نظرية تعلّم اللغة العربية بالفطرة و الممارسة
د.عبد الله دنان
إن أي باحث في الواقع الثقافي للطفل العربي يصاب بالذهول والدهشة
1. للتعثر الشديد الذي يعانيه النمو الثقافي لهذا الطفل
2. والمردود المحدود لمحاولات التنمية الثقافية التي تقوم بها الجهات المسؤولة عن التربية والثقافة.
وقد تركزت الشكاوى من التعثر الثقافي لدى التلاميذ والمتخرجين العرب على ضعفهم باللغة العربية.
ويتسم الواقع اللغوي للشعوب العربية بظاهرة لغوية تسمى "الثنائية اللغوية" ، وهي في رأينا مصدرالعلل والتعثرات الثقافية والتربوية في البلدان العربية . فنحن لدينا لهجات رئيسة يمكن أن تسمى اللغات العامية أو الدارجة، وهذه اللهجات تحوي لهجات محلية. هذا إلى جانب اللغة العربية الفصحى التي لها قواعدها الموصوفة بـالدقة العالية، ولها المكانة الأسمى، وهي التي تعلم في المدارس الرسمية ، و السائدة في مجالات الكلمة المكتوبة، و لا تستخدم للتواصل العادي في أي جزء من أجزاء المجتمع، وهي تختلف عن اللهجات في معظم تراكيبها وأشكال لفظها وفي كثير من دلالات مفرداتها.
وهنا يجب أن نركز على الأثر السلبي لعدم إتقان الطفل لغته الفصحى على ثقافته وثقافة الأمة ككل.
فالتلميذ العربي يدخل إلى المدرسة في سن السادسة وقد أتقن العامية قبل هذه السن عندما تكون القدرة اللغوية الهائلة للدماغ على استعداد عالٍ على اكتساب اللغات أي أنه تزود باللغة التي يفترض أن يكتسب بها المعارف المختلفة وذلك بحسب طبيعته وتكوينه، إلا أنه يفاجأ بأن لغة المعرفة ليست اللغة التي تزود بها وإنما هي لغة أخرى ، لابد له أن يتعلمها ويتقنها لكي يتمكن من فهم المواد المعرفية الأخرى..... وهنا يقع التلميذ العربي في أسوأ وضع يمكن أن يكون فيه تلميذ .
وهو وضع يمكن أن يوصف بأنه معاكس لطبيعة الخلق ، لأن التلميذ:
1. يكون قد بدأ يفقد القدرة الدماغية الهائلة على تعلم اللغات. هذا من جهة،
2. ومن جهة أخرى وفي الوقت نفسه لابد أن يتعلم المعرفة بهذه اللغة التي لم يتقنها بعد.
وقد نشأت نتيجة لذلك أوضاع تربوية وثقافية بدأت تظهر لها انعكاسات سلبية خطيرة منها:
تكوُّن اتجاهات سلبية لدى الطالب تجاه القراءة
و إحساسه بأن لغته العربية لغة صعبة ومن ثم يكون:
نموَّه المنطقي والمعرفي محدوداً
تدنّي مستوى تفكيره وحكمه على الأمور وبالتالي إخفاقه في حل المشكلات.
ومن المصائب الكبرى تدني المستوى الثقافي للطفل العربي وعدم إقباله على القراءة والتعلم الذاتي ...
بالإضافة إلى ما ينتج عن تطابق بعض الكلمات مع الفصحى ومن تطابقهما في المعنى ما يمكن أن يسمى فوضى المفاهيم واضطرابها في ذهن الطفل العربي ،وهذا يؤدي به إلى الإحباط و اتخاذ موقف معادٍ من التعليم عامة.