مدار الأمر كله على العقل فإنه إذا تم العقل لم يعمل صاحبه إلا على أقوى دليل و ثمرة العقل فهم الخطاب و تلمح المقصود من الأمر
و من فهم المقصود و عمل على الدليل كان كالباني على أساس وثيق
و إني رأيت كثيرا من الناس لا يعملون على دليل بل كيف اتفق و ربما كان دليلهم العادات و هذا أقبح شيء يكون
ثم رأيت خلقا كثيرا لا يتبعون الدليل بطريق إثباته كاليهود و النصارى فإنهم يقلدون الآباء و لا ينظرون فيما جاء من الشرائع هل صحيح أم لا و كذلك يثبتون الإله و لا يعرفون ما يجوز عليه مما لا يجوز فينسبون إليه الولد و يمنعون جواز تغييره ما شرع
و هؤلاء لم ينظروا حق النظر لا في إثبات الصانع و ما يجوز عليه و لا الدليل على صحة النبوات فتقع أعمالهم ضائعة كالباني على رمل
و من هذا القبيل في المعنى قوم يتعبدون و يتزهدون و ينصبون أبدانهم في العلم بأحاديث باطلة و لا يسألون عنها من يعلم
و من الناس من يثبت الدليل و لا يفهم المقصود الذي دل عليه الدليل
و من هذا الجنس قوم سمعوا ذم الدنيا فتزهدوا و ما فهموا المقصود فظنوا أن الدنيا تذم لذاتها و أن النفس تجب عداوتها فحملوا على أنفسهم فوق ما يطاق و عذبوها بكل نوع و منعوها حظوظها جاهلين بقوله صلى الله عليه و سلم [ إن لنفسك عليك حقا ]