الصوت الخفي
كان يوميًّا عند قيامه لصلاة الصبح يسمع صوتًا خفيًّا يأتيه من بعيد: ازرع جميلاً ولو في غير موضعه.
يؤدِّي صلاته، يشرب قهوته، ويتوكل على الله متوجهًا إلى عمله بكلية الحكمة والرأي الصائب.في المساء، وقد أضناه التعب، ونال منه الغضب، واستولى عليه اليأس والقنوط، يستقبل القبلة ليصلي العشاء، فيسمع نفس الصوت يناديه بصوت خفي: لا ترمِ جواهرَك أمام أقدام الخنازير.
امتحان على المقاس
انتفض عددٌ كبير من الطلبة؛ احتجاجًا على نوعية الأسئلة المطروحة في مادة الفلسفة، إنها مفخخة وصعبة للغاية، هدَّدوا الأساتذة بالضرب المبرح، ولن يترددوا في تصعيد اللهجة إن اقتضى الأمر ما لم يُسْتَجَب لمطلبهم.
اجتمعوا بساحة المركز واتفقوا على عدم مواصلة الامتحان إلا بحضور مدير التربية عينِه، رضخ مدير المركز لهذا المطلب، واتصل بمسؤوليه، وأثناء ذلك اغتنم البعض فرصة التراخي والفوضى فاتَّصلوا عبر هواتفهم النقالة بأوليائهم وزملائهم يسترشدون منهم الإجابات الصحيحة.حضر المدير على جناحي نعامة، الامتحان وطني ومصيري، لا يحق لأيٍّ كان عرقلته، أو إحداث شغب وسط التلاميذ الممتحنين.حاول مدير التربية إقناعهم بأن الأسئلة مدرَجة ضمن المقرر السنوي، يكفي الطالبَ شيءٌ من المراجعة والجدِّية لتجاوز هذه الصعوبة، لكن للتلاميذ رأي آخر، كثافة البرامج، وتسرع الأساتذة في تقديم الدروس كانا سببًا مباشرًا لهذه الوضعية الحرجة في حياة الطالب والأولياء، التي تحتاج حسبهم إلى تفهم الوصاية وعدم تشددها في التصحيح.قبل المدير مقترح التلاميذ، فتنفس الجميع الصُّعَداء، لقد استطاع أن يبطل مفعول قنبلة موقوتة، لا سيما وقد وصل الخبر مسامع الصحافة التي حضرت بسرعة لتغطية خبرٍ تجنِي من ورائه أرباحًا طائلة.عاد التلاميذ إلى القاعات، إلا أن الأساتذة رفضوا العودة إلى الحراسة ما لم تتخذ الوصاية جملة من التدابير تحميهم من بعض السلوكيات الشائنة والطائشة الصادرة من بعض الممتحَنين.وجد المدير نفسه بين المِطْرَقة والسِّنْدَان، لا يتخلص من وجع الضربة الأولى حتى ينال الثانية، لا بد من إبطال مفعول هذه القنبلة كذلك، ترجى الأساتذةَ وطلب منهم الهدوء والتعقل، وعدم الدخول في مناوشات مع التلاميذ، والعمل على إنجاح هذا الامتحان مهما كلفنا ذلك من متاعبَ وصعوبات.فَهِم الأساتذة الرسالة، واتفقوا فيما بينهم على الوقوف في القاعات دون الحراسة وترك الحابل على الغارب.عاد مدير التربية إلى مكتبه راضيًا عن عمله وحنكته، ودخل مدير المركز إلى مكتبه مطمئنًّا على سلامة المركز والسير الحسن للامتحان، خرج التلاميذ بعد تقديم ورقة الإجابة تغمرهم الفرحةُ والسعادة، وأكمل الأساتذة حراستهم في هدوء وراحة.
انتظار النتائج
واصل باسل تهاونَه واستهتاره طوال السنة الدراسية، إنه يملك وصفة سحرية لاجتياز الامتحان بنجاح وتفوق.
• سألت باسلاً عن هذه الوصفة السحرية؟ وهل حقًّا ينجح الطالب دون مشقة ولا تعب يوم يكرم المرء أو يهان؟• قال: عليك بكتاب حصن المسلم، اقرأ دعاء النجاح ثلاثًا في المساء وثلاثًا أخرى في الصباح، ثم أَعِد القراءة ثلاثًا أخرى يوم إعلان النتائج.لقد فعلها باسل وما زال ينتظر نتائج الامتحان.
رجلان وامرأتان
عُيِّن للقاعة العاشرةِ أربعةُ حراس: رجلان وامرأتان، إنه امتحان لشهادة مصيرية، وجوب الصرامة والتشدد في مثل هذه الحالات ضروري للغاية.
بدأ الطلاب في العمل، خيَّم سكون كبير على القاعة، أخذ الحراس أماكنهم، كلٌّ في زاوية واقفًا يترصد أدنى حركة للغش.
بعد ربع ساعة، اتجهت إحداهن نحو زميلتها، ابتسمت لها، تمتمت بكلمة، ردَّت الأخرى بكلمتين، ثم سرعان ما فتحتا نقاشًا طويلاً عميقًا متشعبًا طوال فترة الامتحان.
أما الرجلان، فقد استغرقا في صمت رهيب وتفكير بعيد.