إن الحمد لله نحمده...
أخرج الطبراني وغيره عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ فقال:يا رسولَ الله،أيُّ الناسِ أحبّ إلى الله؟وأيّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟فقال رسولُ الله :أحبُّ الناسِ إلى الله تعالى أنفعُهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله سرورٌ تدخِله إلى مسلمٍ أو تكشِف عنه كربةً أو تقضِي عنه دينًا أو تطرُد عنه جوعًا، ولأن أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ أحبّ إليّ مِن أن أعتكِفَ في هذا المسجد ـ بالمدينة ـ شهرًا...ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى تتهيّأ له أثبتَ الله قدمَه يوم تزول الأقدام,توجيهاتٌ نبوية كريمة تزكو بها النفوس وتصلح بها المجتمعاتُ، وتسعَد بها الأفراد والجماعات. قِيَم اجتماعيّةٌ عظيمة لم يشهد التأريخُ لها مثيلاً، ومبادِئُ حضاريّة لم تعرف البشريّة لها نظيرًا، ذلكم أنها توجيهاتُ من لا ينطق عن الهوى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى.
عباد الله: نفع الناس، وقضاء حوائجهم، عبادة عظيمة، ذات ثمار يانعة، ونتائج نافعة، يتقرب بها المؤمن إلى الله U، ويحرص عليها من أراد الله والدار الآخرة، هي من عادات المتقين، وصفات الصادقين المخلصين, قال الله U: } وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {، وقال عن أصفيائه} وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ{ قال النبي r: (خَيرُ النَّاس أنفعهم للنَّاس) وفي صحيح مسلم (من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه ).
أيها الناس:إن الساعي لقضاء الحوائج موعود بالإعانة،مؤيد بالتوفيق،والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ففي خدمة الناس بركة في الوقت وفي العمل وتيسيرُ ما تعسَّر من الأمور يقولr:من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة وإن السعي في حاجة الناس ومساندة المحتاجين دليل على طيب المنبت، ونقاء الأصل،وصفاء القلب،وحسن السريرة،وربنا يرحم من عباده الرحماء،يقول النبيr:(مَنْ كَانَ فِي حَاجَة أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ،وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً من كرب الدنيا،فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بَها كُرْبَةً مِنْ كُرَب يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) بل نفعك لغيرك،ينجيك من السوء والمهالك،يقول النبيr : صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ،وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِىءُ غَضَبَ الرَّبِّ،وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ).
أيها الأخوة لنحرص على إيجاد هذه العبادة العظيمة بيننا فهي عمل الأتقياء، ومنهج الكرماء والنبلاء، بل والأنبياء، فالكريم يوسف عليه السلام جهز إخوة ظلموه,وموسى عليه السلام سقى لامرأتين بماء مدين وهو فار من ظلمة,وخديجةt تقول في وصف نبينا محمدr:إنك لتصل الرحم،وتحمل الكل،وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق, يقول جابرtعن النبي r: ما سئل رسول الله شيئًا قط فقال: لا, وكان علي بن الحسين رحمه الله في المدينة، يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام، فلما مات فقدوا ذلك، فعرفوا أنه هو الذي كان يطعمهم.
أخي المسلم: لا تدري، لعلك بدعوة صالحة، ممن فرجت كربته وساعدته في حاجته وقضيت دينه، تسعد أحوالك، والدنيا محن، والحياة ابتلاءات، فالقوي فيها قد يضعف، والغني ربما يُفلس، والحي فيها يموت، لكن مواقف الرجال الإيمانية، التي يلتمس فيها ما عند الله، ويثني عليها عباد الله، هي التي تبقى للدنيا والآخرة، والسعيد من اغتنم جاهه وماله في خدمة الدين ونفع المسلمين، يقول ابن عباسtمن مشى بحق أخيه ليقضيه فله بكل خطوة صدقة, والمعروف ذخيرة الأبد، والسعي في شؤون الناس زكاة أهل المروءات، يقول حكيم بن حزام:ما أصبحت وليس على بابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب. ويقول الشافعي رحمه الله.
الناس بالناس ما دامت الحياة بهم والسعد لا شك تارات وهبات
وأفضل الناس ما بين الورى رجل تقضى على يده للناس حاجات
لا تمنعن يد المعروف عن أحد ما دمت مقتدرا فالسعد تارات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: أَيُّ مَعْرُوٍف أَعْظَمُ وَأَجَلُّ يَوْمَ أَنْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي لَمْلَمَةِ شَمْلٍ قَدْ تَفَرَّقَ أَوْ جَمْعِ قُلُوبٍ قَدْ تَنَافَرَتْ؟! أَيُّ خَيْرٍ أَفْضَلُ يَوْمَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ سَبَبًا فِي وَصْلِ رَحِمٍ قَدْ تَقَطَّعَتْ وَتَهَاجَرَتْ: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. وَمِنْ أَبْوَابِ الْمَعْرُوفِ الَّتِي تُذْكَرُ فَتُشْكَرُ: بَذْلُ الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ،يَقُولُ اللهُ Uمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا، وَيَقُولُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام:"اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا". رَوَاهُ الْبُخَارِيّ, ومِنْ أَبْوَابِ الْمَعْرُوفِ الَّتِي يَبْقَى أَثَرُهَا وَتَزْرَعُ الْمَحَبَّةَ وَالْأُلْفَةَ، مُوَاسَاةُ الْمُصَابِينَ وَالْمَكْلُومِينَ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي تُثَبِّتُ الْقُلُوبَ، وَتُسَلِّي النُّفُوسَ، وَتُخَفِّفُ الْمُصَابَ يَقُولُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلاموَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ.مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية: الْحَمْدُ للهِ، اصْطَفَى لِمَحَبَّتِهِ الْأَخْيَارَ, فَصَرَفَ قُلُوبَهُمْ فِي طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ شُكْرَ الشَّاكِرِينَ الْأَبْرَار, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الْأَطْهَارَ وَعَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ، مَا أَظْلَمَ اللَّيْلُ وَأَضَاءَ النَّهَارُ وَاقْتُفي أَثَرُهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقَرَارِ.
أيها الناس: ثم نقول لفاعل الخير يا صَاحِبَ الْمَعْرُوفِ تَذَكَّرْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ اللهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُعَامَلَةً مَعَ الْخَلْقِ؛ فَاسْتَشْعِرْ قَوْلَ رَبِّكَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ"يَا ابْنَ آدَمَ: مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ: كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟! يَا ابْنَ آدَمَ: اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ: وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟الْحَدِيثِ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهِ: وكَمَا أَنَّ صَنَائِعَ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْجَنَّةِ؛ فَإِنَّ الإِضْرَارَ بِالنَّاسِ وَالْقِيَامَ بِمَا يُؤْذِيهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَالِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى النَّار, وَتَأَمَّلْ أَخِي الْمُسْلِمَ عُقُوبَةَ أَهْلِ النَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ، عَظُمَ جُرْمُهَا وَاشْتَدَّ وَعِيدُهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِيذَائِهِمْ.
وَهَذَا الْإِيذَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ رُبَّمَا كَانَ إِيذَاءً حِسِّيًّا، كَالاعتداء عَلَى مُمْتَلَكَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِيذَاءُ مَعْنَوِيًّا كَمَنْ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ فِي دِينِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ مِنْ خِلَالِ فَتْحِ أَبْوَابِ الشَّرِّ وَالْإِفْسَادِ وَنَشْرِ الرَّذِيلَةِ الَّتِي تَهْدِمُ الْقِيَمَ، وَتُزَلْزِلُ الثَّوَابِتَ بِلَا خَوْفٍ مِنْ خَالِقٍ، فَهَذَا وَاللهِ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ الْإِيذَاءِ : وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) وَإِذَا كَانَ خَيْرُ الْأَعْمَالِ مَا كَانَ نَفْعُهُ مُتَعَدِّيًا فَإِنَّ شر الأعمال ما كان شره مستعديا. وصدق الله:وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ.
هذا وصلوا وسلموا على خير البرية ..اللهم اجعلنا مَّمن يستمعون القول فيتبعون أحسنه..اللهم اجعلنا مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشر..إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير..اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف والغنى، اللهم أحيينا سعداء، وتوفنا شهداء، واحشرنا في زمرة الأتقياء، برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم ارزقنا نفع إخواننا، وقنا شح أنفسنا، وكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك، أن تغيث قلوبنا بالإيمان، وبلادنا بالأمطار، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا سحا غدقا مجللا نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.