الحرص لا ينجي من المزالق مهما يبالغ ذلك الحريص .. ولا يقي بتلك الدرجة التي تعني التمام والكمال .. بل هو مجرد افتراضية عجيبة في عقل إنسان يفاضل بين الأضواء والظلال .. وعلة الأنفس أنها تتقي الظلال وتبتغي ملازمة الأضواء في كل الأحوال .. ذلك الجدل الغريب من الافتراضية المستحيلة التي لا تكون مائة في المائة .. والإنسان يمضي العمر وهو يسعى جاهداَ ليتخطى درجات الفوارق بين القاع والقمة .. تلك الدرجات الوهمية التي توحي بأنها تمثل المسافة بين المرفوض والمطلوب .. فالأنفس تظن الوقاية التامة حين تتخطى الظلال وتقترب من الأضواء .. فهي تهرب دائماَ إلى الأمام تريد ساحات الإشهار .. وتبتعد جاهدة عن ساحات الظلال .. ولا تدري بأن تلك المجازفة تصبح بغير معنى إذا اقترنت بالجزم وأخذت شكلاَ من أشكال الهوس والجنون .. لأن الحقائق تؤكد بأن الظلال تلازم وتلاحق الأضواء خطوة بخطوة .. فأقدام الظلام تحط الرحال دائماَ في مواضع الأضواء حين ترحل .. والذي يريد أن يتجافى الظلال عليه أن يركض مع الأضواء بذلك القدر العالي الذي يجاري سرعة الأضواء .. وذلك من سابع المستحيلات .. لأن سرعة الأضواء هي السرعة القصوى المعلومة بذلك القدر من الإعجاز حتى الآن .. ومع ذلك فإن فكرة ملاحقة الأضواء ليست بذلك الجدل المعيب .. إنما الجدل المعيب هو في ذلك الإحباط الذي يصيب الأنفس عندما لا يتطابق الواقع مع الطموحات .. وعليه فإن الإنسان لا بد أن يقبل الواقع حين يفرض قوة الحجة والمآل .. ولا بد أن يعايش الظلال من وقت لآخر راغباَ أو مكرهاَ .. والمنطق السليم أن يجتهد الإنسان لبلوغ المرام دون أن يجزم بقوة القرار .. فالقرار المتحفظ خير من قرار جازم هو ذلك الخائب المخزي حين لا يكون .. وأهل العقل والحكمة يقولون : ( الليل يعقب النهار ) .. فرضية تبعد الجدل عن أناس تريد الحياة كلها في صحبة الأضواء .. ذلك المرام المستحيل الذي يعشش في أذهان البعض .. فالحياة عملة ذات وجهين ( الأضواء والظلال ) .. والحكيم العاقل من يجاري الوجهين حسب المقتضيات والضروريات .. وحسب المجريات التي تأتي بها الرياح .. ولا يتمسك بوجه العملة الواحد بذلك القدر الذي يعني التطرف وإنكار الوجه الآخر .. والأعجب من كل ذلك فأن هنالك فئات من الناس تريد الإبحار عكس التيار .. تلك الفئات التي تفضل التواجد في الظلال دون الأضواء !!.. وتلك الفئة تشكل النشاز في مسار البشرية .. فوهي بعيدة كل البعد عن منطق الطموح في بني الإنسان .. كما أنها غير بريئة في أحلامها وخبيثة في نواياها !! .. والمنطق يقبل الجدل حين يمتطي البعض حصان الحرص الشديد ليلاحق الأضواء طوال الحياة دون أن يحقق ذلك الجدوى بالتمام والكمال .. ولكن المنطق لا يقبل الجدل حين يمتطي البعض حصان التراجع ليركض للخلف طوال العمر وهو يطمع في الظلال ؟؟!! .. علة مبطنة ضمن إطار من العلل النفسية المحيرة .. والعلة قد تكون ذلك اليأس أو ذلك التكاسل أو ذلك التخاذل أو ذلك التهاون .. وخير الأمور أوسطها .. فالإفراط في ملاحقة الأضواء مع الحزم والجزم يدخل ضمن عثرات الإنسان الغير حكيم .. كما أن الإفراط بذلك القدر من اليأس والقنوط يدخل ضمن مسميات الخمول والركود والانتكاسة المميتة .
( المقال للكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد )