عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه من الحديث: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"
كان كلامه موجها لرجل ذي مال ولكنه لا يعتني بهيئته لدرجة أن من يراه يحسبه فقيرا وهو في الحقيقة غني
، فأرشده الرسول عليه الصلاة والسلام لأن يحسن اللباس ويتزين في مظهره حتى تظهر عليه النعمة التي حباه الله بها
فهو عزوجل يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، غير أن الحديث لا تقصد به نعمة المال فحسب،
فقد جاءت كلمة "نعمة" بصيغة النكرة التي تشمل كل النعم وليس نعمة المال فقط،
ثم إن الله سبحانه وتعالى ينعم على عباده بكل شيئ، بالمال وبالهداية وبالصحة وبالعلم وبالأدب
فلما تخص نعمة المال من دون سائر النعم بأن يحب الله أن يرى أثرها على عبده الذي أنعم عليه بها؟
، فلا هي بالنعمة الوحيدة فنعم الله علينا كثيرة لا تحصى إن عدت ولا هي بالأغلى والأنفس بين النعم
حتى يكون فضل حب المنعم العظيم لرؤية أثرها على العباد مقتصرا عليها
فأهل الألباب في شتى الأزمنة والأمكنة يعددون النعم التي تعلو نعمة المال مرتبة ومنزلة
فحرفة اليدين مثلا في ثقافتنا الشعبية خير من مال الجدين كما يقول المثل، ولا هي بالنعمة الوحيدة التي يمكن أن يبدو أثرها على العبد
فالصحة يبدو أثرها والأمن يبدو أثره والعافية في الدين يبدو أثرها،
ولذلك فإن من شكرنا لربنا ومن طاعتنا له عز وجل أن تبدو علينا آثار نعمه الكثيرة،
ولعل أكثر أثر يمكن أن يبدو على ذو نعمة أو ذو نعم بالأحرى بحيث يعبر بظهوره عن كل النعم التي يمتلكها الإنسان هو أثر الإبتسامة والرضا و طيب النفس
فبالإبتسامة يعبر العبد عن صحته وإن كان فقيرا، وبها يعبر عن أمنه وإن كان مريضا، وبها يعبر عن سلامته وإن كان خائفا
، وبها يعبر عن حياته وإن كان مبتلى، فالحياة نعمة تستحق أن يظهر أثرها على شفاهنا وفي عيوننا،
مجرد الحياة ومجرد تنفس الأكسجين بأي طريقة كانت ومجرد شرب الماء وأكل الطعام بأي حال من الأحوال نعمة كبيرة تستحق أن نبتسم لأجلها
حتى يرى الله أثر نعمته على وجوهنا فيزيدنا منها ويلبسنا عافيته ويرحمنا بفرجه،
فما بالك بنعمة الحياة في كنف دين الله،
وما بالك بنعمة الإيمان والتوحيد وإتباع خير البشر،
ما بالك بنعمة العافية في البدن والأمن في السرب وما بالك بنعمة قوت اليوم ...
لا تعجبوا من إبتسامة المريض على فراش مرضه، فذلك أثر نعمة الله عليه التي أودعها في قلبه حتى يشعر بها ويشكرها ولا يلهيه عنها فقد سواها
، ولا تعجبوا من إنشراح صدر الفقير، ولا من طيب نفس المبتلى،
بل اعجبوا لعبوس الإنسان وضيق صدره والنعم تحيط به من كل جانب
، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء ...
فإن كان يطيب نفسا من يواجه أفعال الأيام وحوادث الليالي فما الذي يمنع من هو معافى في لحظته من أن يبتسم طالما كان الله رب العالمين يحب أن يرى عباده مبتسمين.