بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
----------------------------
مدخل إلى علم النفس
× أهداف علم النفس:
يهدف علم النفس كما تهدف العلوم الأخرى إلى:
1-فهم الظاهرة السلوكية وتفسيرها من خلال:
أ) فهم الدافع الداخلي الذي أدى إلى حدوث هذه الظاهرة.
ب) فهم مصدر القوة ومكمن الضعف في استعداداتها للقيام بالعمل.
ج) معرفة أسباب الزيغ والانحراف في السلوك مقارنة بالمحك الرئيسي له.
د) بيان العوامل الملوثة للسلوك والتي تفسد أو تعطل التفكير السليم والتي تؤدي إلى شرود الذهن.
فغالبا ما يكون السلوك الشاذ وسيلة لإرضاء حاجات ودوافع أساسية مكبوتة والذي يكشف سبب الكبت هو علم النفس حيث يقدم تفسيرا على أساس علمي ثابت، ففهم الظاهرة السلوكية والتوقف إلى أسبابها وهذا يعيننا على:
2- التنبؤ بما يقوم به السلوك: فإذا عرفنا أسباب الفيضان تسنى لنا معرفة حدوثه، فنهيئ أنفسنا من شر ذلك وهذا يؤدي بنا إلى:
3- ضبط الظاهرة السلوكية ومحاولة الحد من شذوذها.
× تاريخ علم النفس:
تاريخ علم النفس قديم حديث درسه اليونان ووضعوا فيه أفكارهم، ودرسه المسلمون وأضافوا إليه، إلا أن المعتقدات القديمة في النفس كانت عبارة عن فلسفات، فلم تخضع للبحث أو التجريب.
قسّم الإغريق الإنسان إلى قسمين: جسد وروح، وعلم النفس الحديث يقول: أن الإنسان وحدة واحدة بجسده وروحه، وتطرق القدماء إلى علم النفس بأن الجسد تدخله أرواح شريرة، ورفض علم النفس الحديث ذلك، وقال القدماء اليونانيون: أن حياة الإنسان تتأثر بمواقع النجوم، ورفض علم النفس المعاصر هذه الفكرة.
أما علم النفس الحديث والمعاصر بدأ عل يد العالم الألباني "وليم ڨونت" عندما أسس أول مخبر في "ليبتزغ" في ألمانيا عام 1879 وقد طور (الوعي – Consciousness) ودُرست هذه الظاهرة في مختبره تحت عنوان (الخبرة الواعية – Mental Experience). انتقلت أفكار "وليم ڨونت" من ألمانيا إلى أمريكا على يد العالم الأمريكي "وليم جيمس" وصب اهتمامه على دراسة (الحياة العقلية – Mental Life) من خلال عملية (التأمل الذاتي – Introspection) حيث كان يتطلب من الفرد أن يحلل عملياته العقلية بموضوعية.
لم تقنع طريقة الاستبطان (التأمل الذاتي) الكثير من علماء النفس، فبدأ "جون واطسون" عام 1913 ثورة جديدة عرفت باسم (السلوكية – Behaviorism) وبرر ذلك بقوله: إن الحياة العقلية لا يمكن أن ترى أو تقاس وبالتالي لا يمكن أن تدرس دراسة علمية وعلى علماء النفس التركيز على الظاهرة السلوكية.
رفض "جون واطسون" (الإرادة الحرة – Free Will) وقال: إن الشخص لا يتحكم بمصيره، لأن كل ما نفعله محكوم بخبراتنا الماضية، واعتبر السلوك البشري سلسلة من الأحداث يقوم فيها (مثير – Stimulus) باستدعاء (استجابة – Response) ما، فيكون (مثيرا بيئيا – Environmental Stimulus )، وعلى ذلك يمكننا تعريف الاستجابة بأنها حركة عضلية مرئية أو رد فعل فسيولوجي يلاحظ ويقاس، أما عملية التفكير فهي عبارة عن حديث صامت بين الفرد ونفسه.
من هنا ظهرت نظرية المثير والاستجابة (S-R)، من علماء هذه المدرسة "سكينر" الذي ركز على دراسة المثيرات التي تؤدي إلى استجابات سلوكية، وعلى دراسة عمليتي الثواب والعقاب واللتان تعملان على المحافظة على الاستجابات وتقويتها وتعديلها من خلال تغيير أنماطها، أما "ثورندايك" الأمريكي فكان اهتمامه على الترابطات بين المثيرات والاستجابات وكيفية تقويتها والتي أدت إلى ظهور أشهر قوانين التعلم، أما في أوروبا فقد ظهرت مدرسة (الجشتالت أو الاستبصار – Insight) في ألمانيا، من رواد هذه المدرسة (كوهلر، كوفكان، ينغ، إدلر) والتي اهتمت بدراسة سلوك (حل المشكلات – Problem Solving) يرى علماء الجشتالت توجيه الانتباه إلى النمط الكلي، حيث أن الكل أكبر من مجموع أجزائه، فالجزء لا يعطينا تصورا جيدا للمشكلة. [شجرة – ش ج ر ة]
لا تتفق هذه المدرسة مع "ڨونت" والتي ركزت على دراسة الإحساسات والمشاعر، ولا تتفق مع المدرسة السلوكية التي تفتت المشكلة إلى مجموعة من المثيرات والاستجابات، وساهمت هذه المدرسة في ظهور (المدرسة المعرفية – Cognitive)، وقد ظهر في ڨينا العالم النمساوي "سيغمونت فرويد" صاحب مدرسة التحليل النفسي، وقال: إن النفس الإنسانية تقع تحت الرحمات اللاشعورية وقد اهتم بأهمية خبرات الأطفال في تفسير شخصيته وأهمية العوامل البيولوجية في تطوير أهمية شخصية الإنسان.
× الاتجاهات الأساسية في تفسير الظاهرة السلوكية:
1- الاتجاه العصبي البيولوجي Neurobiological Approach:
أفعال الإنسان يمكن تفسيرها عن طريق ما يجري داخل جسمه، فالأحداث النفسية (السيكولوجية) تمثلها الأنشطة المختلفة في الدماغ والأعصاب والتي تربط الدماغ بأجهزة الجسم الأخرى. حيث أن الدماغ يتكون من 12 مليون خلية عصبية وعدد غير متناهي من الوصلات العصبية، فهو أعقد تنظيم موجود، فإذا ما فهم عمل هذا الجهاز يمكننا فهم الظاهرة السلوكية، حيث أن الدماغ يحكم كل الأفعال والحركات. من هنا فعالم النفس من أصحاب هذا الاتجاه، يحاول دراسة مناطق الدماغ التي تخزن فيها المعلومات عندما يريد أن يدرس الذاكرة، وماذا يحدث عندما تهيج هذه المناطق كهربائيا، وقد أيدت الدراسات الحديثة هذه المدرسة التي أظهرت أن الإنسان يستطيع تذكر خبرات ماضية عند استثارة دماغه كهربائيا.
2- الاتجاه السلوكي Behavioral Approach:
دراسة المثيرات البيئية التي تسبق السلوك لأنها ممهدات رئيسية لحدوث ذلك السلوك. ولذا يحاول أصحاب هذا الاتجاه تفسير سلوك الإنسان عن طريق ما يجري خارج الجسم من أحداث بيئية، وفهم العلاقة بين الأحداث البيئية وسلوك الإنسان، بدلا من دراسة الخلايا الدماغية ووصلاتها العصبية المعقدة من هؤلاء العلماء.
"واطسون" الأمريكي الذي قال: على عالم النفس أن يهتم بالسلوك بدلا من الأفعال الداخلية للإنسان وبموضوعية. وقبل ذلك كان يعرف علم النفس بأنه: علم الخبرة الشعورية، وطريقة دراسته تعرف بطريقة التأمل الباطني، وكان "واطسون" أول من قال: حتى يصبح علم النفس علما لا بد أن تكون مادته ممكنة الملاحظة خاضعة للقياس، والسلوك هو الذي يلاحظ ويقاس.
ساعد هذا الاتجاه في تطوير ونمو سيكولوجية المثير والاستجابة، والتي ترعرعت على يد العالم الأمريكي "سكينر" وركز هذا الاتجاه على دراسة المثيرات سواء كانت مثيرات مباشرة تحدث قبل السلوك أو مثيرات حدثت في ماضي الفرد، وعلاقة هذه المثيرات بما يصدر عنه من استجابات، وتركز أيضا على المثيرات البيئية التي تحدث بعد السلوك وتعمل على التحكم فيه. من أهم المثيرات البيئية (الثواب والعقاب) اللذان يتبعان السلوك ويعملان على إما المحافظة على قوته أو ضعفه من خلال التغييرات والتعديلات في أنماط الثواب والعقاب.
فدارس الذاكرة مثلا يركز على:
أ)مقدار التدريب الذي حدث.
ب) مقدار الإثابة التي تلقاها الفرد أثناء تعلمه.
ج) مقدار الربط بين ما تعلم الفرد وبعض المثيرات البيئية.
3- الاتجاه المعرفي Cognitive Approach:
يعترض أصحاب هذا الاتجاه على السلوكيين حيث قالوا: لا يستجيب الإنسان للمثيرات البيئية التي يتلقاها، بل يعمل الإنسان بنشاط على تمرير المعلومات التي يتلقاها ويحللها ويفسرها ويؤولها إلى أشكال معرفية جديدة، فكل مثير يتعرض إلى جملة عمليات تحويلية نتيجة تفاعل المثير الجديد مع الخبرات الماضية ومخزون الذاكرة، قبل صدور الاستجابة وإلا كيف يمكن تفسير الاستجابة المختلفة لنفس المثير لفردين مختلفين أو لنفس الفرد في مناسبتين مختلفتين.
ويركز أصحاب هذا الاتجاه على العمليات الوسيطية التفكيرية التي تحدث بين المثير والاستجابة،
فالسلوكيون مثير استجابة حدث بيئي تعديل سلوك المعرفيون مثير عملية وسطية سلوك عملية وسطية تعديل سلوك فائدة العمليات الوسيطية تحويل المدخلات الحسية وتخزينها في الذاكرة واستدعائها عند الحاجة. وقالوا: إن سيكولوجية المثير والاستجابة لا تصلح لدراسة السلوك المعقد.
4- الاتجاه التحليلي Analysis Approach:
فرويد يقول: الإنسان محكوم بغرائز فطرية لا شعورية، وهي خفيّة تحكم السلوك، تمثل رغبات طفولية قوية لم يرض عنها المجتمع فعاقبها عقابا شديدا إلى درجة إبعادها عن خير التفكير الشعوري إلى مناطق اللاشعور، وبناءً عليه فالعمليات اللاشعورية أفكار ورغبات ومخاوف لا يعيها الفرد، رغم ذلك تعمل على التغيير في سلوكه، وتظهر الرغبات اللاشعورية من خلال متناسقات عدة، منها: الأحلام، زلات اللسان، التعبيرات المرضية.
وقال: في الإنسان غريزتان: غرائز الحياة وتتمثل في الجنس، وغرائز الموت وتتمثل في العدوان.
وهناك صراع ينشأ بين غرائز الحياة وغرائز الموت
وقال: إن سلوك الإنسان غرضي رغم أن الغرض لا يكون واضحا بشكل دائم، وفي هذه الحالة يكون الغرض إرضاء لدافع لا شعوري مكبوت.
5- الاتجاه الإنساني Human Approach:
جاء هذا الاتجاه ردا على الفرويدية، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الإنسان يختار بإرادته الحرة ويقرر أفعاله وبالتالي فهو المسؤول عنها، ولا يستطيع إزاء أفعاله أن يلوم البيئة أو أبويه أو الظروف المحيطة، وهذا لا يتأثر بأفكار الفلاسفة الموجودين.