السلوك أو التصرف هو المرآة التي تنعكس عليها ثقافة الفرد وتربيته البيتية والبيئية ،وكلما زاد الفرد ثقافة ، كلما زاد سلوكه إتزانا ً وكياسة وتهذيبا ً ، وبالعكس كلما كان جاهلاًازدادت منغصاته وإقلاقه لراحة الآخرين ، في الشوارع والحافلات والأسواق والمكتبات والمقاهي والمطاعم ... ، وعلى الفرد الإدراك إن المحلات العامة ليست ملكا ً فردياً ، فلا يحق له إستغلالها ، فهي مشاعة لعامة الناس ، فالحرية الشخصية مكفولة شريطة عدم تأثيرها على راحة الآخرين بأي شكل من الأشكال ، وهنا يأتي دور الحرية المسؤولة ، والتي تراعي مشاعر الأخرين وراحتهم ، فالأصوات العالية والزعيق الذي يطلقه الجهلة في المحلات العامة تزعج الناس وتقلقهم وتثير إستنكارهم وإشمئزازهم وإستهجانهم ، ولكن قلة الثقافة والإدراك ، تجعل التافهين غير مكترثين بالآخرين ، ويقول علم النفس ، الشعور بالنقص لعدم إمتلاك ناصية العلم والثقافة ، فيبرز الجاهل كوامنه لا إراديا ً بهذا السلوك المستهجن والمنفّر للآخرين ، فتراه يلفظ أقوالا ً نابية تخدش الحياء أحيانا ً .
إن نوعية السلوكيات تقاس بمدى ثقافة الشعوب كما أسلفنا ، فالمجتمعات الراقية ترى الغالبية تصرفها حضاري يتّصف بالتهذيب والكياسة والإتزان والدبلوماسية ، فترى الناس تتحدّث بهدوء لافت حتى تكاد لا تسمع أصواتها ، فالكل في راحة وإستجمام ، يستمتع بوقته ـ كتناول القهوة أو قراءة الصحف ، وبالعكس فالمجتمعات المتخلفة ، ترى الإستهتار والمنغصات في معظم المحلات العامة ، وحتى في المناظرات التلفزيونية والنقل المباشر ( الإتجاه المعاكس نموذجا ً ) ، ترى المهاترات واحياناً الإشتباك بالأيدي والضرب بما موجود في اليد ، بعد أن يعجز اللسان في مجارات المناقشة الهادئة ، ودعم القول بالحجة فيلجأ إلى الأسلوب الحيواني المتخلف لتغطية العجز الداخلي ، والأنكى ، يضع حرف الدال قبل إسمه أحيانا ً ،للدلالة على حصوله على شهادة الدكتوراه في علم من العلوم ... فالتحصيل الأكاديمي ليس مقياسا للثقافة كما هو معروف .
ولسوء الحظ ، عند هجرة الفرد من المجتمعات المتخلفة ، ينقل معه سلبياته ، ويحاول تجسيدها في المجتمعات الجديدة ، قبدل تبديل سلوكه الشائن ، وكسب السلوك المقبول ، ترى أقواله منفّرة وأفكاره ضحلة ، ويناقش في كل الأمور ، ويستميت في المناقشة ويريد الإنتصار ، ولا يقبل بإنصاف الحلول ، فكل أقواله صحيحة وبديهيات ، ولا محل لإراء الآخرين في مخيلته المريضة ، فيجعل من نفسه أضحوكة .
وخلاصة القول : إن الإنسان المثقف الحاذق يميز بين الصالح والطالح ، ويعلم يقيناً ما يفرح الآخرين ويحفظ لهم راحتهم وطمآنينهم ، فيبقى نموذجاً تنظر له الجموع بمحبة وإحترام وتقدير ، فيبقى مناراً للسلوك المهذّب الراقي ، التي يعكس صورة مشرّفة عن نفسه ، فتكن له البقية جلّ إحترامهم وتقديرهم ، فهل نفعل ما يرفع من شأننا وتقديرنا في نظر الآخرين ، هذا ما نتمناه لكل فرد عموما ً.