والحسرة وهي لا زالت جالسة على مقعدها، فأقرّت في نفسها أن عليها أن توقظ ابنها بأي طريقة، فتحاول أن تقف ولا تستطيع.. تحاول أن تناديه فلا تستطيع..تحاول أن تصرخ فلا تستطيع!!. رمت نفسها على الأرض وقررت أن تزحف إلى باب غرفة ابنها، وضعت ذراعيها أسفل بطنها وأخذت تزحف ، أصابها التعب وأكملت بكائها بحرقة وأرادت أن تأخذ قسطا من الراحة، فأوجعها قلبها على ابنها أكثر، واستمرت بالزحف !!
المرأة العجوز تقطع نصف المسافة زحفا ، وتنظر إلى باب غرفة ابنها وتتمتم بحزن : يا إلهي ما زلت بعيدة!! فدفعت نفسها وهي منهكة إلى أن وصلت، كانت تلهث بشدة، حاولت أن تتعربش على الباب لتقف فلم تستطع، حاولت أن تطرق الباب ولم تستطع، حاولت أن توقف نزيف دموعها ولم تستطع.. حاولت أن تنسى ابنها الضائع للحظات لكي تأخذ قسطا من الراحة..فلم تستطع!!
المرأة العجوز تجاعيد وجهها ما عادت تحتمل كل هذا الحزن.. فأخذت تغمض عينيها .. وتحلم “بولديها” وتموت على مهل!!