عناصر كتابه القصة والمسرحية وطريقة وصف الأشخاص بأسلوب مبسط لعشاق الكتابه المسرحيه والروايه
كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟
إنها فكرة أو مجموعة أفكار يريد الكاتب إيصالها إلى الناس، وهي تمثل حجر الزاوية التي تبنى عليها الرواية أو المسرحية، وموضوعها وشخصياتها وأحداثها هي تجسيد لهذه الفكرة وإقامة لهذا البناء.
الفرق بين الفكرة والموضوع:
قد يتناقش مجموعة من الناس حول موضوع من المواضيع، وليكن موضوع المرأة مثلا، فيبدي الأول فكرته أو وجهة نظره في هذا الموضوع مؤيدا مساواة المرأة للرجل في جميع المجالات ودون قيد أو شرط، ويبدي الثاني فكرة مخالفة لفكرة الأول تماما، ويقف الثالث موقفا وسطا منها، ويتحفظ الرابع على بعض الأعمال والنشاطات التي لايمكن للمرأة ممارستها في رأيه، وهكذا لو أتيح لكل منهم أن يكتب رواية لكان الموضوع واحدا هو المرأة، ولكن فكرة كل منهم عنه تختلف عن فكرة الآخر.
وهكذا بالنسبة إلى موضوع الجريمة فهناك من يحمل المجتمع وحده مسؤولية انحراف الشباب وما نشأ عنه من السرقة وتعاطي المخدرات والقتل، ويعزو ذلك إلى الظلم الاجتماعي والفقر والفروق الطبقية. وهناك من يتشبث بعامل الوراثة والنزعة الإجرامية الفطرية التي يجب أن تكبح ويلقى المجرمون أشد العقاب. وهناك من يأخذ في الحسبان العامليْن كليهما بنسب متفاوتة، فالموضوع واحد ولكل فكرته ووجهة نظره، وهذا ينطبق على كافة المواضيع.
واختلاف آراء الكتاب حول الموضوع الواحد يؤدي بالضرورة إلى اختلافهم في طرح هذا الموضوع وعرضه بالطريقة التي تتلاءم مع وجهة نظرهم عنه، وذلك باختيار كل منهم للشخصيات والمواقف والأحداث التي تجسد فكرتهن وتبلغ رسالته.
العناصر الهامة في بناء الشخصية:
ولكل شخصية في الرواية والمسرحية مقومات جسمية وعقلية ونفسية واجتماعية تنعكس على هيئتها وسلوكها وطباعها وأخلاقها، يبرز لنا الكاتب أهم ملامحها ويرينا ما فيها من مزايا وعيوب. كما أن لكل شخصية غاية تسعى إليها ودافعا يحثها على تحقيق هذه الغاية، وبما أن الشخصيات تختلف في طباعها وأخلاقها وغاياتها ودوافعها، فلا بد أن يحدث الصدام والصراع بينها، وتحول العقبات دون غاياتها وأهدافها خلال أحداث الرواية أو المسرحية.
الشخصية الحسنة والشخصية السيئة:
فالشخصية التي تفوق مزاياها عيوبها من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، وتكون غايتها ودوافعها، ووسيلتها إلى تحقيق هذه الغاية نبيلة هي شخصية مستقيمة تحظى بحبنا واحترامنا والشخصية التي تفوق عيوبها مزاياها، وتكون غايتها أو دوافعها أو وسيلتها إلى
تحقيق هذه الغاية دنيئة هي شخصية منحرفة تستوجب سخطنا عليها وخوفنا من شرورها.
العلاقات الإنسانية:
وعلاقات الصدام والصراع بين بعض هذه الشخصيات، وبعضها الآخر، أو علاقات الوئام والانسجام تشكل العلاقات الإنسانية التي تتسم بالتوتر أحيانا وبالانفراج أحيانا أخرى. وهذه العلاقات هي التي تتسبب في تأزم الأحداث وتعقدها في الرواية والمسرحية، حيث تظهر قدرة الكاتب على نسجها في حبكة فنية يبدو فيها تسلسل الأحداث تسلسلا منطقيا من بدايتها إلى نهايتها.
المخطط الكلاسيكي لبناء الرواية والمسرحية:
ويتضمن المخطط التقليدي لمسار الرواية والمسرحية مايأتي:
1- العرض التمهيدي: وفيه يقدم الكاتب شخصياته وأهم مقوماتها من مزايا وعيوب وغاياتها ودوافعها ويوضح مابينها من علاقات، كما يبين موضوع الرواية أو المسرحية وفكرتها.
2- الفعل الصاعد: ويتضمن الأحداث المتسلسلة التي تبدأ بالتأزم وتكوّن: أ- الأزمات الصغرى. ب- الأزمة الرئيسية، وهكذا يتصاعد الفعل ويتأزم حتى يصل إلى الذروة، ونرى في هذا الفعل الصاعد الوسيلة أو الوسائل التي تقوم بها الشخصية للتغلب على العقبات.
3- العقدة: وهي بلوغ الأحداث المتمثلة في الأزمات الصغرى والأزمة الرئيسية ذروتها، حيث تتعقد العلاقات بين الشخصيات إلى درجتها القصوى.
4- الفعل النازل: ويتضمن الأحداث المتسلسلة التي تبدأ بفك العقدة شيئا فشيئا حتى تصل إلى الحل.
5- النتيجة: وفيها نرى الشخصيات بعد التغير الذي أصابها، والعلاقات الجديدة بعد التغير الذي طرأ عليها، ويكون الجمهور قد تلقى رسالة الكاتب وهضم فكرته، وحكم نهائيا على الشخصية أو الشخصيات.
ومن الطبيعي أن يتزامن بناء الشخصيات وتطورها مع بناء العلاقات وتغيرها، وبناء الموضوع وتوالي الأحداث.
ويمكن للكاتب أن يبدأ روايته أو مسرحيته من أي موضع في هذا المخطط، ثم يعود بنا عن طريق استعادة الذكريات، أو حوار الشخصيات إلى ذكر المراحل السابقة.
ارتباط الأحداث بالشخصيات أو بالعلاقات:
ومما تجدر الإشارة إليه أن الفعل الصاعد بما فيه من أزمات صغرى وأزمة رئيسية تمثل العقبات التي تعترض سبيل الشخصية في سعيها إلى تحقيق غايتها، إن كانت الرواية أو المسرحية تعتمد على مسيرة حياة الشخصية، وتمثل الأزمات وسوء التفاهم التي تتميز بها العلاقات بين الشخصيات إن كان موضوع الرواية يعالج إحدى العلاقات الإنسانية.
العناصر الأساسية في الرواية:
ومهما كان الأسلوب الذي تكتب به المسرحية أو الرواية، وسواء أكان تقليديا يعتمد على الحبكة أي التسلسل المنطقي في تأزم الأحداث والعقدة والحل، أم كان استعراضا لشرائح من الحياة الاجتماعية لا تلتزم الأسلوب التقليدي، وسواء اعتمد الكاتب تسلسل الأزمنة أو خلط بينها، فلا بد في أي رواية أو مسرحية من بناء العناصر الأساسية الثلاثة: الشخصيات والعلاقات الإنسانية، والمواضيع التي هي كل لا يتجزأ ولانستطيع أن نفصل إحداها عن الأخرى. وسنركز في هذا الكتاب على دراسة هذه العناصر، بعد أن انصب اهتمامنا في كتاب "فن الكتابة تقنيات الوصف" على الوصف الخارجي والداخلي للشخصيات ووصف الأحداث والزمان، ثم وصف الأمكنة بدءا من الغرفة فالمنزل فالأماكن العامة فالحي فالقرية فالمدينة وانتهاء بالمشاهد الطبيعية.
الدراسة والبناء:
والدراسة من الأدب الوصفي لا الإبداعي وهي تعتمد على ما أورده الكاتب مقيدة بآرائه، محدودة بخياله، ولا مجال للدارس بأن يطلق العنان لمخيلته فيورد ما لم يرده الكاتب، ويستنتج ما لم يصرح أو يلمح به، ولكننا لن نهمل الأدب الإبداعي فسوف نتحدث عن بناء الشخصية قبل دراستها، ونتيح الفرصة للقارئ بأن يبني شخصياته بنفسه، من خلال التمارين المطلوبة منه، ونطالبه بنسج بعض العلاقات الإنسانية ومعالجة بعض المواضيع ونجمع في ذلك بين الأدبين الوصفي والإبداعي، بين التركيب والتحليل، بين البناء والدراسة.
ماذا نعني بالدراسة؟
دراسة موضوع هي فحصه من جميع جوانبه لمعرفته معرفة تامة . وإدراك ميزاته ونقائصه. ودراسة نص تعني فحصه بتحليله إلى عناصره الأولية، والحكم على مبناه ومعناه، أما الدراسة التي نعنيها هنا فلها ثلاثة أنواع:
أ ـ دراسة الشخصية:
وتتم بتحليل هذه الشخصية إلى عناصرها الأولية التي بناها الكاتب منها، وهي (تأثير البيئة عليها، ذكاؤها، ثقافتها، طباعها ومزاجها، قيمها الخ...) ثم نرى تأثير هذه العناصر في سلوك هذه الشخصية من خلال دوافعها وغاياتها ووسائلها .
ب ـ دراسة العلاقات الإنسانية:
وذلك بتحديد هذه العلاقات (صداقة، حب، زواج، تنافس، عداوة، الخ...) ومعرفة بداية نشوئها في الرواية والأساس الذي بنيت عليه ودراسة خط سيرها منذ بدايتها حتى نهايتها ثم نرى إن تميزت بالانسجام والوفاق أو بالتوتر والصراع، ونحكم عليها بالنجاح أو بالإخفاق.
ج ـ دراسة مواضيع الرواية:
وتتم بدراسة كل موضوع طرحه الكاتب على حدة، حيث نجمع عناصره المتناثرة في الرواية كلها، ونكون منه موضوعا.
ولكي نوضح ماقلناه سابقا نأخذ مثالا من ثلاثية محمد ديب، فإذا أخذنا شخصية عمر ودر سناها من خلال ما قدمه الكاتب لنا من معلومات عن مظهره الجسمي وجوانبه العقلية والنفسية أي ذكائه وطباعه وسلوكه مع الآخرين، ثم قيمنا هذه الشخصية عبر نظرة الكاتب لها في الرواية، فقد قمنا بدارسة الشخصية.
وإذا درسنا علاقة عمر مع أمه وإخوته وما طرأ عليها من تغيير منذ بداية الرواية حتى نهايتها، فقد قمنا بدراسة العلاقة الإنسانية.
وإذا درسنا عمر كطفل ودرسنا معه كل ما يتعلق بالأطفال في الرواية، ظروفهم، تعليمهم، ماذا يفعلون في أوقات فراغهم، فقد انتقلنا إلى دراسة المواضيع.
ونأخذ مثالا آخر عن الزواج، فإذا درسنا علاقة الزواج بين السيد أحمد عبد الجواد وأمينة في رواية نجيب محفوظ بين القصرين، فهذا يندرج ضمن العلاقات الإنسانية.
وإذا درسنا كل علاقات الزواج في الرواية أو في الثلاثية، فهذا يدخل في دراسة الموضوع. لأن الهدف يختلف فنحن سنستنتج من خلال هذه الدراسة نظرة الكاتب للزواج ورأيه فيه.
وإذا درسنا السيد أحمد عبد الجواد بمفرده، فهذا يعني أننا ندرس شخصيته.
أما خطوات الدراسة فهي:
1. جمع المعلومات الواردة في الرواية أو المسرحية فإن كانت دراسة للعلاقة الإنسانية جمعنا كل ما يتعلق بهذه العلاقة من قريب أو بعيد وأهملنا كل ما عداه، وإذا كانت دراسة للشخصية، جمعنا كل ما يتعلق بها: مقوماتها، غاياتها، مواقفها في الرواية. وإذا كانت الدراسة لموضوع من المواضيع، جمعنا كل ما يتعلق بهذا الموضوع، بما في ذلك العلاقات الإنسانية المتصلة به.
2. تصنيف هذه المعلومات المجموعة وتبويبها، بحيث يسهل علينا استخدامها في الدراسة.
3. وضع مخطط للدراسة ينسجم مع المخطط العام لدراسة العلاقات الإنسانية، أو الشخصية أو المواضيع، ويتلاءم في الوقت نفسه مع ما لدينا من معلومات، فنحن في الدراسة نعتمد على معلومات الكاتب وآرائه، ولا يمكن أن نضيف شيئا من عندنا.
4. صوغ الدراسة وفق المخطط الموضوع والاستشهاد على كل حكم نطلقه أو فكرة نناقشها بشاهد من الرواية أو المسرحية.
وبما أن هذه الدراسة ستشمل الرواية والمسرحية معا فلا بد أن نبدأ بخلاصة قصيرة عن الفروق بينهما.
الفرق بين الرواية و المسرحية:
بما أن دراسة الشخصيات، والعلاقات الإنسانية، والمواضيع هي عناصر مشتركة بين الرواية والمسرحية فكلا الفنين يقدم قصة يتوفر فيها الزمان والمكان والشخصيات والحبكة والأحداث والعقدة والحل، إلا أن كلا منهما يقدمها بصورة مغايرة للآخر، فالمضمون واحد والاختلاف محصور في الشكل ونستطيع أن نوجز أهم نقاط الاختلاف فيما يأتي:
1. كاتب المسرحية مقيد بزمان محدد، وهو زمان عرض المسرحية، فعليه أن يعرض الشخصيات ويطورها ويقدم للجمهور العقدة والحل في هذا الزمن المحدد وهو ما يقارب الساعتين عموما، تنقص أحيانا أو تزيد قليلا. أما الروائي فهو غير مقيد بزمن معين ويستطيع أن يستوفي الوقت اللازم، للكشف عن دخيلة شخصياته وصفاتها، ودوافعها، ويبين لنا حاضرها وماضيها. وفيما يختصر المسرحي ماضي الشخصية في جمل وربما في كلمات فالروائي مثلا يمكن أن يقدم لنا بطلته التي تزوجت ثلاث مرات متتالية ويقدم لنا بصورة مفصلة تجربتها مع أزواجها المتعاقبين بينما يقدم لنا المسرحي تجربتها الحالية ويلخص لنا تجربتيها السابقتين بحوار مختصر.
2. كاتب المسرحية مقيد بالمكان وهو محصور بديكور محدد ومكان محدد، وحركة محددة، فلا يستطيع أن يغير المكان في كل لحظة، فالديكور والحركة يجب أن يتلاءما مع الفصول والمشاهد المحددة في المسرحية، بينما الروائي لديه حرية الحركة وتبديل المكان، وأبطاله يركبون القطارات والطائرات والبواخر والسيارات، ويتحركون بحرية بين القارات والمدن.
3. الروائي حر في عرض الأحداث بالطريقة التي يريدها، فهو يستعمل الحوار تارة، ويعلق على الأحداث تارة أخرى، ويلجأ إلى أسلوب الرسائل أو استعادة الذكريات، أما المسرحي فهو مقيد بالحوار، ولا يستطيع أن يلجأ إلى مناجاة الذات "المنولوج" إلا نادرا، لذا فهو مضطر أن يسرد بالحوار وحده أحداث الرواية، ويرسم شخصياتها ويعرض مواضيعها، ويوصل مغزاها إلى الجمهور، أما تعليقاته فموجهة إلى المخرج، لتحديد ألبسة الشخصيات، وديكور الأمكنة التي تجري فيها المشاهد لذلك يجب أن يكون الحوار في المسرحية مركزا ودقيقا وبعيدا عن الحشو.
وما يستفيده المسرحي إذن هو عدم احتياجه للوصف الخارجي لأبطاله لأن الجمهور يراهم على المسرح ويرى زينتهم ولباسهم، وكذلك الأمكنة التي تمثل ديكور المشاهد، إلى جانب حركة الشخصيات، وانفعالاتهم التي تبدو على وجوههم
4. كثيرا ما يتقيد كاتب المسرحية بوحدة الموضوع لأنه لايستطيع أن يعالج مواضيع عديدة في زمن تقديم المسرحية، بينما يستطيع كاتب الرواية معالجة عدة مواضيع في روايته.
ولكن هذا الاختلاف بين الفنين، لا يؤثر على العناصر التي نتحدث عنها وهي تحليل الشخصيات والعلاقات الإنسانية، والمواضيع فهي موجودة في الشكلين الأدبيين كليهما.
منقول