هل أنتِ مستعدة للعطاء؟إن كنت تفكرين بالإنجاب فلا بد من أن تقفي مطولاً عند هذا السؤال.. لا تجيبي بغريزية (نعم أنا مستعدة).
لو أنك كذلك لما أجبت عن سؤالي الجوهري بهذه البساطة.
انتبهي..أنا لا أسألك (هل تحبين السفر) لتردي بهذا الرد الحماسي.
جوابك الأكيد الذي ستتخذينه سيغير مجرى حياتك.
ليس عليك أن تخجلي إن لم تكوني كذلك..فلا عيب من أن يكشف المرء عيوبه.
ولكن العيب أن يتجاهلها ويقذف بنفسه نحو ناحية سيكتب له فيها الفشل لا محالة.
لأن هذا القرار، سيكون الصكَّ الذي توقعين عليه تنازلاً تاماً عنها..فهل أنت مستعدة؟
عند رغبتك في خوض أي مجال عمل في الحياة سيكون عليك تقديم سيرة ذاتية كاملة, و سيكون عليك قراءة بنود قوانين العمل الجديد, و الالتزام بها بشكل حرفي... كالتفرغ الكامل للعمل و الموافقة على ساعات العمل التي قد تكون طويلة نوعاً ما, و ما إلى تلك الشروط...
فلمَ تقبلينها بصدر رحب و تتفاجئين عندما أسألك هل أنت مستعدة للعطاء؟
لا تستهيني بالعمل الذي ستشهده حياتك المستقبلية, فكلما كنت أكثر إيماناً بعملك, و أكثر إحساساً بأهمية دورك بالحياة كان إنتاجك أفضل, و أي إنتاج أفضل من طفل جميل تربينه بين يديك ليصبح شاباً أو شابة يكون له شأن في الحياة؟!
لا تستغربي؛ فإن الوضع بهذه الخطورة. ينبغي عليك وهْبُ نفسك، عقلاً وروحاً وجسداً ما إن تعشش البيضة الملقحة في أحشائك.
هذا هو الواقع المجرد، إنه هنا أمامك في كل مكان، في وجوه الأمهات، في أنفاسهن، وفي تجاعيد وجوههن التي تروي قصص العطاءات اللامحدودة.
فمن السذاجة بمكان أن تتخيلي أن الطفل القادم مجرد طفل يبكي وينام، فهل فكرت ماذا ستقدمين له؟
المولود سيغدو طفلاً، والطفل سيغدو شاباً، والشاب سيغدو رجلاً، أباً، أخاً، أستاذاً وعالماً.
هل أنت مستعدة للعطاء؟ -العطاء الذي ستقدمينه له يبدأ من جو حمل مريح بعيداً عن مشاحناتك مع زوجك أو أهله أو أيٍّ كان، مروراً بظروف ولادة جيدة, وعنايةٍ فائقة، وانتباه طبي ممتاز في مراحل عمره الأولى التي تعد في غاية الخطورة ولا تتحمل الغفلة.
- ولا تنسي اللياليَ الطوال التي ستقضينها من غير نومٍ لأن مولودك الجديد يعاني من بعض الغازات أو أنه ببساطة لا يريد النوم.
-ومع مرور الأشهر ستبدأ احتياجات طفلك بالنمو.. فهو سيبدأ المشي وستظهر أسنانه الأولى، وما قد يرافقها من إسهالات وإقياءات.
وبدء مرحلة الكلام وتعليم الطفل على النظافة والاستغناءعن الحفاضات بالدخول إلى الحمام؛ وصدقيني هذه خصوصاً ليست تجربة مميزة.
فإن كنت ممن بكين فرحاً عند أول مرة قال فيها طفلك كلمة ماما فأنت بالطبع ستتعبين من كثرة تكراره لها طيلة النهار.
وإن كنت لن تنسي المرة الأولى التي حملت فيها طفلك بعد ولادته.. فمن المؤكد أنك لن تنسي الليالي الطوال التي ذرعت فيها الممر ذهاباً وإياباً لأن طفلك مريض أو يأبى النوم.
فضلاً عن فترة التربية التي يهون أمامها سهر الليالي وساعات المخاض المؤلمة.
هي فترة تعليم الخطأ من الصواب، أطفالك الآن صفحة بيضاء فاكتبي عليها ما تشائين، وكوني مسؤولة عما تكتبين.
أما إن كنت ملتزمة بجامعة و دراسة فلا تستغربي مصادفة مرض طفلك أو وعكته في أثناء فترة الفحص.
إن مثل هذه الظروف تحتاج إلى صبر ومقدار من الحب وخزينة كبيرة من العطاء.
فأنت لا تستطيعين، للأسف، لوم أحد؛ فعلى الأقل لا تلومي نفسك ولا تشعري بالندم.
أنا لا أحاول أن أخيفك, ولا أتشاءم، بل أنا هنا كي أرشدك كيف تفرحين وتسعدين في غمرةِ كل تلك المتاعب والمسؤوليات والعطاءات.
لأن نفسيتك تهمني وتهم أطفالك، فأنت لا تريدين أن يكون لطفلك أم منهارة، متعبة وكئيبة.
فأنت من ستزرع الفرحة في البيت، وأنت من سيستمد منها الطاقة والقوة.
وربما بسبب بعدك عن جو الأمومة والحياة الأسرية فأنت لا تدركين كم تكون عيون طفلك مثبتة عليك.
لا تستغربي... لقد كان بينكما حب حتى قبل أن تريه.
خرج من أحشائك وكم حلم بلقائك....أنت من حينَ أبصر النور رآك ....وأنت من غنت له لينام.
أنت من بكت عندما تألم.....أنت من مسح شعره عندما استيقظ....أنت من ينتظر دخولها عليه كل يوم.
لا تستغربي إن كان يرى النور من عينيك، فأنت له ذاته قبل أن يدرك ذاته الخاصة.
هم فرحونَ عندما تفرحين ومتألمون عندما تحزنين..
تضحكين فيبتسمون..تغنين فيصفقون..تبكين فيتألمون.
هم قطعة من جسدك؛ بينك وبينهم رابط لا يوجد حتى بين الأب وبينهم.
العلاقة التي تجمعك مع أطفالك لا يمكنني أن أشرحها مهما حاولت.
الأطفال في مختلف أعمارهم يقتبسون من أمهاتهم فرحة الحياة، فكل مرة يراني فيها طفلي أبكي أو في عيني مسحة حزن صغيرة، يترك ما بين يديه مهما كان مهماً و ينظر إليّ نظرة المتسائل الحزين...
يقترب مني بهدوء، و بكلماته الأولى البسيطة يحاول مواساتي، وعندما تنفد منه تلك الكلمات، و مازال الحزن يغطي ملامح وجهي ... بكل هدوء يقترب مني و يضع رأسه على حضني لعلي أكف على البكاء...
عندما تكرر الموقف عدة مرات، من خوفي أن يراني طفلي حزينة فأسبب خوفه و إثارة مشاعر الحزن في داخله، أصبحت ألملم دموعي سريعاً و أرسم ابتسامة متصنعة لأفرح طفلي المتسائل، فسبب بكائي في النهاية ينتهي، و لكن الحزن الذي قد أسببه لطفلي قد يشعره بأنه المسؤول عن حزني...
فكوني سعيدة لكونك أماً وكفى... و اجعلي العطاء شعار حياتك.. واعلمي أن الله سيجزيك عن هذا العطاء نعيماً وخيراً كبيراً في دينك ودنياك.
من كتاب
" قبل أن تنجبي"
لمياء شبيب