درس شامل عن الأدب الأندلسي :بسم الله - اضغط هنا للتحميل -أثر الطبيعة في الأدب الأندلسي : لقد لحق شعراء الأندلس في شعر الطبيعة شعراء المشرق ثم تقدموا عليهم وفاقوهم فيه و التنوع في موضوعاته والتجديد والابتكار في صوره و أشكاله.
والملاحظ على ما خلفوه من شعر في هذا الفن أنهم لم يقفوا به عند اتجاه واحد ، وإنما نرى لهم فيه اتجاهات شتى ، و لعل منشأ هذا التنوع في الاتجاهات ، راجع إلى أنّ محبتهم لطبيعة الأندلس الجميلة كانت عميقة الجذور في نفوسهم ، و من ثمّ فإنهم كانوا كلما التقوا بها أوواجهوها في مكان أو موقف ما ، هزّت مشاعرهم و شاعريتهم ، و ألهمتهم من معانيها ما لا يملكون له دفعا إلاّ بالتعبير عنه تمجيدا لهذه الطبيعة وتغزلا بها.
و مع تعدد الاتجاهات في شعر الطبيعة الأندلسي ، فإن هناك سمات و خصائص عامة تجمع بينها ثم ينفرد كل اتجاه بعد ذلك بسمات خاصة تقتضيها طبيعته .
و سوف نشير إلى أهم السمات العامة المشتركة ، و فيما يلي إجمال لذلك:
1ـ غلبة التشبيه و الاستعارة على أساليبهم ، فالتشبيه يرينا المعاني الممثلة بالأوهام شبها في الأشخاص الماثلة و الأشباح القائمة، و الاستعارة تبرز المعاني أبدا في صورة حية مستجدة تزيد قدرها نبلا ، و كلا الأسلوبين : أسلوب التشبيه و أسلوب الاستعارة يدل على خصب خيال وسموه و سعته و عمقه.
2ـ تشخيص الأمور المعنوية و تجسيمها ، و ذلك بإبرازها في صورة شخوص وكائنات حيّة ، يصدر عنها كل ما يصدر عن الكائنات الحية من حركات وأعمال.
بث الحياة والنطق في الجماد ، لما لذلك من طرافة ووقع حسن في النفوس ومن أمثلة ذلك قول أبي إسحاق إبراهيم بن خفاجة الأندلسي في وصف جبل:
وقور على ظهر الفلاة كأنه طوال الليالي ناظر في العواقب
أصخت إليه و هو أخرس صامت فحدثني ليل السرى بالعجائب
و قال : ألا كم كنت ملجأ قاتل و موطن أوّاه تبتل تائب
و كم مرّ بي من مدلج و مؤوب و قال بظلي من مطي و راكب
فالجبل هو جماد قد تحول بالتوسع الذي هيأته الاستعارة إلى إنسان حي ناطق يروي ما مر به من تجارب.
3ـ الاستعانة في رسم و تلوين الصور المستوحاة من الطبيعة ببعض فنون البديع المعنوي و اللفظي من مثل الطباق و المقابلة و المبالغة، وحسن التعليل ، والجناس ، وهذه قليلة في صور متقدمي شعرائهم ، كثيرة في صور متأخريهم.
4ـ إطلاق العنان للخيال ليرتاد عالم الفكر ، و يختار منه المعاني التي توحي بالحضارة و الطرافة.
5ـ التصرف في أرق فنون القول واختيار الألفاظ التي هي مادة لتصوير الطبيعة وإبداعها في جمل وعبارات تخرج بطبيعتها وكأنها التوقيع الموسيقي.
6 ـ تصوير شعرهم لطبيعة الأندلس الحية ، و طبيعته الصامتة ، و طبيعته الصناعية الناشئة من استبحار الحضارة و العمران.
7ـ قلما يأتي شعر الطبيعة عندهم كغرض قائم بذاته، اللهم إلاّ في القطع القصار وعلى هذا فأكثره يأتي ممتزجا بأغراض أخرى كالغزل و المدح ...