1)- د/ كامل عبد الواحد الجوهري ، حكم البراءة في القضايا الجنائية ، الطبعة الأولى ، مصر ، دار محمود ، سنة 2006
ص 104 .
2)- د/ عبد الحكم فودة ، امتناع المساءلة الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 116 .
3)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 169 .
*)- على خلاف نظيره الأردني الذي نص في المادة 60 قاع « إذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن إعفاء فاعل ، الجريمة من العقوبة بالشروط المذكورة في المادة 79 » .
4)- د/ محمد أحمد المشهداني ، الوسيط في شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 209 .
5)-د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام" ، الجزء الأول ، المرجع السابق ، ص 142
الاعتداء عليه بالضرب فيقتل المعتدي عن قصد .
- إذا كان التجاوز مبنيا على خطأ المدافع في تقدير جسامة الاعتداء ، و كان بوسعه التحديد الصحيح لجسامة الخطر الماثل عليه ، و فعل الدفاع اللازم لدرئه ، يكون المتجاوز مسؤولا عن الجريمة التي ارتكبها مسؤولية غير عمدية (1) .
- و في الأخير لا يكون المتهم مسئولا إذا ثبت تجرد فعله من القصد و الخطأ كما لو كان التجاوز وليد اضطراب شديد أصابه على حين غرة ، و تعليل انتقاء المسؤولية هو تجرد فعله من الخطأ العمدي و غير العمدي كذلك .
بعد دراسة أسباب الإباحة التي نص عليها المشرع الجزائري في قانون العقوبات نتطرق في الفرع الموالي إلى رضا المجني عليه كسبب إباحة أقره القانون المقارن هذا السبب الذي أثار جدلا كبيرا حول مدى مصداقيته في الصفة الإجرامية عن الفعل
و تبعا لذلك نعالجه فيما يلي :
الفرع الثاني : رضا المجني عليه
تقتضي الجريمة وجود الجاني و المجني عليه ، و غالبا ما تقع الجريمة خلافا لإرادة هذا الأخير و دون علمه المسبق بها ، و عليه يبدوا غريبا أن يطرح رضا المجني عليه كسبب للإباحة ، إلا أن الواقع يثبت وجود حالات يوافق المجني فيها على أن يتحمل نتائج الجريمة أو أن يكون محلا لها ، كأن توافق امرأة على إجهاضها من قبل الغير ، أو يوافق شخص على قتله لمعاناته من مرض يستعصي شفاءه .
و ما هذه الأمثلة إلا صور لرضا المجني عليه بوقوع الجريمة ضده ، و فيما يلي
ندرس رضا المجني عليه كسبب إباحة (*) وفق العناصر التالية :
________________________
2)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 202 .
*)- لأنه قد يكون لرضا المجني عليه كذلك تأثير على الدعوى العمومية ، فليس للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية في بعض الجرائم إلا بناءا على شكوى يقدمها المجني عليه كجرائم السرقة بين الأزواج ، و جرائم الزنا ، و إن لم يقدم هذه الشكوى فان ذلك يعنى انه قد رضي بعدم محاكمة المتهم ، و قد يكون له كذلك تأثير على الركن المادي في بعض الجرائم ، فالسرقة مثلا يقوم ركنها المادي على الأخذ أو الاختلاس ، و لا يتحقق ذلك إلا إذا كان المجني عليه غير راض عن خروج الشيء عن حيازته و دخوله حيازة الغير – و قد يكون الرضا عنصرا في بعض أسباب الإباحة مثل إباحة الأعمال الطبية التي تندرج تحت إذن القانون .
أولا : تعريف رضا المجني عليه .
عرفه الفقيه جريسيني على أنه « الإذن المعطى بواسطة شخص من أشخاص القانون الخاص لفرد أو أفراد لتنفيذ عمل معاقب عليه بواسطة القانون الوضعي
و يترتب على هذا العمل الإتلاف أو الإضرار بمال أو مصلحة للشخص الذي صدر منه الإذن ، أو تعريضها للخطر » (1) .
و عرفه قانون العقوبات الهندي على أنه « القبول المبني على تحكم العقل الحرفي التفكير في الأمور و عواقبها دون إكراه أو غش أو غلط في فهم حقيقة الواقع » (2).
و يتضح أن أطراف الرضا هي :
* المجني عليه : و هو " الشخص الذي وقع عليه الاعتداء مباشرة " ، أو أنه " ذلك الشخص الذي يملك الحق المحمي من الجريمة أو المعرض للخطر و يرضى بتحمل الآثار الناجمة عن الجريمة " .
* من صدر إليه الرضا : قد يكون شخصا واحد ، أو مجموعة من الناس دون تحديد الشخص منهم فعلى سبيل المثال رضا مالك الأرض بأن يقوم أي شخص دون تحديد ببناء على أرضه .
بعد تعريف رضا المجني عليه نتطرق فيما يلي إلى مدى مصداقيته في محو الصفة الإجرامية عن الفعل .
ثانيا : مدى مصداقية رضا المجني عليه كسبب إباحة .
1- المبدأ العام : عدم جواز الاعتداء برضا المجني عليه كسبب إباحة .
القاعدة العامة أن رضا المجني عليه ليس سببا من أسباب الإباحة ، و القاعدة التي وردت به على سبيل الاستثناء الذي لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه (2).
فلا يمكن الاعتداد برضا المجني عليه لإباحة الجرائم التي تمس حقا أو مصلحة للدولة مثل جرائم اختلاس المال العام ، و تزييف العملة ، و تزوير المحررات الرسمية .
كما لا يمكن الاعتداد به في الجرائم التي ينال فيها الاعتداد حقا للمجتمع ، مثل
________________________
1)- د/ محمد صبحي نجم ، رضا المجني عليه و أثره على المسؤولية الجزائية ، الطبعة لا توجد ، مصر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1975 ، ص 58 -59 .
2)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سـابق ، ص 282 .
جرائم الفعل العلني المخل بالحياء ، و المتاجرة بالأشياء الممنوعة ، و تزوير المحررات العرفية ، ولا أثر لرضا المجني عليه في الجرائم ضد الأموال (1) . و قد يكون هذا الرضا سببا في تجريم فعل المجني عليه مثل جريمة قبول المجني عليه شيكا و هو يعلم أنه دون رصيد كما انه كذلك لا أثر لرضا المجني عليه في الجرائم التي ينال الاعتداء فيها حقا لنظام الأسرة ، مثل جرائم الزنا و هجر العائلة ، و إن كان المشرع يقرر عدم جواز تحريك الدعوى العمومية في جريمة الزنا مثلا إلا بعد تقديم شكوى من الزوج فلا يعنى ذلك أن سكوت الزوج يفيد إباحة الجريمة بل يعنى فحسب امتناع المتابعة القضائية لاعتبارات قدرها المشرع ، فإذا رضي الزوج المجني عليه و قدم شكوى أمكن رفع الدعوى العمومية ضد الزوجة الزانية و معاقبتها (2) .
كما ينعدم تأثير الرضا على فئة الجرائم التي تنال من حقوق الأفراد ، إلا أن لها أهمية اجتماعية كبيرة بحيث لا يجوز للأفراد التنازل عنها لما في ذلك من إهدار لمصلحة اجتماعية على جانب كبير من الأهمية ، و من أهم هذه الجرائم الاعتداء على الحياة
و سلامة الجسم ، فالحق في الحياة و سلامة البدن ليس حقا خالصا للأفراد و إنما يشترك المجتمع مع الأفراد في هذا الحق لأنه يتوقف عليه سلامة المجتمع كله (3) .
و على العكس من ذلك فقد يكون حق الفرد المعتدي عليه في الجريمة حقا خالصا له ففي هذه الحالة يعتد برضا المجني عليه كسبب إباحة ، و لعل هذا الفرض هو وحده المقصود برضا المجني عليه كسبب إباحة . و بالتالي نجد أن هناك استثناءات ترد على المبدأ القاضي بعدم جواز الاعتداء برضا المجني عليه كسبب إباحة نتطرق إليها فيما يلي
2- الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ العام .
المعيار في تحديد جرائم الرضا يستند إلى الحق المعتدى عليه إن كان القانون يجيز للمجني عليه التصرف فيه ، فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فتعدي الغير على هذا الحق لا يعد جريمة (4) ، مثل جرائم هدم ، أو تخريب ، أو إتلاف ملك الغير ، أو التعدي على
________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 151 .
2)-د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 279 .
3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 362 .
4)-د/ عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 133.
المزروعات و الحيوانات و آلات الزراعة . فهذه الأفعال لا تعتبر جرائم إلا إذا ارتكب بغير رضا المالك ، أما إذا ارتكبها بنفسه أو رضي بارتكابها من قبل الغير لا تقوم بها الجريمة ، لأن الفعل يتحول من اعتداء على الملكية في حالة انعدام الرضا إلى تصرف في الشيء محل الملكية إذا توفر الرضا ، و من الصعب حصر الجرائم التي يعد الرضا سببا لإباحتها لان ذلك يتوقف على تحديد الحقوق المعتدي عليها ، و بيان ما إذا كان القانون يجيز التصرف فيها و نقلها للغير أم لا .
و الحقيقة أن الرضا في الأمثلة السابقة ليس سبب إباحة ، لأن أسباب الإباحة تفترض قيام الجريمة من حيث أركانها المادية ، ثم تقترن بها لتنفي الصفة الإجرامية عنها
و الأمر ليس كذلك في الجرائم السابقة ، فلو تمعنا فيها لوجدنا أن الجريمة غير قائمة أصلا ، فجريمة هدم ملك الغير لا يتصور وقوعها إلا إذا ارتكب الجاني أفعال الهدم دون رضا المالك ، فرض المالك عنصر سلبي من عناصر الركن المادي في هذه الجريمة
و انتفاءه يعني انتفاء الركن المادي للجريمة و بالتالي انتفاء الجريمة لعدم اكتمال أركانها و ليس لان رضا المجني عليه أباحها .
و نخلص مما تقدم إلى رفض اعتبار رضا المجني عليه سببا لإباحة الجرائم التي تنال حقوقا يجوز التصرف فيها و نقلها للغير ، و الصحيح أن الرضا يؤثر على أركان هذه الجرائم و على وجه الخصوص الركن المادي (2).
ثالثا : القتل برضا المجني عليه و بطلبه في القانون المقارن .
لم يأخذ المشرع الجزائري برضا المجني عليه كسبب إباحة في قانون العقوبات للأفعال المجرمة . و فيما يخص جريمة القتل مطلقا لم يأخذ برضا المجني عليه كسبب إباحتها و بالعكس تماما فهو يعاقب على مساعدة الغير على الانتحار طبقا لنص المادة 273 قاع و التي جاء فيها « كل من ساعد عمدا شخصا في الأفعال التي تساعده على الانتحار أو زوده بالأسلحة أو السم أو بالآلات المعدة للانتحار مع علمه بأنها سوف تستعمل في هذا الغرض يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا نفذ الانتحار ».
وفيما يخص التشريعيات الأخرى فقد نصت بعض التشريعيات على رضا المجني
________________________
1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 362 - 364 .
عليه كسبب من أسباب الإباحة في حدود(1) من دلك المادة05 من ق ع الايطالي ( لا عقاب على من يعتدي على حق الغير أو يجعله في خطر إذا حصل دلك برضا صاحب الحق وكان من الجائز له التصرف في الحق ) (*) . وفيما يلي نركز على جريمة القتل برضا المجني عليه وبطلبه في بعض التشريعات.
1-في القانون الفرنسي :
إن قانون العقوبات الفرنسي لم ينص بنص خاص على جريمة القتل بناءا على الطلب بل ترك الأمر للقواعد العامة التي تعاقب على جريمة القتل العمد .فالقتل بناءا على طلب الضحية يعتبر جريمة قتل عمد حسب المادة295 قاع فرنسي. وهدا هو الرأي الراجح فقها و قضاء .
2- في القانون الانجليزي :
طبقا للرأي القاتل في انجلترا أن "حياة الإنسان ليست ملكه وحده بل ملك للمجتمع أيضا " فانه لا يحق لأي إنسان أن ينهى حياته برضاه أو بطلب من شخص أخر أن ينهى حياته. ولا اثر لرضا المجني عليه في جرائم القتل إلا في تخفيف العقوبة
و تمييزها عن جريمة القتل العمد العادية .
3- في القانون الإيطالي :
نص القانون الإيطالي الصادر سنة 1930 فى المادة 579 على انه "من يرتكب جناية على شخص المجني عليه بناءا على رضاه يعاقب بالأشغال الشاقة من ( 06 سنوات إلى 15 سنة ) وتشدد العقوبات طبقا للمادة 61 إذا كان الفعل ارتكب في الحالات التالية :
-كل شخص يقل سنه عن18 سنه.
-كل شخص مجنون أو مريض عقليا أو مدمن على تعاطي المخدرات.
- كل شخص يكون رضاه اغتصب منه بواسطة الجاني بالعنف والتهديد (2).
________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 159 .
*)- كان القانون السوداني أسبق من القانون الإيطالي في النص على رضا المجني عليه كسبب إباحة ( المادة 51)
و قد نقل النص عن المادة 91 من القانون الهندي و نقلت المادة 39 من القانون الكويتي عن القانون السوداني .
2)- د/ محمد صبحي نجم ، رضا المجني عليه و أثره على المسؤولية الجزائية ، المرج السابق ، ص 128
4- في القانون السوداني .
على خلاف قانون العقوبات المصري الذي لا يعتبر رضا المجني عليه سبب مبيح لجريمة القتل بناءا على الطلب و الأخذ بقواعد القتل العمد طبقا للمادة230 ق ع مصري جعل قانون العقوبات السوداني الرضا سببا لتخفيف العقوبة بناءا على شروط محددة في المادة 51 من قاع هي :
– أن تكون سن المجني عليه تزيد عن 18سنة حتى يكون تميزه و تقديره للأفعال معتبرا.
- أن يكون الباعث أو الدافع انسانى نبيل يختلف عن الدافع الاجرامى .
وعلى هذا الشرط فان المنطق والعدالة يقتضيان عدم مساواة من يقتل زميله العسكري الجريح بجرح سام خطير بناءا على توسلاته مع من يقتل غيره حقدا
أو بدافع آخر (1).
وفيما يلي نتطرق لشروط رضا المجني عليه حتى ينتج أثره في قانون العقوبات.
رابعا : شروط رضا المجني عليه
سواء كان لرضا المجني عليه أثر على أركان الجريمة أو باعتباره أحد عناصر بعض أسباب الإباحة ، أو أحد أسباب الإباحة عند من يرى ذلك يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية حتى يرتب آثاره و هي :
- أن يكون المجني عليه صاحب الحق متمتعا بأهلية الرضا .فتصح الإنابة من صاحب الحق نفسه أو ممن ينوب عنه متى كانت الإنابة جائزة (2). و يشترط أن يبلغ صاحب الحق سنا معينة لكي يعتد بالرضا الصادر عنه .و إذا لم يحدد المشرع سنا معينة يترك الأمر لتقدير قاضى الموضوع (3) .
- أن يكون الرضا خاليا من العيوب .فيجب أن يصدر الرضا باختيار المجني عليه
و بإرادته الحرة السليمة ، ولا وجود له على الإطلاق إذا ما صدر عن شخص نتيجة تهديد
_______________________
1)- د/ محمد صبحي نجم ، رضا المجني عليه و أثره على المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 130 .
2)- محمد زكي أبوا عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 286 .
3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 364 .
أو إكراه كما لا يعتد القانون الجزائي به إذا صدر عن شخص نتيجة الحيلة ، أو الخداع أو الغلط .
- المعاصرة الزمنية للرضا مع الفعل الواقع على المجني عليه , فلا عبرة للرضا إذا كان سابقا على الفعل , و إنما العبرة إذا استطال حتى وقت وقوع الفعل, كما لا عبرة به إذا قام بعد وقوع الفعل ، إذ الحكمة في المعاصرة أن الرضا بذلك ينفي عن الفعل وصف الجريمة و بالتالي ينفي عنه وصف الركن المادي ، و لا يحدث الرضا السابق أو اللاحق مثل هذا الأثر (1) .
- يشترط في الرضا الذي صدر من المجني عليه أن لا يكون مخالفا للنظام العام
و الآداب العامة ، فرضا الأشخاص البالغين بارتكاب الجرائم الجنسية علانية لا أثر له في إباحة جرائمهم لمخالفة النظام العام و الآداب العامة .
_______________________
(2): د/ عبد الحكم فودة ، امتناع المساءلة الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 134.