هذه مساهمة متواضعة تنتظر انتقاداتكم و لتعليقاتكم بحث حول القواعد الأساسية التي تحكم المرافق العامة مقدمة :
تهدف المرافق العامة إلى إشباع الحاجات العامة للأفراد و تخضع في سبيل ذلك لقواعد و مبادئ استقرت عليها أحكام القضاء الإداري وسلم بها فقهاء القانون العام،هذه المبادئ هي التي تضمن استمرار عملها وأدائها لوظيفتها. تسمى النظام القانوني العام للمرافق العامة أو المبادئ القانونية التي تحكم و تنظم المرافق العامة. لمعرفة هذه القواعد تم تقسيم هذا البحث إلى ثلاث مطالب نتناول في كل مطلب قاعدة من هذه القواعد حسب ما يلي:
المطلب الأول: مبدأ الاستمرارية (دوام سير المرافق العامة بانتظام واطراد).
المطلب الثاني: مبدأ المساواة (مساواة المنتفعين من خدمات المرافق العامة).
المطلب الثالث: مبدأ التكييف (قابلية المرفق العام للتغيير والتعديل).
المطلب الأول : مبدأ استمرارية المرفق العام بانتظام واطراد.
يرتب الناس أمور حياتهم اليومية على أسس معينة منها وجود مرافق تقدم لهم خدمات أساسية لا يمكنهم الاستغناء عنها وغالبا ما يتوقف عليها تنظيم أحوال معيشتهم ، و حتى تحقق المرافق العامة الهدف المرجو منها وهو إشباع الحاجات العامة يفترض أن تكون الخدمة التي تؤديها على وجه الاستمرار لأن أي توقف أو أي خلل في سيرها سيؤدي إلى شلل في الحياة العامة ومن اليسير أن يتصور الإنسان مدى الارتباك الذي ينجم عن تعطل مرفق من هذه المرافق ولو لمدة قصيرة ، لذلك كان من الضروري أن لا تكتفي الدولة بإنشاء المرافق العامة بل تسعى إلى ضمان استمرارها وتقديمها للخدمات .أي أن المرافق العامة يجب أن تؤدي خدماتها لجمهور المنتفعين بشكل دائم ومستمر ومنتظم , دون انقطاع أو توقف .
أجمع الفقه الإداري على أن أول وأهم القواعد الأساسية التي تحكم سير جميع المرافق العامة انتظامها في تقديم خدماتها للجمهور أو مبدأ دوام سير المرفق العام بانتظام واطراد.
إن هذا المبدأ مبدأ أصيل من الواجب تطبيقه لأن طبيعة نشاط المرافق العامة تفرض ذلك، ورغم أن معظم التشريعات لا تنص صراحة على هذا المبدأ فقد أقره القضاء في أحكامه و رتب عليه المشرع نتائج تفرض وجوده.
يترتب على تطبيق هذا المبدأ عدة نتائج منها: تنظيم الإضراب، وتنظيم استقالة الموظفين العموميين ونظرية الموظف الفعلي.
أولاً: تنظيم الإضراب.
يقصد بالإضراب توقف الموظفين في مرفق معين عن أداء أعمالهم لمدة معينة و بصفة مؤقتة دون أن تنصرف نيتهم إلى ترك وظائفهم نهائياً، و يلجأ إليه كوسيلة لحمل الإدارة على تلبية طلباتهم
وللإضراب نتائج بالغة الخطورة على سير العمل في المرفق وقد تتعدى نتائجه إلى الأضرار بالحياة الاقتصادية والأمن في الدولة وليس هناك موقف موحد بشأن الإضراب، ومدى تحريمه فهناك دول تسمح به في نطاق ضيق و دول تحرمه وتعاقب عليه ضماناً لدوام استمرار المرافق العامة.
إذا رجعنا للنظام القانوني الجزائري نجد أن دستور 76 و تحديدا في المادة 61 قد نص على ما يلي : (في القطاع الخاص حق الإضراب معترف به و ينظم القانون ممارسته) يتضح من خلال هذا النص أن الإضراب غير مسموح به بالنسبة للقطاع العام حفاظا على دوام سير المرافق العامة، و تبقى ممارسته بالنسبة للقطاع الخاص متوقفة على التنظيم القانوني له أي أنه لا يتجاوز مدة زمنية محدودة فلا يكون مفتوحا و يكون بترخيص مسبق من طرف السلطة العامة.
أما في دستور 96 فقد جاء نص المادة 57 على النحو التالي ( الحق في الإضراب معترف به، و يمارس في إطار القانون.يمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق،أو يجعل حدودا لممارسته في ميادين الدفاع الوطني و الأمن،أو في جميع الخدمات أو الأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع )، يتضح من خلال هذا النص ضرورة إخضاع الإضراب لقيود قانونية حتى يستمر المرفق العام في تأدية خدماته.
ثانياً : تنظيم الاستقالة .
من تطبيقات هذا المبدأ تنظيم استقالة الموظفين :
فحيث تعتبر الاستقالة حقا من حقوق الموظف العام ، إلا أن المشرع قد قرر بعض الضوابط التي تقيد استعمال الموظف للحق في الاستقالة بهدف التوفيق بين حرية الموظف فى تقديم استقالته و مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد.
إن الموظف العام لا ينقطع نهائيا عن العمل بصفة عفوية أو بإرادته بل يجب عليه تنظيم هذه الاستقالة وفقا لإجراءات قانونية تضمن له التخلي عن وظيفته دون إحداث خلل في المرفق العام .
ثالثاً : تقرير نظرية الموظف الفعلي .
يقصد بالموظف الفعلي ذلك الشخص الذي تدخل خلافاً للقانون في ممارسة اختصاصات وظيفية عامة متخذاً صفة الموظف القانوني المختص ولا شك أنه لا يجوز للأفراد العاديين أن يتولون وظيفة عامة بصورة غير قانونية ، غير أنه استثناء على هذه القاعدة وحرصاً على دوام استمرار سير المرافق العامة في ظروف الحروب والثورات عندما يضطر الأفراد إلى إدارة المرفق دون أذن من السلطة اعترف القضاء والفقه ببعض الآثار القانونية للأعمال الصادرة منهم كموظفين فعليين، فتعتبر الأعمال الصادرة عنهم سليمة وهذا ما أقره القضاء الإداري الفرنسي في قضية إدارة المرفق البلدي من طرف مجموعة من الأشخاص في ظل ظروف استثنائية كان يمر بها المرفق البلدي فقد اعتبر مجلس الدولة أن أعمال هؤلاء الأشخاص شرعية و صحيحة رغم أنهم لا يحملون صفة الموظف القانوني ، وبذلك تعتبر نظرية الموظف الفعلي من صميم اجتهاد القضاء الإداري الفرنسي .
المطلب الثاني : مبدأ المساواة بين المنتفعين.
يقوم مبدأ المساواة بين المنتفعين على أساس التزام الجهات القائمة على إدارة المرافق بأن تؤدي خدماتها لكل من يطلبها من الجمهور ممن تتوافر فيهم شروط الاستفادة منها دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو المركز الاجتماعي أو الاقتصادي، و هو ما يسمح بإعطاء الطابع السيادي للمرفق العام ويؤدي إلى احترام وظيفة المرافق العامة التي تقدم خدمات عامة يتساوى في الحصول عليها جميع المنتفعين متى توفرت فيهم الشروط المطلوب توفرها للحصول على خدماتها و الانتفاع بها .
يستمد هذا المبدأ أساسه من الدساتير والمواثيق وإعلانات الحقوق التي تقتضي بمساواة الجميع أمام القانون بلا تمييز بينهم، غير أن المساواة أمام المرافق العامة مساواة نسبية وليست مطلقة ومن مقتضياتها أن تتوافر شروط الانتفاع بخدمات المرفق فيمن يطلبها، وأن يتواجد الأفراد في المركز الذي يتطلبه القانون والقواعد الخاصة بتنظيم الانتفاع بخدمات المرفق ثم يكون لهم الحق بالمعاملة المتساوية سواء في الانتفاع بالخدمات أو في تحمل أعباء هذا الانتفاع
بمعنى أخر على الإدارة أن تحترم مبدأ المساواة بين المنتفعين متى تماثلت ظروفهم وتوافرت فيهم شروط الانتفاع التي حددها القانون , أما إذا توافرت شروط الانتفاع في طائفة من الأفراد دون غيرهم فإن للمرفق أن يقدم الخدمات للطائفة الأولى دون الأخرى أو أن يميز في المعاملة بالنسبة للطائفتين تبعاً لاختلاف ظروفهم كاختلاف رسوم مرفق الكهرباء والمياه بالنسبة لسكان المدن و القرى، ومع ذلك فإن هذا المبدأ لا يتعارض مع منح الإدارة بعض المزايا لطوائف معينة من الأفراد لاعتبارات خاصة كالسماح للعجزة أو المعاقين بالانتفاع من خدمات مرفق النقل مجاناً أو بدفع رسوم مخفضة أو إعفاء أبناء الشهداء من بعض شروط الالتحاق بالجامعات.
أما إذا أخلت الجهة القائمة على إدارة المرفق بهذا المبدأ وميزت بين المنتفعين بخدماته فإن للمنتفعين أن يطلبوا من الإدارة التدخل لإجبار الجهة المشرفة على إدارة المرفق على احترام القانون ، إذا كان المرفق يدار بواسطة ملتزم ،فإن امتنعت الإدارة عن ذلك أو كان المرفق يدار بطريقة مباشرة فإن من حق الأفراد اللجوء إلى القضاء طالبين إلغاء القرار الذي أخل بمبدأ المساواة بين المنتفعين وإذا أصابهم ضرر من هذا القرار فإن لهم الحق في طلب التعويض المناسب .
المطلب الثالث : مبدأ قابلية المرفق العام للتغيير والتعديل .
تهدف المرافق العامة إلى إشباع الحاجات العامة للأفراد وهي حاجات متطورة ومتغيرة باستمرار، فإذا ما تبين أن تنظيم المرفق العام أصبح لا يحقق المنفعة العامة على الوجه الأكمل أو لا يحقق الغاية المنشودة من المرفق كان للسلطة الإدارية أن تلجأ إلى تعديل وتطوير نظام المرفق العام وطريقة تسييره بما يحقق الصالح العام من حيث أسلوب إدارته وتنظيمه وطبيعة النشاط الذي يؤديه بما يتلاءم مع الظروف والمتغيرات التي تطرأ على المجتمع ومسايرة لحاجات الأفراد المتغيرة باستمرار.
إن مبدأ قبلية المرفق للتغيير و التكيف الذي يعتبر من المبادئ العامة و المسلم بها من جانب الفقه و القضاء يسري بالنسبة لكافة المرافق العامة أياً كان أسلوب إدارتها بطريق الإدارة المباشرة أم بطريق الالتزام .
يتضمن هذا المبدأ تنظيم و تسيير المرافق العامة في الدولة حسب العوامل و العناصر الملائمة للواقع و التكيف مع الظروف و المعطيات الطارئة و المستجدة و بالتالي فالمرفق العام يتغير في الزمان و المكان لأن المرفق الذي يعبر عن نشاط عام في الماضي قد لا يعبر عنه في الحاضر و مثال ذلك: التجارة الخارجية في الجزائر كانت بموجب دستور 76 تعبر عن مرفق عام لكن بعد دستور 89 لم تعد محتكرة من طرف الدولة، حيث أصبحت عمليات التصدير و الاستيراد تنظم بمشاريع خاصة.
من تطبيقات هذا المبدأ أن من حق الجهات الإدارية القائمة على إدارة المرفق كلما دعت الحاجة أن تتدخل بإرادتها المنفردة لتعديل النظم واللوائح الخاصة بالمرفق أو تغييرها بما يتلاءم والمستجدات دون أن يكون لأحد المنتفعين الحق في الاعتراض على ذلك والمطالبة باستمرار عمل المرافق بأسلوب وطريقة معينة ولو أثر التغيير في مركزهم الشخصي.
فيما يتعلق بالتنظيم يجوز لجهة الإدارة تغيير طريقة إدارة هذه المرافق واستبدال أسلوب الإدارة المباشرة بأسلوب الإدارة غير المباشرة أو العكس. و فيما يتعلق بالمرافق العامة التي تسير عن طريق عقود الامتياز فإن للإدارة الحق في أن تتدخل أيضا في هذه العقود لتعديلها حسب ما يتفق مع الظروف المستجدة من أجل تحقيق المصلحة العامة. غير أن هذا التعديل يمنح للمتعاقد حق مطالبة السلطة العامة بالتعويض .
خاتمة:
نستخلص مما سبق أن كل مرفق عام يقوم على ثلاثة مبادئ أساسية تتمثل في:
مبدأ استمرار المرفق العام بانتظام و اطراد و مبدأ المساواة بين المنتفعين ومبدأ قابلية المرفق العام للتعديل و التغيير .
هذه المبادئ و القواعد تحكم و تطبق على كل المرافق العامة بمختلف أنواعها، وتمثل النظام القانوني العام للمرافق العامة كأحد أنماط النظم القانونية التي تكون النظام القانوني للمرافق العامة.
قائمة المراجع :1-المرسوم رقم 84/12 المؤرخ في:22/01/1984 و المتضمن تنظيم و تشكيل الحكومة بكل وزاراته.2-عمار بوضياف، الوجيز في القانون الإداري،الطبعة الثانية،جسور للنشر و التوزيع،الجزائر،2007.