هنا أربعة أمور : ذنوب، وسيئات، ومغفرة، وتكفير .
* فالذنوب : المراد بها الكبائر .
* والسيئات : الصغائر .. وهي ما تعمل فيه الكفارة من الخطأ وما جرى مجراه، ولهذا جعل لها التكفير،
ومنه أخذت الكفارة، والدليل على أن السيئات هي الصغائر والتكفير لها : قوله تعالى : (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً) [النساء : اية 31] .
وفي "صحيح مسلم" [233] . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان : مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) .
ولفظ : "المغفرة" أكمل من لفظ : "التكفير"، ولهذا كان مع الكبائر،
والتكفير مع الصغائر،
فإن لفظ : "المغفرة"يتضمن الوقاية والحفظ، ولفظ : "التكفير" يتضمن الستر والإزالة،
وعند الإفراد : يدخل كل منهما في الآخر كما تقدم فقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) [محمد : اية 2]،
يتناول صغائرها وكبائرها ومحوها ووقاية شرها .
بل التكفير المفرد يتناول أسوأ الأعمال، كما قال تعالى : (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر : اية 35] .
وإذا فهم هذا، فهم السر في الوعد على المصائب والهموم والغموم والنصب والوصب بالتكفير دون المغفرة،
كقوله : في الحديث الصحيح : (ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا أذى ـ حتى الشوكة يشاكها ـ إلا كفر الله بها من خطاياه) [خ (5641)، م (2573)]،
فإن المصائب لا تستقل بمغفرة الذنوب، ولا تغفر الذنوب جميعها إلا بالتوبة أو بحسنات تتضاءل وتتلاشى فيها الذنوب،
فهي كالبحر لا يتغير بالجِيَف، وإذا بلغ الماء قلتين، لم يحمل الخبث .
* ـ فلأهل الذنوب ثلاثة أنهار عظام يتطهرون بها في الدنيا، فإن لم تف بطهرهم طهروا في نهر الجحيم يوم القيامة :
ـ نهر التوبة النصوح .
ـ ونهر الحسنات المستغرقة للأوزار المحيطة بها .
ـ ونهر المصائب العظيمة المكفرة .
فإذا أراد الله بعبد خيرا أدخله أحد هذه الأنهار الثلاثة، فورد القيامة طيبا طاهرا، فلم يحتج إلى التطهير الرابع، وهو تطهيره في نار الجحيم يوم القيامة .