قراءة في كتاب (الموازنة بين أبي تمام و البحتري) للآمدي
التعريف بمؤلف الكتاب : كتاب الموازنة ، مؤلفه هو أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي المتوفى سنة 370هـ وهذا الكتاب من أشهر كتبه النقدية وقد كان الآمدي يرى نفسه الناقد البصير الذي اجتمعت له الآلات الضرورية للنقد[تاريخ النقد الأدبي عند العرب صفحة 143بتصرف] .
منزلة الكتاب : أما منزلة كتابه فهي بلا شك (وثبة في تاريخ النقد العربي بما اجتمع له من خصائص لا بما حققه من نتائج)[ تاريخ النقد الأدبي عند العرب صفحة 145 ] وذلك لما اعتمد عليه من مقاييس محددة و موازين معينة في أحكامه و نقده .
موضوع الكتاب و منهج المؤلف فيه: و موضوع الكتاب هو الموازنة بين شاعرين هما أبا تمام و البحتري المنتسبان كلاهما إلى قبيلة طيء .
حاول الآمدي أن يكون منصفا في موازنته إذ قال في مقدمة كتابه ( فأما أنا فلست أفصح بتفضيل أحدهما على الآخر و لكنني أوازن بين قصيدتين من شعرهما إذا اتفقتا في الوزن و القافية و إعراب القافية وبين معنى و معنى ) [الموازنة صفحة 20 ] ، فهو بهذا أضاف إلى عدم التصريح بحكمه في الأفضلية بين الشاعرين أضاف أنوع الموازين التي سيستخدمها أثناء موازنته بل تعداه إلى جعل الحكم لك لكن بشرط أن تكون من أهل الدراية و كأنه يشير بعدم اهتمامه بالمخالفين له ممن هم ليسوا على شرطه في المعرفة إذ يقول : ( ثم احكم أنت حينئذ على جملة ما لكل واحد منهما إذا أحطت علما بالجيد و الرديء ) [الموازنة صفحة 20] .
والمتأمل لكتاب الآمدي في موازنته يجده قد قام على ثلاثة أركان رئيسة و هي كالتالي :
1ـ الكشف عن السرقات
2ـ القراءة الدقيقة
3 ـ الموازنة [تاريخ النقد الأدبي عند العرب صفحة 164و ما بعدها ]
و أسمى محمد مندور بعض النقاط التي تناولها الآمدي بقوله ( النقد الموضعي فتحدث عن :
أـ أخطاء أبي تمام و عيوبه و أخطاء البحتري و عيوبه .
ب ـ محاسن أبي تمام و محاسن البحتري .
ج ـ الموازنة التفصيلية بين الشاعرين بتتبع معانيهما معنى معنى ) [ انظر النقد المنهجي عند العرب صفحة 113 ] .
جولة سريعة في كتاب الموازنة : في هذا الجولة سأقوم بتقديم شرح وصفي موجز لما تناوله الآمدي في كتابه الموازنة و هي على النحو التالي :
تناول أولا احتجاج كل فرقة من أصحاب أبي تمام و البحتري في تفضيل أحدهما على الآخر وكيف قام كل فريق بإظهار محاسن شاعرهم بناء على تصورهم النقدي و ما هم مقتنعون بما انتهجه شاعرهم .
وهذان الفريقان ينطلقان من منطلقين مختلفين بالضرورة . فالكـُتـَّاب و الأعراب و الشعراء المطبوعون و أهل البلاغة العربية يؤثرون البحتري و أما أصحاب الفلسفة و المعاني العويصة و الشعراء أصحاب الصنعة (البديع) فيؤثرون أبا تمام [ الموازنة صفحة 19 بتصرف ] .
ثم دلف بعدها إلى ذكر معايب أبي تمام و من ثم معايب البحتري ، وفي ذكره لمساوئ الشاعرين قد اختط عددا من النقاط كان حديثه حولها كالسرقات وما وقعا فيه من خطأ اللفظ و المعنى و اضطراب الوزن و تخصيصه بابا لما امتاز به أبو تمام عن البحتري في استعاراته و تجنيسه و غيرها لكن بالبحث عن قبيح ما وقع فيه .
ثم جمعهما تحت عنوان و احد و هو ذكر المعاني التي اتفق فيها الشاعران و انتهى بما جعله عنوانا لكتابه و هو الموازنة بين الشاعرين في مواضيع متفرقة إلا أنه يجمعها ما كان يحوم حول الديار ووصفها و البكاء عليها و ما إلى ذلك .
ما أثاره كتاب الموازنة من رؤى نقدية:
أولا: ما أثير داخل الكتاب نفسه .
وما أثاره الآمدي في كتابه لا يكاد يخلو منه كتاب في النقد في ذلك الوقت إذ تناول قضية السرقات الشعرية و قضية الصنعة عند أبي تمام إذ كانت من القضايا الحديثة في زمنهم بذلك الموازنة كان يدور في فلك قضايا عصره لكن من خلال هذين الشاعرين .
ثانيا : ما أثاره الكتاب في الوسط النقدي :
أثار كتاب الموازنة العديد من النقاشات بين النقاد أكثر مما أثاره الآمدي ـ في نظري على أقل تقدير ـ في موازنته بين عملاقين من عمالقة الشعر في ذلك الوقت لا سيما أن كل واحد منهما يمثل تيارا مختلفا عن صاحبه .
ولعل أبرز ما أثير حول الآمدي نفسه السؤال الكبير هل كان الآمدي منصفا في موازنته بين أبي تمام و البحتري ؟؟؟ و قف النقاد في إجاباتهم بين الإيجاب و السلب فنرى فريقا يقول بأن الآمدي لم يكن منصفا ـ و أنا أميل إلى هذا القول ـ فقد مال إلى صف البحتري و كان مما قالوه أنه التزم لنفسه منهجا بعدم التفضيل بين الشاعرين إلا أن المتمعن في الكتاب يجده قد أصدر أحكاما في الأفضلية ومن ذلك قوله عند حديثه عن المعاني التي اتفق فيها الشاعران ( و أنا أذكر بإذن الله في هذا الجزء المعاني التي يتفق فيها الطائيان ؛ فأوازن بين معنى و معنى و أقول أيهما أشعر في ذلك المعنى بعينه ) [ الموازنة صفحة 304 ] ثم يعود ليكمل قوله ( فلا تطالبني أن أتعدى هذا لأفصح لك بأيهما أشعر عندي على الإطلاق ) [ الموازنة صفحة 304 ] فهو يفرق بين الحكم الجزئي و الحكم العام بينما هو واحد لأنه قيد نفسه كما مر معنا في مقدمة كتابه إذ قال (ثم احكم أنت حينئذ على جملة ما لكل واحد منهما إذا أحطت علما بالجيد و الرديء) . فما الفائدة من ترك الحكم لك إذا كان سيصدر حكما و لو جزئيا ؟!! أيضا تفضيله لعمود الشعر ( و هي نظرية وضعت خدمة للبحتري و أنصاره فأبعدت الموازنة عن لإنصاف ) [ تاريخ النقد الأدبي عند العرب صفحة 150 ] .
و بالمقابل نجد نقادا دافعوا عن الآمدي ووصفوه بأنه كان منصفا في موازنته و قد عرض لهذا الدكتور محمد مندور محاولا إثبات العكس بعدد من المعطيات يظنها كافية لرد هذه الشبهة عن الآمدي في موازنته [ للتوسع حول مل قاله انظر النقد المنهجي عند العرب صفحة 145] .
وصلى اللهم و سلم على سيدنا محمد و على آله وصحبه أجمعين
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
المراجع :1) تاريخ النقد الأدبي عند العرب نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري للدكتور إحسان عباس ، دار الشروق ، الطبعة العربية الأولى الإصدار الثالث2001م
2) الموازنة بيت أبي تمام والبحتري للآمدي تقديم إبراهيم شمس الدين ، دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 2006 م
3) النقد المنهجي عند العرب للدكتور محمد مندور ، نهضة مصر للنشر و التوزيع ، سنة 2003