نظريات التنظيمات.....مدرسة العلاقات الانسانية، نظرية العقلانية المحدودة، السوسيولوجيا الصناعية
نظريات التنظيمات
مدرسة العلاقات الانسانية، نظرية العقلانية المحدودة، السوسيولوجيا الصناعية
الاستاذ ابراهيم حمداوي باحث سوسيولوجي
لقد تميزت الثلاثينات من هذا القرن بتنقية وأنسنة الأسس العلمية والإدارية للشغل ، نظرية الكلاسكيين المصنفة ببساطتها وفشل تطبيقها لسلوك الافراد والجماعات أثارت وأظهرت تشكل الحركة السلوكية التي انتقدت بشدة ابتزاز الأجور والعقوبات المفروضة من طرف الكلاسكيين بتحديدهم لمعايير وكميات معينة في الإنتاج.
ويمكن القول أنه بالرغم من استفادة هذه المدرسة من الكلاسيكيين خاصة في أعمدة التنظيم عندها إلا أن لها إسهاماتها الجديدة في دراسة التنظيم ، إذ استفادت من العلوم السلوكية بطريقة متكاملة وبذلك برهنت على أن مبادئ المدرسة الكلاسيكية وأعمدتها التنظيمية تتأثر بأفعال وسلوك الإنسان في التنظيم بالإضافة الى اهتمامها بالتنظيم غير الرسمي (النقابة، الصداقة ، علاقات العمل ...) وأظهرت مدى تأثير هذا الأخير على البناء الرسمي لتنظيم وتمت أيضا بدور القائد غير الرسمي في التنظيم .وقد استفادت هذه المدرسة من أبحاث كل من كيرت لوين Kurt Lewin وجماعة هاوتورن Howthorne حيث كانت نظرية المجال في ذاتها أحد العوامل التي وجهت البحوث في علم النفس نحو تفسير سلوك الفرد والجماعة. أما أبحاث التون مايو E.. MAYO 1993 محاولته لمعرفة العلاقة بين الإنارة والانتاج وتوصل الى أن أنماط الصداقة هي قلب التنظيم وبالتالي دافع عن العلاقات الإنسانية كمجموعة من الوسائل التي بها يمكن أن نحث الأفراد وندفع للعمل والإنتاج في التنظيم.3
وهكذا أخذت هذه المدرسة اتجاهين في كل منهما نجد مجموعة من المفكرين:
أ- المدرسة التفاعلية الممثلة بإلتون مايو E.MAYO ودكسون DICKSONE الذين سيلي أعمالهما ماسلاو وماك كريكور وليكرت MASLAW, MC.GRICOR ET LICKERT وفي نظريتهما الفرد لا يعمل ولا ينظر إليه داخل التنظيم كشخص مستقل ومعزول ،بل كعنصر من جماعة وأنه جد حساس للعقوبات وللمكافئات لباقي عناصر جماعته 4 .
ب- مدرسة كيلوين KELWIN التي تطمح الى البرهنة السببية بين متغير مستقل ومتغير تابع : الانتاجية والعمال بوساطة متغير وسيط التحضير وإرضاء العمال .
ج- أمال جورج التون مايو 1880-1849 :
لقد اعتبر أحد مؤسسي حركة العلاقات الانسانية وسوسيولوجيا الشغل وبدأ عمله كمدرس للفلسفة وعلم النفس بادليد ADLIDE باستراليا سنة 1911 وفي سنة 1912 بالولايات المتحدة الأمريكية كباحث وأستاذ ،حيث قام باول دراسة حول التعب ثم في هارفر من 1926 الى 1947 حيث استمر بحثه الميداني الشهير من 1927 الى 1933 بهاوتورن وسترن اليكتريك (W.E.C ) بشيكاكو .
هدف هذه الدراسة هو أخذ الانسان بعين الاعتبار ذاخل المقاولة وبمشاهدة او ملاحظة اختلاف الانتاجية التي يعرفها هذا المصنع حيث يخيم التنظيم التايلوري .
البحث انصب على نتائج الشروط الفيزيائية للشغل لدى العمال : الحرارة الانارة،مواضع العمل ... التجربة الاولى أقيمت على مجموعتين مختلفتين:إحداهما وضعت تحت إنارة ثابتة والأخرى تحت إنارة قصوى وتنخفض تدريجيا حتى وصلت الى حالتها الدنيا . معجلات الانتاجية تبدو مختلفة . المجموعة التي وضعت تحت إنارة قصوى ترتفع إنتاجيتها بارتفاع الإنارة . ولوحظ ان الإنتاجية ارتفعت واستمرت في الارتفاع بالرغم من تخفيض الإنارة ،التغييرات مست وقت العمل والشروط العملية . بعد ذلك كل تغيير يؤدي الى ارتفاع المردودية رغم الرجوع الى الحالة الاصلية ،بقي مستوى الانتاجية هو نفسه أي مرتفعا .
إلتون مايو استخلص في نهاية هذه التجربة بأن التغيرات نفسها لا يمكن ان تفسر شيئا . ارتفاع الانتاجية وجد نفسيره في علاقات الثقة مع الادارة والممثلين داخل الجماعة . الرضى في العمل يأتي اساسا من الشكل الاجتماعي للجماعة ومن هذا فالشروط الفيزيائية للعمل تأتي في الدرجة الثانية 1 .
ويمكن في الاخير ان نستنتج أهمية الظواهر الاجتماعية ضد النظرة التقنوية واللاشخصية في التنظيم ، وهناك ثلاث استنتاجات كبرى من طرف مجموعة إلتون مايو:
*السلوكات ليست سوى نتيجة الاجر أو الشروط الموضوعية للعمل (الانارة،وقت الراحة في التصور التيلوري إن تغييرا ايجابيا او سلبيا للمنشطات او المحفزات " شروط العمل" الانارة مثلا يسبب أو يحدث تغييرا في السلوك في نفس الاتجاه . إذ أن السلوكات الملاحظة لا تتبع دائما نفس الشكل ، بل إنها تخضع لمنطق معقد : فالذي يؤثر في السلوكات ليس فقط المنشط الحقيقي بل دلالة أو معنى هذا المنشط وهذه المعاني أو الدلالات والرؤى مرتبطة بمعايير و أجواء العلاقات داخل الجماعة.
* الاتجاهات الانسانية يعبر عنها في علاقات وجماعات غير مهيكلة التي تنشأ من خلال وحول العمل وتظهر كسلوكات أو نماذج من العلاقات الخارجية كليا العقلانية بالنسبة للمهمة التي يجب إنجازها ( تركيب الهواتف في الحلة المدروسة فنوعا من المنطق السلوكي سيختلط بمنطق التنظيم يجب اعتباره أيضا مهما بالنسبة للانتاجية وتحديد نماذج إجرائية أو توسيع الأدوات .
* هذا المنطق العاطفي إدن مهم ، البيعلاقات الناشئة تنتهي بميلاد أو بداية حياة حقيقية للجماعة مع ses clivages واتفاقياتها وهيمنتها ، وارتباطاتها ومعارضيها في الخارج، والاندماج مع هذه الجماعات غير المهيكلة هو الذي يؤثر أخلاقيا وإنتاجيا وبكل واقعية فالتدبير في هذا العصر استفاذ من هذه الاستنتاجات : تيار العلاقات الانسانية استخدم سلسلة من الأنشطة التكوينية ، ومن الأفعال داخل التنظيمات للتأثير على العلاقات غير المهيكلة وليس فقط على الاجراءات العقلانية لمعالجة المشاكل الإنسانية.
والشيء الإيجابي في هذا التيار هو توجيه تطبيقات وعادات التكوين والتدبير الشفوي نحو تعقد الحاجات والوضعيات التواصلية( ).
السوسيولوجيا الصناعية KURT. LEWIN. (1980-1974)
هذا العلم سيعرف أوجه في الستينات حيث طور KELWIN نظرية الشخصية والتحفيزات، ومقارنة هذا الأخير فقال عنها بنيوية وتقابل البنية بالمنطق إذ انطلاقا من البنية يمكن دراسة داخل المقاولة: حرمان أو رضى المنفدين وظهور وانتشار الضجيح أو الضجة ابن KEWIN يجب إرجاع الفضل في ظهور دينامية الجماعة لأول مرة سنة 1944 وبموازاة في قلة عدة دراسات تجريبية:
-سيرورة التذكر، سيرورة الإشباع في العمل، سيرورة الحرمان والتراجع في العمل.
-مستوى طموح العمال، السلطة والتأثير الاجتماعي.
هذه الدراسة الأخيرة هي الأكثر شهرة لكلفين والي من خلالها استنتج أن طريقة التحكم تؤثر مباشرة على إنتاجية العمال. وهنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بأن LEWIN يشتغل على جماعة صغيرة عكس التون مايو الدي يشتغل على جماعة كبيرة ويجب التدقيق أيضا على أن الاختلافات الأساسية التي تميز فكرة السلوك الإنساني لدى المدارس الكلاسيكية تقوم على الأسس التالية :
-لامركزية القرارات
-الدراسة أقيمت على جماعات وليس على أفراد
-قوة الاندماج أو الإدماج تقوم على الثقة قبل السلطة.
-المشرف هو رجل تواصل بين ووسط الجماعات قبل أن يكون ممثل سلطة.
-الإشارة تقوم على المسؤولية وليس على المراقبة الخارجية( ).
هذه المدرسة تمثل من طرف HERBERT ALEXANDER SIMON
RICHARD MCYERT et JAMES G. MARCH
بعد ذلك إنه لبارنار CHESTER BARNARD في كتابه The fonctions of the executif الذي نشر سنة 1938 يجب إرجاع تأسيس تصور التنظيم الذي يحتل فيه اتخاذ القرار مكانة هامة.
فقرر هي إرادة فعل، إنه عنصر وسيط بين الفكر والفعل ولخطة المرور إلى الفعل الحقيقي في حين أن المقرر يعني الفرد ماديا أو أخلاقيا الذي له القدرة على القرار. أما القرار فهو السيرورة التي من خلالها نصل إلى اختيار ما نفرض أنه واضح وثابث ونحفز من أجل الوصول إلى هدف.
بالنظر إلى النماذج التنظيمية لاتخاذ القرار فالتنظيم يتكون من وحدات متعددة وخاصة تتحكم في رؤيته وتقود سلوكه هذه الوحدات تكون تحت إشراف إدارة وينظر إليها مجتمعة أو مشتركة بإدارة الأهداف، وتعالج أهدافها كإكراهات لطلبات الإدارة التي يجب أن تنجز ولكن دون أن تتخلى عن أهدافها الخاصة. هذه المقاربة للتحليل التنظيمي لاتخاذ القرار يعتبرها سيمون وسيلة للتوفيق بين العواطف التي أعطتها مدرسة العلاقات الإنسانية كل الاهتمام ونمط العقلانية المقدم من طرف الإدارة العلمية والإدارة العلمية والإدارة العامة للعمل. في حين أن CYERT وMARCH كامتداد لفكرة سيمون اعتبرا أن المقاولة الصناعية أو التنظيم كمجموعات أو تحالفات وأن الأهداف المختارة من طرف هذه الأخيرة هي نتاج تفاوض معقد بين هذه المجموعات قبل أن يكون نتاج سيرورة اختيار عاطفي أو عقلاني، وعلى هذا الأساس يجب التمييز بين نظريتين: نظرية العقلانية المحدودة و النظرية السلوكية للمقاولة( ).
نظرية العقلانية المحدودة: A.SIMON و HERBERT.
مشاركة A.SIMON في نظرية اتخاذ القرار توجت بجائزة نوبل سنة 1978 نقطة انطلاق سيمون هي إثباثه لفكرة أنه إذا أردنا تهيئ نظرية واقعية في التدبير مسألة القرار يجب أن نتركها جانبا نمط العقلانية اللامحدودة وتعويضه بالعقلانية المحدودة والموزعة بين أفراد التنظيم العقلانية محدودة مادام الأفراد لهم معارف وأهليات هي نفسها محدودة وأن لهم قيم شخصية تجعلهم يبحثون عن اتجاهات معينة دون غيرها، والعقلانية موزعة لأنها ليست فقط في ملك المقاول والمدير أو الموجه للمقاولة ولن توجه اختيار أفراد التنظيم كيفما كان المستوى الذي يوجدون فيه، وقد اهتم سيمون أيضا بالسلوك البسيكولوجي للمقرر الفردي الذي اعتبره رهينا بعقلانية محدودة وموجه من طرف المحيط البسيكولوجي.
وبما أن العقلانية محدودة وتتغير حسب أفراد التنظيم فيستحيل الوصول إلى حد أقصى من اتخاذ القرار كما تدعي المدرسة الكلاسيكية( ).
وعلى مستوى التنظيم أن يلاحظ هذا الأخير ببذل مجهودا لإدماج السلوكات الفردية وذلك بتحديده للمحيط السيكولوجي لأفراد التنظيم ومقابل ذلك يجب على الأفراد أن يقبلوا المشاركة في حياة التنظيم والخضوع لتأثيرها يعملون كمقررين.
-الإنسان عقلاني ولكن عقلانيته محدودة لأنه تنقصه معارف وأهليات وهي نفسها محدودة لكونه لا يتذكر إلا بعض الاختيارات السابقة جزئيا ويصعب عليه التنبؤ بالأحداث المقبلة، فلمواجهة مشكل ما فالمقرر لا يبحث عن محل مناسب بل يرجع للبحث عن الحل السابق الذي يبدو مرضيا، هذا الحل سيكون جديدا إذا لم تكن الحلول السابقة ملائمة.
-الإنسان له اتجاهات موجهة ومحدودة بمحيطه البسيكولوجي ومكونات السيرورات البسيكولوجية لاتخاذ القرار هي:
التعلم: الكائن الإنساني يلاحظ نتائج أفعاله ويصححها للوصول إلى غاياته التكيف والملائمة.
الذاكرة: تمكن من الاستجابة لمؤثرات سابقة.
المثيرات: توجه الانتباه في اتجاه معين.
محددات المحيط البسيكولوجي: يتعلق الأمر بفهم طبيعة المؤثرات التي تحرك السيرورات التقريرية.
-التنظيم يحدد المحيط السيكولوجي لأفراده، ويحتوي على مثيرات واتجاهات توجه سلوك أفراده، ويؤثر فيهم بأشكال مختلفة: بتقسيم العمل، بالإجراءات بالسلطة، بالتواصل بالهوية (الأمانة والصدق والإخلاص…).
فالتنظيم بعبارة أخرى يكون أفراده متأثرين بالمعايير التي يريد التنظيم تطبيقها فالفرد إذا أراد المشاركة في التنظيم فعليه الارتباط به والإخلاص له واتخاذ قراره في انسجام مع أهداف التنظيم.
-الأفراد يقبلون بأن يصبحوا من عناصر التنظيم، يشاركونه ويخضعون لتأثيره إذا كان هذا الأخير يشاركهم مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في إشباع رغباتهم وأهدافهم الخاصة. (القانون الاجتماعي)..
في إطار نظرية سيمون فالقرار يبدو تنظيما وثنائي التحديد:
من جهة الفرد يرى عقلانيته محدودة ومتأثرة بالتنظيم ومن جهة أخرى القرار يندرج في سياق تنظيمي حيث القرارات مستقلة : (هرمية القرارات، قرارات حالية هي نتيجة لقرارات سابقة ويحد من آفاق القرارات المستقبلية.
باختصار إنه بحكم محدودية العقلانية الإنسانية فإن سيرورة اتخاذ القرار عند سيمون يمكن حصرها في ثلاث عناصر:
1-اكتشاف القرارات فالقرار نشاط ذهني.
2-بناء وتحليل الأحداث المحدثة أو الجديدة الناتجة عن عملية ما: نشاط فالتصورات والرؤية أو النموذج.
3- انتقاء نشاط أو فعل أو عملية من بين العمليات الممكنة: نشاط الاختيار( )
3 مصطفى أحمد تركي : " الشخصية ونظرية التنظيم" مجلة العلوم الاجتماعية عدد 4 مجلد 12 شتاء 1984 جامعة الكويت .
4 H.AMBLARD .N-B ABRAMOVICI: MANAGEMENT DES RESSOURSES HUMAINES ED EYROLES PERIODE 1990 P 115.
sur les organisation « sciences humaines -hors série n° 20 Mars 1988 pp 6-7 réflexion INTRODUCTION « un siecle 1
- H. Amblard op cit.p 115.
- H.ALBKARD. OP. Cit. P116.
- CYERT .R.M et MARCH. J.G « l"élaboration, des décisions dans les entreprises américaines » Analyse et prévisions T.II 1960 p 36.عن محمد علي محمد مرجع سابق ص 177.
-RENAND SAINSAULIEN « la construction des idées au travail » Sciences humaines hors-série N° 20 1998 pp 40-44.
- محمد علي محمد: علم الاجتماع التنظيم، ص ص: 153-170.