محاضرات في قانون العمل
الأستاذ /- خليفي عبد الرحمان
أستاذ مساعد
المركز الجامعي سوق أهراس
المقدمــة :
إن الأهمية التي يكتسيها قانون العمل مردها إلى تطور قواعده بسرعة والمكانة التي يحتلها بين الفروع القانونية الأخرى . فقانون العمل بمفهومه المعاصر يشكل مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الفردية والجماعية للعمل بين العمال والمستخدمين والمنبثقة ليس من عقد عمل فحسب بل كذلك من القانون والتنظيم والإتفاقيات والإتفاقات الجماعية. ولوقت طويل كان العمل يشمل سوى المجهود أو العمل اليدوي وحاليا يقصد بالعمل كافة الأنشطة أو الأعمال اليدوية و الفكرية .
هذا المفهوم للعمل كان ومازال عاملا مهما في تحرير الإنسان وجعله يعيش بكرامة ، وقد مجدت الحضارات القديمة والحديثة وكل الأنظمة العمل على إختلاف تصوراتها ورؤيتها لمفهومه ونطاقه
إن المدة التي قضيتها في وظيفة مفتش مركزي للعمل وكذا تدريسي لمقياس قانون العمل جعلتني أفكر جليا في إنجاز عمل علمي يجمع بين النظري والعملي تماشيا وخاصيتي الواقعية والتنوع اللتين تميزان قواعد العمل عن باقي القواعد القانونية .
التحولات الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية الحاصلة في الجزائر جعلت من تشريع العمل يمر بمراحل تميزت المرحلة الأولى بتدخل السلطة العامة في كل مظاهر العلاقة المهنية أما بعد سنة 1990 وتماشيا مع التوجه السياسي الجديد وكذا التحولات الإقتصادية والإجتماعية بدخول الجزائر في إقتصاد السوق وما يترتب عن ذلك من آثار إستوجبت تدخل الدولة بسن قوانين ونصوص عمالية تكرس التفاوض وتحمي المتاجرة .
إلى غاية سنة 1994 وبداية اللجوء لإجراء الحل والتصفية في مواجهة المؤسسات العمومية كان لزاما أن تتكيف المنظومة القانونية العمالية مع المستجدات المهنية وبعث آليات جديدة والإلتفات لنظام التأمينات الإجتماعية والتقاعد والذهاب الإرادي وكذا فتح المجال أمام العمال الأجراء لتأسيس شركات على أنقاض المؤسسات المنحلة بتنازل الدولة عن أصولها لصالحهم ,
المحاور الكبرى التي يدور في فلكها تشريع العمل تبدأ من مرحلة إنعقاد علاقة العمل وترتيبها للآثار وما تجعله من منازعات ووصولات عند إنتهائها على النحو التالي :
المحور الأول : مدخل لقانون العمل
المحور الثاني : إنعقاد علاقة العمل .
المحور الثالث:آثار علاقة العمل (الحقوق والإلتزامات)
المحور الرابع: إنتهاء علاقة العمل
خاتمــة:
الفصــــــل الأول : - التطـــــــور التاريخـــي وظهــــور قانـــون العمـــــل :
المبحــــــــث الأول : - التطـــــــور التاريخـــي لفكــــرة العمـــــل :
تطور مفهوم العمل عبر الحضارات حسب النظرة التي أعطيت له والمكانة التي يتخذها في المجتمع رغم أن نشأة فكرة العمل لازمت وجود وتطور الإنسان ككائن حي ، ورغم أن علاقات العمل بالمفهوم الحديث لم تتجلى إلا خلال الثورة الصناعية إلا أن تلك العلاقات ميزتها التغير موازاة مع تطور وتغيير الأنظمة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للمجتمع .
وأهم المراحل التاريخية التي تستوقفنا عند دراسة التطور التاريخي لقانون العمل هي :
المطلب الأول : - مرحلة العصور القديمة : ( الحضارات القديمة ) .
عرفت الحضارات العمل بمفهومه التقليدي سواءا في الميادين الزراعية أو الصيد أو حتى الصناعات - كصناعة البرنز - وصناعة الأجر والأسمنت والخشب والزجاج والفخار والجلود ، وقد عرفت كذلك إزدهار في عدة علوم أخرى كالحضارة البابلية والفينقية والحضارة الرومانية التي كانت تقدس العمل وتبغض الركود والبطالة وصلوا إلى مجد عمراني حتى ساد مبدأ إجبارية العمل ووضع القس – سانبول – نظريته المشهورة " الذي لا يعمل لا يأكل " لكن نظام الرق حال دون إعطاء التكييف الحقيقي للعمال . (1)
ورغم التجسيد الميداني لمفهوم العمل إلا أن حقوق وحريات العمال وكذا ضماناتهم لم تكن متوفرة في ظل هذه الحضارة كون هناك فئة نبلاء وفئة عبيد بدون أدنى حق . ( 2 ) .
عموما , ظهر أول أساس مادي للعمل في المرحلة الثانية من تطور المجتمعات البدائية , أي في ظل النظام الطبقي الذي تميز بصفة الإكراه الممارس على العبيد لآداء العمل , وظل هذا المفهوم المادي سائدا لفترة طويلة بسبب مقاومة وسيطرة طبقة الأسياد والأشراف للمحافظة على النظام الطبقي والإمتيازات التي منحوها لأنفسهم بالقهر والإستغلال .(3)
( 1 ) – أحمية سليمان - التنظيم القانوني لعلاقات العمل في التشريع الجزائري - الجزء الأول ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر سنة 1998 ص 18 .
(2)- أحمية سليمان –المرجع السابق – ص 20
(3) - بشير هدفي – الوجيز في شرح قانون العمل – علاقات العمل الفردية والجماعية – دار ريحانة للنشر والتوزيع – الجزائر –الطبعة الثانية – سنة 2003 – ص 16
المطلب الثاني : مرحلــــــــة القــــــرون الوسطــــــى
تميزت هذه المرحلة بنظام الإقطاع لإرتكاز النشاط على القطاع الزراعي مستغلين فئة الأقناب أو العبيد مقابل الحماية من طرف السيد أو الإقطاعي .
ولم يعرف نظام الطوائف المهنية والتخصص الحرفي إلا بعد إزدهار المدينة فقد ظهرت نوع من الأعراف والقوانين تبين العلاقة بين الطرفين وظل الأمر إلى غاية قيام الثورة الفرنسية والتي أتت بمبادئ وفلسفة جديدة ليس في ميدان العمل فحسب بل في كل الميادين والقطاعات ،
والخلاصة أنه سواءا الفكر الرأسمالي أو الفكر الإشتراكي يعترفان بأن العمل هو العنصر الأساسي للإنتاج وهو المصدر الأساسي لكل الثورات التي ينتفع بها الإنسان رغم النظرة المختلفة للعمال ولرب العمل ، هذه التطورات الإجتماعية والإقتصادية ساهمت في إيجاد قانون العمل بالمفهوم الحديث والذي المطلب الثالث : مكانة العمل في الإسلام :
على غرار الديانات السماوية السابقة أعطى الإسلام مفهوما خاصا للعمل بل إقترن العمل بالإيمان والعمل بالمنظور الإسلامي يحقق السعادة في الدين والنجاة في الآخرة ، هذا الإتجاه أكده القرآن الكريم والسة النبوية الشريفة والسلف الصالح .
أولا : - العمل في القرآن الكريم :
يحتوي القرآن الكريم على عدة آيات كريمة تعرضت للعمل علاقته بالإيمان وأخرى حول صنوف وأنواع العمل وأخرى في ميدان السعي والحث على العمل " من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون ." ( 1 ) .
وعموما فقد كرس النظام الإسلامي مفهوما شاملا ومتكاملا للعمل يظهر من خلال الأحكام والقواعد الشرعية التي قررها والتي تربط في مجملها بين الجانب الروحي والجانب المادي للعمل
ثانيا : - العمل في السنة النبوية :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه ." وقال : " أطلبوا الرزق في خبايا الأرض ." وقال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الأعمال الكسب الحلال . «
وقد تضمنت السنة النبوية أقوالا وأفعالا معاني القرآن الكريم وإعتناء الإسلام بالعمل وجاء في الحديث الشريف " أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه ."
(1 ) - سورة النحل الآية رقم : 97 .
المطلب الرابع : - ظهور قانون العمل وتطوره :
إن إعتماد مبدأ سلطان الإرادة بصفة مفرطة أدى إلى إجحاف كبير في حقوق العمال مما أدى بتدهور حالتهم الإجتماعية ودخلوا في صراع مع أصحاب العمل من أجل تحسين أوضاعهم والحفاظ على حقوقهم .
هذه الأسباب كانت الدافع المباشر لتدخل الدولة بواسطة تشريعات عمالية لتنظيم العلاقة بين العمال وأرباب العمل والبحث عن إعادة توازن للعلاقة المهنية لكنها باءت كلها بالفشل إلى غاية سنة 1884 - عهد الجمهورية الثالثة - والتي قامت بإصلاحات عميقة تجسدت فيما يسمى بقانون العمل الحديث بصدور قانون 21-3-1884 والذي كرس حرية تكوين الجمعيات المهنية أي النقابات حيث أصبح لكل من العمال وأرباب العمل الحق في تكوين والإنضمام لنقابات للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم بصفة جماعية .
وهذا المنعرج ساهم في تنظيم بعض الجوانب المتعلقة بعلاقات العمل مثل المدة القانونية للعمل - الراحة الأسبوعية - مدة العمل اليومي ( 8 ساعات ) قانون 13/07/1906 .(1)
وبظهور الثورة البلشفية والنظام الإشتراكي تزايد تدخل الدولة في تنظيم علاقات العمل بعد أن كانت في السابق متروكة لقواعد العرض والطلب وقد فسر هذا التوجه بأنه مواجهة المد الشيوعي .
وبذلك تم إقرار الحق النقابي والحق في التفاوض الجماعي والحق في ممارسة الإضراب ضمن إطار القانون والحق في الضمان الإجتماعي والتقاعد وغيرها من الحقوق الثابتة والتي أقرتها فيما بعد المنظمات الدولية .
(1) – بشير هدفي – المرجع السابق – ص 19.
الفصــــــل الثانـــي : - تعريــــــف قانـــــون العمـــــــــل :
لقد تعددت تعريفات قانون العمل فأطلق عليه البعض إسم التشريع الصناعي وكون هذه التسمية ضيقت من نطاق ومجال قانون العمل وأقصرته على الميدان الصناعي دون التجاري والزراعي وغيرها كون هذه التسمية جاءت نتيجة التطورات التي أحدثتها الثورة الصناعية .
وأطلق عليه كذلك القانون الإجتماعي لما له من علاقة بالدور الإجتماعية لهذا التشريع وهذه التسمية لاتحقق الغاية كونها واسعة جدا وغير دقيقة سيما وأن جل القوانين إجتماعية بطبيعتها . ( 1 )
لذا يكاد جمع الفقه اليوم على تسمية هذا القانون بإسم قانون العمل وقد أخذت جل التشريعات بهذا الإصطلاح وتبنته هيئة العمل الدولية .ومهما إختلفت التسميات فإن هذا القانون يهدف إلى تحقيق العدالة الإجتماعية في محيط العمل , إذ يعبر عن المطالب الإجتماعية للعمال من ناحية ثم الحاجيات الإقتصادية للمؤسسات وأصحاب العمل من ناحية أخرى (2) .
أولا: حماية مصالح العمال الأجراء وهذا من خلال تفسير الشك لصالحهم وتطبيق القانون أو التظيم الأنفع .
ثانيا:تدعيم الروابط المهنية والعلاقات بين الشركاء الاجتماعيين من خلال التفاوض والتشاور الجماعي
وعلى ضوء ماسبق يمكن القول أن قانون العمل هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الروابط القانونية الناشئة عن العمل بشرط أن يكون العامل تابعا وخاضعا لرب العمل في تأديته للعمل وأن يكون تحت إشرافه ورقابته ، كما ينظم علاقات العمل الجماعية وما يترتب عن العلاقة من حقوق وإلتزامات للطرفين . "
(1)– الأستاذ بن نيو صالح – محاضرات في قانون العمل – جامعة عنابة – كلية الحقوق – سنة 1982 – ص 13
(2) – بشير هدفي – المرجع السابق – ص 23 .
المبحث الأول : - طبيعة العلاقة التي تربط العامل بصاحب العمل :
يجعل تعريف العمل في معظم القوانين من التبعية عنصر أساسي في علاقة العمل ويقصد بالتبعية هو تأدية العمل لحساب شخص آخر - صاحب العمل والخضوع لأوامره وتعليماته والعمل تحت رقابته وإشرافه وتعضه في حالة الإخلال للجزاءات .
وعنصر التبعية يقوم على عنصرين أساسيين هما :
* واجب العامل بأن ينفذ تعليمات صاحب العمل .
* خضوع العامل لسلطة صاحب العمل التأديبية
وقد نص القانون المصري وقانون الشغل التونسي على عنصر التبعية وإعتباره جوهري في عقد العمل ، ويترتب على ماسبق ذكره النتائج التالية : ( 1 )
أولا : التبعية المقصودة هي التبعية الإقتصادية والتي لاتتوفر على عنصر الإشراف والرقابة بل على الجانب المادي للعلاقة أو الأجر. .
ثانيا : قد تقوم التبعية القانونية حتى بدون وجود عقد عمل بل من الواقع أو من إرتباط شفوي كون علاقة العمل تنعقد بعقد شفاهي أو كتابي (2) .
ثالثا : التبعية في مجال العمل أضيق من التبعية كشرط لقيام المسؤولية عن فعل الغير .
إضافة إلى عنصر التبعية القانونية وخضوع العامل لأوامر رب العمل ووجوب إلتزامه بها فإن ذلك يمنح لرب العمل ثلاثة حقوق أساسية هي :
- حق الإدارة . Droit de direction
- حق الإشراف . Droit de surveillance
- حق الرقابـــة . Droit de controle
- أطراف عقد العمل هو العامل من جهة ورب العمل من جهة ثانية على أساس عنصر التبعية المستوجب لقيام هاته العلاقة المتميزة , فمن هو العامل ومن هو رب العمل وما هي أركان أو عناصر هذا العقد المتميز عن باقي العقود الأخرى