مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
من الفرص :
تحقيق التقوى التي أشار الله تعالى إليها
في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وأهل العلم رحمهم الله على أن التقوى : هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله تعالى وقاية بفعل ما أمر ، واجتناب ما نهى . هذان هما قطبا رحى التقوى التي أشار القرآن إلى تحقيقها في الصيام ، فتأمّل نفسك أيها الصائم الحبيب ، واكتب عقداً مع الله تعالى في تحقيق هذه التقوى ، وجرّب في هذا الشهر بعض طموحاتك الكبيرة في تحقيق مثل هذه المقاصد العظيمة ، إن الحرص على حضور صلاة الجماعة مع الإمام ، وصلاة النوافل المقيّدة ، والمطلقة ، واستغلال هذا الشهر في ذكر الله تعالى بعض معاني التقوى المشار إليها في القرآن الكريم . ويمكن من خلال عزيمتك أن تكتب في نهاية شهرك بعضاً مما قاله السلف رحمهم الله تعالى في تحقيق مراد الله تعالى من خلقه . لقد قال ابن المسيّب وهو يلفظ أنفاس الموت ما أذّن المؤذّن من سبعين سنة إلا وأنا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر : ما فاتتني تكبيرة الإحرام من أربعين سنة إلا مرة واحدة انشغلت بدفن أمي ماتت ففاتتني تكبيرة الإحرام ، وقال الثالث : ما رأيت قفا مأموم من أربعين عاماً ، أي لم يصل في الصف الثاني طيلة هذا الزمن كله . ألا ترى أن الفرصة مواتية لخوض غمار هذه التجربة في هذا الشهر الكريم على الأقل ؟أحسب أن ذلك مواتياً جداً . أما القطب الآخر وهو ترك ما حرّم الله تعالى عليك فأنت أكبر من أن تقع في شراكه ، فكن حريصاً على رعاية جوارحك من الخوض في ما حرم الله تعالى ، واعلم أن هذه الجوارح لو انفكت عن مراقبتك فيمكن أن تسلبك بعض هذه الأفراح ! ورب كلمة ندت من فمك أو نظرة تجاوزت حدود الله تعالى كتبت عليك شقاء الدارين . ومثلك يعلم أن المعصية سبب لشتات الحال ، وموجبة من موجبات خذلان الله تعالى للعبد في نفسه وأسرته وحاله ومآله .
ومن فرص الاستثمار في رمضان :
العناية بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوة وتفسيراً ،
لقد نزل هذا القرآن في شهر رمضان ، وكان جبريل يدارس به نبينا صلى الله عليه وسلم في عام مرة ، ودارسه في العام الذي توفي فيه مرتان ، قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيها القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) ويمكن لك أخي الصائم أن تكتب لنفسك تاريخاً مع هذا القرآن العظيم خلال هذا الشهر الكريم . إن ختم القرآن مرة واحدة هو تحدٍ تخوض غماره ، وهو انتصار لك حقيقة خاصة إذا كانت هذه أول تجربة لك ، فكيف إذا تحقق لك ختمتان أو ثلاث أو أكثر من ذلك وحين يكون ذلك يصدق عليك أنك أحد المستثمرين في مثل هذا الشهر بصدق. وغداً بإذن الله تعالى حين تقف بين يدي الله تعالى يحاج القرآن عنك ، ويوصلك إلى أعالي الجنان .
ومن فرص الاستثمار في رمضان :
بذل المعروف ، ومد يد العون للمحتاجين ، ورعاية الضعفاء والمعوزين ،
لقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل فيدارسه القرآن ، فللرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما . والمستثمرون يتحينون مثل هذا الفرص ، ويرقبون قدوم مثل هذه الفضائل ليعمرونها بالبذل والسخاء ، إنك تتعرّض بهذا الإنفاق لدعوة الملَك : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، وتتعرّض كذلك لا ستجابة أمر الله تعالى : يابن آدم أنفق أُنفق عليك . وتهيئ نفسك لولوج بوابة أحب الأعمال إلى الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أحب ألأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مؤمن ، تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً . فتعرّض لنفحات الله تعالى في هذا الشهر فرب شيء يسير بطيب نفس ولج بك إلى عالم الجنان . يمكن لك من خلال هذا الباب : أن تفطّر صائماً ، أو تهدي إلى قريب ، أو تعين جاراً ، أو تطعم مسكين ، كل ذلك من الفرص التي ينبغي ألا تفوت أمثالك من الحريصين .
ومن فرص الاستثمار في رمضان :
قيام رمضان ،
وقد قال صلى الله عليه وسلم : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه ، وهذه الفرصة في متناول كل حريص ، فمن حرص على صلاة التراويح مع الإمام كتب الله تعالى له هذا الفضل ، قال صلى الله عليه وسلم : من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة . ومجموع هذه الليالي هو تحقيق للفضل الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث .
ومن فرص الاستثمار في رمضان :
صلة الأرحام ،
قال صلى الله عليه وسلم : من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه . إن رمضان فرصة حقيقة لتحقيق معالم التواصل المفقود في حياة الواحد منا . ألا ترى أخي الصائم أننا في أمس الحاجة إلى التعرّض لنفحات الله تعالى في هذا الشهر الكريم في مثل قوله قول النبي صلى الله عليه وسلم : من وصل رحمه وصله الله . إن الخطوات التي تخطوها إلى أهلك وأرحامك وأصدقائك في هذا الشهر هي خطوات حقيق أن يُحتفى بها لأنها تؤدي رسالة ، وتعمّق معاني الرحمة ، وتكتب حياة الفرح والرشاد في حياة أصحابها فلا حرمك الله تعالى التوفيق .
ومن فرص الاستثمار في رمضان :
توسيع دائرة الأخلاق في التعامل مع الآخرين خلال هذا الشهر الكريم ،
فإن دائرة الأخلاق من أوسع الدوائر التي يلج منها الصائم إلى رضوان الله تعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق . إن صاحب الأخلاق الفاضلة يزيده رمضان عطفاً على الآخرين ، واحتراماً لهم ، وتقديراً لظروفهم ، بل تجعله يهتبل الفرص لإسعاد الآخرين لا كما يفعله العامة من الناس حين تضيق أخلاقهم من آثار الصوم . إن مشاريع الأخلاق التي يمكن أن تدر على الإنسان في رمضان أكثر من أن تحصر ، فالكلمة الجميلة ، والابتسامة الصادقة ، ومساعدة الآخرين في تحقيق معاني حياتهم الكريمة أوجه من أوجه توسيع رقعة الأخلاق في الأزمنة الفاضلة .
ومن فرص الاستثمار في رمضان :
العمرة في رمضان ،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما . وقال عليه الصلاة والسلام : عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي . ويمكن أن نوسّع دائرة هذا الفضل بالمساهمة في معونة بعض من يحتاج العمرة .
ومن فرص الاستثمار في رمضان :
تبنّي بعض الأعمال الدعوية والاجتماعية في القرى والأحياء ،
كتعليم كتاب الله تعالى للصغار أو للكبار أو للجاليات ، وإعداد مسابقات تربوية واجتماعية للأسر أو للشباب ، وكإقامة رحلات العمرة ، ونحو ذلك من الأعمال الدعوية والاجتماعية ، فإن هذا من النفع المتعدي ، وأهل العلم رحمهم الله تعالى قاطبة على أن نفع العمل المتعدي أولى وأفضل من نفع العمل القاصر .
ومن فرص الاستثمار في رمضان :
إحياء شعيرة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ،
فإنها من آثار سنن نبي الهدى صلى الله عليه وسلم ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى . وفيه من الاشتغال بالنفس ، ولم شعثها ، وجمع فرقتها ، والإقبال بها على الله تعالى مالا يخطر على بال .
من فرص الاستثمار كذلك :
العناية بالأسرة تعليماً وتربية من خلال أيام هذا الشهر الكريم ،
فإنها فرصة لكثير من المهتمين لرعاية أسرهم ، والعناية بشؤونهم ، وطريق لإرساء علاقة تربوية بمثل هذه اللقاءات تستمر على مدار الأعوام .
وأخيراً : رمضان فرصة حقيقية للاستثمار ، واللبيب يدرك بصدق أن الفرص تلوح ، وقد لا تعود ، وكم من متمنٍ فاته بالأماني حظه من الغنائم ما فات ، وليت شعري من يدرك أن رمضان فرصة أشد من يتمنى لقاءه مكلوم على سرير المرض ، أو مسافر في أرض الغربة ، أو مكبّل بقيد السجون !! والله المسؤول أن يعينني وإياكم على استثماره الاستثمار الأمثل إنه ولي ذلك والقادر عليه