[rtl]الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد.
للسان صيام خاص يعرفه الذين هم عن اللغو معرضون ،وصيام اللسان دائم في رمضان ، وفي غير رمضان ، ولكن اللسان في رمضان يتهذب ويتأدب، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لمعاذ رضي الله عنه " كف عليك هذا ، وأشار إلى لسانه" فقال معاذ : أو إنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام :"ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ".
ضرر اللسان عظيم وخطره جسيم ، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأخذ بلسانه ويبكي ، ويقول : هذا أوردني الموارد .
اللسان سبع ضار ، وثعبان ينهش ، ونار تلتهب .
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
ابن عباس رضي الله عنهما يقول للسانه : يا لسان قل خيرا تغنم أو اسكت عن شر تسلم . رحم الله مسلما حبس لسانه عن الخنا ، وقيده عن الغيبة ، ومنعه من اللغو ، وحبسه عن الحرام.
رحم الله من حاسب ألفاظه ، ورعى ألحاظه ، وأدب منطقه ووزن كلامه.
يقل تبارك اسمه ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ (قّ:18) فكل لفظة محفوظة ، وكل كلمة محسوبة ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ (فصلت: من الآية46)
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة "
احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
والله إن الموت زلة لفظة فيها الهلاك وكلها خسران
لما تأدب السلف الصالح بأدب الكتاب والسنة ، وزنوا ألفاظهم واحترموا كلامهم فكان نطقهم ذكرا ، ونظرهم عبرا ، وصمتهم فكرا .
ولما خاف الأبرار من لقاء الواحد القهار ، أعملوا الألسنة في ذكره وشكره ، وكفوا عن الخنا والبذاء والهراء.
قال ابن مسعود رضي الله عنه :"والله ما في الأرض أحق بطول حبس من لسان". يريد الصالحون الكلام فيذكرون تبعاته وعقوباته ونتائجه فيصمتون.
كيف يصوم من أطلق للسانه العنان ؟ كيف يصوم من لعب به لسانه وخدعه كلامه وغره منطقه ؟ كيف يصوم من كذب واغتاب ، وأكثر الشتم والسباب ونسي يوم الحساب؟ كيف يصوم من شهد الزور ولم يكف عن الشرور؟
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". وهل الإسلام الا عمل وتطبيق، ومنهج وانقياد ، وسلوك وامتثال .
يقول جل اسمه ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ ﴾ (الاسراء: من الآية53) والتي هي أحسن هي اللفظ المؤدب الجميل البديع الذي لا يجرح هيئة ولا شخصا ، ولا عرض مسلم ولا ينال من كرامة المؤمن.
يقول عز وجل ﴿ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ (الحجرات: من الآية12)
كم من صائم أفسد صومه فسد لسانه وساء منطقه واختل لفظه ؟
ليس المقصود من الصيام الجوع والظمأ ، بل التهذيب والتأديب.
في اللسان أكثر من عشرة أمراض إذا لم يتحكم فيه.
من عيوبه الكذب، والغيبة ، والنميمة ، والبذاءة، والسب ، والفحش، والزور ، واللعن ، والسخر ، والاستهزاء، وغيرها .
رب كلمة هوى بها صاحبها في النار على وجهه أطلقها بلا عنان وسرحها بلا زمام ، وأرسلها بلا خطام.
اللسان طريق للخير ، وسبيل للشر ، فيا لقرة عين من ذكر الله به واستغفر وحمد وسبح وشكر وتاب ، ويا لخيبة من هتك به الأعراض وجرح به الحرمات وثلم به القيم.
يا أيها الصائمون رطبوا ألسنتكم بالذكر ، وهذبوها بالتقوى ، وطهروها من المعاصي .
اللهم إنا نسألك ألسنة صادقة وقلوبا سليمة ، وأخلاقا مستقيمة.
*من كتابي (ثلاثون درسا للصائمين)[/rtl]
[rtl]د. عائض بن عبدالله القرني[/rtl]