مستفاد من: حسن العشرة الزوجية | للشيخ: عبد الله بن عبد الرحيم البخاري
أيها المؤمنون يقول النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه كما في الصحيحين في حديثٍ وفيه: ((فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ))
هذه هي الزوجة التي يحث الشارع على تحصيلها والرضا بها ويدعو على من أراد غيرها وزهد فيها ورغَّب عنها
ومعلوم بداهةً أيها المؤمنون أنه لا يظفر بذات الدين إلا من كان قلبه معلقًا بالدين وكانت نفسه من النفوس الزكية ومن هذا حاله فلا غرَّ أن يرزق المودة بينه وبين زوجته،
لأنها من ثمرات المُشاكلة في السجايا والصفات الفاضلة، وعلى العكس من ذلك المشاكلة في الصفات الرديئة والسجايا الدنيئة فهي لا تثمر محبةً ولا تورث توددًا
قال النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه فيما أخرجه مسلم في الصحيح: ((الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ))
إنه متى كان الدين بين كل زوجين مهما اختلفا وتعقدت مشاكلهما فإن لكل عقدةٍ حلا إلا ومعها حلٌ،
ولن يشاد هذا الدين أحدٌ إلا غلبه وهو اليسر والمساهلة والرحمةُ والمغفرة واتساعُ الذات وارتفاعها عن الانحطاط
ومن كانت هذه حاله فلن يستنكف هذا العبد أن يكون متمثلًا لما خاطبه به النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه من قوله كما في الصحيحين:
((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ)) وإن من ثمرةِ دين المرأة أن يظهر ذلك كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها أن يظهر ذلك فيها،
كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فيما أخرجه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه بسندٍ فيه لينٌ
"يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، لَوْ تَعْلَمْنَ حَقَّ أَزْوَاجِكُنَّ عَلَيْكُنَّ لَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْكُنَّ تَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِ زَوْجِهَا بِنَحْرِ وَجْهِهَا" فما أجهل الرجل يُسيء معاشرة امرأته، وما أحمق المرأة تُسيء معاملة بعلها.
أيها المؤمنون: لقد كثر الطلاق اليوم لما فقدت قوامة الرجل في بعض المجتمعات إذ بان تقهقرٍ وغفلةٍ وبعدٍ عن مصدر التلقي
ألا وهو الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، وركن فئام من الناس إلى مصادر مريضة وضيعة قلبت مفاهيم العشرة الزوجية وأفسدت الحياة الزوجية،
وتولّى كبر تلك المفاهيم المغلوطة المغالطة الإعلام بشتى صوره من خلال مشاهدات متكررة يُقَعد فيها وينظر فيها مفاهيم خاطئة مضادة بما جاء به الشرع الحنيف المطهر
فتنقلب مبادئ العشرة الزوجية قلبًا، ولربما منظرٍ واحدٍ تشهده ألف امرأة بمرة واحدة فإذا استقر في وعيهن وطافت به الخواطر سلبهن هذا المشهد القرار والوقار فمثلنه ألف مرة بألف طريقة في ألف حادثة،
فلا تعجبوا يا رعاكم الله حينئذ إذا استأسد الحمل واستنوق الجمل، والواقع أيها المسلمون أن داخل البيت المسلم يتأثر بخارجه
وتيارات الميوعة والجهالة والهوى إذا عصفت في الخارج تسللت إلى الداخل فلم ينجُ من بلاها إلا من عصمه الله ورحمه قال الله جل وعلا: ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
أيها المؤمنون: الحياة الزوجية حياة اجتماعية لابد لكل اجتماع من رئيس يُرجع إليه عند الاختلاف في الرأي والرغبة والرجل والرجل أحق بالرئاسة لأنه أعلم بالمصلحة بالغالب وأقدر على التنفيذ
قال الله جل وعلا: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا﴾
ومنازعة المرأة للرجل قوامته بسبب ما تتلقفه من الأجواء المحيطة بها
إن ذلك لمن الانحراف الصرف والبعد عن الحق -والعياذ بالله-،
وإن قوامة الرجل لا تعني منحه الحق بالاستبداد والقهر إذ أن عقد الزوجية ليس عقد استرقاق بل عقد مودة ورحمة ووفاء.
إن العلاقة الزوجية علاقة عميقة الجذور بعيدة الآمال فرحم الله رجلا محمود السيرة طيب السريرة سهلًا رفيقًا لينًا رءوفًا رحيمًا بأهله متبعًا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يكلف زوجته من الأمر ما لا تطيق.
وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها غلطًا ولا تحدث عنده لغطًا أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال: ((إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا))
وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام أحمد في المسند وهو حديث حسن لغيره
قال عليه الصلاة والسلام: ((إِذَا صَلَّتِ المَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا دَخَلَتْ جَنَّةَ رَبِّهَا)).
بهذا كله أيها المؤمنون يفهم أن الرجل أفضل ما يستصحبه في حياته ويستعين به على واجباته الزوجة اللطيفة العشرة القويمة الخلق
وهي التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره إن هذه الزوجة هي دعامة البيت السعيد وركنه العتيد قال الله جل وعلا: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ﴾.
على الزوج حق أن ينفق على امرأته، ولا يكلفها من الأوامر ما لا تطيق، وأن يسكنها في بيت يصلح لمثلها، وأن يعلمها ما يقوم به دينها
، وأن يغار عليها غيرة شرعية، وأن يصونها صيانة تامة، وأن لا يتخونها، وأن يعاشرها بمعروف ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾
قال صلى الله عليه وسلم: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا))
وسُئل عليه الصلاة والسلام ما حق امراة أحدنا عليه قال: ((أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ)) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وهو الصحيح.
ومن حق الزوج على زوجته أن تطيعه في المعروف، وأن تتابعه في مسكنه، وألّا تصوم تطوعًا إلا بإذنه، وألّا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه،
وألّا تخرج بغير إذنه، وأن تشكر نعمته التي أنعم بها عليها، ولا تكفرها، وأن تدبر منزلها، وأن تتهيأ له، وأن تهيء له أسباب المعيشة المرضية، وأن تحفظه في دينه وماله وعرضه
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ)) أخرجه الترمذي والحاكم وهو حديث صحيح.
نسال الله عز وجل
و هو القادر على كل شيء
أن يرزقنا الزوجة الصالحة
والذرية الصالحة