القانون الاداري
منقول من منتديات الحقوق و العلوم القانونية
القانون الاداري السداسي الأول
فصل تمهيدي:
1-تعريف القانون الإداري: القانون الإداري هو مجموعة القواعد القانونية الغير مألوفة عن قواعد القانون الخاص التي تتعلق بالإدارة العامة حينما تتصرف كسلطة عامة لغرض تحقيق المنفعة العامة.
هذا التعريف يقترض منا توضيح عدة مفاهيم ومسائل منها:
2-الإدارة العامة : للإدارة العامة معينين.
أ-المعنى العضوي (الشكلي): حيث يقصد بالإدارة العامة مجموع الأجهزة والهياكل و الهيئات القائمة في إطار السلطة التنفيذية عبر مختلف مستوياتها، أي مجموعة الأشخاص المعنوية العامة وتنظيماتها وتفريعاتها المختلفة مثل:الولايات، البلديات، الوزارات...........الخ.
ب-المعنى الموضوعي (المادي الوظيفي): وهي مجموعة الأنشطة والخدمات والوظائف والأعمال التي تقوم بها تلك الأجهزة والهيئات إشباعا للاحتياجات العامة للجمهور والمواطنين مثل:تقديم التعليم العام، توفير النقل العمومي، الخدمات الصحية العمومية ..........الخ.
3-موضوع القانون الإداري:
إذا كان القانون الإداري هو قانون أي أنه مجموعة القواعد والأحكام والمبادئ العامة المجردة والملزمة فإن الصفة الثانية في هذا القانون هو كونه إداري والإداري كلمة مستمدة من فعل أدار، يدير الشيء بمعنى حركه ونقله من مكان إلى آخر أو سيره وأحكم تسييره أما اصطلاحا فتفيد هذه الكلمة حسب معجم المصطلحات القانونية :"السلطة المنوط بها السهر على تطبيق القوانين وسير المصالح العامة وفقا للقواعد المستمدة من سلطة الحكومة ،وقد تفيد هذا اللفظ أيضا مجموع المصالح الحكومية المميزة عن موظفيها أو الوظيفة المميزة عن المصالح".
فالقانون الإداري إذن هو قانون الإدارة ولما كانت الإدارة المقصود هنا هي الإدارة العامة فالإدارة العامة تشكل موضوع القانون الإداري وهو كذلك قانون الإدارة العامة و الإدارة العامة حسب التعريف المذكور هي:
إما مؤسسات أو هيئات أو منظمات وإما هي وظيفة ونشاط يتخذان مظهرا معينا وعلى هذا الأساس يكون للإدارة معنيان :معنى عضوي ومعني مالي.
أ- المعنى العضوي : يراد به مجموع الهيئات والمؤسسات أو المنظمات التي تقوم بتحقيق تدخل الدولة الحديثة قي حياة الأفراد اليومية وذلك تحت إشراف السلطات السياسية فيها وفي هذا المعنى يمكن أن نميز بين نوعين من هذه المؤسسات في الدولة حيث توجد هيئات مركزية مثل رئاسة الدولة والحكومة والوزارات كما توجد هيئات وسلطات اللامركزية مثل : الهيئات الولائية والهيئات البلدية.
ب-المعنى المادي: يقصد ذلك النشاط الذي تمارسه الهيئات المركزية والهيئات اللامركزية المذكورة أعلاه باعتبار أن هذا النشاط وظيفة من وظائف الدولة أنيب للإدارة لتقوم به تحقيق للمصلحة العامة وإشباعا لحاجات المواطنين المتنوعة.
4- وسائل ممارسة النشاط الاقتصادي:
إن النشاط الإداري لا يتحقق من تلقاء نفسه بل لابد من وسائل لكي يتحقق على أرض الواقع وهي على أنواع ثلاثة:
1-وسائل قانونية : إن من سيمات الإدارة العصرية خضوعها للقانون بما يحقق شرعيتها وقبول المجتمع لها ولأعمالها ولا يتحقق ذلك إلا إذا تم تصور نظام متكامل لرقابة هذا النشاط وهذه الأعمال وينطلق هذا النظام بداية من إيجاد وسائل قانونية تعمل بها هذه الإدارة بدل أن تعمل بصفة عفوية كما يفعل الأفراد العاديين ذلك لأنه إذا كان الأفراد العاديين أحرار في اختيار الطريقة التي يتصرفون بها في شؤونهم وأموالهم فإن التصرف في شؤون الإدارة وأموالها هو تصرف في شؤون وأموال الغير ( المجتمع) وهو تصرف خطير قد يخرج به صاحبه عن الهدف الذي نصبه له المجتمع ولهذا كان من الضروري إخضاع كل أنشطة هؤلاء الأفراد عند ممارستهم للنشاط الإداري إلى القانون التي تجبر الإدارة عل اعتماد أساليب وطرق حددها مسبقا تتمثل في وسائل وأدوات خاصة محصورة في وسيلتين هما :
أ-وسيلة القرار الإداري: وهي الوسيلة التي تستعمله الإدارة عندما تتصرف انفراديا وبإرادتها المنفردة لتحقيق هدف مرسوم لها في القانون.
ب-وسيلة العقد الإداري: وفيها تتصرف الإدارة فيها بالاتفاق مع غيرها فتكون إرادتهما مقرونة بإرادة الأفراد الآخرين الذين يتعاملون معا.
2-وسائل بشرية:
إذا كانت الوسيلة القانونية مطلوبة في قيام النشاط الإداري وتحقيق الشرعية للإدارة فإن الوسيلة البشرية لا تقل أهمية عن ذلك فالقانون لا فائدة منه إذا لم يكن هناك من يطبقه من أعوان وموظفين يسهرون على إنجاز نشاط الإدارة بكل صورة وأعوان الدولة أو موظفيها هم كل من كانت له علاقة عمل أو صلة معنية بالإدارة أو الدولة.
3-وسائل مادية:
وهي تتكون من أموال وأملاك الدولة العامة والخاصة المنقولة منها والعقارية كالمباني والآلات والأدوات والأراضي والسيارات وما إلى ذلك من وسائل مادية المختلفة و المتنوعة يستعملها الموظفون بغرض تحقيق إشباع الحاجات العامة للمواطنين ونشير أخيرا إلى أن نشاط الإدارة يتخذ صورا أو أشكالا يتلخص أهماها في الضبط الإداري و المرفق والمؤسسة الإدارية العامة.
5-طبيعة قواعد القانون الإداري:
هل الإدارة العامة تخضع فقط لقواعد القانون الإداري؟
تخضع الإدارة العامة )الدولة ،الولايات ، البلديات..... ( إلى نوعين من القواعد القانونية.
أ-قواعد القانون الخاص: وذلك حيث تتصرف الإدارة العامة تصرف الأفراد، يقضي خضوع نشاطاتها و معاملاتها إلى القواعد نفسها السارية على الأشخاص الخاصة (القانون المدني القانون التجاري....الخ)، واختصاص القضاء يكون القضاء العادي دون الإداري بالفصل في المنازعات التي تثور بصدد القيام بتلك النشاطات.
ب-قواعد القانون الإداري: نظرا لدور الإدارة العامة في تحقيق المصلحة العامة تزود الهيئات الإدارية العامة بمكنات ووسائل قانونية تخولها استعمال ما يعرف بامتيازات السلطة العامة بما يترتب عنها من تدابير وإجراءات وقرارات تمس بالمراكز القانونية للأفراد تتخذها الإدارة بإرادتها المنفردة.
فالقانون الإداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي بحكم نشاط الإدارة العامة وهو موجود في كل دولة أي كان مستواها وتطورها الحضاري.
6-علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى: من المهم أن نبين عن فروع القانون الأخرى من خلال بيان علاقته بهذه القوانين وتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقتها بالقانون الإداري.
1-علاقة القانون الإداري والقانون الدستوري: القانون الإداري هو القانون الذي يظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة ويحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة ، أما القانون الدستوري فهو القانون الأعلى والأسمى في الدولة والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم فيها والعلاقة بينها وحقوق وحريات الأفراد والضمانات التي تكفلها ويوضح السلطة العامة في الدولة وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانون الدستوري فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية و الغير مركزية فإن القانون الدستوري هو القانون الأساسي والذي يجب أن يسمو عن كافة القوانين الأخرى والتي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه.
بمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكام الكلية والعامة للسلطة التنفيذية بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيلية التي تكفل تشكيل الأجهزة الإدارية وأداء وظائفها.
2-علاقة القانون الإداري بالقانون المالي: القانون المالي هو مجموعة من القواعد القانونية الخاصة بإضافة الأموال العامة في الدولة وهو مكمل للقانون الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزة والهيئات الإدارية ويوضح النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة والحماية القانونية المقررة لهذه الأموال وكيفية الانتفاع بها ومن موضوعات هذا القانون كل ما يدخل ضمن إعداد الميزانية العامة في الدولة وسياسة وأنواع الضرائب المفروضة والإشراف والرقابة عليها .
3-علاقة القانون الإداري بالقانون المدني: إذا كان القانون الإداري مستقل عن القانون المدني من حيث الخصائص والأهداف فهناك علاقة وثيقة بينهما كون القانون المدني الشريعة العامة هو الأصل وهو المصدر لقواعد القانون الإداري المستقلة والمتعلقة بالمعاملات الإدارية (العقود الإدارية المسؤولية الإدارية، الوصاية الإدارية...) وقد استمد القانون الإداري كثير من المفاهيم من القانون المدني كمفهوم الشخصية المعنوية والالتزام والعقد وغيرها بل قد يلجأ القضاء الإداري إلى تطبيق قواعد القانون المدني عندما تكون أكثر ملائمة.
4-علاقة القانون الإداري بالقانون الجنائي: تقرر قواعد القانون الجنائي الأساس القانوني وعناصر الجريمة ولها علاقة وطيدة بقواعد القانون الإداري فيما يتعلق بالجزاءات الإدارية والجزاءات الجمركية كتلك المواد المتعلقة بحماية المواطنين والموظفين وحماية المنشآت والحماية القانونية للمحررات القانونية والشهادات الإدارية من التزوير.
5-علاقة القانون الإداري بقانون الإجراءات الجزائية: يبين (ق.إ.ج) كيفية تحريك الدعوة العمومية الجنائية لحماية مبادئ القانون الإداري وحتى الفصل بين السلطات (رجال الضبط الإداري ، رجال الضبط القضائي ونتائج ذلك...).
6-علاقة القانون الإداري بقانون ( إ.م) : يرتبط ( ق، إ) برابط وثيق ( ق ، إ، م ، إ) حيث نجده يستعمل القواعد الإجرائية المتعلقة بكيفية رفع الدعوة الإدارية وأشكال ذلك ويبين لنا قواعد الاختصاص المحلي والنوعي وكذا أنواع الدعاوى الإدارية. (البطلان، الإلغاء، التعويض...الخ)
إضافة إلى هذه العلاقات الواسعة بين ( ق ، إ) مع مختلف القوانين الأخرى فهناك علاقة وثيقة تربطه بالقانون التجاري والقانون الدولي العام وحتى القانون الدولي الخاص مع بقاء قواعد القانون الإداري مستقلة بذاتها ومتميزة عن باقي القواعد القانونية الأخرى.
7-التميز بين صور النشاط العام المختلفة على أساس المعيار الموضوعي:
يعتبر أصحاب المدارس المادية والموضوعية أن التمييز بين الأعمال القانونية المختلفة يقوم على ماهية هذه الأعمال ويعلوها تعليلا داخليا ويمر دونها تجريدا ما بين صفة الجهاز الذي يقوم به ، ولا يعطون لشك اهتمام لأن المعيار الموضوعي هو الذي يأخذ بالاعتبار على أساس طبيعة العمل بغض النظر عن ملابساته الشكلية وعن عناصره الإجرائية ويتجلى الفرق بين النشاط الإداري وصور النشاط العام في الدولة عن الجوانب التالية.
1-التمييز بين النشاط الإداري والنشاط التشريعي:
فإذا كان التشريع يتميز بالعمومية والتجريد ويتناول وضع القواعد العامة التي تضمنت صور النشاط المختلفة في الدولة سواء منها النشاط أو النشاط الخاص فإن الإدارة العامة مهمتها تكمن في التنفيذ الذي يستهدفه القانون من غرض فتمييز النشاط الإداري كما يتخذه الفقيه جون بيرو بأنه يتصف بالعمومية والتجريد من النشاط الإداري والنشاط التشريعي، رغم أن كون هذه الخصائص غير مخففة دائما في النشاط الإداري كونها تصدر بمخاطبة شخص معين بذاته إلا أنها تمتاز بهذه الخاصية ترتبت تبادل التصريح عن طريق ما يسمى القرارات التنظيمية ( اللوائح التنظيمية ، اللوائح التنظيم الإداري) وهي تخضع للرقابة الإدارية عكس الأعمال التشريعية .
2- التمييز بين النشاط الإداري والنشاط القضائي:
إذا كانت وظيفة القاضي هي تطبيق القانون في كل المنازعات والتي تنتهي بمهمته في تطبيق حكم القاعدة القانونية العامة على النزاع المعروض عليه وعليه فإن الإدارة وإن كانت تخضع للقانون فإنها تعمل في إطار القانون الإداري بهدف تسيير المرافق العامة لإشباع حاجات الجمهور بينما يستهدف القاضي في نشاطه مجرد احترام القانون فالإدارة أيضا تتمتع بسلطة تقديرية في ممارسة نشاطها ولها حرية أوسع وحرية غير تلك التي يتميز بها القاضي فالقاضي له دور وهو حل النزاع ويخضع للتمييز بين عمل الإدارة على أساس المعيار بين الشكلي والموضوعي.
3-التمييز بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية:
لقد حاول البعض استخدام المعيار الموضوعي للتمييز بين الوظيفة الإدارية والوظيفة الحكومية فقيل أن الحكومة هي محور السلطة التنفيذية وأن الإدارة ليست إلا أداتها التي تحقق بها أغراضها أو أهدافها فتقوم الحكومة برسم الخطوط العريضة التي تسير عليها الإدارة وتعد لها طريقا وأهدافا عامة لأنشطتها وقيل في التميز بينهما كذلك أن الأولى بيد السلطة المركزية والثانية موزعة بين إدارة مركزية وإدارات لا مركزية ولا تخضع الوظيفة العمومية إلا لرقابة البرلمان لا القضاء على العكس من الوظيفة الإدارية بحيث للأفراد الطعن في سلامة الأعمال الإدارية أمام الجهات القضائية المختصة ولا تكون لهم إمكانية ممارسة هذا الحق (حق الطعن ) إزاء الأعمال الحكومية ولكن هذه التفرقة لا يمكن أن تكون مجالا للتمييز ذلك أن السلطة التنفيذية قد تمارس أعمالا لا تخضع لمراقبة القضاء وأعمال وتصرفات أخرى تخضع للرقابة مما يجعل التمييز بين الوظيفتين صعبا وهو ما جعل بعض الفقهاء للقانون الإداري يعتبرون أن الأعمال الحكومية هي تلك المتعلقة بأمهات الأمور والمسائل الخطيرة والقرارات السياسية والاقتصادية ( إعلان حالة الحرب، المخططات الاقتصادية، الانضمام إلى المعاهدات وغيرها من المسائل السياسية).
أما الإدارة فمهمتها اتخاذ الإجراءات لإشباع الحاجات العادية للمواطنين والقيام بالأعمال المادية وهذا ما أقره الفقيه جورج فيدال ومهما يكن من الحال فالحدود بين الوظيفتين منهارة وهذا لتداخلهما واستحالة الفصل بينهما في بعض الأحيان.
فمن هنا فالمعيار الموضوعي فشل في التمييز بين النشاطين وتبقى نفس الصعوبة إذا اعتمدنا على المعيار العضوي لوحده ذلك أن القائمين على ممارسة الوظيفة الحكومية هم نفسهم المكلفين بالأعمال الإدارية فرجال الحكومة هم نفسهم رجال الإدارة.
8-نشأة القانون الإداري وتطوره:
تعد فرنسا مهد القانون الإداري ومنها انتشر إلى الدول الأخرى يرجع الفضل في ظهور هذا القانون إلى عوامل تاريخية تأتي في مقدمتها الأفكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية (1789) التي قامت على أساس الفصل بين السلطات ومن مقتضاته منع المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية .
وأدى هذا الاتجاه إلى وجود النظام القضائي المزدوج الذي كان مهيأ لنشوء الازدواج القانوني وظهور القانون الإداري وقد مرت نشأة القانون الإداري في فرنسا بالمراحل الأساسية التالية.
1-مرحلة الإدارة القاضية: لاتجاه الثورة الفرنسية في الفصل بين السلطات صدر قانون 16-24 أوت 1790 الذي نص على إلغاء المحاكم القضائية (البرلمانات) وإنشاء ما يسمى بالإدارة القاضية أو الوزير القاضي كمرحلة أولى قبل إنشاء مجلس الدولة الفرنسي ومنع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الإدارة طرف فيها وأصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبة الاختصاص في الفصل بهذه المنازعات وفي مرحلة الإدارة القاضية كان على الأفراد اللجوء إلى الإدارة نفسها للتظلم إليها وتقديم الشكوى فكانت الإدارة هي الخصم والحكم في الوقت ذاته وكان هذا مقبولا إلى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئة لقضاء البرلمانات التعسفية.
2-إنشاء مجلس الدولة الفرنسي: نشوء مجلس الدولة في 12/12/1797 في عهد نابليون وضعت البنية الأولى للقضاء الإداري الفرنسي مع أن اختصاص المجلس كان استشاريا يتطلب تصديق القنصل.
وفي الوقت ذاته تم إنشاء محاكم أو مجالس الإقليم التي كانت تصدر أحكام لا تحتاج إلى تصديق السلطة الإدارية العليا إلا أن أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه تعرض على القنصل ، فقد كان عمل المحلفين يقتصر على فحص المنازعات الإدارية وإعداد مشروعات الأحكام فلم يكن يملك سلطة القضاء وإصدار الحكم...
قضاء في هذه المرحلة القضاء المقيد أو المحجوز وقد استمر هذا الحال إلى غاية 1872 حيث أصبح قضاءه مفوضا.
3-مرحلة القضاء المفوض: في 24 ماي 1872 صدر قانون منح مجلس الدولة الفرنسي اختصاص البت نهائيا في المنازعات الإدارية...
جهة أخرى ومع أن هذا القانون حول المجلس سلطة البت نهائيا في المنازعات الإدارية فإنه أبقى على اختصاص الإدارة القاضية فلا يملك للأفراد اللجوء إلى مجلس الدولة إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون وفيما عدا ذلك تختص به الإدارة القاضية مما أوجب ازدواج القضاء استمر هذا الوضع حتى تاريخ 13/12/1889 عندما قبل مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرة من دون المرور على الإدارة في قضية على حكمه فيها أن أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاص العام في المنازعات الإدارة وبسبب تراكم عدد من القضايا أمام مجلس الدولة حدد المشرع اختصاص مجلس الدولة على سبيل الحصر بموجب المرسوم الصادر في 30/9/1953 وأصبحت المحاكم الإدارية التي كانت تسمى مجالس الأقاليم صاحبة الاختصاص العام في المنازعات الإدارية ، أعقب ذلك بعض المراسيم التي تضمنت الإصلاحات منها المراسيم الصادرة في 30 يوليو 1963 المتعلقة بتحديد النظام الأساسي للعاملين في المجلس وتنظيمه الداخلي ونشاطه الذاتي وتم تعديل هذا النظام بثلاثة مراسيم أخرى في 26 أوت 1975 وبمرسوم 5 يناير 1980 وآخر في 16/12/1987 الإصلاح القضاء الإداري أنشأ بموجبه المحاكم الإدارية نطاق الطعن بالنقض أمام مجلس الدولة وقد أصبح مجلس الدولة خلال تاريخه الطويل قاضي المنازعات الإدارية دون منازع وساهم بإرساء مبادئ القانون الإداري وقواعده المتميزة عن قواعد القانون الخاص واستنتج الحلول المناسبة لمقتضيات حسن سير الإدارة العامة وأكد على وجود استقلال القانون الإداري.
9-خصائص القانون الإداري:
يتميز القانون الإداري ببعض الخصائص لأنه قانون سريع التطور وقانون غير مقننين وأنه من صنع القضاء.
1-القانون الإداري حديث النشأة:
مقارنة بالعديد من فروع القانون الأخرى يعتبر القانون الإداري، بمعناه الفني، قانونا حديثا.
فهذا القانون لم تتضح معالمه الكبرى في فرنسا إلا مع أواخر القرن التاسع عشر ،كما زادت التطورات والتحولات التي عرفتها الحضارة الإنسانية خلال القرن العشرين في عدم اكتمال قوامه.
2-قانون سريع التطور : يتسم القانون الإداري بأنه قانون يتطور بسرعة تفوق التطور الاعتيادي في القوانين الأخرى ولعل ذلك يرجع إلى طبيعة المواضيع التي يعالجها فقواعد القانون الخاص تتميز بالثبات والاستقرار وقد تمر فترة طويلة قبل أن ينالها التعديل أو التغيير على عكس القانون الإداري الذي يعالج مواضيع ذات طبيعة خاصة لتعلقها بالمصلحة العامة وحسن تسيير إدارة المرافق العامة فجانب من أحكامه غير مستمدة من نصوص تشريعية وإنما من أحكام القضاء وخاصة القضاء الإداري الذي يتميز بأنه قضاء يبتدع الحلول للمنازعات الإدارية ولا يتقيد بأحكام القانون الخاص إنما يسعى إلى خلق قواعد تتلاءم مع ظروف كل منازعة على حدى تماشيا مع سرعة تطور العمل الإداري ومقتضيات سير المرافق العامة ولعل من أسباب تطور القانون الإداري هي العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الدولة وهي عوامل متغيرة باستمرار غير مستقرة نسبيا باتساع نشاط الدولة وظهور أزمات اقتصادية وظهور مرافق عامة اقتصادية ما إلى ذلك من الظواهر الاقتصادية والسياسية وضرورة إستعاب القانون الإداري لهذه المتغيرات ومواجهتها أدى بالضرورة إلى التطور المستمر في أحكامه.
3-القانون الإداري من صنع القضاء: يتميز القانون الإداري أيضا في أنه قانون قضائي نشأ عن طريق قواعد ومبادئ إدارية خلقها القضاء وقد ساعد على ذلك عدم تقنين أغلب قواعد القانون الإداري فكان لابد للقضاء أن ينهض من خلال وضع أسس ونظرياته ودور القضاء الإداري في هذا المجال كان متميزا عن دور القضاء العادي الذي ينحصر بتطبيق القانون على المنازعة دون خلق الحلول المناسبة التي تتفق مع طبيعة النزاعات القانون الإداري الأمر الذي أضفى على قواعد القانون الإداري الطابع العملي الذي يتماشى مع ظروف واحتياجات المرافق العامة ومقتضيات سيرها الحسن وتطورها المستمر ومع ذلك يتقيد القضاء بأداء مهامه.
ابتداعه لمبادئ وقواعد القانون الإداري بعدم مخالفة النصوص التشريعية القائمة على أساس أن القضاء إنما يعبر عن إرادة مفترضة للمشرع أما إذا أفصح ووضح إرادته بنصوص تشريعية فإنه يلتزم بتطبيق تلك النصوص في أحكامه.
4-القانون الإداري هو قانون غير مقنن: يقصد بالتقنين أن يصدر المشرع مجموعة تشريعية تضم المبادئ والقواعد العامة والتفصيلية المتعلقة بفرع من فروع القانون كما هو الحال في مدونة القانون المدني أو مدونة قانون المرافعات ...الخ وهذا يخفي ما لتدوين القواعد العامة ومن أهميته من حيث إضفائه الثبات والاستقرار على نصوص التشريع وسهولة الرجوع إلى أحكامه.
وقد نشأ القانون الإداري في فترة انتشرت فيها حركة التقنين في أعقاب الثورة الفرنسية وتم تدوين قواعد القانون المدني في مدونة نابوليون إلا أن القانون الإداري لم تشمله هذه الحركة رغم رسوخ مبادئ واكتمال نظرياته ويرجع عدم تقنينه إلى سرعة تطوره وتفرعه مما يجعل من الصعوبة جمع أحكامه في مدونة واحدة وأن أحكامه ذات طبيعة قضائية في الغالب ولا يحضى ما في أحكام القضاء الإداري من مرونة تتأثر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والسائد في المجتمع وإذا كان عدم تقنين يعني عدم جمع أحكام القانون الإداري في مجموعة أو مدونة واحدة فإن ذلك لا ينفي وجود تقنينات جزئية لبعض موضوعات القانون الإداري ومن ذلك وجود تشريعات خاصة بالموظفين وتشريعات خاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة وقوانين خاصة بالتنظيم الإداري أو القضاء الإداري إلى غير ذلك من مواضيع يتعذر جمعها في تقنين شامل.
10-مصادر القانون الإداري:
يستمد القانون الإداري كغيره من فروع القانون مادة وجوده من عدة مصادر يراد بالمصادر أو المصدر أصل الشيء أو منبعه وعليه فالقانون الإداري نوعين من المصادر المصادر الرسمية و المصادر الغير الرسمية.
يراد بالمصادر الرسمية مجموع السلطات التي لها الحق في إصدار القاعدة القانونية في شكل معين وفقا لإجراءات محددة أما المصادر الغير الرسمية فيراد بها مجموع العوامل والمؤثرات التي تدفع السلطة المختصة إلى إصدار هذه القاعدة أو تعديلها أو إلغائها وإن كانت هذه الأخيرة لا تتدخل مباشرة لإنشاء وتكوين القاعدة القانونية الإدارية مباشرة فإننا نكتفي بدراسة المصادر الرسمية وهي تنقسم بنفسها إلى مصادر مكتوبة والغير المكتوبة.
1-المصادر الرسمية المكتوبة: المصادر المكتوبة للقانون الإداري الجزائري ثلاثة أنواع هي الدستور، المعاهدات الدولية، التشريع بنوعيه العادي والفرعي.
أ-الدستور ( التشريع الأساسي ): يشكل الدستور القانون الأساسي و الأسمى بالنسبة للنظام القانوني بالدولة.فالدستور يعتبر مصدرا للقانون الإداري يضع الأسس العامة لبناء الجهاز الإداري بالدولة و أساليب تنظيمه.
ب-القانون ( التشريع العادي ): فهو المصدر الرئيسي للقانون الإداري، ذلك أن أغلب جوانب الإدارة العامة تنظمها وتحكمها قواعد واردة في قوانين متعددة صادرة عن السلطة التشريعية.
ج-التنظيم ( التشريع الفرعي ): تصدر هيئات الإدارة العامة تنفيذ لمهامها، العديد من القرارات الإدارية ( التنظيمية) التي تتضمن قواعد عامة ومجردة لا تختلف عن القواعد القانونية الصادرة عن السلطة التشريعية و يأخذ التنظيم العديد من الأشكال:
-المراسيم الرئاسية ( رئيس الجمهورية )
-المراسيم التنفيذية ( رئيس الحكومة)
-القرارات الإدارية ( الوزراء)
-قرارات الولي.
2-المصادر الرسمية الغير المكتوبة: حصرتها المادة الأولى من القانون المدني في الفقرة 2 و3 بقولها إذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
1- العرف: يقوم العرف الإداري على ركنين هما:
أ-الركن المادي: و يتمثل في اعتياد الإدارة العامة في تصرفاتها و أعمالها على سلوك معين بصورة متكررة و مستمرة
ب-الركن المعنوي: و يتمثل في الاعتقاد بالالتزام سواء من جانب الإدارة أو الأشخاص المتعاملين معها
2-القضاء: ما يزال القضاء الإداري في العديد من الدول مصدرا لقواعد القانون الإداري نظرا لدوره المتميز عن القضاء العادي بفعل غياب التشريعات و النصوص أحيانا.
3-الفقه: ليس مصدرا رسميا فمهمة الفقهاء إنما تتمثل في شرح التشريع و التعليق على أحكام القضاء و محاولة استخلاص و استنباط الأحكام و المبادئ العامة و القواعد الأساسية.
ونظرا لخصائص القانون الإداري فإن فقه القانون الإداري يلعب دورا معتبرا من حيث تقديم الإرشاد لكل من المشرع و القاضي.
11-الأسس الفقهية للقانون الإداري: إن محاولة تفسير القانون الإداري من خلال تأسيسه تاريخيا أو إيديولوجيا لا يكفي إذ تبقى فيه عدة جوانب غامضة لذلك حاول الفقه الإداري تأسيس القانون نظريا منذ الوهلة الأولى لنشأته وقد انقسم هذا الفقه في تبرير قيام القانون الإداري إلى عدة فرق.
فريق يؤسسه على نظرية السلطة العامة وفريق يؤسسه إما على فكرة المنفعة العامة أو الدستور وذلك ما نتعرض بإيجاز .
الفرع الأول: نظرية السلطة العامة: يحتاج القانون الإداري بالمفهوم الفرنسي الضيق إلى ضرورة تحديد مجال تطبيقه وبالتالي إيجاد معيار لتمييزه من القوانين وتحديد اختصاص القضاء الإداري من اختصاص القضاء العادي وقد بادر فقهاء القرن 19 .إلى ذلك فقالوا بمعيار السلطة العامة الذي مفاده أن الإدارة في نشاطها نتيجة إحدى الصورتين فإما أنها تتصرف كشخص عادي فتبيع وتشتري فإنما تخضع في هذا النشاط لنفس القانون الذي يخضع له الأفراد ويسمى نشاطها هذا بأعمال الإدارة المالية (أعمال تسير) وتخضع المنازعات التي تثور بين هذه الأعمال لاختصاص القضاء العادي وإما هذه الإدارة تتصرف كشخص يتميز ذو سيادة وسلطان فتأمر وتنهي وتتعامل مع الأفراد في المجتمع من مركز المتفوق القوي فالإدارة هنا تستعمل إرادتها المنفردة وتفرضها على الناس وكذا لزم الأمر حتى بالقوة دون تدخل القاضي وتسمى أعمالها بأعمال السلطة العامة إلا أن هذه النظرية تعرضت إلى انتقادات جمة يمكن حصرها في الآتي :
• هذه النظرية تضيق كثيرا من نطاق القانون الإداري إذ تحصره في أعمال الضبط الإداري في حين أعمال الإدارة تتجاوز كثيرا هذا المجال.
• من الصعوبة معرفة من تتصرف الدولة بمقتضى سلطتها الآمرة ومن تكون غير ذلك فهي تتركز على فكرة ازدواج شخصية الدولة وهي فكرة غير مقبولة لذلك هاجر العديد من الفقهاء هذه النظرية ومن أعمدتها العميد دوغي ومع هذا ما تزال هذه النظرية قائمة.
الفرع الثاني: نظرية المرفق العام.
عندما عجزت نظرية السلطة عن تفسير كل جوانب القانون الإداري وبالتالي عجزت عن تأسيسه تأسيسا سليما أو تمييزه تميزا واضحا عن غيره ظهر فريق آخر من الفقهاء حاول تفسير وشرح مختلف جوانب القانون الإداري من خلال تأسيس نظرية جديدة هي نظرية المرفق العام التي ظهرت في الربع الأخير من القرن 19 ويراد بالمرفق العام المشروع الذي تقوم جهة الإدارة بتنظيمه وتسييره بنفسها ويكون خاضعا لرقابتها ويهدف إلى تحقيق صالح عام تهيمن عليه الإدارة مباشرة أو يكون لها حق الإشراف والرقابة عليه، فالقانون الإداري وفق هذه النظرية هو قانون المرافق العامة يستمد وجوده وقوته من استجابته لحاجات المرافق العامة وصلاحية لتحقيق أهداف هذه المرافق وضمان سيرها بانتظام وتقديم خدمة للمجتمع إلا أن هذه النظرية ونتيجة للتحولات التي شهادتها الحياة الحديثة بعد الحربين العالميتين والتطورات العديدة التي حدثت في المجالات العلمية والتكنولوجية وفي ميادين الإسكان والتعمير والنقل والتعليم والصحة تعرضت للنقد في النقاط الآتية.
• ظهور مرافق جديدة اقتصادية ومهنية أدى إلى تدخل القانون الخاص خاصة القانون المدني والتجاري في المرافق العامة.
• تمديد العمل بأساليب القانون العام للمؤسسات الخاصة ذات النفع العام وهي مؤسسات تمارس أنشطة لا ترى الدولة فائدة في تحويلها إلى مرافق عامة فتبقى على صورتها الخاصة إلا أن الدولة تزودها ببعض أساليب القانون العام كأسلوب نزع الملكية وإخضاعها للمبادئ التي تحكم المرفق العام.
الفرع الثالث: نظرية المنفعة العامة
يعتبر العلامة الفرنسي مارشال قالين وهو من أكبر أساتذة القانون الإداري من أكد إعلاء مدرسة المرفق العام ويأخذ في مؤلفاته بفكرة المنفعة العامة كأساس لبناء القانون الإداري فيقول " إن الفكرة الأم في القانون الإداري هي أقل وجودا في فكرة المرفق العام منها في فكرة المنفعة العامة ، فالمرفق العام ليس سوى واحد من الوسائل الفنية الموجهة لخدمة المنفعة العامة " إذن فالمنفعة العامة عنده هي التي تبرر قيام قانون إداري بقواعد مستقلة ومتميزة فلولا المنفعة العامة ما كان هناك موظف عام ولا عقد عام ولا أموال عامة ولا حتى مسؤولية إدارية.
يلاحظ أن الفقيه مرسال قالين يعتمد معيار المنفعة العامة من منظار كون الهدف في القانون الإداري عكس منظور مدرستين السلطة العامة والمرفق العام اللتان تشكل كل منهما وسيلة من وسائل هذا القانون. فرغم أن معيار المنفعة العامة يبدو لأول مرة أنه معيار مناسب ومفضل لتأسيس القانون الإداري خصوصا أنه تأسس بالهدف والغاية إلا أنه تبين فيه نقاط ضعف وجوانب سلبية قضيت عليه ولو جزئيا ، كالمنفعة العامة فكرة عامة وغامضة تحتاج إلى تعريف وتوظيف حيث الحدود بينما هو عام وما هو خاص غير معلومة.
الفرع الرابع: نظرية الأسس الدستورية.
من بين الفقهاء الذين حاولوا إيجاد أساس جديد يؤسسون عليه القانون الإداري الفقيه الفرنسي جورج فيدال وقد قام بتلك المحاولة دون أن يخرج عن مدرسة السلطة العامة الذي ظل وفيا لها فالأستاذ جورج فيدال يرى أن الإدارة والقانون الإداري لا يمكن أن نميز بينهما بطريقة مستقلة وإنما يجب أن نبدأ من الدستور إذا أردنا أن نجعل لهما تعريفا فهو ينطلق منه (الدستور) ليعرف ويؤسس القانون الإداري وبالتالي يحدد مجال اختصاص القاضي الإداري وهو الذي يشكل مصدرا أساسي للنظام القانون في الدولة وهو الذي يميز بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، ومن ثمة يجب الانطلاق من معطيات عضوية ( وليست مادية كالمرفق العام والسلطة العامة) لتعريف القانون الإداري والإدارة العامة.
وللوصول إلى هذه الغاية يتوجب تمييز العمل الإداري عن بقية الأنشطة في الحكومة مستبعدا بذلك كل من العمل الدبلوماسي والعمل مع بقية الهيئات العمومية منها العمل التشريعي البرلماني. وأيضا يجب التمييز بين التسيير الخاص والإدارة العامة وهذا في إطار استخراج ما يميز القانون الإداري عن طريق استبعاد أساليب القانون الخاص.
فالإدارة العامة عند الفقيه فيديل عبارة عن مجموعة أنشطة الحكومة والهيئات اللامركزية مستبعدا منها العلاقات الدولية ،العلاقات فيما بين السلطات الثلاث على أ،يمارس نشاط الإدارة هذه الحكومة في إطار نظام السلطة العامة ،إلا أن هذه النظرية لم تصمد طويلا أمام هجمات أعدائها حيث بقيت حبيسة أفكار صاحبها و من أهم من انتقد نظرية الأسس الدستورية الفقيه شال ايزمان من خلال مقال مطول نشر في مجلة القانون اللوم السياسية في فرنسا ،العدد السادس
سنة 1972
• وخلاصة القول بالنسبة للتأسيس النظري للقانون الإداري أن الفقهاء لم يتمكنوا من الاستقرار على رأي واحد فمن مدرسة السلطة العامة إلى مدرسة المرفق العام إلى فكرة المنفعة العامة كوسيلة حديثة لتحسين وتطوير نظرية المرفق العام إلى فكرة الأسس الدستورية التي تحاول تدعيم فكرة السلطة العامة إلى غير ذلك من الأفكار والنظريات وهو أمر طبيعي لأن من وظيفة الفقه الاختلاف في الرأي وصولا بالموضوع إلى أفضل صوره والمهم عندنا أنه لا يمكن تأسيس هذا القانون على فكرة واحدة مهما كانت أهميتها ومن ثمة يبدو أنه من الطبيعي استخدام كافة هذه الأفكار معا في معيار مركب يتكون من مدرستين السلطة العامة والمرفق العام في صورتيهما المتطورة حتى تتمكن من الجمع بين الوسيلة والغاية في هذا التعريف فالقانون الإداري هو قانون السلطة العامة كما هو قانون المرافق العامة فالفكرتان متكاملتان.ولا تستبعد أي منهما الأخرى.
أما عن موقف الفقه الجزائري من هذه النظريات فإنه لم يتبلور بوضوح رغم وجود بعض الإشارات فهناك بعض الفقهاء من يميل نحو الأخذ بمدرسة السلطة العامة أولا ثم يكملها بمدرسة المرفق العام ونجد على رأسهم الأستاذ الدكتور : عمار عوابدي الذي يقول في كتابه القانون الإداري :" إن فكرة السلطة العامة بمفهومها السابق المعدل تنجح كمعيار للقانون الإداري فهي المعيار الذي يحدد نطاق تطبيق القانون الإداري فاحتواء العمل على مظاهر السلطة العامة هي التي تكسبه الطبيعة الإدارية......لهذا العمل ".
ويبدوا أن أستاذنا عمار عوابدي بقي الوحيد في هذا الاتجاه إلى حد الساعة ذلك أن أنصار ومدرسة المرق العام أكثر عددا ونجد من بينهم الأستاذ الدكتور محمد بوسماح الذي يعد أول من كتب عن المرفق العام في الجزائري من خلال مقال مطول نشر في المجلة الجزائرية تحت عنوان :" مدخل للتعريف بالمفهوم القانوني للمرفق العام " فلقد درس في هذا المقال للمرفق العام من كل جوانبه في الجزائر السياسية والإيديولوجية....إلخ أم الأستاذ أحمد محيو فإن موقفه من النظريتين غير واضح فرغم أنه أولى اهتماما خاصا لنظرية المرفق العام في كتابه " محاضرات في المؤسسات الإدارية " إلا أنه ينهي حديثه عن تأسيس القانون الإداري يحمله استعارها من الأستاذ رونيه الذي يحاول التوفيق بين فكرتي السلطة العامة والمرفق العام غير أننا نلاحظ أنه يميل أكثر نحو نظرية المرفق العام لأنه كغيره من الفقهاء متأثر بالتوجه الاشتراكي الذي تنتشر فيه فكرة المرفق العام بوضوح.