بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بحث شامل عن فريضة ( الزكــــــاة )
الزكاة
الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، وعباداته المفروضة،
ولقد ذكرها الله
-سبحانه- في كثير من آيات القرآن مقترنة بالصلاة،
قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة:43]،
ولقد شرعها الله طهرة للنفس والمال
، قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} _[التوبة: 103]
ولقد شدد الله وعيده لمن يقصرون في إخراج الزكاة،
قال تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} [التوبة:34].
وقال (: (من آتاه الله مالا فلم يؤدِّ زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرعَ له زبيبتان يُطَوِّقُه يوم القيامة، ثم يأخذ بِلهْزِمَتَيْه -يعنى شِدْقَيْهَ- ثم يقول: أنا مالُك أنا كَنْزُك [متفق عليه].
معنى الزكاة
هي الحق المفروض في أموال الأغنياء لإخوانهم الفقراء وغيرهم ممن يستحقون الزكاة بشروط مخصوصة.
حكم الزكاة
هي فرض على كل مسلم ومسلمة، لا فرق بين أحد منهم، امتلك مقدارًا معينًا من المال حدده الشرع أو زاد عليه، وهذا المقدار الذي تجب فيه الزكاة يسمى النصاب،
قال تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [المزمل: 20].
وقال (: (أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله [متفق عليه].
وقال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}[التوبة: 5].
ولما بعث الرسول ( معاذًا إلى اليمن قال: (إنك تقدم على قومٍ أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عَرَفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا الصلاة فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وتُرَدُّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخُذْ منهم، وتوقَّ كرائم أموال الناس (أي: لا تأخذ الزكاة من أفضل الأنواع، وإنما من أوسطها) [متفق عليه].
الحكمة في إخراج الزكاة
- الحفاظ على المال وتحصينه من تطلع الأعين عليه، ووصول الأيدي الآثمة إليه.
- مواساة الفقراء، ففيها مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي بين المسلمين وإرساء قواعد الحب والأخوة بين الناس.
- محاربة الشح والبخل والاكتناز، وتعويد الأغنياء على البذل والعطاء، كما أنها تدفع الإنسان إلى استثمار ماله وزيادته.
- شكر الله -عز وجل- على نعمته.
حكم مانع الزكاة
الزكاة ركن من أركان الدين، فمن تركها وهو ينكرها؛ فقد كفر بالله ورسوله،
وخرج عن ملة الإسلام، ومن تركها بخلاً وشحًّا، فقد استحق غضب الله وعذابه الأليم في الآخرة.
على من تجب الزكاة
تجب الزكاة على المسلم، البالغ، العاقل، الحر،
إذا ملك نصابًا ملكا تامًا من مال تجب فيه الزكاة، وحال عليه الحول فيما يشترط فيه ذلك.
الشروط العامة في المال الذي تجب فيه الزكاة
يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة ما يلي :-
1- الملك التام.
2- أن يكون مالا ناميًا بالفعل، أو قابلا للنماء،لم يستثمره مالكه (أي يمكن أن يدر دخلا لصاحبه).
3- بلوغ النصاب.
(بلوغ مقدار معين الذي حدده الشرع)
4- أن يكون زائدًا عن حوائج صاحبه الأصلية.
5- السلامة من الدَّين.
6- مرور الحول (عام هجري كامل) فيما يشترط فيه الحول مثل النقود وما يماثلها من الذهب المعد للادخار وعروض التجارة، أما زكاة الزروع والركاز فلا يجب فيها مرور الحول، لقوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141].
7- الفضل، فيشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة أن يكون زائدًا عن الحاجة الأصلية.
الزكاة في مال الصبي
إذا بلغ مال الصبي (الذي لم يبلغ سن الاحتلام) النصاب، فيجب على وليه (من يكفل الصبي إذا مات أبوه) أن يؤدى زكاة هذا المال، ويعمل على استثمار بقية المال، وقد كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تخرج زكاة أموال الأيتام الذين تكفلهم.
الأموال التي تجب فيها الزكاة
الذهب والفضة
وتجب الزكاة فيهما إذا بلغا النصاب، ونصاب الذهب أن يبلغ عشرين دينارًا (أي: ما يعادل 58 جرامًا تقريبًا)، ونصاب الفضة أن تبلغ مائتي درهم (أي: ما يعادل 426 جرامًا)، ويكون مقدار الزكاة فيهما ربع العشر (أي: 5.2% ).
وقد توعد الله من لا يخرج زكاة الذهب والفضة بالعذاب الأليم،
فقال: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم
بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}_[التوبة: 34-35].
زكاة الحلى
ولا تجب الزكاة في الحلى الذهبية أو الفضية التي تستخدمها المرأة للزينة، أما إذا اتخذت المرأة الحلى للاستثمار، فتجب فيه الزكاة إذا مر عليه الحول، وإذا استخدم الرجال الذهب زينة لهم -رغم حرمة استعمالهم له- فتجب فيه الزكاة عند مرور سنة عليه.
زكاة العملات الورقية
تخرج الزكاة عن العملات الورقية إذا بلغت قيمتها ثمن نصاب الذهب أو نصاب الفضة، وفي زماننا أصبح التفاوت بين نصاب الذهب ونصاب الفضة كبيرًا لذلك يرى بعض العلماء أن يخرج المزكي زكاة ماله باعتبار نصاب الفضة فهذا أولى لمصلحة الفقراء، فيخرج زكاة ماله (5،2%) إذا بلغ النصاب، وإن كان بعض العلماء يرى أن نصاب الذهب هو الذي يعتد به فقط في تحديد نصاب المال الذي تجب فيه الزكاة، وذلك بعد تدهور قيمة نصاب الفضة، وقد كان النصابان في الماضي متساويين.
زكاة التجارة
مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالسوق مرة، فوجد رجلا يبيع الجلود والأوانى، فقال له: أَدِّ صدقة مالك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنما هو الأدُمُ (الجلود). فقال عمر: قَوِّمْه (قدر ثمنه)، ثم أخرج صدقته. [أحمد والدارقطني والبيهقي].
فإذا كان الرجل يتاجر في تجارته، فإنه يأتي في نهاية العام الهجري فيضم عروض التجارة بعضها إلى بعض وإن اختلفت أجناسها، ثم يقدر ثمن بضاعته وقت إخراج الزكاة، لا ثمن شرائها، فإن وجد أنها بلغت نصابًا، أخرج زكاتها بمقدار (5،2%)
أي: ربع العشر.
شروط زكاة عروض التجارة: ولزكاة عروض التجارة شروط، هي:
1 - بلوغ النصاب؛ أي تبلغ قيمة أموال التجارة نصابًا من الذهب أو الفضة.
2 - أن يمر عليها سنة هجرية كاملة.
3 - أن ينوى المالك بالعروض التجارة حال شرائها، وألا يقصد بالمال إمساكه والانتفاع به وعدم الاتجار به.
4 - امتلاك العروض.
زكاة الزروع والثمار
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة: 267].
وقال: {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141].
ويرى الإمام أبو حنيفة أن الزكاة تجب في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض، إلا الحطب والقضب والحشيش والشجر الذي ليس له ثمر، وعن داود الظاهري أن كل ما يدخله الكيل يراعى فيه النصاب، وما لا يدخل فيه الكيل، ففي قليله وكثيره الزكاة.
وعن الباقر والصادق أنه يعتبر النصاب في التمر والزبيب والقمح
والشعير، وذهب الشافعي ومالك إلى أن الزكاة تجب فيما يكال ويدخر للاقتيات، وعن أحمد بن حنبل أن الزكاة تخرج مما يكال ويدخر، ولو كان لا يقتات به، وأوجبها الهادي في الخضراوات إلا الحشيش والحطب، ورأى الإمام أبي حنيفة هو الأصلح للفقراء.
نصاب زكاة الزروع والثمار: أن يبلغ الناتج من الزروع والثمار خمسة أوسق (الوسق يساوى 560،130كجم)
قال (: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة [الجماعة].
مقدار زكاة الزروع والثمار: نصف العشر من المحصول (5%) إذا سقى الزرع بآلة، والعشر من المحصول (10 %) إذا سقى بالمطر أو بالراحة (بدون آلة) قال (: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثريًّا (الماء المستنقع) العشر، وما سقى بالنضح (الدلو) فنصف العشر [متفق عليه] وتخرج زكاة الزروع أو الثمار عند نضجها وحصادها،
لقوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141].
ويجب على الإنسان أن يتخير أفضل الأنواع ويخرجها زكاة،
فقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد} [البقرة: 267].
وتخصم النفقات التي أنفقها الزارع على زراعته إذا كانت دينًا عليه -من غير الماء الذي تروى به- من جملة المحصول، وما بقى فهذا الذي يخرج
عنه الزكاة، فمن كانت له أرض أخرجت عشرة قناطير من القطن تساوى مثلا ألفي جنيه، وقد أنفق عليها -في غير الري- مع الضريبة العقارية مبلغ ستمائة جنيه (أي ما يعادل ثلاثة قناطير) فإنه يخرج الزكاة عن سبعة قناطير فقط، فإذا كانت سقيت بدون آلة ففيها العشر، وإذا سقيت بآلة فنصف العشر.
زكاة محصول الأرض المؤجرة: زكاة الأرض المؤجرة تكون على المستأجر؛ لأن الزكاة حق في الزرع، وليس على المالك زكاة حينئذ، وهذا هو رأي جمهور العلماء.
زكاة العسل
اختلف الفقهاء في زكاة العسل، فبعضهم يرى أنه لا زكاة فيه، وبعضهم يرى أن فيه زكاة، لأنه يشبه الحب والتمر حيث يكيله الناس للبيع والشراء، ويدخره الكثير من الناس، وزكاته العشر، وقد ذكر الإمام الشوكاني أن كل أحاديث زكاة العسل ضعيفة لا يصح منها شيء.
زكاة الحيوان
قال (: (والذي نفسي بيده .. ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدى حقها إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه، تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها، رُدَّت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس [الجماعة].
وتجب زكاة الحيوان في الإبل والبقر والغنم، بشروط هي
1 - أن يمر عليها عام هجري كامل.
2 - أن تكون سائمة (أي: تأكل من العشب الذي لا يشترى كالذي ينبت في الصحراء وليس ملكًا لأحد، أما إذا تغذت على ما يشترى كالعلف فلا زكاة فيها، إلا إذا كانت تربيتها للتجارة، ففيها زكاة التجارة.
3 - أن تبلغ النصاب، ونصابها حسب نوعها كالتالي:
زكاة الإبل: إذا امتلك المسلم خمسة من الإبل (وهي أول نصاب الإبل) فزكاتها شاة، والشاة التي تجزئ في الزكاة يشترط أن تتم سنة كاملة سواء كانت من الضأن أو المعز، كما يشترط فيها أن تكون سليمة من العيوب كما
في الأضحية، وبعد ذلك يخرج شاة عن كل خمسة من الإبل، ففي العشرين من الإبل أربع شياه.
فإذا بلغت الإبل خمسًا وعشرين، فيخرج الزكاة ناقة عمرها سنة وتسمى (بنت مخاض)، وإذا كان عدد الإبل من ستة وثلاثين إلى خمسة وأربعين يخرج الزكاة ناقة عمرها سنتان وتسمى (بنت لبون)، وإذا كان عدد الإبل من ستة وأربعين إلى ستين يخرج الزكاة ناقة عمرها ثلاث سنين وتسمى (حُقَّة)، وإذا كان عدد الإبل من واحد وستين إلى خمسة وسبعين يخرج الزكاة ناقة عمرها أربع سنوات وتسمى (جذعًا)، وبعد ذلك تكون الزكاة في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.
زكاة البقر أو الجاموس: إذا امتلك الإنسان ثلاثين بقرة أو جاموسة (وهو أول نصاب البقر) فيخرج الزكاة بقرة عمرها سنة، وتسمى (تبيعة أو تبيعًا إذا كان ذكرًا) إذ يجوز إخراجها من النوعين، وإذا كان عدد البقر أربعين، يخرج الزكاة بقرة عمرها سنتان وتسمى (مسنة)، وبعد ذلك يخرج الزكاة عن كل ثلاثين بقرة تبيعة، وعن كل أربعين مُسنة.
وما بين الفريضتين معفو عنه، فمن عنده 63 ففيهما تبيع أو تبيعة، ومن عنده 65 ففيهما مسنة، ومن عنده 67 ففيهما تبيع ومسنة (تبيع عن ثلاثين ومسنة عن أربعين)، ويعفى عن الست الزائدة لأنها لا تبلغ أقل الفريضتين، والفقهاء يعدون الجاموس صنفًا من البقر، ويجمعون بعضها على بعض.
زكاة الغنم (المعز والضأن): اتفق الفقهاء على أنه ليس فيما أقل من أربعين من الغنم السائمة زكاة؛ لعدم بلوغ النصاب، فإذا كانت أربعين إلى مائة وعشرين (40 -120) شاة، وحال عليها الحول (عام هجري) يخرج الزكاة
شاة واحدة، وفي مائة وإحدى وعشرين إلى مائتين (121-200) ففيها شاتان.
فإذا صار العدد فوق المائتين (201) فأكثر ففيه ثلاث شياه ما لم يبلغ
أربعمائة، فإذا بلغ أربعمائة ففيها أربع شياه، وإذا زاد العدد عن ذلك ففي كل مائة صحيحة بعد ذلك شاة، ولا شيء فيما دون المائة،
ففي كل خمسمائة خمس شياه، وفي كل خمسمائة وخمسين خمسُ شياهٍ أيضًا.. وهكذا ما لم تبلغ ستمائة، فإذا بلغت ستمائة ففيها ست شياه، ويخرج ضأنًا من الضأن، ومعزًا من المعز، فإن كان خليطًا منهما، أخرجها من الغالب.
زكاة الخيل والبغال والحمير: لا شيء من الزكاة في البغال والحمير إلا أن تكون للتجارة، فتجب فيها الزكاة، وكذلك الخيل لا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة، وقال بعض الفقهاء: تجب فيها الزكاة حتى ولو كانت لغير التجارة.
زكاة الركاز والمعادن: الركاز والمعدن هو كل ما وجد تحت الأرض وله قيمة سواء كان منجمًا وجد فيها، أو كنزًا دفنه أحد القدماء، وذلك مثل ما يستخرج من الأرض كالذهب والفضة والحديد والنحاس والبترول، وزكاة هذه الأشياء الخمس (20%)؛ لقول الرسول (: (وفي الركاز الخمس [الجماعة].
دفع القيمة في الزكاة:
يرى جمهور الفقهاء أنه لا يجوز أن يخرج المزكي قيمة زكاته نقدًا لأن الرسول ( قد حدد أشياء بعينها تخرج منها الزكاة، فقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر [أبو داود وابن ماجه].
على حين يرى الحنفية أنه يجوز دفع قيمة الزكاة، لما في ذلك من التيسير على المزكي، وإعطاء الحرية للفقير حتى يتصرف في المال كيفما شاء، والذي يبدو أن كلا من الرأيين يجوز العمل به -بلا حرج- إذ الغرض هو تحقيق المصلحة لمستحقي الزكاة، وهي تختلف باختلاف الظروف والبيئات، ومن ثم يترك الأمر لتقدير العلماء وحسب ظروف الناس أنفسهم.
زكاة الدَّيْن
إذا أعطى المسلم أخاه المسلم قدرًا من المال، على سبيل الدَّيْن، وبلغ هذا المال مقدار النصاب، ومر عليه عام هجري يجب عليه أن يخرج عن هذا المال زكاته ويخرجها عند قبض ماله من المدين، أما إذا كان الدين عند إنسان معسر، وقد أنكر هذا الدين، وماطل في سداده، فلا زكاة فيه عند أكثر الأئمة.
أشياء ليس فيها زكاة
ولا تجب الزكاة في الأماكن المعدة سكنى خاصة له، ولا في الأدوات الشخصية كالملابس والأثاث وسيارة الركوب، وأدوات الزينة من غير الذهب والفضة ولا في آلة الصناعة، كذلك لا تجب في كتب العلم (المكتبات الشخصية أو العامة) ما لم تكن للتجارة.
زكاة كسب العمل والمهن الحرة
يطلق على ما يكسبه الإنسان من العمل أو المهن الحرة المال المستفاد، ولا زكاة فيه عند المذاهب الأربعة، حتى يبلغ نصابًا، ويمر عليه عام هجري كامل، وقال بعض الفقهاء يجب في المال المستفاد بمجرد قبضه، ومقداره ربع العشر، وإذا زكى المسلم كسب عمله أو مهنته عند استفادته أو قبضه لا يزكيه مرة أخرى.
مصارف الزكاة
تصرف الزكاة إلى ثمانية أصناف، ذكرهم الله تعالى في قوله:
{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} [التوبة: 60].
الفقراء والمساكين: هم المحتاجون الذين لا يجدون ما يكفي حاجتهم الأساسية فيصرف لهم ما يكفيهم ويسد حاجتهم ويغنيهم عن سؤال الناس،
قال (: (ليس المسكين الذي يطوف على الناس تردُّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يُغْنيه ولا يفطن به (لا ينتبه الناس إليه) فيُتصَدَّق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس [متفق عليه]، وصرف الزكاة إلى العلماء والعباد من الفقراء أفضل من صرفها إلى غيرهم.
العاملون على الزكاة: هم العمال الذين أرسلهم الحاكم لجمع الزكاة ثم يوزعونها على من يستحقونها، فيصرف لهم جزء منها ليقضوا حوائجهم، ويعطى هؤلاء من الزكاة ولو كانوا أغنياء، فهم إنما استحقوا أنصبتهم بالعمل على الزكاة لا لفقرهم، ومن كان منهم فقيرًا استحق الزكاة لعمله عليها ولفقره معًا.
المؤلفة قلوبهم: هم الذين دخلوا في الإسلام وفي إيمانهم ضعف، فيعطوا من الزكاة لتأليف قلوبهم حتى يظلوا ثابتين على الإسلام.
في الرقاب (العبيد والرقيق): وذلك بشراء العبيد بغرض تحريرهم من العبودية أو مساعدة العبد المسلم الذي تعهد وكتب على نفسه أنه سيدفع مبلغًا من المال إذا أعتقه سيده، فإذا أعتقه وجب عليه سداد ذلك المبلغ، فيعطى من الزكاة حتى يسدد ما كتبه على نفسه ليصبح حرًّا.
الغارمون: هم الذين كثر دَيْنهم ولم يستطيعوا سداده، فيعطوا من الزكاة؛ بقدر ما يسد دينهم.
في سبيل الله: هم المجاهدون الذين يخرجون في سبيل الله لإعلاء دينه، فيعطون من الزكاة لإنجاز مهمتهم، وبعض الفقهاء جعل فريضة الحج من السبيل، فيأخذ مريد الحج من الزكاة إن كان فقيرًا، ويدخل في سبيل الله الدعوة والتعليم وكل وسائلها المشروعة دينًا.
ابن السبيل: هو المسافر الذي خرج في طاعة الله ثم انقطع به الطريق، فيعطى من الزكاة بقدر حاجته حتى يتمكن من العودة لبلده.
هل يجب تعميم الأصناف الثمانية؟
يرى جمهور الفقهاء أنه يجوز صرف الزكاة إلى صنف واحد أو أكثر إذا دعت الضرورة والحاجة إلى ذلك، وذهب بعض الفقهاء إلى وجوب صرفها للأصناف الثمانية.
هل تعطى الزكاة لغير هذه الأصناف؟
اتفق جمهور الفقهاء على عدم جواز صرف أموال الزكاة لغير الأصناف الثمانية المحددة، لكن فسر بعض العلماء قوله: {وفي سبيل الله} أنها تشمل أنواع الطاعات، وقال بعض العلماء: يقصد بذلك العلم، فيعطى طالب العلم ولو كان غنيًّا، وقال الجمهور: المقصود بسبيل الله الغزو والجهاد، والقول بتوسيع مفهوم في سبيل الله هو الأولى والأصوب والله أعلم.
مقدار ما يعطى لمستحقي الزكاة
شرع الله -عز وجل- الزكاة إغناءً للفقير، وسدًا لحاجته، حتى يستغني عن ذل السؤال، فيدفع للفقير ما تزول به حاجته، ويعطى للعامل على الزكاة ما يكفيه هو ومن معه مدة ذهابهم وإيابهم، ويعطى للغارمين وهم أصحاب الديون بقدر ما يسد دينهم، وكذلك يعطى لابن السبيل ما يوصله إلى بلده.
الأصناف التي لا يجوز دفع الزكاة إليها
1 - الغني: وهو الذي يمتلك ما يكفيه وأهله، لقوله (: (لا تحل الزكاة لغنى ولا لذي مرة (قوة) سَوِىّ) [أصحاب السنن].
2 - بنو هاشم وبنو عبد المطلب، وهم أقارب النبي ( لقوله: (إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد) [مسلم].
3 - الكفار: لقوله ( عن الزكاة: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم (أي تؤخذ من أغنياء المسلمين وتعطى لفقراء المسلمين)
[متفق عليه].
4 - من تلزم المزكي نفقتهم وقضاء حوائجهم كالآباء والأبناء والزوجة، لأنه يجب على المسلم أن ينفق على هؤلاء جميعًا إن احتاجوا، ولذلك لا يصح أن يخرج زكاته لهم.
نقل الزكاة لبلد آخر غير بلد المزكي:
الأصل أن توزع الزكاة في البلد الذي خرجت منه، واستثنى بعض الفقهاء أن ينقلها الرجل إلى أقاربه المحتاجين في البلاد القريبة، أو إلى قوم أحوج إليها أو إلى طالب علم.
هل تجزئ الضريبة عن الزكاة؟
لا تجزئ الضريبة التي يدفعها الأشخاص للدولة؛ لأن الزكاة عبادة مفروضة على المسلم؛ شكرًا لله، وتقربًا إليه، أما الضريبة فهي التزام مالى، يخضع لتقدير الدولة، وتصرف لتغطية النفقات العامة للدولة.
-----
دور الزكاة في علاج الركود الاقتصادي
الركود الاقتصادي من أخطر المشكلات التي عانى منها الاقتصاد العالمي، ونظراً لأن البلاد الإسلامية عضو في المجتمع الدولي، لم تفلت هي الأخرى من الركود الاقتصادي، وقد كثرت الكتابات حول طبيعة وأبعاد المشكلة وطرق الوقاية والعلاج منها•
فبعضهم يرى أن السبب الرئيس للركود الاقتصادي هو نقص الطلب الفعَّال، ويرى آخرون أن من مظاهر الركود زيادة المخزون من السلع والبضائع وعدم وفاء التجار بالتزاماتهم المالية، إضافة إلى إحجام المؤسسات المالية عن منح التمويل المطلوب للأنشطة الاقتصادية، ويضيف آخرون بأن السبب الرئيس للركود الاقتصادي هو ما نشاهده من الأحداث العالمية الحالية•
وفي محاولة للخروج من مأزق الركود الاقتصادي، يعكف بعض الاقتصاديين على دراسة ما وضعه الاقتصادي الشهير <كينز> بضرورة التدخل للعمل على التأثير في حجم الطلب الكلي الفعلي، فدعا إلى ضرورة خفض الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي الاستهلاكي والاستثماري، وتخفيض الضرائب في فترة الأزمة حتى يرتفع الحجم الكلي للطلب الفعَّال والاستثماري، وتخفيض الضرائب في فترة الأزمة حتى يرتفع الحجم الكلي للطلب الفعَّال ونادى بعكس ذلك حينما يصل النظام إلى مرحلة التوظيف الكامل، وتلوح في الأفق مخاطر التضخم، وعلى الرغم من كثرة الحلول والمقترحات لعلاج الركود الاقتصادي، إلا أن الركود يعم أنحاء المعمورة، من هنا اتجهت بعض الدراسات إلى البحث عن وسائل في الاقتصاد الإسلامي في معالجة الركود الاقتصادي(1)، وتبين من هذه الدراسة الموجزة أن إحدى الوسائل التي وضعها الإسلام لعلاج هذه الأزمة هي فريضة الزكاة وإمكاناتها نحو التأثير في علاج الركود الاقتصادي•
الركود الاقتصادي: هو انخفاض في الطلب الكلي الفعلي يؤدي إلى بطء في تصريف السلع والبضائع في الأسواق، ومن ثمَّ تخفيض تدريجي في عدد العمالة في الوحدات الإنتاجية، وتكديس في المعروض والمخزون من السلع والبضائع وتفشي ظاهرة عدم انتظام التجار في سداد التزاماتهم المالية وشيوع الإفلاس والبطالة•
فريضة الزكاة وأثرها في الحد من الركود الاقتصادي
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد وردت آيات كثيرة بشأن الزكاة وقد بيَّن أحد الكتاب(2) أن الزكاة تكررت في أكثر من ثلاثين آية من آيات القرآن الكريم، وجاء الأمر بها مقروناً بالصلاة في معظم الآيات الكريمة ما يؤكد اهتمام القرآن بالزكاة قدر اهتمامه بالصلاة، يقول الله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) البقرة:011، وقوله تعالى: (هدى ورحمة للمحسنين• الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) لقمان:3ـ4•
والزكاة لها دور فعَّال في التضييق على عناصر الإنتاج المعطلة، ولها مقدرة فائقة في محاربة البطالة، ولها أثر واضح في توزيع الدخل والثروة، كما أن بعض أحكام الزكاة لها تأثير دائم نحو الحد من الركود الاقتصادي•
الزكاة وعناصر الإنتاج المعطلة <رأس المال ـ العمل>
أولاً: رأس المال
جاء الإسلام ودعا الناس إلى أن يتحرروا من عبودية الدرهم والدينار، وأن يعملوا على تحريك رأس المال واستثماره وإنفاقه بما ينفع المجتمع، وشدد الحملة على كنز المال وتجميده وتعطيله عن أداء رسالته في الحياة الاقتصادية، ونزل في ذلك آيتان من كتاب الله تهددان بأشد الوعيد للكانزين الأشحاء فقال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم• يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) التوبة: 34ـ 35• والاكتناز في الفكر الإسلامي يشمل منع الزكاة وحبس المال، فإذا خرج منه الواجب لم يبق كنزاً، والواجب من وجهة نظرنا يشمل الزكاة ـ الإنفاق ـ الاستثمار ـ فلا يخرج المال من دائرة الاكتناز إلا إذا تم إخراج الواجب أي الزكاة، العفو، النفقات، الصدقات، مداومة الاستثمار، والإسلام لم يقف في محاربة الكنز عند حد التحريم والوعيد الشديد، بل خطا خطوة عملية لها قيمتها وأثرها في تحريك النقود المكنوزة وإخراجها من مكانها لتقوم بدورها في إنعاش الاقتصاد، وتمثلت هذه الخطوة في فريضة الزكاة، ويتبين أثر فريضة الزكاة في تشغيل رأس المال واستثماره، من أن الشارع أوصى بتثمير المال ليدفع المسلم الزكاة من ربحه، وبذلك يحافظ على رأسماله ويعمل على تنميته، تتضح هذه الحقيقة من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة استثمار الأموال حتى لا تأكلها الزكاة، فقد قال <من ولي يتيماً له من ماله فيتجر منه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة>(3)، وقد علق أحد الباحثين على هذا لحديث فقال: <فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر الأوصياء باستثمار أموال اليتامى، فمن باب أولى أن ينمِّي الإنسان ماله ليدفع الزكاة من ربحه في سهولة ويسر، أما إذا لم يقم باستثماره وتركه عاطلاً كان للمجتمع حقه فيه وهو الزكاة التي تعتبر في هذه الحالة عقوبة على الاكتناز•(4)
وقد تبيَّن لنا في العصر الحديث مضار الاكتناز وكيف أنه يؤدي إلى الركود الاقتصادي، حيث يحول دون نشاط التداول النقدي، وهو ضروري لإنعاش الحياة الاقتصادية في المجتمع وحبس المال تعطيل لوظيفته في توسيع ميادين الإنتاج وتهيئة وسائل العمل للعاملين•
وقد لفتت هذه الخاصية نظر بعض الكتاب، فقد علق عليها بعضهم فقال(5) <لم يعرف العالم بأسره نظاماً اقتصادياً مثل النظام الإسلامي في حله لمشكلة تراكم الثروة المعطلة دون أن تستثمر في تحسين الأحوال المعاشية للمجتمع، والزكاة تعمل على سرعة دوران رأس المال إذ إنها تشجع صاحب المال بطريق غير مباشر على استثمار أمواله حتى يتحقق فائض يؤدي منه الزكاة، ومن ثمَّ فقد استفاد صاحب المال من استثماره بالربح، وأفاد المجتمع بأداء حق المستحقين بالزكاة، وهذا ما يؤدي إلى دوران رأس المال وتحريكه، فالزكاة دافع للأموال نحو الاستثمار، ونظراً لأن الإسلام لا يتعامل بالفائدة، فإن هذه الاستثمارات ستكون في أصول إنتاجية تحتفظ بالقيمة الحقيقية لرأس المال في صورة قوة شرائية حقيقية•
ثانياً: الزكاة ومحاربة البطالة
الإسلام يوجب على الإنسان القادر العمل ويشجعه على ذلك، لأن العمل هو أساس اكتساب الرزق، والإسلام يطالب أفراد الأمة، بالمشي في مناكب الأرض الذلول لالتماس خبايا الرزق منها، ويطالبهم بالانتشار في أرجائها زراعاً وصناعاً وتجاراً وعاملين في شتى الميادين، ومحترفين بشتى الحرف، مستغلين لكل الطاقات، منتفعين بكل ما استطاعوا مما سخَّر الله لهم في السموات والأرض جميعاً، فإذا عجز بعضهم عن الكسب كان له حق الزكاة، فالزكاة ليست مجرد سد جوعة الفقير أو إقالة عثرته بكمية قليلة من النقود، وإنما وظيفتها الصحيحة تمكين الفقير من إغناء نفسه بنفسه، بحيث يكون له مصدر دخل ثابت يغنيه عن طلب المساعدة من غيره ويوضح ذلك الإمام الرملي الشافعي المذهب فيقول(6) <ويعطى الفقير والمسكين إن لم يحسن كل منهما كسباً بحرفة ولا تجارة كفاية سنة والأصح كفاية عمره الغالب، لأن القصد إغناؤه••• أما من يحسن حرفة تكفيه لائقة فيعطى ثمن آلة حرفته وإن كثرت أو تجارة فيعطى رأس مال يكفيه•
ومن الواضح أن الزكاة تعين كل من هو قادر على الإنتاج، فهي بذلك تخلق طاقات إنتاجية، إضافة إلى تشغيل الطاقات العاطلة، وبذلك يتم القضاء تدريجياً على البطالة، بحيث يصبح جميع أفراد المجتمع من المنتجين، كما أن الزكاة لها دعوة إلى إطلاق الحوافز المادية بتقريرها سهماً من الزكاة للعاملين عليها، وواضح أنه كلما اجتهد العامل في جمع الزكاة فأحسن الأداء زاد الدخل من الزكاة وارتفع نصيب العاملين عليها•
أثر الزكاة في توزيع الدخل والثروة
إن فريضة الزكاة تعد وسيلة فعالة من وسائل إعادة توزيع الثروة بين أفراد المجتمع على أساس عادل، فالزكاة تؤخذ من الغني وتعطى للفقير، وقد بيَّن أحد الكتاب(7) أنه لو طبقنا ظاهرة تناقص المنفعة يمكن القول: إنه كلما زادت وحدات السلع المستهلكة يمكن التدليل على تناقص المنفعة الحدية للدخل كلما زادت عدد وحداته، فالغني تكون لديه منفعة الوحدة الحدية للدخل أي الوحدة الأخيرة، أقل من منفعة الوحدة الحدية للدخل لدى الفقير وعلى ذلك فإن نقل عدد من وحدات دخل الغني عن طريق الزكاة إلى الفقير يسبب كسباً للفقير أكثر من خسارة الغنى، والنتيجة النهائية هي أن النفع الكلي للمجتمع يزيد بإعادة توزيع الدخل عن طريق الزكاة وإعادة توزيع الدخل لصالح الفقراء الذين يرتفع لديهم الميل الحدي للاستهلاك عن غيرهم من الأغنياء ينعكس أثره على زيادة الإنفاق، وبالتالي من خلال المضاعف على زيادة الإنتاج، حيث إن المضاعف الذي يحدد استجابة الناتج القومي للتغيير في الإنفاق، وقد بيَّن أحد الباحثين(8) الفكرة الأساسية للمضاعف فقال هي زيادة الإنفاق التلقائي يترتب عليها زيادة الدخل القومي بكمية مضاعفة تتوقف على الميل الحدي للاستهلاك، فتزيد بزيادته وتنخفض بانخفاضه، ومعنى ذلك أن كلاً من الاستهلاك والاستثمار يسيران معاً، فكلما زاد الاستهلاك زاد الاستثمار، حتى مستوى معين هو ذلك المستوى الذي تمثله العمالة الكاملة، أي كلما تم تحويل قوة شرائية أو دخل من الأغنياء إلى الفقراء كان هناك ضمان لتأمين مستوى من الطلب الفعال يكفي للإغراء بالقيام بإضافة استثمارات توسعات جديدة وجذب عدد كبير من العمالة مما يسهم في الحد من الركود الاقتصادي•
بعض أحكام الزكاة لها تأثير دائم في الحد من الركود الاقتصادي
من ضمن مصارف الزكاة مصرف الغارمين، والغارم هو الذي عليه دين، والغارمون هم المدينون الذين لزمتهم ديونهم وعجزوا عن سدادها، ولم يكن دينهم في معصية، وكذلك المدينون الذين استدانوا لأداء خدمة عامة كهؤلاء الذين يصلحون بين الناس وتركهم بعض الديون بسبب ذلك، وتسدد ديونهم في هذه الحال حتى ولو كانوا قادرين تشجيعاً لأعمال البر والمروءة وفعل الخير والصلح بين الناس وقد بيَّن أحد الباحثين(9) أن هذا المصرف يتسع ليشمل من احترق متجره أو غرقت بضائعه في عرض البحر أو تلف مصنعه وكل من تعرض إلى إملاق وفاقه بعد غنى ويسر يأخذ من سهم الغارمين بقدر ما يعوض خسارته ويقضي به دينه وتذهب ضائقته، من هنا فإن الزكاة بفضل سهم الغارمين تمكن من له حرفة من مزاولة حرفته، أو تجارته أو زراعته، ولقد استفاد الاقتصاد الوطني من وراء استغلال هذه الطاقات العاطلة بتحويلها إلى طاقات منتجة كما أن الدخول التي يحققها الأفراد من مزاولة حرفهم وأعمالهم بفضل سهم الغارمين تخلق طلباً إضافياً أي زيادة في الإنفاق تؤدي إلى زيادة الإنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى إنعاش الاقتصاد والحد من الركود الاقتصادي•
دوام دفع الزكاة طوال العام
أشار الإمام أبوعبيد إلى ذلك فقال(10) <ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم أنه وقَّت للزكاة يوماً من الزمان معلوماً، إنما أوجبها في كل عام مرة وذلك أن الناس تختلف عليهم استفادة المال، فيفيد الرجل نصاب المال في الشهر، ويملكه الآخر في الشهر الثاني، ويكون الثالث في الشهر الذي بعدهما، ثم شهور السنة كلها>•
ومعنى ذلك أن تأثير الزكاة في الحد من الركود الاقتصادي يستمر على مدار العام بالكامل، ويلاحقه إلى أن تختفي مشكلة الركود الاقتصادي•
إمكانية دفع الزكاة في صنف واحد من الثمانية مصارف
قد تحدث كارثة لمدينة صناعية أو لمجموعة من التجار أو لفئة المزارعين أو ظهور حالات من الفقر المدقع، من هنا جوَّز الفقهاء صرف الزكاة في صنف واحد من الثمانية أو أكثر حسب الحاجة، فالإمام ابن قدامة(11) يقول: <يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية ويجوز أن يعطيها شخصاً واحداً>، وذهب الإمام ابن رشد إلى(12) <أن الإمام مالك والإمام أبوحنيفة قالا بجواز صرف الزكاة من صنف واحد أو أكثر حسب الحاجة، والواقع أن هذا المنهج من شأنه أن يحدث تحسيناً في العلاقة بين قوى العرض الكلي وقوى الطلب الكلي، إذ إن مساندة فئة بأكملها ممن أضيروا جراء الركود الاقتصادي سيؤدي إلى التخفيف من شرور الركود، وستعمل هذه القوى بكامل طاقتها من جديد، وخلق فرص عمل جديدة وإنعاش السوق الاقتصادي للخروج من أزمة الركود الاقتصادي•
يمكن التعجيل بدفع الزكاة
إذا كانت موارد الزكاة غير قادرة على مجابهة حال الركود الاقتصادي، فإن بعض الفقهاء لا يرى بأساً في أن يخرج المسلم زكاته قبل حلها بثلاث سنوات، لأنه تعجيل لها بعد وجوب النصاب، ويستشهد أبوعبيد بما رواه الحكم بن عتبة فقال(13) بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فأتى العباس يسأله صدقة ماله، فقال: قد عجلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: <صدق عمي قد تعجلنا منه صدقة سنتين>•
نخرج من ذلك إمكان تعجيل دفع الزكاة إذا كانت حال المجتمع ماسة إلى الأموال وخصوصاً حاجة المضرورين من الأزمات الاقتصادية ولا شك أن ذلك بغرض المحافظة على الاستقرار الاقتصادي وكذلك التخفيف من حدة الركود الاقتصادي•
هوامش ومراجع
1 ـ انظر أ•عمر عبدالله كامل، الركود وسبل معالجته في الاقتصاد الإسلامي•
2 ـ انظر أ•عبدالرزاق نوفل ـ فريضة الزكاة ـ ص7•
3 ـ انظر د•إبراهيم فؤاد، الإنفاق العام في الإسلام ـ ص153•
4 ـ المرجع السابق ـ ص 154•
5 ـ د•منذر قحف، الاقتصاد الإسلامي ـ ص119•
6 ـ انظر د•شوقي أحمد دنيا، تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي ـ ص 282 ـ نقلاً عن نهاية المحتاج للإمام الرملي ـ ج6 ص 157•
7 ـ د•إبراهيم فؤاد، مرجع سابق، ص 159•
8 ـ د•سامي نجدي محمد، دراسة تحليلية لآثار تطبيق الزكاة على تعظيما العائد الاقتصادي والاجتماعي•
10ـ انظر الإمام أبوعبيد، الأموال، ص 407، 507•
11 ـ الإمام ابن قدامة، المغني، ج2، ص668•
12 ـ الإمام ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ـ ص323•
13 ـ الإمام أبوعبيد، مرجع سابق، ص207•
بقلم: مجدي عبد الفتاح سليمان
رقم العدد:- 445 -الشهر: 11 السنة- 2
منقول
والله أعلم
والحمد لله رب العالمين