بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير الشيخ الشعراوي لقول الله تبارك وتعالى:
{من ورآئه جهنم ويسقى من مآء صديد } [إبراهيم: 16].
ونعلم أن جهنم ستأتي مستقبلا، أي: أنها أمامه، ولكنها تنتظره؛ وتلاحقه.
والصديد هو الماء الرقيق الذي يخرج من الجرح، وهو القيح الذي يسيل من أجساد أهل النار حين تشوى جلودهم.
ولنا أن نتصور حجم الألم حين يحتاج أحدهم أن يشرب؛ فيقدم له الصديد الناتج من حرق جلده وجلود أمثاله. والصديد أمر يتأفف من رؤيته؛ فما بالنا وهو يشربه، والعياذ بالله.
ويقول الحق سبحانه متابعا لما ينتظر الواحد من هؤلاء حين يشرب الصديد:
{يتجرعه ولا يكاد يسيغه ... } .
ويتجرعه أي: يأخذه جرعة جرعة، ومن فرط مرارته لا تكون له سيولة تستساغ؛ فيكاد يقف في الحلق؛ والإنسان لا يأخذ الشيء جرعة جرعة إلا إذا كان لا يقدر على استمرار الجرعة؛ ولكن هذا المشروب من الصديد لا يكاد يستسيغه من يتجرعه. ويقال: استساغ الشيء. أي: ابتلعه بسهولة.
وقوله سبحانه:
{ولا يكاد يسيغه ... } [إبراهيم: 17] .
أي: لا يكاد يبلعه بسهولة فطعمه وشكله غير مقبولين.
ويتابع سبحانه:
{ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ... } [إبراهيم: 17] .
أي: ينظر حوله فيجد الموت يحيط به من كل اتجاه، لكنه لا يموت، ويفاجأ بأن العذاب يحيط به من كل اتجاه مصدقا لقول الحق سبحانه:
{ومن ورآئه عذاب غليظ} [إبراهيم: 17] .
هكذا يتعذب الجبار المتعنت في أمر الإيمان. وإذا قسنا العذاب الغليظ بأهون عذاب يلقاه إنسان من النار لوجدنا أنه عذاب فوق الاحتمال؛ فها هو صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه» .
فما بالنا بالعذاب الغليظ، وقانا الله وإياكم شره؟