الحركات الليبرالية والقومية في أوربا في القرن التاسع عشر
مقدمة
شهدت أوربا خلال القرن 19انتشار مجموعة من المبادئ كان هدفها إقرار الحريات للشعوب،وتبلورت بعد 1815في شكل حركات ليبرالية وقومية.فما هي ظروف ظهور هذه الحركات؟وما هي مرتكزاتها؟وهل تمكنت من تحقيق أهدافها؟
عرفت أوربا ما بين حدث الثورة الفرنسية ومؤتمر فيينا انتشار الأفكار والحركات الليبرالية والقومية
1-ساهمت الثورة الفرنسية وحروب نابليون في انتشار الأفكار الليبرالية والقومية:
-ظهور الليبرالية: الليبراليةLa Libéralismeفكر ونظام ظهر في إنجلترا في أواخر القرن17،استعمل في الاقتصاد كمذهب قائم على الملكية الخاصة وحرية المنافسة وعدم تدخل الدولة في توجيه الاقتصاد،وفي السياسة ارتبط بضمان الحريات السياسية والمدنية.وتحول هذا الفكر مع الثورة الفرنسية إلى قواعد قانونية وبرنامج سياسي للبورجوازية،بإعلان بيان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1789عن الحقوق الطبيعية للإنسان وسيادة الأمة وفصل السلط،وبإعلان دستور 1791.
-ظهور القومية:قام نابليون( 1799- 1815)بغزو أوربا بهدف القضاء على النظام الفيودالي ونشر مبادئ الثورة الفرنسية،ولقي تجاوبا من طرف الشعوب الأوربية المتطلعة إلى الحرية التي رحبت بفكرة المواطنة العالمية (وهي فكرة جاءت بها الثورة الفرنسية وروج لها نابليون،وتعني عدم التقيد بالانتماء إلى وطن معين).إلا أن الأحداث اللاحقة أبانت عن نوايا نابليون التوسعية حيث اتخذ مبادئ الثورة الفرنسية قناعا إيديولوجيا لتتم السيطرة الفرنسية على أوربا،وظهر تيار يعارض فكرة المواطنة العالمية يدعو إلى تقوية الروح الوطنية شكل نواة القومية Nationalismeوهي تيار وحركة فكرية وسياسية دعت إلى تحرر شعوب وأمم تجمعها روابط اللغة والعرق والأرض والتاريخ.
2-ساهمت مقررات مؤتمر فيينا في ظهور حركات ليبرالية وقومية منظمة:
-عقد مؤتمر فيينا:عقدته الدول المنتصرة على نابليون(النمسا،إنجلترا،روسيا،بروسيا)ما بين نونبر 1814ويونيو 1815.وبرزت في المؤتمر شخصية المستشار النمساوي ميترنيخ بأفكاره المحافظة،وصدرت عن المؤتمر قرارات استهدفت إعادة تنظيم أوربا ومواجهة الأفكار التحررية والمشاعر القومية لدى الشعوب على أساس:
|التوازن الدولي:بخلق توازن بين الدول الكبرى دون مراعاة للخصوصيات وللروابط القومية التي تشكل مقومات تشكيل الأمة.
|الشرعية:بإرجاع الملوك إلى ملكهم ضدا على رغبة الشعوب.
-عقد تحالفات بين الدول المحافظة:لمواجهة الحركات التحررية والقومية،منها:
|الحلف المقدسLaSainte Alliance:عقد في26شتنبر 1815من طرف روسيا وبروسيا والنمسا.
|الحلف الرباعي:عقد في20نونبر 1815من طرف روسيا وبروسيا والنمسا وإنجلترا.
-ظهور حركات ليبرالية وقومية:تأسست جمعيات وتنظيمات سياسية وحركات طلابية،طالبت بمجموعة حقوق وحريات منها الحق في السيادة(انطلاقا من روابط لغوية أو تاريخية..)وتقرير المصير وبرز الوعي بمطابقة الدولة للأمة.
نتج عن كفاح الحركات الليبرالية والقومية تحقيق مجموعة مكتسبات:
1-عرفت أوربا ما بين 1815 و 1848 ثورات ليبرالية وقومية:
-ثورات 1815- 1830:حدثت ثورات اجتاحت مختلف أنحاء أوربا،متأثرة بالثورة الفرنسية وحروب نابليون، هدفها إلغاء مقررات مؤتمر فيينا،واصطدمت بتحالف وقمع الأنظمة المحافظة لها.
2-قادت كل من البييمونت وبروسيا عملية تحقيق الوحدة الإيطالية والألمانية:
-الوحدة الإيطالية:كانت إيطاليا مجزأة سياسيا إلى سبع ولايات(ثلاثة مستقلة:مملكة الصقيليتين،دولة البابا،دوقة توسكانيا، وأربعة تابعة للنمسا:البييمونت-سردينيا،لومبارديا-البندقية،دوقة بارما،دوقة مودينا)،وتميزت البييمونت-سردينيا بملكيتها الدستورية وتوجهها الاقتصادي الرأسمالي وتجاوب الحكم(الملك فكتور إيمانويل)مع رغبات الحركة القومية الإيطالية.
ولتحقيق الوحدة اتخذ كافور الوزير الأول للبييمونت-سردينيا قرارات منها:
|تأسيس الجمعية الوطنية سنة 1858لتحقيق الاستقلال والوحدة.
|التقرب من فرنسا لكسب مساندتها بتوقيع معاهدة بلومبيير سنة 1858مع نابليون IIIوالتنازل لها عن نيس وسافوا.
|تنظيم جيش من المتطوعين انتصر بواسطته على النمسا،وضم لومبارديا 1859وبارما ومودينا وتوسكانيا سنة 1860.
|الاستعانة بجيوش القائد غاريبالدي لضم الصقيليتين.
|وفي سنة 1861عين إيمانويل الثاني ملكا على إيطاليا الموحدة وظلت روما تحت سلطة البابا.
-الوحدة الألمانية:ظلت ألمانيا مقسمة إلى إمارات بها نظام إقطاعي،وساهم في تحقيق الوحدة عدة عوامل منها:
|قمع ثورات 1848من طرف النمسا.
|ظهور بروسيا كقوة سياسية واقتصادية.
|نمو البورجوازية الصناعية.
|بروز الوزير الأول بسمارك منذ سنة 1862الذي قاد ألمانيا نحو تحقيق الوحدة بخوض ثلاثة حروب:
•الحرب ضد الدانمارك 1864:بالمطالبة بهولشتاين وشيلزفيغ وتحقيق الانتصار بالتحالف مع النمسا مقابل هيمنتها على شيلزفيغ.
•الحرب ضد النمسا 1866:حدثت معركة سادوا وانتصرت بروسيا.
•الحرب ضد فرنسا 1870:انتهت بمعركة سيدان بانتصار بروسيا وفي قصر فرساي أعلن عن قيام الوحدة الألمانية وضم الألزاس واللورين.
خاتمة
عرفت أوربا خلال القرن التاسع عشر تنامي الحركات الليبرالية والقومية بهدف إقرار الحريات الأساسية واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها،وشهد القرن صراعا بين الأنظمة المحافظة والحركات الثورية، وتأسيس دولتين قويتين هما ألمانيا وإيطاليا.