عند دخول الروم أرض الشام جمع أبو
قدامة الشامي الناس في المسجد ليحثهم علي الجهاد فاستجابوا جميعا بفضل لله
جل وعلا وعند خروج أبو قدامة الشامي من المسجد اعترضت طريقه امرأة فقالت :
السلام عليك يا أبا قدامة قال : وعليكم السلام ما تريدين يا امرأة . قالت :
سمعتك وأنت تحفز الناس علي الجهاد في سبيل الله فبحثت فما وجدت أغلي عندي
من ضفيرتي شعري فخذهما لتجعلهما لجاماً لفرسك في سبيل الله فتعجب أبو قدامة
الشامي فالمرأة فعلت هذا وهي تعرف أنه مخالفا لشرع الله جل وعلا ولسنة
الحبيب المصطفي ولكنه تبسم وقال : سبحان الله امرأة تضحي بضفيرتي شعرها
لأجعلهما لجاماً لفرسي في سبيل الله والله إنها لبشريات النصر إن شاء الله
قال وفي اليوم التالي وبينما نحن في الطريق لملاقاة الروم إذ يعترض طريقي
ولد صغير لم يتجاوز العاشرة من عمره ويقول لي : سألتك بالله يا أبا قدامة
أن تجيبني للجهاد في سبيل الله فتبسم أبو قدامة وقال أنت صغير ولا تستطيع
ركوب الفرس قال سألتك بالله يا أبا قدامة أن تحملني إلي الجهاد في سبيل
الله فقد مات أبي شهيدا في العام الماضي واحتسبته أمي شهيدا وها هي العام
تقدمني هدية لله جل وعلا فلا ترد هدية أمي لله جل وعلا قال أبا قدامة أجيبك
للجهاد بشرط واحد قال : ما هو قال : إذا قدر الله لك الشهادة أن تشفع لي
عند الله .
قال أبا قدامة فانطلق الغلام مع الجيش وكان هو الذي يعد لنا الطعام والشراب
والمتاع وفي ليلة ذهب هذا الصبي ليجهز لنا طعام العشاء فتأخر فأحسست
بالخوف عليه فذهبت لأبحث عنه فوجدته قد أوقد النار وقد وضع القدر علي النار
ونام بجانبه فنظرت إليه وهو نائم فوجدته يبتسم ثم يبتسم ثم يضحك ثم يستيقظ
. فقلت له ما حملك علي هذا تبتسم ثم تبتسم ثم تضحك ثم تستيقظ قال هذا أمر
بيني وبين ربي . قال أبا قدامة سألتك بالله جل وعلا أن تخبرني ، قال إنا
لله وإنا إليه راجعون يا أبا قدامة إن أمي قدمتني هدية لله جل وعلا وطلبت
من الله ألا أرجع إليها ولا أقابلها إلا عند حوض النبي محمد قال فلما نمت
في تلك اللحظات فإذا بي وكأن القيامة قد قامت وقد رفع لواء الحمد علي رأس
الحبيب محمد وإذا بالله جل وعلا يأمر ملائكته أن تدخلني الجنة فلما دخلت
الجنة وجدت حور كأمثال اللؤلؤ المنضور وتشير لي إحداهم وتقول هذا زوج
المرضية, هذا الزوج المرضية قلت وما المرضية قالت هي زوجتك في الجنة ألا
تحب أن تراها قلت بلي . قالت هي في ذلك القصر فذهبت وطرقت الباب ودخلت
القصر وإذا بي يا أبا قدامة بحوراء والله يا أبا قدامة لو أن الله لم يكتب
علينا العمى في الجنة لعمى بصري من شدة نور وجهها ولو أن الله لم يكتب
علينا الجنون في الجنة لجن عقلي من شدة روعها وجمالها فقلت لها أنت المرضية
؟ قالت نعم يا حبيبي أنا أربي لك في الجنة منذ خمسمائة عام قال فلما مددت
يدي إليها قالت لا أبعد عنك الله الخلا والفجور موعدي معك غدا بعد صلاة
الظهر في جنة الرب الغفور الرحيم فقال أبو قدامة : والله إنها لبشري خير .
وفي اليوم التالي وفي الموعد الذي حددته المرضية قامت المعركة بين المسلمين
والروم فقال الصبي: يا أبا قدامة أسألك بالله أن تعطيني ثلاثة أسهم قال:
تضيعها قال : لن أضيعها إن شاء الله فأخذ الصبي ثلاثة أسهم وارتقي علي فرسه
وضرب سهما فقال : السلام عليك يا أبا قدامة فقتل رامياً وضرب سهما ثانيا
وقال : السلام عليك يا أبا قدامة فقتل رامياً ثانيا وضرب سهما ثالثا فقال
السلام عليك يا أبا قدامة فقتل رامياً ثالثا فلما انتبه إليه الروم ضربوه
في مقتل فوقع صريعا من علي فرسه وهو ملطخ بالدماء التي اشتاقت للقاء الله
ولنصرة دين والغلام يبتسم وينظر للسماء فسقط أبا قدامة من علي الفرس وقال
يا غلام يا غلام لا تنس الوصية ، لا تنس الوصية قال لن أنساها يا أبا قدامة
وسأشفع لك عند ربي يوم القيامة والله يا أبا قدامة والله يا أبا قدامة إني
لأري المرضية الآن في قصرها في جنة الرحمن وأنا جالس مع الآن يا أبا قدامة
يا أبا قدامة قل لأمي أن الله قد قبل هديتها قال ومن أمك يا غلام قال أمي
صاحبة الضفيرتين وخذ هذا القميص الملطخ بدماء الشهادة وأعطه لأمي .
قال فلما انتهت المعركة ورجعت إلي القرية التي تعيش فيها أم الغلام فبحثت
عنها فوجدت طفلة أمامي تقول لي من أنت ؟ هل أنت أبو قدامة ؟ قلت أجل هل
تعرفين فلانة ؟ قالت أجل إنها أمي فذهبت بي الطفلة إلي أمها فخرت الأم
الحزينة التي كانت تتمنى شهادة ولدها في كل لحظة فقالت : السلام عليك يا
أبا قدامة هل جئت معزيا أم مهنئا قلت : والله جئت مهنئا فما العزاء وما
البشارة قالت إن جئت لتخبرني أن ابني مات مقبل غير مدبر فهي البشارة وإن
جئت لتخبرني أن ابني مات مدبر غير مقبل فهذا والله العزاء قال والله بل جئت
والله بالبشارة قالت وما علامة ذلك يا أبا قدامة قال هذا قميصه ملطخ بدم
الشهادة ويقول لك إن موعده معك غدا في جنة الرحمن قالت الحمد لله الذي
أكرمني به واحتسبته عند الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتي
الله بقلب سليم