مقالة فلسفية: دافع عن الأطروحة القائلة أن أصل الرياضيات تجريبي ( حسي )
نص المقال: (( إن المفاهيم الرياضية أصلها تجريبي )) دافع عن هذه الأطروحة.
الطريقة : استقصاء بالوضع
طرح المشكلة:تختلف الرياضيات عن العلوم الحسية، في كونها تستمد موضوعها من التصورات الذهنية لقضايا مجردة تتعلق بالمقادير الكمية، في حين أن العلوم الأخرى تقوم على وصف الأشياء الواقعية الحسية الموجودة فعلا، وهذا يجعل الرياضيات لا تبحث في موضوعاتها من حيث هي معطيات حسية، بل من حيث هي رموز مجردة مجالها التصور العقلي البحت، فإذا كان مجال البحث الرياضي هو المفاهيم أو المعاني أو الرموز الرياضية، فالتساؤل المطروح: كيف يمكن الدفاع عن الأطروحة القائلة أن المعاني الرياضية أصلها التجربة الحسية وماهي الأدلة والحجج التي تؤكد ذلك ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الأطروحة: يذهب أنصار الاتجاه الحسي أو التجريبي إلى أن التفكير الرياضي كان مرتبطا بالواقع، فقد ذهب الفيلسوف" جون لوك " إلى أن التجربة هي المصدر اليقيني لكل أفكارنا ومعارفنا، وأنها هي التي تخط سطورها على العقل الذي هو شبيه بالصفحة البيضاء. كما ذهب الفيلسوف " دافيد هيوم " إلى أن من يولد فاقدا لحاسة لا يمكنه أن يعرف ما يترتب على انطباعات تلك الحاسة المفقودة من أفكار، فالانطباعات المباشرة التي تأتينا من العالم الخارجي هي بمثابة نوافذ للأفكار ومعطيات للعقل. أما الفيلسوف " جون استوارث مل " يرى أن المعاني الرياضية هي مجرد نسخ جزئية للأشياء المعطاة في التجربة، حيث يقول : " إن النقط والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد في ذهنه هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفها في التجربة ".
تدعيم الأطروحة بحجج شخصية: إن تاريخ العلوم يبين ويؤكد على أن الرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا قطعت مرحلة كلها تجريبية، ويشهد على ذلك أن العلوم الرياضية المادية هي التي تطورت قبل غيرها، فالهندسة كفن قائم بذاته سبقت الحساب والجبر لأنها أقرب إلى التجربة، ولهذا كانت المعرفة الهندسية في بداية التاريخ ترتد إلى بعض الاعتبارات التجريبية، وكان مزاولوها يجهلون الطرق العقلية للبرهنة على القضايا الهندسية، وعلى سبيل المثال نذكر قدماء المصريين الذين أنشأوا الهندسة من أجل تقدير مساحات الحقول بعد انقطاع مياه النيل وانسحابها منها، فكانوا يرسمون الأشكال الهندسية لأراضيهم من أجل أن يتفادوا كل نزاع أو شبهة. كما أن المفاهيم الرياضية بالنسبة لعقلية الطفل والرجل البدائي لا تفارق مجال الإدراك الحسي وكأنها صفة ملابسة للشيء المدرك.
نقد خصوم الأطروحة: يرى المذهب العقلي أن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا، وبالتالي فهي مستقلة عن التجربة، فالمكان الهندسي والخط المستقيم ومفاهيم العدد واللانهائي وغيرها كلها معان رياضية عقلية مجردة. لكن الرياضيات بمفاهيمها المختلفة وبكل ما تتمتع به من تجريد، إلا أنها ليست مستقلة عن المعطيات الحسية، فتاريخ العلوم يؤكد على أن الرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا قطعت مرحلة كلها تجريبية، فالهندسة كفن قائم بذاته سبقت الحساب والجبر لأنها أقرب إلى التجربة.
حل المشكلة: في الأخير يمكن أن نؤكد أن الرياضيات بمفاهيمها المختلفة وبكل ما تتمتع به من تجريد ليست مستقلة عن المعطيات الحسية، فالدراسات المتتبعة للفكر الرياضي تكشف جوانبه التطبيقية، حيث أن الواقع الحسي كان منطلق التفكير الرياضي، فلم يدرك العقل مفاهيم الرياضيات في الأصل إلا ملتبسة بلواحقها المادية.