العفة ذرة تاج العزة، وواسطة عقد الكرامة، وقيمة سامية تجعل المتحلي بها متساميا متعال عن الرضوخ لدوافع الغريزة بفعل الإرادة التي يملكها، والتي تجعله يحول تلك الغرائز والدوافع الشهوانية إلى طاقة إبداعية خلاقة، فيشغل النفس بما يفيد ولا يترك لها مجالا للذهاب بعيدا في استيهامات جنسية غير محمودة العواقب، أو يجد الفراغ للنيل من أعراض الناس بالسوء والإهانة، إكراما لها، واعترافا منه بقدسيتها، وأن إهانتها سبيل لتفكك المجتمع وانحلاله، انحلالا تضيع معه براءة الأطفال التي تنهشها ذئاب جائعة تقودها الغريزة الجنسية نحو المهالك؛ فتتولد عنده جرأة زائدة تحرم الناشئة من حقهم في عيش كريم بعيدا عن العقد النفسية والجروح الغائرة التي تصيب الكرامة؛ نتيجة طيش وانحراف في الفطرة أحدثته الحضارة المادية المعاصرة.
ناهيك عن ابتذال كرامة المرأة وإهانتها وجعلها سلعة قابلة للمزايدة في سوق النخاسة الحداثي التقدمي! حيث المرأة فضاء لتصريف الغرائز المكبوتة التي عجز أصحابها عن تهذيبها والسيطرة عليها، واختلاط الأنساب، وحدوث فوضى لا تميز بين المتسربلات بلباس الشرف والشهامة وبين السافلات ومن رضين بالحقارة...
إن التفريط في عقد العفة لدى المرأة يجعلها كيانا جامدا رخيصا محتقرا، لكن ما التزمت المرأة سلوك العفة إلا صانت نفسها وأكرمت أهلها وأعزت مجتمعها، وصارت كالذرة المكنونة والجوهرة المصونة لا تقدر يد العابثين أن تصل إليها بسوء كيفما كان.
إن للحديث عن العفة -التي تعرف وأدا مقصودا- غصة في الحلق؛ حيث يحول بينها وبين التحلي بها صوارف كثيرة منها من يصورها على أنها كبت وحبس للنفس عن التمتع بلذات الحياة المتعددة في زمن الحرية السائبة، ومنهم من يلمز العفيفين والعفيفات متهما لهم بالتشدد والغلو والتطرف، وما إلى ذلك من نعوت تشوه قيم الإسلام وفضائله.
فالحاجة اليوم إلى خلق العفة أشد وأقوى من أي وقت مضى؛ باعتبارها ترك ما لا يحل إلى ما يحل؛ وحالة مهما وقرت في النفس جعلت صاحبها يتسامى على الغرائز دون أن يكون عاجزا عن مقاومتها أو تحويلها إلى أفكار وسلوكات إيجابية. إذ يمكن القول بأن العفة هي أول الدواء لكثير من آفات المجتمع حيث تمنع الإنسان من الوقوع في كل ما يشين فتعف جوارحه وسرائره عن الولوغ في الرذائل التي يتجرأ عليها عديمو العفة.
إن أمراض المجتمع الأخلاقية على تنوعها وكثرتها لا يتسبب فيها إنسان عفيف اللسان والنظر والسمع واليد والرجل والبطن والفرج والخواطر أيضا، ولا يصاب بالأمراض الصحية التي تستنزف البلاد والعباد. ومهما كان أفراد المجتمع بهذا الشكل لم تعرف الأمراض والأوجاع والنقائص إليهم سبيلا؛ فلا الرشوة؛ ولا القمار؛ ولا الزنا؛ ولا الدعارة؛ ولا اللقطاء؛ ولا المخدرات؛ ولا التحرش؛ ولا الفقر؛ ولا الظلم؛ ولا شهادة الزور؛ ولا العري؛ والتبرج؛ ولا قطع الطرق واللصوصية.. وهلم جرا تجد مكانا لها بين أهل العفة والوقار، ولكن ما تظهر الفاحشة وتنتشر فيعتادها مرتكبوها ويتطبع معها مشاهدوها إلا حلت الكوارث المختلفة بأهل الفحش المعلن.
وخذ هذه الأبيات للإمام الشافعي ففيها أروع العظات وأبلغ العبارات:
عفُّوا تعف نساؤكم في المحرم...... وتجنبوا ما لا يليق بمســــــلم
إن الزنا دين فإن أقرضته...... كان الوفا من أهل بيتك فاعلــــــــم
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا...... سبل المودة عشت غير مكــــرم
لو كنت حرا من سلالة ماجد...... ما كنت هتاكا لحرمة مســـــــلم
من يَزْنِ يزن به ولو بجداره..... إن كنت يا هذا لبيبا فافهـــــــــم
من يزن في قوم بألفي درهم..... يزن في أهل بيته ولو بالدرهـم