نص السؤال:هل الشعوربالأنا يتوقف على الغير ؟
الإجابةالنموذجية:الطريقة الجدلية
01 مقدمة: طرح المشكلة
من المشاكل النفسية التي ظلت تؤرقالإنسان هي محاولة التعرف على الذات في مختلف الصفات التي تخصها ؛ بحيث اتجه محورالاهتمام إلى تشكيل بنية الأنا عبر الغير الذي بإمكانه مساعدته إلا أن ذلك لم يكنفي حال من الاتفاق بين الفلاسفة الذين انقسموا إلى نزعتين الأولى تعتقد أن مشاركةالأخر أي الغير أضحت أمرا ضروريا والنزعة الثانية تؤكد على وجوب أن يتشكل الأنابمفرده عبر الشعور وأمام هذا الاختلاف في الطرح نقف عند المشكلة التالية : هلالشعور بالأنا يتوقف على الغير ؟ وبعبارة أوضح وأحسن هل الشعور بالأنا مرتبط بالأخرأم انه لا يتعدى الشخص؟
02 التحليل ومحاولةحل المشكلة
أ -الأطروحة:الشعوربالأنا مرتبط بالغير يرى أنصار الأطروحة أن الشعور بالأنا يرتبط بالغير فلا وجودلفردية متميزة بل هناك شعور جماعي موحد ويقتضي ذلك وجود الأخر والوعي به.
البرهنة:يقدم أنصار الأطروحة مجموعة منالبراهين تقوية لموقفهم الداعي إلى القول بان الشعور بالأنا يكون بالغير هو انه لامجال للحديث عن الأنا خارج الأخر
الذي يقبل الأناعبر التناقض والمغايرة ومن هنا يتكون شعور أساسه الأخر عبر ما يسميه ديكارت بالعقلالذي بواسطته نستطيع التأليف بين دوافع الذات وطريقة تحديد كيفيات الأشياء والأشخاصوفي هذا السياق يعتقد الفيلسوف الألماني “هيغل ” أن وجود الغير ضروري لوجود الوعيبالذات فعندما أناقض غيري أتعرف على أناي وهذا عن طريق الاتصال به وهنا يحصل وعيالذات وذات الغير في إطار من المخاطرة والصراع ومن هنا تتضح الصورة وهي أن الشعوربالأنا يقوم مقابله شعور بالغير كما انه لابد للانا أن يعي الأخر إلا أن الأخر ليسخصما ولا يتحول إلى شيء لابد من تدميره كما يعتقد البعض بل إلى مجال ضروري الاهتداءإليه لبناء ذات قوية فقد تختلف الذوات وتتنوع رؤى فكرية كثيرة ولكن لا يفسد ذلك وداجماعيا وحتى وان استنطق الإنسان في نفسه غرائز الموت والتدمير الطبيعية فان مفهومالصراع يناسب مملكة الحيوانات ومنطق قانون الغاب وهذا الأمر لا ينطبق على من خلقوامن اجل التعارف وليس بعيدا عن الصواب القول بان وعي الذات لا يصبح قابلا للمعرفةإلا بفعل وجود الأخر والتواصل معه في جو من التنافس والبروز ومن هنا يمكن التواصلمع الغير ولقد كتب المفكر المغربي محمد عزيز لحبابي ” إن معرفة الذات تكمن في أنيرضى الشخص بذاته كما هو ضمن هذه العلاقة : “الأنا جزء من النحن في العالم“
وبالتالي فالمغايرة تولد التقارب والتفاهم ويقولتعالى : ” ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل علىالعالمين.
وهكذا فالشعور بالأخر تسمح لنا بالمتوقعداخل شخصية الأخر والاتصال الحقيقي بالأخر كما يرى ماكس شيلر يتمثل في التعاطف ومنهلا غنى للانا عن الغير.
نقد الأطروحة:يمكن الرد على هذه الأطروحة بالانتقادات التالية
إنالشعور بالأنا يتأسس على الغير لكن الواقع يؤكد بأنه قد يكون عائقا وليس محفزالتكون ذات قوية فكل” أنا” يعيش مجالا خاصا وفي ذلك رغبة فردية وشخصية.
ب – نقيض الأطروحة:”الشعور بالأناشخصي
يرى أنصار الأطروحة أن الأنا يعيش مع ذاتهويحيا مشاريعه بنفسه وبطريقة حرة أي كفرد حر وهذا الامتلاك يكون بمقدوره التعامل معالواقع بشكل منسجم.
البرهنة:يقدم أنصارهذا النقيض جملة من البراهين في تأكيدهم على الشعور بالأنا على انه شخصي ولا مجاللتدخل الغير الذي يعتبره أنصار النقيض بأنه عقبة لا بد من تجاوزها ؛
ومن هذا المنطلق يؤكد الفيلسوف الفرنسي ماي دوبيرانعلى أن الشعور بالواقع ذاتي وكتب يقول : ” قبل أي شعور بالشيء فلابد من أن الذاتوجود ” ومن مقولة الفيلسوف يتبين أن الوعي والشك والتأمل عوامل أساسية في التعاملمع الذات ووعيها ولقد كان سارتر اصدق تعبيرا عندما قال ” الشعور هو دائما شعور بشيء
ولا يمكنه إلا أن يكون واعيا لذاته ” ومن هنا يتقدمالشعور كأساس للتعرف على الذات كقلعة داخلية حيث يعيش الأنا داخل عالم شبيه بخشبةالمسرح وتعي الذات ذاتها
عن طري ما يعرف بالاستبطانفالشعور مؤسس للانا والذات الواعية بدورها تعرف أنها موجودة عن طريق الحدس ويسمحلها ذلك بتمثيل ذاتها عقليا ويكون الحذر من وقوف الآخرين وراء الأخطاء التي نقعفيها ولقد تساءل” أفلاطون“
قديما حول هذه الحقيقة فيأسطورة الكهف المعروفة أن ما يقدمه لنا وعينا ما هو إلا ظلال وخلفها نختبئ حقيقتناكموجودات ” كما يحذر سبينوزا من الوهم الذي يغالط الشعور الذي لابد أن يكون واضحاخاصة على مستوى سلطان الرغبات والشهوات ومن هنا فقد الجحيم هم الآخرون على حد تعبيرأنصار النقيض فيريد الأنا فرض وجوده وإثباته
ويدعو فرويد إلى التحرر الشخصي من إكراهات المجتمع للتعرف على قدرة الأنا في إتباع رغباتهرغم أنها لا شعورية وهكذا فألانا لا يكون أنا إلا إذا كان حاضرا إزاء ذاته أي ذاتعارفة.
نقد نقيض الأطروحة:إن هذا النقيضينطلق من تصور يؤكد دور الأنا في تأسيس ذاته ولكن من زاوية أخرى نلاحظه قاصرا فيإدراكها والتعرف عليها فليس في مقدور الأنا التحكم في ذاته وتسييرها في جميعالأحوال ففي ذلك قصور.
التركيب:من خلاللعرض الأطروحتين يتبين أن الأنا تكوين من الأخر كما انه شخصي هذا التأليف يؤكد عليهالفيلسوف الفرنسي غابريال مارسيل عن طريق التواصل أي رسم دائرة الانفراد دون العزلةعن الغير أي تشكيل للانا جماعي وفردي أي تنظيم ثنائي يكون ذات شاعرة ومفكرة في نفسالوقت.
03 خاتمة وحل المشكلة
يمكن القول في الختام أن الشعور بالأنا يكونجماعيا عبر الأخر كما انه يرتبط بالأنا انفراديا ومهما يكن فالتواصل الحقيقي بينالأنا والأخر يكون عن طريق الإعجاب بالذات والعمل على تقويتها بإنتاج مشترك معالغير الذي يمنحها التحفيز والتواصل الأصيل وتجاوز المآسي والكوارث . داخل مجال منالاحترام والتقدير والمحبة.