العيد مظهرٌ من مظاهر الدين وشعيرة من شعائره التي تنطوي على حِكَمٍ ومعانٍ دينية واجتماعية جليلة وأسرار بديعة تساعد الفرد على التحلي بعوامل الصحة النفسية المطلوبة لراحة الإنسان وسعادته، فهو موسم تواصل ومواساة وتقاليد إنسانية تريح نفسية الفرد، وتزوده بطاقات تجدد نشاطه من خلال تجديد روح الأمل على مواصلة مسيرة حياته بمشاعر التعاون والشعور بالآخر والسعي لرضا الله، وهذا يسبغ عليه مشاعر الفرح والطمأنينة والتقبل والرضا.
ومن الأبعاد النفسية لعيد الفطر
1 - جعل الله تعالى الفرح عبادة، حيث جعل، سبحانه، الفطر في يوم العيد "واجباً"، والصوم "حراماً" لإبراز مظاهر الفرح.
2 - وفي عيد الفطر فرصة لا تدانيها فرصة يستثمرها الناس في بر الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الجار، بتبادل الزيارة والمعايدة والتهنئة وغيرها من مظاهر المواساة والفرحة، كما فيه فرصة عظيمة لإصلاح ذات البين، وإزالة ما زرعته الخلافات في قلوب المتخاصمين والمتنازعين من بغضاء وفتن، فكلمة تهنئة واحدة في العيد ترسل على العلاقات التي أصابها الجفاف قطرات من ندى الإصلاح، ترطب النفوس وتنشر عطر المحبة، وتسوي ذات البين، وتعيد للنفوس صفاءها ولخيوط التواصل والتفاعل الودود الحيوية والنشاط.
3 - فرض سبحانه صدقة الفطر، ليشترك الفقراء والمحتاجون والأغنياء جميعاً في هذه الفرحة العظيمة.
4 - العيد يزرع في قلوب المسلمين المودة والرحمة، ويربيها على حب الخير للآخرين، ويدرّبها على معالجة المشكلات الاجتماعية حين يدفع الإسلام المسلم -بفرض صدقة الفطر عليه- إلى الإحساس بالفقير والمسكين، فيألم لحالهم، وقد ذاق طعم الجوع مثلهم في شهر رمضان، فيخرج ليشتري لهم من الطعام ما يسد حاجتهم في العيد، ويغنيهم عن السؤال يوم الفطر والفرح، ثم يبحث عنهم ويذهب إليهم ويقدم لهم ما يستحقونه من طعام. وهذا تدريب وتربية لها على البذل والعطاء والإحساس بهموم الآخرين، والعطف عليهم.. الكلمات هنا لا تكفي لوصف ما تزرعه صدقة الفطر وحدها من أخلاق فاضلة ومعان نبيلة في نفس المسلم.
5 - يتجلى العيد على الفقير. فيطرح همومه، ويسمو من أفق كانت تصوره له أحلامه، وينسى مكاره العام ومتاعبه، وتمحو بشاشة العيد آثار الحقد والتبرم من نفسه، وتنهزم لديه دواعي اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء.
6 - في العيد يستروح الأشقياء ريح السعادة، ويتنفس المختنقون في جو من السعة، وفيه يذوق المعدمون طيبات الرزق، ويتنعم الواجدون بأطايبه.
7 - في العيد يسلس قياد النفوس الجامحة إلى الخير، وتنطلق النفوس المتشددة في الحرص إلى الإحسان.
8 - في العيد أحكام تقمع الهوى، ومن ورائها حكم تغذي العقل، ومن تحتها أسرار تصفي النفس، ومن بين يديها ذكريات تثمر التأسي بالحق والخير، وفي طيها عبر تجلي الحقائق، وموازين تقيم العدل بين الشرائح المتفاوتة من البشر، ومقاصد سديدة في حفظ الوحدة وإصلاح الشأن، ودروس تطبيقية عالية في التضحية والإيثار والمحبة.
9 - في العيد تظهر فضيلة الإخلاص مستقطبة الجميع، ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، ويمثل العيد روح الأسرة الواحدة ويتسع ليشمل الأمة كلها.
10 - في العيد تتسع روح التواصل والمحبة بين الجوار وتمتد لتشمل خيمتها أهل البلد من الجوار، ويتآلف أهل الحي أو البلد وكأنهم تحت سقف دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي.
11 - في العيد تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها.
12 - والعيد مع ذلك كله ميدان سباق إلى الخيرات ومجال منافسة في المكرمات.
13 - العيد يعني شكر الله على تمام العبادة وهذا يمتعه بصحة نفسية عميقة الأثر يقولها المسلم بقناعة وإيمان، ويسعى راضياً للتقرب من الله بالطاعة والبذل وإدخال الفرح إلى نفوس من يفتقدونه من المرضى والضعفاء والمحتاجين.
14 - في العيد يتواضع الغني لمن أعطاه المال ويسجد في محراب التصدق والإحسان والمواساة راضياً مختاراً طامعاً برضى الله ومغفرته.
15 - العيد في معناه النفسي بعيد المدى فهو حد فاصل بين تقييد مفروض تخضع له النفس، وتسكن إليه الجوارح وبين انطلاق تنفتح له الرغبات وتتنبه له الشهوات.