القانون الاداري السداسي الثاني
نشاط الإدارة العامة
تمهيد:
يعتبر النشاط الإداري الوجه الثاني في تعريف الإدارة العامة فهو عبارة عن عمل تقوم به الإدارة بقصد إحداث مراكز قانونية جديدة عن طريق منح حقوق أو فرض التزامات وهو أساسا يخضع لمجموعة من المبادئ نذكرها باختصار.
أ-المبادئ التي يقوم عليها النشاط الإداري:
1-تتمتع الإدارة بامتيازات السلطة العامة: وذلك يعني وجود الإدارة عند ممارستها لمهامها في مركز متميز عن مركز الأفراد الذين تتعامل معهم و تنقسم هذه الامتيازات إلى : امتيازات إيجابية كما في حالة نزع الملكية للمنفعة العامة فالإدارة هنا تكون في موقع الأمر بينما يكون المتعامل معها في موقع الخاضع للأوامر أما النوع الثاني من الامتيازات فيتمثل في الامتيازات السلبية و فيها تظهر الإدارة في موضع الخاضع للقوانين كما في حالة امتناع الإدارة عن التصرف في الأملاك العامة لأن القانون لا يسمح لها، كما يسمح للمواطنين للتصرف في أملاكهم الخاصة.
2-خضوع أعمال الإدارة لمبدأ المشروعية: وذلك يعني أنه لا يحق للإدارة أن تباشر أي تصرف من تصرفاتها إلا إذا استعملت وسائل قانونية ( قرارات و عقود) و بناءا على نصوص قانونية قائمة فأعمالها لا تكون إلا بالقانون ووفقا للقانون.
3-تقوم أعمال الإدارة على مبدأ تحقيق المنفعة العامة: بحيث تتوخى في نشاطها تحقيق و إشباع الحاجات العامة للمواطنين و لا يجب أن يغالط هذا النشاط أو تشوبه أية شائبة تمس بالمنفعة العامة ، و هذه الأخيرة مبدأ تقوم عليه الإدارة و هي في نفس الوقت هدف ترمي إلى تحقيقه في كل الأوقات.
4-تقوم الإدارة العامة على مبدأ حسن سير المرفق العام أو الإدارة العامة بانتظام وإضطراد: نعني بهذا المبدأ قيام الإدارة بممارسة وظيفتها بطريقة دائمة و مستمرة و بما يحقق مصالح المواطنين و لأجل ذلك فهي تحتاج إلى إظهار الكثير من المرونة في عملها وفي الخدمات التي تقدمها للجماهير بحيث تغير من أساليب عملها و الإجراءات التي تعتمدها بصورة دائمة تتماشى و حاجيات المواطنين وفقا لما تمليه المصلحة العامة.
ب-الأهداف الرئيسية للنشاط الإداري :
1-إخضاع الحياة الاجتماعية للنظام القانوني: و ذلك عن طريق تنفيذ القوانين التي وضعها المشرع في إطار الوظيفة الإدارية التي تباشرها الدولة
2-توزع الخدمات في المجتمع:عن طريق خلق المرافق العمومية التي تتكفل بإشباع الحاجات العامة للمواطنين.
ج-وسائل ممارسة النشاط الإداري:
1-الوسائل البشرية: و تتمثل في أعوان الدولة أو الموظفين العموميين.
2-الوسائل المادية: و تتمثل في العقارات و المنقولات التي تملكها الإدارة و التي تستعملها في نشاطها و أخيرا تستعمل الإدارة وسائل قانونية لممارسة مهامها و هي الوسائل التي تهمنا هنا.
1-القرارات الإدارية:
تعتبر القرارات الإدارية العمود الفقري في العمل الإداري وتمثل وسيلة من الوسائل القانونية التي تمارس بها الإدارة نشاطها والوعاء الذي يصب فيه مضمون هذا النشاط فما هو القرار الإداري؟ وما هو النظام القانوني الذي يخضع له؟ وكيف ينتهي القرار الإداري؟
1 مفهوم القرار الإداري:
هناك مفاهيم عديدة للقرارات الإدارية منها المفهوم العلمي في علم الإدارة العامة وهو المفهوم الذي يهتم بالجوانب الفنية لهذا القرار ويبحث في أنسب الأوقات وأفضل الطرق المعتمدة لاتخاذه ، وهناك المفهوم القانوني لهذا القرار وهو المفهوم الذي يهتم بمدى سلامة ومشروعية القرارات الإدارية.
لهذا كان الجانب التقني في القرار الإداري يدخل في دراسات علم الإدارة العامة فإننا نستبعده ونركز على الجانب القانوني وهو الجانب الذي يهتم بتعريف هذا القرار وبتحديد نظامه القانوني وأساليب إنهائه وإزالة آثاره من الناحية القانونية.
أ-تعريف القرار الإداري:
هناك تعاريف كثيرة للقرارات الإدارية ، حيث اهتم بهذا الجانب كل من القضاء ولاسيما القضاء الفرنسي والفقه وكذلك التشريع ولكن بأقل درجة ، ونكتفي بذكر التعريف الآتي باعتباره تعريفا متفق عليه بين المهتمين بتعريف القرار الإداري ، وهو تعريف جمع عناصره الأستاذ جورج فيدال : " القرار الإداري عمل قانوني صادر عن الإدارة بإرادتها المنفردة بغرض تغيير في النظام القانوني القائم عن طريق الالتزامات التي يفرضها أو الحقوق التي يمنحها".
ب-عناصر القرار الإداري:
1-هو عمل قانوني: أي أنه تعبير عن إرادة الإدارة يهدف إلى تحقيق أثر قانوني معين يتمثل في إنشاء حقوق وفرض التزامات محددة ، وبذلك يمكن القول بأنه يختلف عن العمل المادي لأنه لا يقوم على إرادة شخص ولا على إنتاج آثار قانونية معمولة مسبقا.
2-يصدر عن جهة أو سلطة إدارية: فهو إذن يختلف عن العمل السياسي والعمل التشريعي والعمل القضائي وعمل القانون الخاص شكلا ومضمونا.
3-هو قرار إنفرادي: بمعنى أنه يصدر عن الإدارة بإرادتها المنفردة حتى وإن تعددت الجهة المصدرة له مثلا قرار وزاري مشترك فالتعدد في المشاركين في اتخاذ القرار إلا أنهم لا يعبرون في الواقع سوى عن إرادة شخص واحد هو إرادة الدولة.
4-القرار الإداري عمل قابل للنفاذ: بمعنى يحتوي على أوامر ونواهي للمعني به للامتثال لمحتواه والنافذيه في القرار الإداري وتعني تمتع هذا القرار بامتياز الأولوية ، أي أن القرارات الإدارية تتمتع بالشرعية والصحة بصفة أولية عند صدورها بسبب الإجراءات القانونية التي تخضع لها ، إذ أن التصرفات الإدارية جميعها لا تصدر إلا وفق ما تنص عليه القوانين والتنظيمات ومن ثمة فإن عبء عدم إثبات المشروعية يقع على المواطنين الذين لهم أن يثبتوا أن القرارات الإدارية الصادرة بحقهم غير مشروعة لذلك نجد الإدارة دائما في موقع المدعى عليها لأنها تنفذ قراراتها دون واسطة بل وتنتج هذه القرارات آثارها وتؤثر في المنظومة القانونية بمجرد صدورها.
ج-تصنيف القرارات الإدارية: ( معايير)
هناك العديد من القرارات الإدارية وهي تصدر في أشكال عديدة ومتنوعة، كما تتضمن موضوعات غير محددة ولذلك وجب البحث عن معيار يميزها عن غيرها وهناك 3 معايير نوجزها فيما يلي:
1-المعيار العضوي:
يقوم المعيار العضوي أساسا على الجهة التي تقوم بالعمل والجهات الإدارية وفق القانون الجزائري هو ما جاءت إليه الإشارة في المادة 149 ق المدني ج ( الدولة الولاية البلدية ، وكذا المؤسسات والهيئات الإدارية ) ، وقد اعتمد المشرع الجزائري على المعيار العضوي وفقا للمادة 07 ق إ م القديم و المادة 800 من ق إ م الجديد لتحديد اختصاص المجالس القضائية في المجال الإداري ،أو اختصاص الهيئات القضائية الإدارية فوفقا لهذا المعيار يكون القرار الإداري هو القرار الصادر من جهة إدارية أما العمل التشريعي فيصدر عن البرلمان في حين تصدر الأحكام القضائية عن القاضي.
2-المعيار الشكلي:
يرتبط هذا المعيار بالشكل والمظهر الذي خرج فيه القرار الإداري ، فالقرارات الإدارية مثلا تبدو في شكل وثيقة مقسمة إلى مواد تسبقها مجموعة من الأسانيد والأساليب القانونية تسمى الديباجة ، يعمل احد العناوين التي تتخذها القرارات الإدارية ، وهو إما المرسوم أو القرار أو المقرر فأشكال القرار الإداري كثيرة جدا ، مثل شكلية كتابة القرار الإداري ، شكلية تسبيب القرار ، وتشكيلة التوقيع عليه ، شكلية تأريخه ونشره وهي التي تساعد على التعرف عليه وهكذا يكون القرار الإداري هو القرار الصادر في أشكال معينة تختلف عن الأشكال التي يصدر فيها العمل التشريعي والعمل القضائي إذ العمل التشريعي يصدر في شكل قوانين والعمل القضائي يصدر في شكل أحكام قضائية.
3-المعيار الموضوعي ( المادي):
القرار الإداري هو حسب هذا المعيار هو : قرار بحسب طبيعة ومحتوى النشاط فالنشاط الإداري يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة وإشباع حاجة عامة ، والقرار الإداري باعتباره شكلا من أشكال النشاط الإداري هو عمل قانوني يستهدف التأثير في النظام القانوني القائم في المجتمع بمنح حقوق أو فرض التزامات أو حتى باتخاذ موقف من مسألة قانونية معينة ، فالقرارات الإدارية تتميز ماديا بعنصرين هما:
استعمال الجهة الإدارية لامتيازاتها بفرض قراراتها واستخدام سلطاتها أو منح حقوق المواطنين عن طريق تقديم خدمات لهم، في حين أن العمل التشريعي يستهدف تنظيم المجتمع بقواعد عامة ومبدئية ، أما العمل القضائي فمحتواه هو الحكم أو الفصل في نزاع يدور بين المواطن والإدارة.
4-المعيار المختلط:
وهو المعيار الذي يدمج ويربط بين مختلف المعايير المذكورة أعلاه، ليشكل معيارا واحدا فالقاضي قد يلجأ إلى هذا الأسلوب فيؤلف من هذه المعايير معيارا يميز به الأعمال الإدارية العامة عن باقي الأعمال والقرارات الأخرى.
*تصنيف القرارات الإدارية:
يمكن تصنيف القرارات الإدارية بالترتيب التالي :
1-التصنيف المادي للقرارات الإدارية: هناك قرارات تنظيمية وقرارات فردية
أما القرارات التنظيمية: فهي قرارات التي تصدر في شكل قواعد عامة ومجردة وتحتوي على أمر بتحقيق مسألة قانونية معينة في المنظومة القانونية والاجتماعية فهي لا تخص شخص بعينه أو باسمه أو صفاته ولهذا السبب تكون قريبة جدا من القانون والتشريع لأن هذا الأخير يصدر في شكل قواعد عامة ومجردة لا تتعلق بالشخص باسمه أو بصفاته وللتمييز بينهما يتم اللجوء إلى المعيار العضوي ، فالتنظيم يصدر عن الإدارة بينما التشريع يصدر عن البرلمان.
أما القرارات غير التنظيمية ( الفردية) فهي قرارات تخاطب شخصا أو أشخاص بأسمائهم وصفاتهم وهي أنواع:
-القرارات الشخصية: وهي قرارات شخص واحد مثل قرار تعيين موظف معين.
-القرارات الجماعية : وهي قرارات فردية غير تنظيمية تخص عددا معينا وغير محدد من الأشخاص بأسمائهم وذواتهم وصفاتهم ، مثل القرار الذي يحمل نتيجة مسابقة من المسابقات أو امتحان من الامتحانات.
2-التصنيف العضوي والشكلي للقرارات الإدارية:
تصنف القرارات الإدارية من الناحية العضوية بالنظر إلى الجهة التي أصدرت القرار علما أن الفائدة من هذا التصنيف يكمن في ترتيب القرارات الإدارية فيما بينها وإخضاعها للتدرج القانوني ومبدأ توازي الأشكال بحيث يخضع القرار الأدنى للقرار الأعلى وهي مصنفة في التنظيم القانوني الجزائري كالآتي:
أ-المراسيم: وفيها فئتين مراسيم رئاسية ومراسيم تنفيذية:
-المراسيم الرئاسية: وهي التي يصدرها (ر.ج) إما في المجال المستقل ( طبقا لنص مادة 125/د ، 96/ق1) ومن أمثلتها : المراسيم الضبطية والمراسيم الخاصة بالظروف الاستثنائية أو مراسيم أو لوائح الضرورة ، أو في المجال التنفيذ ( تنفيذ القوانين ، تنفيذ الميزانية في شقيها الخاص بالرئاسة ، أو وزارة الدفاع أو الخارجية ...الخ) أو في شكل قرارات فردية لتعيين أو عزل مسؤولين إداريين.
-المراسيم التنفيذية: فهي عبارة عن مراسيم يصدرها الوزير الأول لتنفيذ القوانين باعتباره المكلف بهذه المهمة كما جاء في مادة 125/2 من الدستور وللوزير الأول أيضا الحق في إصدار مراسيم فردية لتعيين وعزل مسؤول إداري حتى وإن تقلصت هذه المهمة في الآونة الأخيرة نتيجة هيمنة (ر.ج )على هذه الوظيفة ( وظيفة التعيين في الوظائف العليا بالدولة).
أما الطائفة الثانية للقرارات الإدارية من الناحية العضوية فتتمثل في القرارات التي تصدر عن الوزراء وهي تسمى القرارات الوزارية إما تظهر بشكل قرارات وزارية بسيطة صادرة عن وزير واحد لتنظيم شؤون وزارته أو هي قرارات وزارية مشتركة تصدر عن عدد من الوزراء.
وأيضا هناك قرارات للولاة وقرارات البلدية ، وقرارات صادرة عن مسؤولي ومديرو المؤسسات الإدارية اللامركزية مثل: مديرو المستشفيات والجامعات وغيرها من المرافق الإدارية المستقلة.
أما بالنسبة لتصنيف القرارات الإدارية من الناحية الشكلية فيكمن التمييز مثلا بين القرارات المسببة والقرارات الغير المسببة ، وبين القرارات التي تخضع للاستشارة المسبقة والقرارات التي لا تخضع لهذه الاستشارة ، وبين القرارات الصادرة في شكل مواد قانونية والقرارات التي لا تصدر في شكل مواد كما هو الحال في البرقية والتلكس.
*أنواع القرارات الإدارية:
تنقسم إلى عدة أنواع وذلك حسب الزاوية التي ينظر إليها منها:
1-قرارات بسيطة وقرارات مركبة ( ومن جهة تكوين القرارات الإداري)
2-قرارات منشئة وقرارات كاشفة.
3-قرارات نافذة وغير نافذة.
4-قرارات خاضعة للرقابة وقرارات، غير خاضع للرقابة.
5-قرارات تنظيمية وقرارات فردية.
1-القرارات البسيطة والقرارات المركبة:
القرارات البسيطة: هي قرارات تصدر بصفة مستقلة عن غيرها فهي لا ترتبط بغيرها من القرارات أو الأعمال القانونية الأخرى ولا تدخل في تكوين أي عمل من الأعمال القانونية الأخرى ويلاحظ في أغلب القرارات الإدارية أنها تدخل في طائفة من القرارات هي : قرارات التعيين في الوظيفة العامة ، أو الطرد منها أو الترقية فيها ، وقرارات منح رخص أو سحبها أو قرار منع من إقامة مظاهرة مثلا أو تجمع أو تجمهر ...الخ.
أما القرارات المركبة : فهي قرارات تدخل في تكوينها أعمال قانونية أخرى وترتبط بها ولا تستقل بنفسها مثل قرارات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة التي تتكون من عدة قرارات تتداخل فيما بينها فهذا القرار لا يتحكم إلا بعد إجراء تحقيق ميداني ثم التصريح بالمنفعة العامة.....الخ ، وكذلك الشأن بالنسبة للقرارات إرساء صفقة عمومية ، فهي قرار إداري مركب من عدة أعمال قانونية تتخذ وفق قانون الصفات العمومية.
2-القرارات المنشئة والقرارات الكاشفة
نميز بين القرارات الإدارية المنشئة والقرارات الإدارية الكاشفة بالنظر في مدى إنشاء هذه القرارات لمراكز قانونية أو تعديلها أو إلغائها ، فهناك قرارات تنشئ حقيقة آثار ومراكز قانونية تسمى قرارات منشئة. وهناك قرارات لا تنشئ أي أثر وأي مركز قانوني وإنما هي تكتفي بكشفها وإخراجها للوجود ، وأغلب القرارات الإدارية هي قرارات منشئة لمراكز قانونية قرارات التعيين، الطرد...الخ.
أما القرارات الكاشفة فينحصر دورها في الكشف ، أو تأكيد مركز قانوني قائم ومن أمثلتها القرارات الصادرة بطرد موظف صدر في حقه حكم قضائي في جريمة مخلة بالشرف ، فالقرار الإداري لا يضيف شيئا وإنما يكتفي بتأكيد ما جاء على لسان القاضي والقرار الذي يرفض تظلم قدمه موظف في قرار إداري مشروع يعتبر قرارا كاشفا لأنه لا ينشئ أي مركز قانوني ولا يضيف أي أثر قانوني وإنما اكتفى بكشف حقيقة واحدة وهي سلامة مشروعية القرار الإداري المتظلم فيه وهكذا.
3-القرارات النافذة في حق الأفراد وقرارات غير نافذة في حقهم:
هناك قرارات نافذة في حق الأفراد وأخرى غير نافذة في حقهم إلا أنه تعتبر جل القرارات الإدارية نافذة وملزمة لهم يقع عليهم احترامهم لها وإلا أجبروا على تنفيذها عنوة وجبرا .
أما الطائفة من القرارات غير النافذة في حق الأفراد فتتمثل في تلك القرارات التي تخص التنظيمات الداخلية فتوزع العمل داخل الإدارة عن طريق القرارات الإجبارية المختلفة ( قرارات، مقررات، تعليمات، مناشير) يهم الموظفين داخل الإدارة ولا يهم الموظفين عامة.
4-القرارات الخاضعة للرقابة والقرارات غير الخاضعة لها:
من خلال العنوان يتبين لنا أن هناك نوعين من القرارات الإدارية منها ما هو خاضع للرقابة القضائية ومنها ما هي غير خاضعة لهذه الرقابة ولكن تجدر الإشارة أن الأصل العام هو خضوع جميع القرارات لمبدأ المشروعية أي سيادة القانون ، غير أنه استثناء نجد أن بعض القرارات الإدارية لا تكون محل خضوع لرقابة القضاء باعتبارها تدخل في مجال ما يسمى بأعمال السيادة وهي تلك الأعمال التي تنفرد بها السلطة التنفيذية والتي تتمتع بحصانة قضائية وعلى الرغم من عدم وجود نص تشريعي ينص أو يشير إلى هذا النوع من القرارات فإن القضاء يجسده من خلال عدة قرارات قضائية حيث يكون القاضي ملزم بالتصريح برفض الدعوى التي تكون محلها إحدى هذه القرارات.
5-القرارات الفردية والقرارات التنظيمية:
أما القرارات الفردية فهي التي تخضع شخص معين بذاته أو أفراد معينين بذواتهم كقرارات التعيين أو المراسيم الرئاسية التي تخص مجموعة من الأشخاص معينين بذواتهم وصفة الجماعة هنا لا تتعارض مع الطابع الفردي للقرار الإداري ، وبالتالي لا يتصور امتداد هذا القرار لغير هؤلاء الأشخاص المعنيين به.
أما القرارات التنظيمية : فهي القرارات التي تضم قواعد عامة ومجردة تنطبق على عدد من الحالات غير محددة بذاتها وعدد غير محدود من الأشخاص كقرارات الوالي المتعلقة بتنظيم المرور داخل المدينة فهي موجهة لكل سائقي السيارات دون تحديد.
وهكذا يكون القرار التنظيمي أوسع مجالا ومحتلا مكان الصدارة بالمقارنة مع القرار الفردي.
النظام القانوني للقرارات الإدارية
يتكون النظام القانوني للقرارات الإدارية من مجموعة من القواعد التي تحكم تحضير وتنفيذ وزوال القرارات الإدارية ويقوم هذا النظام على مبدأ الشرعية الإدارية الذي يعني بوجه عام مدى مطابقة القرارات الإدارية وتصرفات السلطات العامة الإدارية للقانون بمعناه الواسع بحيث تعمل السلطات على احترام القانون سواء أثناء إعداد أو تطبيق أو إنهاء قراراتها.
1-إعداد القرارات الإدارية : تراعي الإرادة عند اتخاذها لقراراتها وقبل إصدارها أيضا مجموعة من الشروط والأركان التي لا تصح هذه القرارات بدونها فكلما كانت هذه القرارات خالية منها كلما كانت قرارات غير مشروعة وجاز للقاضي إلغائها ومن أهم الأركان نذكر ( أركان القرارات الإدارية هناك مجموعتين عن الأركان في القرارات الإدارية مجموعة مستمدة من داخل القرارات نفسه ومجموعة أخرى تلاحظ على القرار من خارجه).
1-الأركان الداخلية: نقصد بها في القرارات الإدارية العناصر التي يتضمنها القرار في طياته وداخله والمندمجة فيه وهي ثلاث:
أ-السبب:
وهو الحافز أو الدافع المادي الخارجي عن نطاق وإرادة المسؤول على اتخاذ القرار الإداري والذي يدفعه إلى هذا التصرف.
فالقرار القاضي بإعادة تعمير منطقة ما بسبب زلازل تكون هذه الأخيرة سبب خارجي دافع لاتخاذ إجراء إعادة إسكان مواطني باب الواد في الفيضانات وزلزال في بومرداس وكذا الشأن بالنسبة لتوظيف موظف جديد الذي يكون سبب هو شغور منصب إداري ، وطرد موظف يكون بسبب الخطأ الذي ارتكبه وهكذا...الخ.
إن جميع القرارات الإدارية تحتوي على سبب من الأسباب التي تدفع إلى اتخاذه غير أن هذا السبب قد يكون مشروعا وقد يكون غير مشروع ، لكن الإدارة لم يلزمها المشرع لتسبيب قراراتها في جميع الحالات ، هذا الأمر يصعب من مهمة القاضي في رقابة مدى مشروعية القرارات الإدارية ، فمتى ذكر السبب عند اتخاذ القرار استطاع القاضي مراقبة وإلغاءه بسهولة. والسبب في القرار الإداري يختلف عن الهدف أو الغاية وهو الركن الثاني.
ب-ركن الغاية ( الهدف):
الغاية هي الهدف والأثر البعيد والنهائي وغير المباشر الذي تستهدفه الإدارة من تصرفاتها القانونية وقراراتها الإدارية وهي تتمحور حول فكرة أساسية واحدة أولا وهي تحقيق المنفعة العامة عن طريق ضمان السير المضطر أو المنظم للمرافق العامة والمحافظة على النظام العام والآداب العامة، فالهدف من سحب رخصة السياقة لصاحبها هو الحفاظ على النظام العام وهكذا فإذا ما استهدفت الإدارة غاية غير غاية تحقيق المصلحة العامة كان قرارها مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها فجاز للقاضي إلغاؤه.
ج-ركن المحل:
يتمثل في الأثر القانوني المباشر والهدف القريب المترتب على اتخاذ القرار الإداري فالمحل في قرار تعيين موظف هو ربط العلاقة بين الموظف الجديد والإدارة التي وظفته أما المحل في قرار الطرد فيقطع العلاقة والصلة بينه وبين الإدارة التي وظفته.
2-الأركان الخارجية للقرارات الإدارية:
1-ركن الشكل والإجراءات:
يتمثل في مجموع الأشكال والإجراءات التي يشترطها المشرع في قرار إداري معين بحيث تتخذ السلطة الإدارية أو تتوضح الإرادة للسلطة الإدارية بمظاهر معينة وطرائف محددة توصلها إلى إنتاج آثار قانونية والتي تكون متوفاة من اتخاذ القرار.
حيث يلزم المشرع الجزائري السلطة الإدارية إتباع هذه الإجراءات والشكليات المقررة في القوانين واللوائح الإدارية والأحكام القضائية قبل وأثناء وبعد اتخاذ القرارات الإدارية حماية للمصلحة العامة وتدعيمها لمبدأ الشرعية في الدولة ومن أهم الشكليات التي تفرضها القوانين ، نجد:
كتابة القرارات الإدارية في وثيقة معينة، توقيع القرارات، تأريخها، مما يجعل القاضي يميز بين الشكليات الجوهرية والشكليات غير الجوهرية ( الثانوية).
أما القواعد الإجرائية فكثيرة والتي تتميز عن الشكليات القانونية بخاصية أساسية هي:
كونها تشكل مرحلة من مراحل القرار الإداري ، في حين الشكلية هي مظهر يظهر فيه القرار و نذكر من هذه الإجراءات على سبيل المثال إجراء اتخاذ القرار في مدة قانونية و إجراء القيام بتحقيقات اللازمة قبل اتخاذ القرار و إجراء التصويت و نظام المداولة و غيرها ويمكن نفصل في ثلاثة إجراءات هامة وأساسية في القرارات الإدارية:
1-إجراء توازي الأشكال:و مؤدى هذا الإجراء أن أي قرار إداري صادر بتعديل أو إلغاء قرار إداري أخر سابق عليه في الوجود لا بد و أن يصدر من نفس السلطة و أن يكون له نفس الطبيعة القانونية بحيث يكون موازيا له في الشكل و الطبيعة فالقرار الوزاري لا يعد له و لا يتممه و لا يلغيه إلا قرار وزاري مماثل له و المرسوم التنفيذي نفس الشيء .
هذا هو مدلول توازي الأشكال و هو مبدآ يطبق جنبا إلى جنب مع مبدأ آخر هو مبدأ تسلسل و تدرج القرارات الإدارية المستمد من مبدأ تدرج القوانين و الذي يعني أن القرار الأدنى يخضع للقرار الأعلى فالمرسوم يخضع للقانون و القرار يخضع للمرسوم و المقرر يخضع للقرار و التعليمة تخضع للمقرر و هكذا بحيث لا يجوز للمقرر الإداري أن يتجاوز القرار فيما يأمر به هذا القرار و لا يجوز للقرار أن يتجاوز المرسوم و لا يحق للمرسوم التنفيذي أن يتعدى على المرسوم الرئاسي و لا يستطيع المرسوم الرئاسي أن يتجاوز الدستور.
2-إجراء الاستشارة: كثيرا ما يفرض المشرع على الإدارة استشارة هيئة من الهيئات الاستشارية قبل اتخاذ قرار معين كإجراء ضروري لسلامة القرار كما في حالة استشارة اللجنة المتساوية الأعضاء أو لجنة التأديب قبل إصدار قرار عزل موظف لأي سبب كان مثال كما هو في القانون النموذجي لعمل المؤسسات والإدارات العمومية الصادر بمرسوم رقم 85/59 المؤرخ في 25/03/1985 حيث تنص المادة م 127 منه على ما يلي " تقرر السلطة التي لها صلاحية التعيين عقوبات الدرجة الثالثة ، بعد موافقة لجنة الموظفين".
3-احترام حقوق الدفاع : عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرار إداري فيه مساس بحقوق وحرية الأشخاص فتلزم الإدارة وقبل اتخاذها لهذا القرار بالسماح لهذا الشخص بالدفاع عن نفسه بنفسه أو بواسطة محاميه ، وإن عدم إتاحة فرصة الدفاع يؤدي إلى إلغاء القرار الإداري كما حدث في قرار مجلس الأعلى المؤرخ في 02/12/1966 الصادر في حق " بن تومي" الذي طردته بلدية الأغواط من منصب عمله دون أن تخطره أو تسمح له بالدفاع عن نفسه فألغى المجلس الأعلى هذا القرار الإداري الذي لم يحترم حقوق الدفاع.
ب-ركن الاختصاص :
إن الإدارة مقيدة في ممارسة نشاطها بقيد الاختصاص والاختصاص معناه صلاحية سلطة إدارية لاتخاذ القرار معين كما يحدده القانون من حيث المكان والزمان والموضوع.
ولهذا فللاختصاص عناصر تكونه نذكرها في الآتي:
1-العنصر الشخصي: بمعنى أنه لا يحق لغير صاحب الاختصاص ممارسته هذا هو الأصل في كل الأعمال الإدارية ، بحيث لا يجوز لمن هو مكلف بعمل معين مهما كان مستواه في السلم الإداري أن يعين من يخلفه في عمله لأي سبب أو أي شخص كان ( أقاربه ، زملائه أشخاص آخرين ...الخ لأنه يعتبر امتحان لشخصيته المختص أو اغتصابا لوظيفته يرتب عليه القانون العقاب الشديد ، ولا يقبل هذا التعدي إلا في حالة واحدة وهي حالة الموظف الفعلي الذي يحل محل الموظف الأصلي والعمل الإداري من دون أن يكون له الصفة الرسمية ، مثلا في حالة الحرب أو في الحالات الاستثنائية كما حدث في الجزائر غداة الاستقلال ومغادرة المعمرين للجزائر بشكل مكثف نجم عنه توقف المؤسسات الإدارية بشكل يكاد يكون كاملا اضطر على إثره المواطنون الجزائريون في العديد متن الحالات إلى التدخل في مكان الموظفين المعمرين لتسيير دواليب الإدارة هذا النوع من التدخل –غير شرعي- في مكان الموظف الأصلي قبله القاضي الإداري الفرنسي وبث عليه نظرية متكاملة سهمت نظرية الموظف الفعلي.
إلا أنه ونظرا لكثرة الأعباء على صاحب الاختصاص التي تحول دون ممارسة اختصاصه بنفسه لأسباب مشروعة معقولة فقد رتب القانون على هذه النظرية استثنائين وهما التفويض و الإنابة:
*التفويض: هو عمل إداري يقوم بموجبه المفوض بدل المفوض بالعمل وذلك بناء على نص قانوني يمنح صاحب الاختصاص هذا الحق دون أن يلزمه، فالمختص مخير بأن يفوض أو لا يفوض اختصاصه للغير ، ولا يشترط أن يكون صاحب الاختصاص غالبا لإعطاء هذا التفويض بل يمكنه حاضرا معه فتفويض الاختصاص لا يبرره سوى كثرة الأعباء وليس غيابه فهو أمر آخر.
والتفويض نوعان: تفويض الاختصاص، وتفويض التوقيع.
*تفويض الاختصاص : فيشمل جزء من عمل واختصاص المفوض بحيث يقوم المفوض بالعمل الذي يحدده له صاحب الاختصاص بدلا منه وتحت مسؤوليته .
*تفويض التوقيع: فهو لا يشمل سوى التوقيع أو المصادقة على وثائق بناء على أوراق ثبوتية رسمية كالتصديق على صحته ( التوقيع) شخص على تصريح شرفي أو على التصديق أو على التوقيع على وثائق الحالة المدنية وهذا ما تشير إليه م 78/ق ب .
إلا أن التفويض يقوم على شروط من أهمها:
1-لا يكون إلا بنص قانوني
2-أن يكون بطلب من المفوض فلا تفويض بصفة آلية ، لأن المسؤولية في نهاية المطاف تبقى في عنق المفوض.
3-التفويض يكون جزئيا كحالة ر.م.ش.ب عند تفويض اختصاصه في مجال الحالة المدنية أو التصديق على الوثائق.
*الإنابة:
هي شكل من أشكال تنازل صاحب الاختصاص الأصلي عن اختصاصاته لصالح شخص آخر يسمى نائبا.
وفي الإنابة يجب توفر شروطا (أيضا) التالية:
1-وجود نص قانوني يسمح بذلك.
2-غياب أو استحالة قيام الأصيل باختصاصاته لعذر خاص.
وهناك نوعين من الإنابة :
الإنابة الدائمة: التي تسمح للنائب حلول محل المنوب بصفة دائمة ، وكلما تغيب صاحب الاختصاص أو وقوع له مانع لممارسة اختصاصه
والإنابة المؤقتة: فهي تسمح لشخص أن يعوض شخصا آخر لفترة محددة وتنتهي بعودة صاحب الاختصاص الأصيل.
3-الإنابة تشمل كل صلاحيات الأصيل ولا تكون جزئية كما في التفويض، من ثمة فإن غيابه لا يعرض المرفق العام والمصلحة العامة للتوقف.
2-العنصر المادي في الاختصاص: نقصد به الجانب الموضوعي الذي يختص به الشخص الإداري في حدود ما تم ضبطه في القانون فالجامعة ( المدير) لا يستطيع اتخاذ قرارات تمس المستشفى مثلا .
3-العنصر المكاني: يمارس الاختصاص إما إقليميا أو محليا أو وطنيا ولا يحق لأي لصاحب من هذه الاختصاصات أن يتجاوز حدود اختصاصه الإقليمي.
4-العنصر الزماني في الاختصاص: إن العمل الإداري يسري وقت مبدأ هام وقاعدة أصلية في القانون وهي:
عدم رجعية القرارات الإدارية : وسريان هذه القرارات فقط بالنسبة للحاضر والمستقبل وعدم سريانها وإنتاج آثارها بالنسبة للماضي وذلك حتى لا تمس بالمراكز والحقوق القانونية المكتسبة في ظل القوانين السارية المفعول آنذاك فالقاعدة إذن هو سريان القرارات الإدارية بأثر فوري دون الأثر الرجعي إلا في حالات نادرة حددها القانون.
ج-صور الاختصاص :
أ-الاختصاص المقيد و الاختصاص التقديري
أما الاختصاص المقيد فهو الاختصاص الذي لا تكون فيها الإدارة حرة في اتخاذ قراراتها و لا تملك سلطة التقدير أو الاختيار في تصرفاتها لأنها مقيدة بنص قانوني معين يحدد عناصر و محتوى وشروط و أساليب و طرق اتخاذ القرار الإداري فالقانون هنا لا يترك للإدارة مجالا واسعا تتحرك فيه بل يقيدها بأحكام و إجراءات وقواعد وشروط لا تملك سوى إتباعها عند اتخاذها لقراراتها فالاختصاص هنا يعود للإدارة و لكنه لا يترك لها حرية اتخاذه كما تريد و إنما هو مقيد بنص قانوني موجود مسبقا .أما الاختصاص التقديري فعكس ذلك.
حيث يحدد القانون للإدارة اختصاص محددا و لكنه لا يقيدها بإجراءات وقواعد وشروط بل يترك لها حرية تحديد ذلك بنفسها و تحت مسؤوليتها فتبحث الإدارة مدى ضرورة تصرف معين من عدمه ومدى ملائمة قرار أو إجراء معين لمساءلة معينة.
ب-الاختصاص المستقل و الاختصاص المشترك:
قد يتخذ القرار الإداري صورة القرار المستقل و يصدر من سلطة إدارية واحدة و مستقلة لا يشاركها في هذا الاختصاص أي جهة إدارية أخرى كما في حالة صدور القرار من رئيس المجلس الشعبي البلدي يقضي مثلا بتفويض احد نوابه بمهمة معينة فهذا القرار مستقل وفردي لأنه لم يشاركه في اتخاذه أية جهة إدارية أخرى وقد يتخذ القرار الإداري صورة القرار المشترك كما في حالة القرارات المشتركة بين عدد من الوزراء.