يعتبر الزواج في الإسلام كما في الأديان السابقة عقد شرعي يربط رجلا بامرأة بنية البقاء وعلى أساس المودة والرحمة والتراضي والاتفاق، هذا بصفة عامة، لكن في منطقة تافيلالت يعرف بعض الخصوصيات نظرا لما لهذه المنطقة من عادات وتقاليد تختلف عن مجمل مناطق المغرب، ومن هنا نتساءل؛ أين تتمثل هذه العادات والتقاليد في الزواج الفيلاي؟ وماذا يعرقل هذا الزواج؟ وهل كل سكان المنطقة موافقون على عادات وتقاليد هذا الزواج أم هناك فئات رافضة؟ ثم لماذا بقيت هذه العادات والتقاليد ثابتة رغم التطور الذي عرفته المنطقة؟
-I الزواج الفيلالي عاداته وتقاليده :
1- الخطبة وطرقها :
تعتبر الخطبة مرحلة أساسية قبل الزواج، وتكون بدايتها بعرض أم الخطيب -بتشاور مع أبيه – على ابنها فكرة الزواج، وإن وافق على الفكرة تنتقل للمرحلة الثانية وهي عرضها عليه اسم أو أسماء بعض الفتيات للاختيار، وبعد موافقته على إحداهن، تخبر أمه أبيه بما انتهت إليه الجلسة، ثم يتم الاتفاق على موعد الذهاب لخطبة الفتاة، وبعدما تأخذ العائلة وابنها معلومات متعددة حول الفتاة وأهلها؛ من حيث النسب والجمال وكذا المستوى المادي والمكانة الاجتماعية، يذهبون لخطبتها، ويصحب الخطيب أخته أو خالته أو عمته أو غيرهن إن لم تكن له أم، ليستطعن تفحص هذه العروسة، وبعد حضور الخطيب وأهله يتم استقبالهم والترحيب بهم وحسن الضيافة من أهل المخطوبة، ليتم الدخول في صم الموضوع بعد ذلك، فإن قبلت الفكرة من أهل المخطوبة توجه الأشعة صوب الفتاة لتعرض للفحص؛ فيطلبون منها أول الأمر كشف حجاب الرأس لرؤية شعرها، ثم يطلب منها التكلم من أجل التـأكد من سلامة نطقها، وبعده تطالب بالمشي أمامهم؛ للتأكد من خلو الفتاة من أية إعاقة في الرجلين، ويتم كل هذا والفتاة تتلقى تنبيهات بعدم الخجل وغيره من طرف الأم أو من يقوم مقامها إن كانت الفتاة يتيمة من جهتها. وبعد نجاح الفتاة في هذا الفحص وتوفرها على المواصفات المطلوبة من طرف الخطيب وأهله كالطول والعرض وغيره، تتم الموافقة عليها بشكل نهائي، وهذا ما يسمى بـ"العلامة"، ثم يتم الاتفاق على موعد العرس الذي غالبا ما يكون في العطلة الصيفية. مع توالي بعد الزيارات من أهل الخطيب لأهل المخطوبة في بعض المناسبات مصحوبين ببعض الهدايا للفتاة أو قل العروسة المرتقبة.
- عادات وتقاليد العرس الفيلالي:
وفي مرحلة الخطوبة أي بين"العلامة" والعرس يتفق أهل الخطيبين على بعض الأمور كالمهر"الصداق" وغيره، ويبقى أهل العروسة في أتم الاستعداد منتظرين صفرة البداية من أهل الخطيب، وبعد إعطاء الإشارة يشمر كل طرف عن ساعديه؛ فأهل العريس يبدؤون من يوم الاثنين المسمى بـ"الكرامة" وفي هذا اليوم تظهر العادات والتقاليد بشكل واضح يلحظها من حرم نعمة البصر، حيث يحضر العريس وأخته إلى وسط المنزل مقابلين مع حلقته " عين الدار" ويبدأ بطحن الحبوب "الزرع" في المطحنة التقليدية المسماة بـ"الرحى" ويكون مقدار الطحن هو سبع أكف بلا زيادة ولا نقصان، وتتم العملية بين صلتي المغرب والعشاء وهذا ما يسمى بـ"الكليع" وفي ظل هذه الأجواء يلقى على العريس وأخته من أعلى أي من حلقة المنزل "عين الدار" اللوز والتمر، ومنذ بداية الطحن يكون دملجا قد أدخل في يد المطحنة"الرحى" وعند الانتهاء من طحن آخر حبة يجب على العريس وأخته أن يتصارع حول الدملج ومن استطاع نزعه من الآخر يأخذ من خصمه مبلغ 100درهم. وفي نفس اليوم وبعد الانتهاء من صلاة العشاء يخرج جميع أفراد عائلة العريس وبعض الأقارب ومن شاء من الجيران إلى ساحة كبيرة (فم القصر بالبادية) ويكون من بين الجمع الخارج رجلان يمسك كل واحد منهما بيده اليمنى معولا "فاس" وباليد اليسرى حجرة؛ ويضربا الحجرة بالمعول "الفاس" والعريس في مقدمتهم، وبهذه الطقوس الجميلة ينتهي هذا اليوم. أما اليوم الموالي وهو يوم الثلاثاء فهو مخصص لإطعام الأقارب والجيران وغيرهم.
وفي يوم الأربعاء وبعد صلاة المغرب يخرجون العريس ممتطيا جوادا ومرتديا جلبابا بيضاء وفوقها سلهاما أسود وحزاما من حرير يشد به رأسه، وتحزم ثلاث بيضات في غطاء الرأس الموجود بالسلهام "قب السلهام"، ثم يذهبون بالعريس إلى ساحة كبيرة (فم القصر بالبادية) تكون قد جهزت قبل غروب الشمس بالأفرشة والكراسي، فيجلس العريس وبجانبه أناسا من أقارب وجيران وغيرهم؛ فيأخذ بعض الأشخاص إناءا "زلافة" به "الخلخلة" وهي مزيج من مجموعة من الأعشاب ذات الرائحة العطرة ويضعون هذا الخليط على رأس العريس شيئا فشيئا ويشدون على رأسه بثوب أبيض"شدادة بيضاء" وتخطط بمزيج "الخلخلة". وفي هذه الليلة يحضر أحد المغنين مصحوبا بفرقته الموسيقية "الجوق" الذي يقوم بتنشيط هذا الحفل، وفي ظل هذه الأجواء يقوم أحد أفراد الفرقة الغنائية وينادي في الحضور "التبريحة" بشكل عام وأهل العريس بشكل خاص، و بصوت مرتفع وكلمات غناءه، والهدف من كل هذا وذاك هو جمع المال. وتبقى هذه الأجواء مستمرة حتى قرب بزوغ الفجر؛ حينها يحني العريس يداه ورجلاه، ويحزم العريس في رجله قطعة ثوب بها مزيج من الحرمل والملح؛ وهذا باعتقادهم يحفظ العريس من العين ومن كل المصائب. وفي صباح يوم الخميس يذهب أصدقاء العريس للمنزل الذي يوجد فيه عريسهم حيث يقومون بفك يديه ورجليه من الأثواب الملفوفة عليهما والحناء، والشخص الذي يقوم بهذه العملية يسمى "لوزير"، كما يقوم "لوزير" بحمل العريس فوق ظهره ليضعه فوق الجواد، ويذهبون به إلى النهر وهم يتغنون، وبعد عودتهم يبقى العريس و"لوزير" وبعض أصدقائه منعزلين في بيت ومنتظرين قدوم العروسة يوم الجمعة لتقابل عريسها، هذا بالنسبة لعادات وتقاليد العريس وأهله. أما فيما يخص العروسة وأهلها، فتبدأ تقاليدهم وعاداتهم يوم الاثنين كما هو الأمر عند العريس وعائلته، حيث يحضر العريس وأهله للعروسة ما يسمى بـ"الجهاز" وهو مجموعة من الملابس الداخلية والخارجية وأحذية وغيرها؛ للعروسة في كل هذا حصة الأسد، كما يقوم العريس بإلباس الخاتم لعروسته، وبعد ذلك ينصرف العريس و أهله إلى بيتهم، وفي ليلة هذا اليوم يحضرون العروسة هي الأخرى إلى وسط المنزل متقابلة مع حلقة المنزل"عين الدار" وتبقى واقفة والنساء والفتيات مشكلين حولها دائرة وهي مركزها، وتأتي امرأة تمشط لها شعرها وتظفر لها الضفيرة؛ والغريب في الأمر أن الضفيرة عادة ما تكون من الأعلى نحو الأسفل، لكن للعروسة فالعكس أي من الأسفل نحو الأعلى، وتكون هذه الضفيرة مصحوبة بدهن رأس العروسة بمزيج يشبه المزيج الذي وضع للعريس، ويكسرون للعروسة بيضة على رأسها ويقومون بكل هذه الأعمال ووجهه العروسة ملثم، كما يحضر من يحمل اسم "محمد" جرة مملوءة بالماء فيصعد إلى أعلى أي إلى حلقة المنزل "عين الدار" فيرش العروسة ببعض ماء الجرة. أما بالنسبة ليوم الثلاثاء فهو مخصص للمدعوين والمدعوات من الأهل والأقارب والجيران .
وفي يوم الأربعاء تحنى يدا ورجلا العروسة؛ حيث تقف بجانبها فتاة على اليمين وأخرى على اليسار وكل واحدة منهما تمسك شمعة بيدها، وتسمى من تقوم بوضع الحناء للعروسة "مزوارة" وهي المرأة التي تزوجت مرة واحدة ورجل واحد، وعند الانتهاء من وضع الحناء للعروسة؛ يؤخذ الإناء الذي كانت فيه الحناء و"المبخرة" ويضعان مع كل تلك الأشياء التي وضعت لتزيين الطاولة الموجودة أمام العروسة في طبق من سعف ويطوف به سبعة أشخاص – نساء أو رجال- الواحد تلوى الأخر وهم يغنون. وفي هذا اليوم يعقد اجتماع بين العروسة وأهلها من النسوة؛ حيث تجلس العروسة وسطهن ويبدءون بتقديم الوصايا والتوجيهات لها حيث يجب عليها أن تحافظ عليها وتتحلى بها في بيت زوجها.
وفي مساء يوم الخميس يتم إرسال أشخاص من أهل العروسة مصحوبين ببعض التجهيزات المنزلية (الأثاث) إن لم نقل كلها إلى بيت العريس، وفي فجر يوم الجمعة تحضر العروسة وأهلها - غالبا ما يتخلف الأب - وعند وصولهم لبيت العريس تدخل العروسة برجلها اليمنى ويرش عليها الحليب والملح ويقدم لها التمر والحليب هي وعريسها، ثم يقوم العريس بتكسير بيضة أمام عتبة الباب؛ ومعنى هذا الكسر أنه يكسر جميع الحواجز التي تعيق استمرار حياته الزوجية، ينصرف الزوج مع صديقه "لوزير" ويدخل أهل كل من الزوجة والزوج على الزوجة – المستلقية على السرير – لتهنئتها. وبعد اشتراك العائلتين في تناول وجبة الفطور والغداء من بعده بما لذا وطاب من الطعام، وبعد قرب المساء يستعد أهل العروسة للرحيل تاركين ابنتهم في حفظ الله ورعايته على موعد اللقاء بعد ثلاثة أيام. وبعد مضي الأيام الثلاث وفي يوم الاثنين بالضبط الذي يسمونه بـ"ثلاثة أيام" يحضر أهل الزوجة إلى بيت ابنتهم الزوجية ومعهم الخضر والفواكه والسكر والدقيق والزيت…الخ؛ ويقضون يوما ممتعا مع ابنتهم وأهل زوجها حتى قرب المساء حيث يستعدون إلى العودة من حيث قدموا. وبعد مضي أسبوع من يوم دخول الزوج على زوجته؛ يكون يوم الجمعة وفيه يحضر أهل الزوجة لبيت صهرهم ويحضرون معهم ما يسمونه بـ"الفراخ"، وفي الأسبوع الثاني من زفاف ابنتهم يحضرون معهم ما يسمونه بـ"المدفون"، وفي الأسبوع الثالث يحضرون معهم "الدجاج".
وبعد انتهاء الأسابيع الثلاث وبعد مرور مدة قصيرة يذهب أهل الزوجة لزيارة ابنتهم؛ وهذه الزيارة تسمى بـ"ضرب الفكد" ويحضرون معهم هدية لأبنتهم؛ كخاتم أو سلسلة أو ملابس أو غيرها. وبعد مرور أيام عدة يزور الزوج وزوجته وبعض أهله بيت أهل زوجته، وعندما يريدون الانصراف يتركون الزوجة في بيت أهلها لتقضي معهم أيام معدودة.
لكن إسراف أهل الزوجة على ابنتهم لم يتوقف عند هذا الحد؛ فماداموا على قيد الحياة وهم يحضرون لها بعض الهدايا والألبسة وغيرها في بعض المناسبات؛ كالأعياد و"شعبانة" والنفاس وغيرها، ويستمرون هكذا حتى تزوج بنتهم أبنائها وهم ما يزالون على هذا الحال. ورث سكان منطقة تافيلالت هذه العادات والتقاليد جيل عن جيل أبا عن جد.
وهكذا فالعرس الفيلالي يعرف نوعا من الخصوصية نظرا لتشبثه بهذه العادات والتقاليد، ولهذ فهو يختلف عن باقي الأعراس الأخرى في المنطقة نفسها؛ يختلف عن العرس الأمازيغي مثلا من حيث المدة التي يستغرقها، فالأمازيغيين لا يستغرق عرسهم سوى ثلاثة أيام، كما أن العروسة الأمازيغية لا تحضر معها لبيت زوجها إلا حقيبة ملابسها وبعض الأشياء الخاصة بها.
عادات وتقاليد الزواج الفيلالي بين التأييد والرفض :
1- أسباب التأييد ونتائجه:
نجد من بين الأسباب التي جعلت المجتمع الفيلالي يوافق على هذه العادات والتقاليد ويحافظ عليها هي شدة طمع وجشع أهله، وخصوصا العائلات التي تتكون من مجموعة من الفتيان، فإحدى هذه العائلات عندما تقرر زواج أحد أبنائها فهي تبحث له عن الزوجة التي تستطيع إحضار أحسن الأثاث وأوفره، لذا فهي تبحث عن الفتاة التي يملك والدها أموال كثيرة، كما أن الجهل بالدين وأصوله يساهم في استمرار هذه العادات والتقاليد؛ فلو كانت لهم دراية بالدين لعلموا أن الزوجة المتدينة ستجعل أبنائهم أكثر سعادة ونشاطا من التي تملك المال وغيره، كما أن للخرافة والشعوذة دور كبير في استمرار هذه العادات والتقاليد؛ فالكثير من سكان المنطقة يعتقدون أنهم إذا تخلو عن هاته العادات والتقاليد فستحل بهم لعنة الأجداد والأولياء والصالحين وأن من ترك هذه العادات والتقاليد فإنه قد تخلى عن كرامته ورجولته. كما يظنون أن من فكر أو أقبل على التخلي عن تجهيز ابنته بالأثاث فإنها ستبقى عنده ولن يتقدم لخطبتها أحد وستبقى بدون زواج ويكون والدها هو السبب في ذلك؛ متغافلين عن الإيمان بالقضاء والقدر، وأن الرزق بيد الله وليس عند عائلة "فيلالية" يجب أن تحظى بكل ذاك الأثاث. وكذلك من بين الأسباب التي تساهم في استمرار هذه العادات والتقاليد في المنطقة؛ عناد أهلها الكبير وتنافسهم حول من تكون ابنته أو أخته أو غيرها مجهزة بأحسن الأثاث وأفخره؛ ليتكلم عنه الناس لأنه دفع المال أكثر من غيره وأنه أخرج إلى السوق أموالا كثيرة أكثر من غيره، حتى أن بعضهم في بعض الأحيان يصل به الأمر إلى الإفلاس، ورغم كل هذا الإسراف فإن الكثير منهم مستمر ولو وصل به الأمر إلى الهلاك؛ ظانا منه أن كل ما أنفقه على ابنته سيأتي يوما ما لتعيده له زوجة ابنه الذي سيختارله زوجة غنية، وأن كل ما دفعه من مال ليس إلا مجرد سلف سيعود له، ويفعل كل هذا ملحقا أضرار بعائلته وأهله فهو يجوعهم ويقتر عليهم وعلى نفسه من أجل تجهيز ابنته بالأثاث، لا يبالي بشيء سوى مكانته عند الناس، وهذه هي طبيعة المجتمع "الفيلالي".
2- أسباب الرفض وأهدافه:
على الرغم من وجود فئات موافقة وراضية بهذه العادات والتقاليد وتطبقها في زواجها، إلا أن هناك فئات رافضة لها رفضا كليا وإن لم تصرح به علانية، ووراء هذا الرفض مجموعة من الأسباب والعوامل من بينها انتشار الفقر في المنطقة؛ إذ أن الكثير من الأسر تتحمل ما لا تطيق في زواج ابنها أو ابنتها وخاصة توفير الأثاث للبنت؛ فالكثير من الأباء يلجئون للاقتراض لتجهيز بناتهم بالأثاث الفاخرة، وهكذا سيبقون يسددون في هذه الديون مدى الحياة نظرا لفقرهم، هذا إن كانت له بنت واحدة فما بالك إن كانت له مجموعة من الفتيات؟ وتعتبر الفئة الشابة في مقدمة الرافضين لهذه العادات والتقاليد؛ نظرا لتثقفهم وتخلصهم من ظلمات الجهل والأمية وانفتاحهم وتأثرهم بالمناطق الأخرى.
· خــــاتـمـــــــــــة:
أمام كل هذه العادات والتقاليد التي يعرفها الزواج "الفيلالي" بخلا ف كل المناطق المغربية، تبقى الضحية الواحدة هم الشباب الذين ورثوا هذه العادات والتقاليد أبا عن جد؛ أيتشبثون بها ويلدغوا من الجحر الذي لدغ منه أسلافهم؟ أم يتخلصون منها ويسعدون أنفسهم أولا ومنطقتهم ثانيا؟.
شرح شامل لتسجيلات الشبه الطبي 2024 - من هنا 
الجنس
المستوى الدراسي
مسآهمآتے
التقييم
موضوع: الزواج الفيلالي (الريصاني) 
مني تسالي ههههههه
هههههههه
