دراسات منهجيه في النقد الأدبي وتحولاته
تعدد ت التعريفات لمفهوم النقد الادبي لدى الكثيرين من المهتمين بهذا الفن او بالاحرى بهذا العلم ان جاز هذا التعبير للبعض او رفضه لكونه ادبا لايمت للاديوليجيات العلميه بصله ونحن هنا لسنا بصدد كشف الى من ينتمي او يندرج هذا الفن بقدر مانهتم بدراسة الالية الصحيحه للنقد الادبي بذاته لا باسمائه وايضا لايمنع هذا الاختلاف بانتساب هذا الفن ان نضع تعريفا واضحا قبل البدء بدراسة واستعراض الالية النقديه له فالتعريف الذي توصلت اليه ينطوي تحته الكثير من التعريفات الاخرى بشكل او باخر وانا اعتبره هنا ( أي التعريف التالي ) هو الشامل بشكل واضح وجلي لمفاهيم النقد الادبي واشكاله فالنقد الادبي هو ( فن تفسير الاعمال الادبية وهو محاوله منضبطه يشترك فيها ذوق الناقد وفكره للكشف عن مواطن الجمال او القبح في الاعمال الادبية " شعر ، قصه ، روايه .....الخ ) ونجد بحكم التدرج في الظهور ان النقد الادبي هو وليد للادب بذاته وهو معرفة الاعمال الادبية وتقديمها والنقد الادبى يأتى تاليا للخلق الفنى وقد يصاحب الخلق نشاط نقدى عند الاديب فيقوم بالتغيير او بالحذف او بالاضافة او بغير ذلك
فلولا سابقة الادب ونتاجاته لما ظهر النقد الادبي بشتى اطيافه لان القواعد النقديه مستوحاه ومستقاه من الادب نفسه فالناقد الادبي عادة ما ينصهر في بوتقة واحده مع النص الادبي سواء كان شعرا او نثرا ليخرج لنا مزايا وعيوب النص الادبي محاولا اقناعنا بجماله او حتى بقبحه فالاليه النقديه لدى الدارس للمادة الادبيه ليست قاطعه ورأية ليس ثابتا لان النسبيه في عامل الذوق لابد لها من يد في قراءة العمل الادبي لذلك نستطيع ان نقول ان النقد الادبي فناً يراعي بالدرجة الاولى الذوقيه على حساب الثوابت الادبية .
لان الناقد بنفسه وبمنهجيته التي يتبعها في تقطيع وتشريح العمل الادبي لايستطيع ان ياتي ببراهين علميه او حتى نظريات ادبيه تمكنه من ان يعطي رايا قاطعا بجمال او قبح هذا العمل هو اقصى ما يستطيع الوصول اليه واعني هنا الناقد الادبي الايحاء لنا بان هذا العمل يكتنز بذاته الجمال او ان يقول ان هذا العمل متواضع الشكل والمضمون والذوق هو المرجع الأول في الحكم على الأدب والفنون لأنه أقرب الموازين والمقاييس الى طبيعتها،ولكن الذوق الجدير بالاعتبار هو الذوق المصقول لذوق الناقد الذي يستطيع أن يكبح جماح هواه الخاص الذي قد يجافي في الصواب ،الخبير بالأدب الذي راضه ومارسه،وتخصص في فهمه ودرس أساليب الأدباء ومنح القدرة على فهم أسرارهم والنفوذ الى دخائلهم وادراك مشاعرهم وسبر عواطفهم،بفهمه العميق وحسه المرهف وكثرة تجاربه الأدبيةلذلك لابد أن يتمتع الناقدبعدة صفات منهاالبصيره الواعيه والمخزون الثقافي العالي والذوق المرهف الواعي .
الية النقد الادبي في العصر الجاهلي :
في العصر الجاهلي كان الشعراء والخطباء وغيرهم يسايرون العملية الفنية للخلق الادبي ويخرجون منها مالا يتفق وذائقتهم ويطورون الادوات الشعريه في نصوصهم فالنقد الذاتي لديهم كان عمليه مستمره لاتنقطع وقد تاخذ اياما او شهورا او حتى حولا كاملا كما فعل زهير في بعض قصائده والتي سميت بالحوليات ثم تحول النقد من ذاتيته الى افق اوسع جعلت من بعض الشعراء ذوي الذائقه الشعريه العاليه ينقدون نصوص غيرهم وكان من بين من اشتهروا بتلك الذائقه الخنساء والنابغة الذبياني وكان للنابغة قبة فى سوق عكاظ يقصدها الشعراء فيسمعونه اشعارهم ويسمعون حكمه عليها
وقد انشده حسان بن ثابت :
لنا الجفنات الغر يلمعن فى الضحى
واسيافنا يقطرن من نجدة دما
فقال النابغة : اقللت جفانك واسيافك يقصد ان جمع المؤنث السالم (الجفنات) وجمع التكسير (اسياف) يدل على القلة فى العدد وهو لايناسب مقام الفخر
النقد الادبى فى صدر الاسلام وعصر بنى امية :
جرى النقد بالصورة التى كان عليها ايام الجاهلية
فى العصر العباسى ظهر النقد المنهجى بظهور محمد بن سلام الجمحى وكتابه (طبقات فحول الشعراء) وقد قسم الشعراء الى طبقات راعى فيها :
الزمان : فالشعراء طبقتان طبقة من عاشوا قبل الاسلام وطبقة من اتوا بعده وقسم كل طبقة على اساس كثرة الشعر
المكان : واخضع له طبقة من الشعراء وسماها شعراء القرى كمكة والمدينة واليمامة وجعل المكان اساسا للمفاضلة فحسان بن ثابت اشعر اهل المدينة وعبد الله بن الزبعرى اشعر شعراء مكة
الغرض الشعرى : وقد تحدث بن سلام عن شعراء الرثاء كالخنساء ومتمم بن نويرة
اما ابن قتيبة فقد اعلن ان الحكم النقدى ينبغى ان يخضع للموضوعية التى تقوم على جودة الشعر او عدم جودته من الناحية الفنية فليس للمكان ولا للمكان اى اعتبار فى المفاضلة
منهجية تحليل النصوص :
يطالعنا هنا اسمان لابد ان نمر عليهما قسرا خاصة عندما نتكلم عن المنهجية في تحليل النصوص وهما الامدي والقاضي الجرجاني ... الامدي هذا هو راعي ومنتج وصاحب كتاب (( الموازنه بين شعر ابي تمام والبحتري )) والامدي هنا انا اعتبره ومن خلال قراءتي لهذا الكتاب انه لا يتاثر بفكرة النص بتاتا انما ينظر الى الخصائص الفنيه في الشعر من المعاني والالفاظ والجرس الموسيقي له ومن خلال تلك الادوات يضع حكمه على المادة الشعرية التي امامه واما القاضي الجرجاني وهو مؤلف كتاب ((الوساطه والنقد )) فقد كان يجعل النفس الشعري هو المقياس الرئيسي للحكم على النص ولم يهتم كثيرا بالمنطقيه في القاء الحكم النصي فقد كان يتاثر بشكل واضح بالوجدانيات والتي تنبع من النفس البشريه موصولا ذلك بالجمال الشعري
منهج التقسيمات المنطقيه : ومن ابرز عرابي هذا الاتجاه قدامه بن جعفر والذي كان يعتبر ان الشعر هو ذلك الكلام المقفى والموزون والحامل للمعنى وقد قسم ابواب الشعر الى اصناف اربعه كما ذكرها وهي : المديح والهجاء والحكمة واللهو ثم يتفرع من كل صنف من ذلك فنون فيكون من المديح :المرائى والافتخار والشكر واللطف فى المسألة وغير ذلك مما اشبهه ويقارب معناه
ويكون من من الهجاء : الذم والعتب والاستبطاء والتأنيب وما اشبه ذلك
ويكون من الحكمة : الامثال والتزهيد والمواعظ
ويكون من اللهو : الغزل ووصف الخمر والمجون
وهذا المنهج لايبدأ من داخل النص والتعرف على خصائصه الفنيه وانما يقف الناقد ويصدر احكامه تبعا للمقاييس .
النقد الادبي في العصر الحديث :
من خلال الاتصال بالحضارة الاوربية وبداية التاثر بها بين صفوف الشعب العربي برز هناك هاجس العوده للتراث العربي واحيائه من جديد وقد كان محمود سامي البارودي من هو الرائد المنظر لهذا الاتجاه والعوده للتراث وجاء بعده احمد شوقي وحافظ ابراهيم وعلي الجارم وغيرهم الكثيرين وجاء في تلك المرحله منهجية النقد االعربي الخالص والذي راعى الاهنمام بالنصوص ووضع معايير ومقاييس لها اخذت من الادب العربي بذاته وهذا ما ظهر في كتاب الشيخ حسين المرصفي ( الوسيله الادبية ). وظهر في الاتجاه الاخر النقد الادبي والذي تاثر بالاوربية وكان من رموزه طه حسين ومن ثم ظهر على السطح النقد الادبي الفلسفي والذي اخذ اسم جماعة الديوان وكان يمثله ثلاث شعراء ونقاد وهم عباس العقاد وعبدالرحمن شكري وعبد القادر المازني واما عن السبب في هذه التسميه (( جماعة الديوان )) وهو ان هؤلاء الثلاثه اتفقوا على ان الشعر عبارة عن تعبير عن العواطف الشخصيه للشعر .
و قال العقاد عن الشعر : انه التعبير الجميل عن الشعور الصادق .
والشاعر عندهم هو الذي يضع السامع في حاله تشبه الحاله التي كان عليها وهو يبدع شعره .
و اتفقوا علي ان هدف الشعر هو الكشف عن الحقيقه الكونيه بوسيله جماليه اي بطريقه للمتعه الفنيه و ذلك لان الانسان و الطبيعه في تفاعل دائم ، و دعوا الي تحقيق الوحدة الفنيه في القصيده اذ انها كالجسم الحي يقوم كل جزء منها مقام جهاز من اجهزته .
الاتجاهات في النقد الحديث :
1) الاتجاه النفسي السيكيولوجي: وهو استخدام علم النفس في تحديد هوية المتعاطي مع الماده الشعريه وانها نابعه من خصائص نفسيه هي التي تؤثر على الشعر وتترك لها اثرا بالغا ينبع من العقل الباطن للشاعر نفسه وقد اعتمدوا واضعي هذا الاتجاه على تقسيمات ابوقراط القيلسوف المعروف في تقسيم امزجة الشعر الى اربعه وهي المزاج الصفراوي والسوداوي والحمراوي .. الخ من الامزجه التي ذكرها ابقراط في كتابه .
2) الاتجاه الاجتماعي : والذي يدار بواسطة مقاييس اجتماعيه تتمثل ب ( العداله والوطنيه والفقر والتشرد والغربه ) الا ان العداله الاجتماعيه كانت هي الاوفر حظا في تبني النسبه الاكبر من المقاييس الاجتماعيه الاخرى .
من الممكن وصف النقد على إنه العجلة المحركة لتطوير وإنضاج أي عمل أدبي أو فني من خلال تقديم دراسة علمية وفنية تخص ذلك الاثر الادبي , وللنقد شروط لابد منها:
(الموضوعيه والشموليه ومرونة النقد )
الموضوعية : وهي تعني المثاليه في عملية النقد والالتزام بآلية عادله للناقد لا يوجد بها تأثر بالمدرسه النقديه التي ينتمي لها الناقد ولا يتاثر ايضا بوجهة النظر المحليه بالنسبه له فالناقد الواعي هو من يحكم باستقلاليه تامه بعيد عن كل المؤثرات النفسيه او حتى الشخصيه فالعمليه هنا هي المطالبه بالمثاليه قدر الامكان ليخرج النقد بصوره شفافه تعبر عن النص بذاته لا بما وراء النص .
الشمولية :يتفق النقاد حول عدم جدوى النظرة الاختزالية او الاحادية , اي اعطاءعامل واحد اهمية واهمال الجوانب الاخرى في الاثر .. كأن يكون العنصر او العامل هو الشكل او العامل الاجتماعي اوتقنيات تنفيذ هذا العمل كأن يكون كلاسيكي او حديث وبمعنى ادق " تشبيه العملية النقدية بالعملية الجراحية التي تفصل اجزاء الجسم عن بعضها البعض فصلا محدودا فيعالج الجزء ضمن الكل , ودون ان يخلّ! بالصورة الشاملة " اي ان التحليل عملية لامناص منها في النقد , ولذا يجب الحرص على الصفة العامة وعدم نسيانها اثناء التحليل .
مرونة النقد وامكانية تطويره :من الصعوبة بمكان التوصل الى قيم نقدية ثابتة لا تتغيير اذ يقيم النقد صلة متساوية بينه وبين الاصول النفسية والاجتماعية للكاتب من ناحية , وبين الاشكال الفنية " كأن تكون علم العروض والقوافي وتفاصيلها الدقيقة الاخرى في العمل الشعري "
من الضرورة بمكان ان يتسلّح الناقد بقاعدة معلوماتية ضخمة والاحاطة بكل تفاصيل الموضوع قيد النقد لتكون الصورة النقدية صحيحة فنيا , اضافة الى المامه بالنقد الفلسفي الحديث منه والكلاسيكي ليكون النقد والتحليل على أسس علمية رصينة وثابتة ومنطقية .
الخطوات الاجراءية للنقد :
- لابد اولا ان يكون هناك عرض للاثر الادبي , وهوعملية وصفية توضيحية قبل المباشرة بالنقد ,وهذه الخطوة تسمى العرض
- تتلوها عملية تحليلية تسعى الى الوصول الى منهج وقواعد ومفردات ودلالات الاثر الادبي , وهذه تدعى التفسير
- التقييم : وهي الخطوة الثالثة للتوصل الى تقييم العمل الادبي بمقامه الصحيح , وعادة يقوم بذلك نقاد متخصصين في ذلك , ويتم اما عن طريقة مقارنته باعمال ادبية تعتبر من روائع الاعمال المتوارثة , او في مدى نجاح الاثر في تجسيد العمل الادبي .
ملحوظة :يشترط بالناقد توافر مواصفات تؤهله لتصدر المواقف النقدية وهي ؛ الذوق والثقافة والمران , والذوق يعني القدرة على ادراك وتقدير وتمييز المواصفات الجمالية " وقد توجد بالفطرة عند الناقد الجيد " . اما الثقافة فهي شرط اساسي يمكن اكتسابه بتحصيل المعرفة في مجال النقد وجميع الجوانب التي تمت بصلة كالفلسفة والعلوم الاجتماعية والنفسية , وتبقى الاستفادة من الذوق والثقافة محدودة ما لم يرافقهما مران طويل . وهذه المواصفات مهمة جدا لجعل الناقد حلقة الوصل بين الاديب والمتلقي بايجحاده لغة مفهومة بين الطرفين .
- اصدار الحكم :وهو تحديد جودة الاثر ومدى اتباعه للقواعد الاساسية للتخصصه ( كالشعر, او النثر , او القصة ..الخ ) وهو يعتمد على الخطوات السابقة بالاضافة الى المتطلبات التي يضعها الناقد في دراسته للاثر في محاولة منه للتوصل الى الصورة الشاملة.
- أعجبتني فنقلتها لعموم الفائدة -