الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين وبعد.
فالإيمان يزيد وينقص بحسب الأعمال، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، يزيد بالصلاة ، وينقص بالفساد ، يزيد بالاستقامة ، وينقص بالانحراف، قال الله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ (محمد:17) وقال عز من قائل ﴿ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ (الفتح: من الآية4)
وفي رمضان يزداد الإيمان ويشرق التوحيد لقرب العبد من ربه تبارك وتعالى .
فالصيام من أعظم الأعمال وهو قربة إلى الله عز وجل وصلة عظيمة يباعد بين العبد وبين النار ويفرق بين المسلم والمعاصي.
وقيام رمضان أنس ومحبة وطاعة وشوق يطرد النفاق عن العبد، ويسقي شجرة الإيمان، حتى تستوي على سوقها وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .
وإليكم أيها الصائمون تلك الأعمال التي تزيد في إيمانكم وتنمي يقينكم. الصلاة في جماعة بخشوع وخضوع وتأمل وحضور﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾ (النساء: من الآية103) والصلاة في جماعة مذهبة للنفاق ومورثة للخشية وناهية عن الفحشاء والمنكر.
قال تعالى ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ (العنكبوت: من الآية45)
قراءة القرآن بتدبر ، وتأمل آياته ، العيش في ظلاله ، استنشاق نسماته ، الاهتداء بهديه ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (صّ:29)
ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان والجوارح اللهج بالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ (البقرة:152)مناجاة الله عز وجل في الأسحار، الإكثار من الاستغفار.
طلب العلم النافع ، والتفقه في الدين ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ (طـه: من الآية114) وسؤال أهل العلم
قال تعالى ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: من الآية43) وحضور مجالس الذكر " هم القوم لا يشقى بهم جليسهم"
طلب العلم زيادة في الإيمان وتثبيت لأصل التوحيد ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾. (محمد: من الآية19) بدأ هنا بالعلم قبل القول والعمل.
مما يزيد الإيمان الصدقة ، البذل والعطاء ، وقد تقدمت في درس مستقل ولكن الشاهد هنا أنها ترفع من إيمان العبد وتزكيه ، وتهذب سلوكه وتقوم اعوجاجه.
مما يزيد الإيمان التفكر في آيات الباري تبارك أسمه ومطالعة آثاره في الكائنات وبديع صنعه في المخلوقات : قال تعالى :﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾.(آل عمران: من الآية191)
ورمضان زمن صفاء ذهن المتأمل وإشراق فكر المتفكر ، واستنارة قلب المعتبر ، فهو جدير بالتفكر في بديع صنع الخالق تباركت أسماؤه.
والإيمان ينقص ويمرض وقد يموت.
ينقص الإيمان بالإعراض عن الكتاب والسنة والاكتفاء بحثالة أذهان البشر ، وعصارة أدمغة الناس والعكوف على نتاج المخلوقين الضعفاء المقهورين ، فإذا فعل العبد ذلك واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير تمت خسارته وبان هلاكه وظهرت مقاتله واستحوذ عليه الشيطان ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾(المجادلة: من الآية19)
إذا ما لم يزدك العلم خيرا فليتك ثم ليتك ما علمتا
وإن ألقاك فهمك في مغاو فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ينقص الإيمان اللهو واللعب والغفلة والإعراض عن منهج الله عز وجل ومجالسة أهل الباطل المعرضين عن الشريعة الساقطين في حمأة الرذائل والشهوات . قال تعالى ﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ (الكهف: من الآية28) .
ينقص الإيمان إطلاق الجوارح في المعاصي وتلطيخ الأعضاء بالسيئات وتسويد القلب بالذنوب
عين تنظر إلى الحرام وأذن تسمع إلى الخنا ، وقلب يرتع في الشهوات، ويد تبطش ظلما ، وفرج يقترف الفحشاء ، وبطن يمتلئ من الآثام ، رحماك يا رب وعفوك يا الله.
يا صائما عافت جوارحه الخنا أبشر برضوان من الديان
عفو ومغفرة ومسكن جنة تأوي بها من مدخل الريان
على الصائم أن ينظر هل زاد إيمانه في رمضان أم نقص ؟ هل عظم يقينه أم قل ؟ ليعرف الزيادة من النقصان والربح من الخسران.
اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها وتوفيقا.
*من كتابي (ثلاثون درسا للصائمين)
د. عائض بن عبدالله القرني